معاهدة فرساي
معاهدةُ فرسايَ (بالإنجليزية: Treaty of Versailles)، (بالفرنسية: Traité de Versailles)، (بالألمانية: Versailler Vertrag) أو "صلح ڤرساي" أو -"معاهدةُ السلامِ بينَ الحلفاءِ والقوى المرتبطة وبينَ ألمانيا" بحسبِ الاسمِ الرسمي- هيَ المعاهدةُ التي أسدلتِ الستارَ من ناحيةِ القانونِ الدوليِّ على أحداثِ الحربِ العالميَّةِ الأولى، وُقِعَ عليها بعدَ مفاوضاتٍ شاقّةٍ وعسيرةٍ استمرَّتْ ستةَ أشهرٍ هيَ وقائعُ مؤتمرِ باريسَ للسلامِ (وُقعتِ الهدنةُ العامّةُ في أوروبا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918م). وقَّعَ الحلفاءُ المنتصرونَ في الحربِ العالميَّةِ الأولى اتفاقيَّاتٍ منفصلةً معَ دولِ المركزِ الخاسرةِ في الحربِ وهيَ الرايخ الألمانيّ، والإمبراطوريّةُ النمساويّةُ-المجريّةُ، والدولةُ العثمانيّةُ، ومملكةُ بلغاريا.[1] سُلمَتِ الصياغةُ النهائيةُ للنصّ الذي تمَّ الاتفاقُ عليهِ إلى الحكومةِ الألمانية في 7 مايو/أيار 1919 للموافقةِ عليِهِ منْ قبلِها، وجرتْ مراسمُ التوقيعِ في 28 يونيُو/حزَيرانَ 1919م. تضمّنَتِ المعاهدةُ الاعترافَ الألمانيَّ بالمسؤوليةِ الكاملةِ عنِ الحربِ ما أثارَ حنقاُ واسعاً في ألمانيا فقدِ اعتبرَ تنازلاً عن الكرامةِ الوطنيّةِ،[2] فألمانيا وإنْ كانَ عليها نصيبُها من المسؤوليّةِ إلا أنَّه ليستِ المسؤوليّةُ كاملةً. لقدْ كانَ بنداً مثيراً لكثيرٍ منَ الجدلِ: "إقرارُ ألمانيا وحلفائِها بمسؤوليّتِها عنِ التسببِ في كافة الخسائرِ والأضرارِ" التي وقعتْ أثناءَ الحربِ (تضمنتِ المعاهداتُ معَ دولِ المركزِ الأخرى موادَّ مماثلةً). أضحتْ هذهِ المادةُ (المادة 231) تُعرفُ باسمِ "بندُ ذنبِ الحربِ".
معاهدة ڤرساي | |
---|---|
Traité de Versailles | |
(بالتشيكية: Mírová smlouva mezi mocnostmi spojenými i sdruženými a Německem a Protokol, podepsané ve Versailles dne 28. června 1919) | |
النسخة الانجليزية من المعاهدة | |
التوقيع | 28 يونيُو/حزيرانَ 1919م |
المكان | قاعةُ المرايا في قصرِ ڤرساي، باريس، فرنسا |
تاريخ النفاذ | 10 ينايرَ/كانونُ الثاني 1920م |
الموقعون | الولايات المتحدة ، والإمبراطورية البريطانية ، وفرنسا ، وإيطاليا ، واليابان ، وجمهورية فايمار |
الإيداع | الحكومة الفرنسية |
|
|
تمخّضتِ المعاهدةُ عنْ تأسيسِ عصبةِ الأممِ التي أريدَ منها الحيلولةُ دونَ وقوعِ صراعٍ مسلّحٍ بينَ الدولِ كما حدثَ في الحربِ العالميَّةِ الأولى، ونزعِ فتيلِ النِّراعاتِ الدوليَّةِ قبلَ انفجارها. ألزمتِ المعاهدةُ ألمانيَا بخسارةِ بعضٍ منْ أراضيها وتقديمِ تنازلاتٍ إقليميّةٍ واسعةٍ، وتقاسمتِ الدولُ المنتصرةُ مستعمراتِها، فآلَتْ "تسينغتاو" في مقاطعةِ "شاندونغَ" الصينيّةِ إلى اليابانِ بدلاً منَ الصينِ مَا تسببَ بقلاقلَ ومظاهراتٍ احتجاجيَّةٍ صينِيَّةٍ، وتقاسمتِ الدولُ الأخرى الرئيسيّةُ المستعمراتِ الألمانيّةِ في إفريقيا والمحيطِ الهادي. خسرتِ الإمبراطوريةُ العثمانيّةُ أيضاً أراضٍ شاسعةً في آسْيا وانتهتْ نهائيّاً كإمبراطوريّةٍ، وتوزعتْ ممتلكاتُ إمبراطوريّةِ النمْسا والمَجرِ على عدةِ بلدانٍ وسطَ القارةِ وشرقَها وذلكَ بموجبِ معاهداتٍ لاحقةٍ لمعاهدةِ ڤرسايَ.
بما يتعلقُ بالقيودِ العسكريَّةِ على ألمانْيا فقدْ فرضتِ المعاهدةُ ضوابطَ وقيوداً صارمةً جداً على الآلةِ العسكريةِ الألمانيةِ بغيةَ منعِ الألمانِ منْ إشعالِ حربٍ ثانيةِِ، فنصّتْ على تجريدِ الجيشِ الألمانيّ منْ السلاحِ الثقيلِ، وإلغاءِ نظامِ التجنيدِ الإلزاميِّ المعمولِ به، والاحتفاظِ بمئةِ ألفِ (100,000) جنديٍّ فقطْ.[3] وعدمِ بناءِ قوّةٍ جويّةٍ، والالتزامِ بـخمسةَ عشرَ ألفَ (15,000) جنديٍّ في البحريَّةِ، وتحديدِ عددِ السفنِ الحربيَةِ بعددٍ محدودٍ ومنعِها منْ بناءِ غوّاصاتٍ حربيَّةٍ.[4] وفُرِضَ عليها ألاّ يحقَّ للجنودِ البقاءُ في الخدمةِ العسكريةِ أقلَّ منْ اثنيْ عشرَ (12) عاماً وللضبّاطِ خمسةٍ وعشرينَ (25) عاماً بحيثُ يغدو الجيشُ الألمانيُّ قائماً على الكفاءاتِ العسكريّةِ غيرِ الشابّةِ.[5]
ثمَّ جاءَ دفعُِ التعويضاتِ لبعضِ البلدانِ. حُدّدتْ هذهِ التعويضاتُ بمبلغِ تسعةٍ وستينَ ومئتيْ (269) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيّ، ثمَّ خُفّضَ عدةَ مراتٍ فيما بعدُ، وبحسبِ خبراءَ اقتصاديّينَ فإنها رغمَ التخفيضاتِ بقيتْ مغالىً فيها.[6] ونتجَ عنْ ذلكَ أنْ أثقلتِ الديونُ الاقتصادَ الألمانيَّ المنهَكَ بسببِ الحربِ وما تبعها ممَّا رفعَ درجةَ الغضبِ والغليانِ الشعبيِّ وأسهمَ في النهايةِ باندلاعِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ.
كانَ الاقتصاديُّ البريطانيُّ اللامعُ "جونْ ميناردْ كينز" (1883م-1946م) -عضوُ الوفدِ البريطانيِّ إلى مؤتمرِ پاريسَ للسلامِ- بعيدَ النظرِ عندما وصفَ معاهدةَ ڤرسايَ بعبارتهِ الشهيرةِ: "سلامٌ قرطاجيٌّ" (إشارةً منهُ إلى تدميرِ الرومانِ قرطاجةَ كليّاً، لقدْ حققوا السلامَ ولكنْ على أنقاضِ دولة)، واعتبرَ أنَّ منْ شأنِها أنْ تدمرَ ألمانيا اقتصاديّاً، وذاتِ نتائجَ عكسيّةٍ. وقدْ ظلَّ هذا الأمرُ موضوعَ أخذٍ وردٍّ دائمٍ من قبلِ المؤرخينَ والاقتصاديّينَ على حدٍّ سواء.
من ناحيةٍ أخرى رأتْ شخصياتٌ بارزةٌ منَ الحلفاءِ المعاهدةَ من وجهةِ نظرٍ أخرى، فانتقدها المارشالُ الفرنسيّ "فرديناند فوش" (1851م - 1929م) -القائدُ الأعلى لجيوش الحلفاءِ الذي وقَّعَ على طلبِ الهدنةِ منْ قبلِ الألمانِ- لأنها تعاملُ ألمانيا بشكلٍ متساهلٍ للغاية، ووصفها بقولهِ: "هذا ليسَ سلاماً، إنّهُ فقط هدنةٌ لمدةِ عشرينَ عاماً"، فيما اعتبرَ -فيما بعدُ- نبوءةً غيرَ مسبوقة. ويُروى أنَّ صحافيّاً سألَ "جورجَ كليمنصو" رئيسَ وزراءِ فرنْسا (1917م-1920م) عنْ سببِ عدائِهِ للألمانِ (وقدْ اشتهرَ بتصلبهِ الشديدِ أثناءَ المفاوضاتِ)، وقالَ لهُ: "هلْ ذهبتَ يوماً إلى ألمانيا ورأيتَ الألمانَ؟"، فأجابَ: "لا، ولكني خلالَ حياتي رأيتُ الألمانَ مرتينِ يأتونَ إلى فرنْسا" (إشارةً منهُ إلى الحربِ الفرنسيةِ-البروسيةِ (1870م-1871م)، والحربِ العالميّةِ الأولى)، وسواءً كانتِ الروايةُ صحيحةً أو صيغتْ على سبيلِ "المضحكِ-المُبكي" فإنها تصورُ الروحَ التي جرتْ فيها المفاوضاتُ التي أدّتْ إلى معاهدةِ ڤرساي.
سمّيت المعاهدةُ بمعاهدةِ ڤرسايَ على اسمِ المكانِ الذي جرتْ فيه مراسمُ توقيعِهَا النهائيُِ وهوَ قاعةُ المرايا الشهيرةُ بقصر ڤرسايَ التاريخيِّ في ضواحي پاريسَ، لكنَّ معظمَ المفاوضاتِ جرتْ في پاريسَ، وعُقدتِ اجتماعاتُ "الأربعةِ الكبارِ" (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولاياتِ المتحدةِ) بشكلٍ عامٍّ في وزارةِ الخارجيةِ الفرنسيّةِ (بالفرنسية: Quai d'Orsay).
المفاوضات
الأهدافُ البريطانية
عانت بريطانيا من أعباءٍ ماليةٍ باهظةٍ مع دمارٍ ماديٍّ ضئيلٍ خلالَ الحربِ، [7] وكانَ الائتلاف البريطانيُّ زمنَ الحربِ قدْ أعيدَ انتخابُهُ خلال ما سمي بقسيمة الائتلافِ (بالإنجليزية: Coupon election) نهايةَ عامِ 1918م، معَ التأكيدِ على سياسةِ الضغطِ على الألمانِ "حتى آخر قطرة". [8][9] فضّلَ الرأيُ العامُّ البريطانيُّ "سلاماً عادلاً" منْ شأنهِ أنْ يُجبرَ ألمانيا على دفعِ تعويضاتٍ إضافةً إلى عدمِ القدرةِ على تكرارِ عدوانِ الحربِ، وذلكَ على الرغمِ منْ أنَّ "الرأيِ العامِّ الليبراليِّ" كانَ أكثرَ ميلاً نحوَ فكرةِ "ويلسون" عنْ سلامِ المصالحة. [10]
عارضَ رئيسُ الوزارةِ البريطانيةِ "لويد جورج" فكرةَ الانتقامِ، وحاولَ التوفيقَ بينَ مطالبِ "كليمنصو" ونقاطِ "ويلسونَ" الأربعَ عشرةَ، لأنهُ سيتعينُ على أوروبا في النهايةِ التصالحُ معَ ألمانيا. [11] أرادَ "لويد جورج" شروطاً للتعويضِ لاتشلُّ الاقتصادَ الألمانيَّ كيْ تبقى ألمانيا قوةً اقتصاديةً قابلةً للحياةِ وشريكاً تجارياً.[7][9][11] ثمَّ ومنْ خلالِ المطالبةِ بإدراجِ معاشاتِ الحربِ البريطانيّةِ وتعويضاتِ الأراملِ ضمنَ التعويضاتِ الألمانيّةِ ضمنَ "لويد جورج" أنَّ مبلغاً كبيراً سيذهبُ إلى الخزينةِ البريطانية.[12]
كانَ "لويد جورج" يهدفُ إلى الحفاظِ على توازن ميزان القوى الأوروبي [وهوَ هدفٌ تقليديٌّ للسياسةِ البريطانيةِ في القارةِ] وذلكَ لإحباطِ أيِّ محاولةٍ فرنسيةٍ لترسيخِ فرنسا كقوةٍ أوروبيةٍ مهيمنة، وبهذا المعنى فإن إحياءَ ألمانيا سيكونُ بمنزلةِ ثقلٍ موازنٍ لفرنْسا ورادعٍ لروسيا البلشفية. أرادَ "لويد جورج" أيضاً تحييدَ البحريةِ الألمانيةِ لإبقاءِ البحريّةِ الملكيّةِ أكبرَ قوةٍ بحريةٍ في العالمِ، وتفكيكَ الإمبراطوريةِ الاستعماريةِ الألمانيةِ مع محاولةِ حيازةِ العديدِ من مستعمراتِها، وإنشاءِ دولٍ أخرى باسمِ نظامِ الانتدابِ تحتَ مظلةِ "عصبةِ الأمم"، وهوَ موقفٌ عارضته دولُ "الدومينيون".[11]
الأهدافُ الفرنسية
فقدتْ فرنسا نحو مليونٍ وثلاثمئةِ ألفِ جنديٍّ، كان ربعهم (25٪) منَ الرجالِ ممنْ تراوحُت أعمارهمْ بينَ 18 و30 عاماً وأربعمئةِ ألفِ مدنيٍّ. تعرضتْ فرنسا كذلكَ لخسائرَ ماديّةٍ أكثرَ منْ أي دولةٍ أخرى (دُمرتْ ما تدعى بالمنطقةِ الحمراءِ؛ وهيَ المنطقةُ الأكثرُ تصنيعاً ومصدرُ معظمِ الفحمِ وخامِ الحديدِ في الشمالِ الشرقيِّ، وفي الأيامِ الأخيرةِ من الحربِ كانتْ المناجمُ قدْ غمرتْ بالفيضاناتِ، كما دُمرتِ السككُ الحديديةُ والجسورُ والمصانعُ).[13] هدفَ كليمنصو إلى ضمانِ أمنِ فرنسا منْ خلالِ إضعافِ ألمانيا اقتصاديّاً وعسكريّاً وإقليميّاً والحلولِ محلها كمنتجٍ رئيسيٍّ للصلبِ في أوروپا.[13] لخصَّ عضوُ الوفدِ البريطانيِّ المفاوضِ في ڤرسايَ الاقتصاديُّ "جون مينارد كينز" هذا الموقفَ بأنه يحاولُ "إعادةَ عقاربِ الساعةِ إلى الوراءِ، والتراجعِ عمّا حققه تقدمُ ألمانيا منذُ عامِ 1870م".[14]
قالَ كليمنصو لويلسون: "أمريكا بعيدةٌ.. محميةٌ بالمحيطِ، وحتى نابليون نفسهُ لايمكنهُ أنْ يمسَّ إنجلترا. كلاكما محميٌ، نحن لسنا كذلك".[15] أرادَ الفرنسيونَ حدوداً على نهرِ الراينِ لحمايةِ فرنسا من الغزوِ الألمانيِّ وكذلك تعويضِ التدنّي السكاني والاقتصادي الفرنسي".[16][17] رفضَ المندوبونَ الأمريكيونَ والبريطانيونَ الادّعاءَ الفرنسيَّ، وبعدَ شهرينِ منَ المفاوضاتِ وافقَ الفرنسيونَ على تعهدٍّ بريطانيٍّ بتقديمِ تحالفٍ فوريٍّ معَ فرنسا إذا ماهاجمتْها ألمانيا ثانيةً، ووافقَ ويلسون على تقديمِ اقتراحٍ مماثلٍ إلى مجلسِ الشيوخِ الأمريكي. كانَ كليمنصو قدْ أخبرَ مجلسَ النوابِ في ديسمبرَ/كانونَ الأولَ 1918 أنَّ هدفَهُ الحفاظُ على تحالفٍ معَ كلا البلدين. قبلَ كليمنصو العرضَ مقابلَ احتلالِ الراينلاند لمدةِ خمسةَ عشرَ عاماً، وعلى أنْ تقبلَ ألمانيا بأنْ تكونَ منطقةُ الراينلاند منزوعةَ السلاحِ.[18]
طلبَ المفاوضونَ الفرنسيونَ تعويضاتٍ لإرغامِ ألمانيا على دفعِ تكاليفِ الدمارِ الذي تسببتْ بهِ طيلةَ الحربِ، ولتقليصِ القدرةِ الألمانية.[13] أرادَ الفرنسيونَ أيضاً خامَ الحديدِ والفحمِ في وادي السار ("حوض السار" أوِ "السارلاند") من خلالِ ضمّهِ إلى فرنسا.[9] كان الفرنسيون على استعدادٍ لقبولِ مبلغٍ أقلَّ مما قدْ يتنازلُ عنه الأمريكيونَ من التعويضاتِ، وكانَ كليمنصو مستعداً لمناقشةِ قدرةِ ألمانيا على الدفعِ معَ الوفدِ الألماني قبلَ صياغةِ التسويةِ النهائية. في أبريلَ/نيسانَ ومايو/أيارَ 1919 عقدَ الفرنسيونَ والألمانُ محادثاتٍ منفصلةً حولَ ترتيباتٍ مقبولةٍ للطرفينِ بشأنِ قضايا مثلِ التعويضِ وإعادةِ الإعمارِ والتعاونِ الصناعيِّ. كما عارضتْ فرنسا جنباً إلى جنبٍ معَ دولِ الدومنيونِ البريطاني وبلجيكا نظامَ الانتدابَ وفضلوا ضمَّ المستعمراتِ الألمانيةِ السابقة.[19]
الأهدافُ الأمريكيّة
قبلَ دخولِ أمريكا الحربَ تحدثَ ويلسونُ عنْ "سلامٍ بلا نصر". تذبذبَ هذا الموقفُ بعدَ انغماسِ الولاياتِ المتحدةِ في الحرب في السادسِ من أبريلَ/نيسانَ 1917م. تكلمَ ويلسون عنِ المعتدينَ الألمانِ الذين لايمكنُ أن يكونَ ثمةَ سلامٌ معهم.[20] في الثامنِ منْ ينايرَ/كانونَ الثاني لعامِ 1918م ألقى ويلسون خطاباً شهيراً -يُعرفُ بـ"النقاطِ الأربعةَ عشرَ"- أعلنَ فيه أهدافَ السلامِ الأمريكيّةِ: "إعادةُ بناءِ الاقتصادِ الأوروبيِّ، وتقريرُ المصيرِ للجماعاتِ العرقيّةِ الأوروبيّةِ والشرقِ الأوسطيّةِ، وتعزيزُ التجارةِ الحرةِ، وإنشاءُ انتدابٍ مناسبٍ للمستعمراتِ السابقةِ [هامش 1]، وقبلَ كلِّ شيءٍ إنشاءُ عصبةِ أممٍ قويةٍ تضمنُ السلام.[21] كانَ الهدفُ من هذا المطلبِ الأخيرِ توفيرُ منتدىً لمراجعةِ معاهداتِ السلامِ حسبَ الحاجةِ، والتعاملِ معَ المشاكلِ التي نشأتْ وتنشأ نتيجةً للسلامِ ولظهورِ دولٍ جديدة.[22]
أحضرَ ويلسون معه كبارَ المفكرينَ كمستشارينَ لوفدِ السلامِ الأمريكي، وردّدَ جميعهمْ الموقفَ الأمريكيَّ العامَّ "النقاطُ الأربعَةَ عشرَ". عارضَ ويلسونُ بشدةٍ معاملة ألمانيا بقسوةٍ،[21] وبينما سعى البريطانيّونَ والفرنسيّونَ وبحماسٍ كبير لضمَّ الإمبراطوريّةِ الاستعماريّةِ الألمانيّةِ، رأى ويلسونُ في ذلكَ انتهاكاً للمبادئِ الأساسيّةِ للعدالةِ وحقوقِ الإنسانِ للسكانِ الأصليينَ، وفضّلَ لهُمُ الحقَّ في تقريرِ المصيرِ من خلالِ إنشاءِ نظامِ الانتدابِ. الفكرةُ المروَّجةُ عنِ القوى الكبرى دعتْ إلى التصرفِ كأوصياءٍ غيرِ مهتمينَ بمنطقةٍ ما، ومساعدةِ السكانِ الأصليينَ حتى يتمكنوا منْ حكمِ أنفسهمْ.[23] وعلى الرغمِ منْ هذا الموقفِ فإنَّ ويلسونَ منْ أجلِ ضمانِ عدمِ رفضِ اليابانِ الانضمامَ إلى عصبةِ الأممِ فضّلَ تسليمَ مستعمرةِ "شاندونغَ" الألمانيّةِ شرقِيَّ الصينِ إلى اليابانِ بدلاً من إعادتها إلى السيطرةِ الصينية،[24] ومما زادَ منْ إرباكِ الأمريكيينَ السياساتُ الحزبيّةُ الداخليّةُ للولاياتِ المتحدة، ففي نوفمبرَ/تشرينَ الثاني لعامِ 1918 فازَ الحزبُ الجمهوريُّ في الانتخاباتِ النصفيّةِ في مجلسِ الشيوخِ بهامشٍ ضئيل، لكنَ ويلسونَ -وهوَ ديمقراطيُّ- رفضَ ضمَّ الجمهوريّينَ البارزينَ إلى الوفدِ الأمريكيِّ ما جعلَ جهودهُ تبدو حزبيّةً، وساهمَ في خطرِ الهزيمةِ السياسيّةِ في الداخل.[21] كانَ هذانِ الموقفانِ مما أسهمَ في هزِّ السمعةِ عنْ مثاليةِ ويلسونَ.
الأهدافُ الإيطالية
عملَ رئيسُ الوزراءِ فيتوريو إمانويلي أورلاندو ووزيرُ خارجيّتِهِ سيدني سونينو -وهوَ أنجليكانيٌّ من أصلٍ بريطانيًّ- في المقامِ الأولِ لتأمينِ تقسيمِ ملكيّةِ هابسبورچ، ولمْ يكُ موقفهمْ إزاءَ ألمانيا معادياً تماماً. بشكلٍ عامٍّ كانَ "سونينو" يتماشى معَ الموقفِ البريطانيِّ بينما فضلَ "أورلاندو" تسويةً ما فيما بينَ "كليمنصو" وويلسونَ. في إطارِ المفاوضاتِ بشأنِ المعاهدةِ حصلَ "أورلاندو" على نتائجَ معينةٍ مثلَ العضويّةِ الدائمةِ لإيطاليا في مجلسِ الأمنِ التابعِ لعصبةِ الأممِ، والانتقالِ الموعودِ لقطاعِ "جوبالاند" [هامش 2] البريطانيِّ، وقطاعِ أوزو [هامش 3] الفرنسيِّ إلى المستعمرتينِ الإيطاليّتينِ في كلٍّ منَ "الصومال" و"ليبيا" على التوالي. ومعَ ذلكَ اعتبرَ القوميونَ الطليانُ الحربَ انتصاراً مشوّهاً لما اعتبروه مكاسبَ إقليميّةٍ صغيرةٍ جرى تحقيقُها في المعاهداتِ الأخرى التي تؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على حدودِ إيطاليا. أُجبرَ "أورلاندو" في النهايةِ على التخلي عنِ المؤتمرِ والاستقالة. رفضَ "أورلاندو" اعتبارَ الحربِ العالميةِ الأولى انتصاراً مشوّهاً، وردّاً على القوميينَ ممّن طالبوا بتوسيعٍ أكبرَ قالَ: إنَّ "إيطاليا اليومَ دولةٌ عظيمةٌ... على قدمِ المساواةِ معَ الدولِ التاريخيّةِ والمعاصرةِ العظيمة. هذا بالنسبةِ لي هوَ هدفُنا الرئيسيُّ والتوسعُ الرئيسيُّ". احتلَّ فرانشيسكو سافيريو نيتي مكانَ "أورلاندو" عندَ التوقيعِ على معاهدةِ ڤرساي.
فحوى المعاهدةِ وإمضاؤها
"إيجادُ حدودٍ جديدةٍ هو إيجادُ مشاكلَ جديدة" -من مذكراتِ "إدوارد هاوس" عضو الوفد الأمريكي في 29/6/1919-
ُ
في (29/4/1919) وصلَ الوفدُ الألمانيُّ برئاسةِ وزيرِ الخارجيّةِ "أولريخ چراف فون بروكدورف رانتزاو" إلى ڤرسايَ للاطلاع على ما اتفقَ عليهِ الحلفاءُ، في (7/5/1919) ردَّ "فون بروكدورف رانتزاو" على ويلسون وكليمنصو ولويد جورج: "يمكننا أنْ نشعرَ بقوةِ الكراهيةِ الكاملةِ التي تواجهُنا هنا... تطلبونَ منا الاعترافَ بأنّا الطرفُ المذنبُ الوحيدُ في الحربِ؛ مثلُ هذا الاعترافِ من فمي سيكون كذبةً". ونظراً لعدمِ السماحِ لألمانيا بالاشتراكِ في المفاوضاتِ أصدرتِ الحكومةُ الألمانيّةُ احتجاجاً على ما اعتبرته مطالبَ غيرَ عادلةٍ و"انتهاكاً للشرفِ"، وانسحبتْ بعدَ ذلك بوقتٍ قصيرٍ من المؤتمر.
في يونيو/حزيرانَ 1919 أعلنَ الحلفاءُ أنَ الحربَ ستستأنفُ إذا لم توقعِ الحكومةُ الألمانيّةُ على المعاهدةِ. لمْ تتمكنِ الحكومةُ منَ الاتفاقِ على موقفٍ مشتركٍ، واستقالَ "فيليب شايدمان" -أولُ رئيسِ حكومةٍ ألمانيٍّ منتخبٍ ديمقراطيّاً- بدلاً منَ الموافقةِ على التوقيعِ، وفي خطابٍ عاطفيٍّ أمامَ الجمعيّةِ الوطنيّةِ (12 مايو/أيارَ 1919) وصفَ المعاهدةَ بأنها "مطرقةُ ساحرةٍ مروعةٌ قاتلةٌ". [25] استنكرَ الألمانُ منْ جميعِ الأطياف السياسيّةِ المعاهدةَ -وخاصةً البندَ الذي يُنحي باللائمةِ على ألمانيا في بدءِ الحربِ- باعتبارها إهانةً لشرفِ الأمة، وأشاروا إليها باسمِ "الإملاءِ" (بالألمانية: Das Diktat) إذ جرى تقديمُها إلى ألمانيا على مبدأِ "إما قبولُها وإما عدمًه" (بالإنجليزية: Take it or leave it).
أرسلَ "چوستاف باور" رئيسُ الحكومةِ الجديدةِ برقيةً تفيدُ بنيتِهِ التوقيعَ إذا جرى سحبُ بعض الموادِّ بما في ذلكَ الموادُّ 227 و230 و231. ردّاً على ذلكَ أصدرَ الحلفاءُ إنذاراً بأنَّ على ألمانيا قبولَ المعاهدةِ أو مواجهةَ غزوٍ منْ قواتِ الحلفاءِ عبرَ نهرِ الراينِ في غضونِ أربعٍ وعشرينَ ساعةُ. جرتْ مشاوراتٌ بينَ رئيسِ الوزراءِ ورئيسِ الجمهوريةِ الذي طلبَ من قائدِ الجيشِ "پاول فون هندنبيرچ" تقييماً للوضعِ والذي بدورهِ -بعدَ مشاوراتٍ مع قادةِ الجيشِ- كلفَ رئيسَ الأركانِ بإبلاغِ الحكومةِ بأنَّ الجيشَ لا قبلَ له بمواجهةٍ عسكريّةٍ مما أسهمَ في تصويتِ الجمعيةِ الوطنيةِ بالموافقةِ على المعاهدة. في الثالثِ والعشرينَ منْ يونيو/حزيرانَ -قبلَ سويعاتٍ من انقضاءِ المهلةِ- أرسلَ باورُ برقيّةً بأنَّ وفداً ألمانياً سيصلُ قريباً للتوقيعِ على المعاهدة. في الثامنِ والعشرينَ منْ يونيو/حزيرانَ (1919) الذكرى الخامسةِ لاغتيالِ الأرشيدوقِ "فرانز فرديناند" (الحدثُ الذي فجرَ أوارَ الحربِ) جرى التوقيعُ على معاهدةِ السلام. [26] تضمّنتِ المعاهدةُ بنوداً تتراوحُ ما بينَ جرائمِ الحربِ، وحظرِ اندماجِ جمهوريّةِ النّمسا مع ألمانيا منْ دونِ موافقةِ عصبةِ الأممِ، وحريةِ الملاحةِ في الأنهارِ الأوروبيّةِ الرئيسيّةِ، وعودةِ المصحفِ إلى ملكِ الحجازِ (بمعنى الاستقلالِ عن الدولةِ العثمانيّة).
بناءً على معاهداتِ الصُّلحِ وهيَ معاهدةُ ڤرسايَ معَ ألمانيا في الثامنِ والعشرينَ (28) منْ يولْيو/تمّوزَ لعامِ 1919م[27] والمعاهداتِ اللاحقةِ عليها والمتمِّمةِ لها وهيَ:
- * معاهدة سانْ جرمانَ (بالإنجليزية: Treaty of Saint-Germain-en-Laye) معَ النِّمْسا في العاشرِ (10) منْ سبتمْبرَ/أيلولَ لعامِ 1919م[28]
- * ومعاهدةُ نويي (بالإنجليزية: Treaty of Neuilly-sur-Seine) معَ بلغاريَا في السابعِ والعشرينَ (27) منْ نوفمْبرَ/تشرينَ الأولِ لعامِ 1919م [29]
- * ومعاهدةُ تريانون (بالإنجليزية: Treaty of Trianon) معَ المجرِ في الرابعِ (4) منْ يونْيو/حزيرانَ لعامِ 1920م [30]
- * ومعاهدة سيڤرَ (بالإنجليزية: Treaty of Sèvres) معَ الدولةِ العثمانيّةِ في العاشرِ (10) منْ أغسطسَ/آبَ لعامِ 1920م [31]
بُعثتْ دولةٌ إلى الحياةِ مجدداً وهيَ پولندا [كانتْ قدْ فقدتِ استقلالها منذُ القرنٍ الثامنَ عشرَ وتوازعتْ أراضيها روسيَا وپروسيا، كذلك شُطرتْ النّمْسا والمجرُ إلى قسميْنِ، فانفصلتْ كلٌّ منهما عنِ الأخرى، وأصبحتّا دولتينِ مستقلتين. واصْطُنعتْ دولةٌ أخرى هيَ تشيكوسلوفاكْيَا، وتحولّتْ دولتانِ صغيرتانِ إلى دولتينِ كبيرتيْنِ وهما:
- * يوچوسلاڤيا التي كانتْ مملكةَ صِرْبيَا قبلَ الحربِ، فتضاعفتْ مساحَتُها ثلاثةَ أضعافٍ، وازدادَ سكانها إلى ثلاثةِ أمثالٍ أيضاً (12 مليوناً عامَ 1921) بعدما أضيفَ إليها الجبلُ الأسودُ، ودلماشيا، وكرواتيا، والبوسنةُ والهرسكُ، وسلافونيا، وذلكَ على حسابِ الإمبراطوريةِ النمساويةِ-المجريةِ.[32]
- * ورومانْيا التي تضخَّمتْْ مساحتُها كثيراً فاستردّتْ ترانْسلفانْيا منَ المجرِ، وبوكوفينا، ومقاطعةَ بساربْيا منْ روسْيا، وبذلكَ تضاعفتْ مساحتُها مثلما تضاعفَ سكانُها حتي انضمَّ إليها أكثرُ منْ ثمانيةِ ملايينٍ نصفُهم فقطْ منَ الرومانيين.
التعديلاتُ المناطقيّةُ
لم يؤثرْ حدثٌ ما على خارطةِ أوروبا السياسيّةِ طوالَ تاريخِها مثلَ معاهدةِ ڤرسايَ وتوابعها من المعاهداتِ، ذلكَ أنه حتى تبعاتِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ لم تعدِّلِ الحدودَ الدوليّةَ مثلما فعلتْ معاهدةُ ڤرسايَ وما لحقها من معاهدات. لقدْ أعيد رسمُ الحدودِ في وسطِ أوروبا وشرقِها وأجزاءٍ واسعةٍ من غربِها، وأنشئتْ دولٌ جديدةٌ بالكاملِ واندثرتْ أخرى، وتداخلتِ القوميّاتُ والأقليّاتُ والدياناتُ في مجموعةٍ منَ الكياناتِ الصغيرةِ سواءً الناتجةِ أو المعدلة.
ألمانيا
جرّدتِ المعاهدةُ ألمانيا منْ خمسٍ وعشرينَ ألفَ (25000) ميلٍ مربعٍ (ما يعادلُ خمسةً وستينَ ألفَ (65000) كم²) منَ الأراضي وسبعةِ ملايينِ شخصٍ، كما طولبتْ بالتخلي عن المكاسبِ التي حققتها منْ معاهدةِ "بريست ليتوفسك" (معاهدةُ السلامِ التي وقعتها روسيا البلشفيةُ معَ دولِ المركزِ عقبَ خروجِها منَ الحرب) ومنحِ الاستقلالِ للمحميّاتِ التي جرى إنشاؤها. [33]
في أوروبا الغربيةِ طُلبَ من ألمانيا الاعترافُ بالسيادةِ البلجيكيةِ على مدينةِ "مورِسْنِت" (بالإنجليزية: Moresnet)، والتنازلُ عن منطقةِ "مالميدي" (بالإنجليزية: Eupen-Malmedy)، وفي غضونِ ستةِ أشهرٍ منَ نقلِ السيادةِ طُلبَ إلى بلجيكَا إجراءُ استفتاءٍ عامٍّ حولَ اختيارِ مواطني المنطقةِ بالبقاءِ تحتَ السيادةِ البلجيكيةِ أو العودةِ إلى ألمانيا، وتبليغِ النتائجِ إلى عصبةِ الأممِ، والالتزامِ بقرارِ العصبةِ. أجريَ الاستفتاءُ العامُّ في 20 سبتمبرَ/أيلولَ 1920، خصصت عصبةُ الأممِ هذه الأراضي لبلجيكا، وأعقب ذلكَ لجنةُ الحدودِ عامَ 1922، ثم وضعُ الحدودِ الجديدةِ التي اعترفتْ بها الحكومةُ الألمانيّةُ في 15 ديسمبر 1923.[34]
وللتعويض عن تدميرِ مناجمِ الفحمِ الفرنسيةِ كانَ على ألمانيا التنازلُ عن إنتاجِ مناجمِ الفحمِ في منطقةِ السارِ لفرنسا علاوةً على التنازلِ عنِ السيادةِ على السارِ لإدارةٍ دوليّةٍ بإشرافِ عصبةِ الأممِ لخمسةَ عشرَ (15) عاماً؛ ثم يجرى استفتاءٌ بعدها لتقريرِ السيادة. في 13 ينايرَ/كانونَ الثاني (1935) وبعدَ 15 عاماً أجريَ الاستفتاءُ لتحديدِ مستقبلِ السارلاند. جاءَ تسعونَ في المئةِ من الأصواتِ لصالحِ الاتحادِ مع ألمانيا؛ وأربعةٌ بالألفِ للاتحادِ مع فرنسا، وعادتِ المنطقةُ إلى السيادةِ الألمانيّةِ في الأولِ منْ مارسَ/آذارَ (1935).[35]
أعادتْ المعاهدةُ أيضاً مقاطعتيْ "الألزاس" (بالفرنسية: Elsass) واللورين (بالفرنسية: Lorraine)، (بالإنجليزية: Alsace-Lorraine) إلى فرنسا بإلغاءِ البنودِ التي تخصُّ هاتينِ المقاطعتينِ في معاهدتيْ ڤرسايَ وفرانكفورتَ لعامِ 1871. تمكنتْ فرنسا منَ الادّعاءِ بأنَّ مقاطعتيْ الألزاسِ واللورينِ كانتا بالفعلِ جزءاً منْ فرنسا وليستا ألمانيتين من خلالِ الكشفِ عنْ رسالةٍ مرسلةٍ من الملكِ البروسي إلى الإمبراطورةِ "أوجيني" (زوجةُ نابليون الثالث) والتي قدمتها "أوجيني"، وفيها كتبَ "فيلهلم الأول" أنَّ ألمانيا أرادتْ ضمَّ أراضي المقاطعتينِ لغرضٍ وحيدٍ هوَ الدفاعُ الوطني وليسَ لتوسيعِ الأراضي الألمانيّة. [36]
أجريَ استفتاءٌ في "بروسيا الشرقية" (بالألمانية: Ostpreußen) في 11 يوليو/تموزَ 1920. وقررَ 99.3٪ من السكانِ منْ أصلِ 90٪ من المشاركينَ البقاءَ مع ألمانيا، [34] كما مُنحتْ دولةُ بولندا الجديدةُ رقعةً كبيرةً منَ ألمانْيا تتمثلُ في بروسيا الغربيّةِ وبوزن، وممراً ضيقاً إلى بحرِ البلطيقِ ينتهي غربَ دانتزيج [بالبولونيةِ چدانسك)، وهوَ ما عُرفَ بقضيةِ "الممرِِّ البولوني". وبذا فُصلَ برّياً ما بينَ بروسيا الشرقية وألمانيا [قُسَِمتْ بروسيا الشرقية لاحقاً عقبَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ بينَ روسيا الاتحادِيّةِ (ضمنَ الاتحادِ السوڤييتي) وپولندا، وثمةَ جيبُ صغيرٌ منَ الأرضِ اليومَ على بحرِ البلطيقِ شمالَ شرقيَِ پولندا يتبعُ روسيا الاتحاديةَ ومفصولٌ عنها بريّاً هوّ منطقةُ "كونيچسبرچ" (بالألمانية: Königsberg) أو "كاليننچراد" بالروسية]، كما أعطيتْ بولندا جزءاً كبيراً منْ سيليزيا العليا بما فيهِ منْ نصيبٍ وافرٍ منِ الثروةِ المعدنيّةِ.
بعد تنفيذِ المعاهدةِ كانتْ سيليزيا العليا تحكمها في البدايةِ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. بينَ عاميْ 1919م و1921م اندلعتْ ثلاثةُ أعمالٍ عنفٍ كبيرةٍ بينَ المدنيينَ الألمانِ والبولنديين مما أدى إلى تورطِ القواتِ العسكريّةِ الألمانية والبولندية أيضاً. [37] في مارسَ/آذارَ (1921) عقدتِ اللجنةُ المشتركةُ بين الحلفاءِ استفتاءَ سيليزيا العليا الذي تمَّ سلميّاً بالرغم من أعمالِ العنفِ السابقة. صوتَ حواليْ ستونَ بالمئةِ للبقاءِ مع ألمانيا. [38] بعدَ التصويتِ ناقشتْ عصبةُ الأممِ مستقبلَ المقاطعةِ، [39] وعام 1922م قسِّمتْ سيليزيا العليا؛ في الشمالِ الغربيِّ "أوپلن" (بالإنجليزية: :Oppeln) بقيتْ مع ألمانيا بينما نُقلتْ مقاطعةُ سيليزيا في الجنوبِ الشرقيٍّ إلى بولندا.[37]
وتقررَ أن يُتنازلَ عن "ميمل" (بالإنجليزية: Memel) -الإقليمُ الصغيرُ في أقصى شمالِ شرقيِّ بروسيا الشرقيةِ- إلى الحلفاءِ لتقريرِِ مصيرهِ وفقَ مايرتؤونَ، فبقيَ تحت سلطةِ عصبةِ الأممِ مع حاميةٍ عسكريّةٍ فرنسيّةٍ إلى 9 ينايرَ/كانونَ الثاني (1923) عندما غزتْ ليتوانيا المنطقةَ أثناءَ ثورةِ "كلايبِدا". انسحبتِ الحاميةُ الفرنسيةُ وفي فبرايرَ/شباطَ وافقَ الحلفاءُ على ضمِّ ميمِل إلى ليتوانيا على شكلِ "منطقةِ حكمٍ ذاتي". في الثامنِ منْ مايو/أيارَ (1924) بعدَ مفاوضاتٍ بينَ الحكومةِ الليتوانيّةِ ومؤتمرِ السفراءِ وجهودِ عصبةِ الأممِ صُدِّقَ على ضم "ميميل" إلى ليتوانيا. [40] قبلتْ ليتوانيا "قانونَ ميملَ الأساسيّ"، وهوَ ترتيبٌ لتقاسمِ السلطةِ لحمايةِ غيرِ الليتوانيين في الإقليمِ بالإضافةِ إلى وضعهِ "ذاتيِّ الحكمِ"، بينما تبقى المسؤوليةُ عن الإقليم بيدِ القوى العظمى. على المستوى المحليِّ توسطتْ عصبةُ الأممِ بينَ الألمانِ والليتوانيينَ ممّا ساعدَ على استمرارِ ترتيبِ تقاسمِ السلطةِ حتى عامِ 1939.[40] [ضُمَّ هذا الإقليمُ إلى ليتوانيا بعدَ الحربِ العالميةِ الثانية].
وكانَ منَ المقررِ عن طريقِ استفتاءٍ عامٍّ يعقدُ في وقتٍ لاحقٍ أنْ يحلَّ موضوعِ السيادةِ على اشليزفيج-هولشتاين. [41] [كانتْ اشلزفيج-هولشتاين قدِ اقتطعتْ منَ الدنمارك في حربِ عامِ 1864م معَ بروسْيا]. أعيدَ شمالُ مقاطعةِ اشلزفيج-هولشتاين إلى الدنماركِ نتيجةً لاستفتاءٍ من خيارينِ فقط؛ إما الدنمارك وإما ألمانيا (فبراير/شباطَ ومارس/آذارَ 1920). صوّتَ الشمالُ الناطقُ بالدنماركيةِ لصالحِ الانضمامِ للدنمارك، فيما صوتَ الجنوبُ الناطقُ بالألمانيةِ لصالحِ ألمانيا.[42]
وعلاوةً على فقدانِ ألمانْيِا مستعمراتِها، فقدِ اشْتُرطَ لضمانِ الأمنِ في أوروبا عدمُ قيامِ اتحادٍ سياسيٍّ بينها وبينَ النّمْسا منْ دونِ موافقةِ عصبةِ الأممِ.[43]
كانتِ المفاوضاتُ حولَ خريطةِ ألمانيا ومستقبلِها عسيرةً جداً وطويلةً وشاقّةً، لكنَّ الحلفاءَ -وفيما عدا إنشاءِ بولندا ورسمِِ حدودِها- نظروا إلى الناحيةِ الماديةِ المتمثلةِ بالتعويضاتِ، وتقاسمِ المستعمراتِ القليلةِ لألمانيا أكثرَ منْ الاهتماماتِ الأخرى، وبذلكَ تركتْ معاهدةُ ڤرسايَ الرايخَ الألمانيَّ سليماً إلى حدٍّ كبيرٍ من الناحيتينِ الجغرافيّةِ والاقتصاديّةِ، وحفظتْ لهُ وحدتَهُ السياسيّةَ وإمكاناتِهِ، كما سيُشرحُ لاحقاً في الفصل الأخير. الأمرُ الذي لمْ يحدثْ بالمثلِ معَ الإمبراطوريّتيْنِ النمساويةُ-المجريةُ والعثمانيةُ في ما يخصُّ معاهدتيهما اللاحقتين.
النمْسا
اقتُطِعَتْ من النمْسا بوهيميا ومورافيا اللتين يبلغُ تعدادُ سكانِهما عشرةُ ملايينَ، أغلبيتُهم منَ التشيكِ ليتكوَّنَ منهمُ ومنَ مليونيْنِ منَ السلوفاكِ ومليونٍ آخرَ منَ المجرييّنَ والروتينيينَ دولةُ تشيكوسلوفاكيا المستحدثةُ. كذلكَ تخلتِ النمْسا لإيطاليا عنِ جنوبِ التيرولِ، ومنطقةِ تيرنتينو، وميناءِ ترييستي (بالإيطالية: Trieste) [هامش 4] (شرقيَّ البندقيّةِ)، وشبهِ جزيرةِ إستريا، وبعضِ الجزرِ على ساحلِ دلماشيا على الأدرياتيك.
ولم يكتفِ الحلفاءُ بذلكَ بل أنقصتْ معاهدةُ سانْ جرمانَ عددَ سكانِ النّمْسا إلى النصفِ، فبعدما كانَ تعدادُهمْ اثنينِ وعشرينَ (22) مليوناً، أتبعتِ المعاهدةُ سبعةَ ملايينِ ونصفَ مليونٍ (7.5) منَ السلاڤِ في چاليسيا إلى بولنْدا الجديدةِ، وأكثرَ منْ مليونٍ آخرَينَ منْ غيرِ الألمانِ، كما تقلصتْ مساحَتُها إلى نصفِ مساحتِها السابقة.[44]
وبذلكَ تحولّتِ النمْسا التي بقيتْ في المركزِ منَ الحياةِ السياسيّةِ في أوروپا لثلاثةِ قرونٍ خلتْ إلى دولةٍ صغيرةٍ قليلةِ المواردِ مغلقةٍ دونما ميناءٍ بحريٍّ في وسطِ أوروپا.
المجر
كذلكَ تقلصتْ مساحةُ المجرِ بموجبِ معاهدةِ تريانونَ، فوُزِّعتْ أراضيها السابقةِ على يوچوسلاڤيا التي حازتْ على إقليمٍ ڤويڤودينا (التابعِ لمملكةِ هنغاريا ما بينَ (1876–1920)) ذي الأغلبيةِ الهنغارِيةِ النسبيّةِ (كانَ نصفُ السكانِ هنغارٌ وألمانٌ، والثلثُ من الصربِ وقتذاك، والإقليمُ يتمتعُ بحكمٍ ذاتيٍّ ضمن صربيا منذُ الحربِ العالميةِ الثانيةِ بسببِ وضعِهِ السكاني هذا)، ورومانيا منَ الشرقِ (أعطيتْ إقليمَ ترانسلڤانيا)، وتشيكوسلوفاكيا منَ الشمالِ، وضُمَّ جزءٌ منها إلى النمْسا ذاتِها، وحُرمتْ من الميناءِ الذي كانَ منفذها إلى البحرِ الأدرياتيكيِّ وهوَ ميناء فيوم، فأضحت دولةً مغلقةً، وتقلصتْ مساحتُها منْ خمسةٍ وعشرينَ ومئةِ (125) ألفِ ميلٍ مربعٍ إلى خمسةٍ وثلاثينَ (35) ألفاً وحسب.
تشيكوسلوڤاكيا
في أوروبا الوسطى كانَ على ألمانيا والنمسا الاعترافُ باستقلالِ "تشيكوسلوفاكيا" الدولةِ المستحدثةِ (كانت في الواقعِ تحتَ سيطرةِ "النمسا" سابقاً). وتمَّ نقلُ منطقةِ "هولتشين" (بالألمانية: Hultschin) الصغيرةِ في سيليزيا العليا إلى تشيكوسلوفاكيا في 3 فبراير/شباطَ 1921.[34]
على أنه بالمقابلِ ولدتْ مشكلةُ إقليمِ "السوديت" (سوديتنلاند) (بالألمانية: Sudetenland)، وهي المناطقُ الحدوديةُ بين ألمانيا وتشيكوسلوڤاكيا -وتشكلُ أجزاءً من أقاليمِ بوهيميا وموراڤيا وسيليزيا التشيكية- ويقطنها ألمانٌ (خمسةٌ وتسعونَ بالمئةِ من سكانِها من الألمان)، وكانت مثار نزاعٍ بين الدولتينِ أثاره هتلر وانتهى يضمّهِا إلى ألمانيا عامَ 1938، فلما استعادتها تشيكوسلوڤاكيا بعد الحربِ العالميّةِ الثانيةِ طردتْ سكانها الألمانَ منها.
بلغاريا
وقضتْ معاهدةُ نويي بتقليصِ مساحةِ بلغاريا بمقدارِ العُشرَ (أحدَ عشرَ ألفَ كم²) وخسارةِ سُبعِ سكانها بعدما فقدتْ تراقيا الغربيّةَ التي كانتْ انتزعتْها منَ الدولةِ العثمانيةِ بنتيجةِ حربِ البلقانِ عامَ 1912م، وكانتْ حيويةً لأنها تمثلُ منفذاً لها إلى بحرِ إيجةَ -إضافةً إلى ساحلِها على البحرِ الأسودِ- جُعلتْ هذهِ المنطقةُ تحتَ إدارةِ الحلفاءِ ثم سُلمتْ إلى اليونانِ، كما سُلمتْ ثلاثُ مناطقَ صغيرةً على حدودِها الغربيّةِ إلى يوچوسلافيا، وهكذا غدتْ بُلغارْيَا التي كانتْ تتطلعُ إلى زعامةِ دولِ البلقانِ في عامِ 1912م - 1913م منْ أصغرِ الدولِ في تلكَ المنطقةِ [كانتْ قبلَ حربِ عامِ 1912م إقليماً يتمتعُ بالحكمِ الذاتي ضمنَ الدولةِ العثمانيّةِ تأسسَ بنتيجةَ الحربِ الروسيّةِ-العثمانيّةِ عامَ 76-1877، ومؤتمرِ برلين 1878].
بولندا
ُّ كانَ على ألمانيا أنْ تعترفَ باستقلالِ بولندا وأنْ تتخلى عنْ "جميعِ الحقوقِ والملكيّةِ على الإقليم". كانَ من المقررِ التنازلُ عنْ أجزاءَ منْ "سيليزيا العليا" لبولندا أيضاً معَ تحديدِ مستقبلِ بقيةِ المقاطعةِ عن طريقِ الاستفتاء. وتحددُ الحدودُ الداخليةُ بناءً على التصويتِ والظروفِ الجغرافيّةِ والاقتصاديّةِ لكلِّ منطقة. أما مقاطعةُ بوزِن (بالبولونيةِ "بوزنان") -التي غدتْ تحتَ السيطرةِ البولنديّةِ خلالَ انتفاضةِ بولندا الكبرى- فجرى التنازل عنها أيضاً لبولندا.[45] [46] كان مقرراً تقريرُ السيادةِ على جزءٍ منَ جنوبٍ شرقِ بروسيا عبرَ الاستفتاءِ بينما نقلتْ منطقةُ "سولداو" البروسيّةُ الشرقيّةُ -انواقعةُ على جانبيْ الخطِّ الحديديِّ الرابطِ بينَ "وارسو" (بالبولونيةِ "ڤرصوفيا") وميناءِ "دانتزيچ"- إلى بولندا من دونِ استفتاءٍ.
جرى منحُ ما يعادلُ (51800) كم² (عشرينَ ألفَ ميلٍ مربعٍ) إلى بولندا من الأراضي الألمانية. [47] ونقلتْ "بوميرانيا الشرقيةِ" (بالبولونيةِ "بومريليا") على أسسٍ تاريخيّةٍ وعرقيّةٍ إلى بولندا لتسهيلِ وصولِ هذهِ الأخيرةِ إلى البحرِ، [48] القضيّة التي أصبحتْ تُعرفُ باسمِ "الممرِّ البولوني" (بالإنجليزية: Polish Corridor)، وتقرّرَ على ألمانيا التنازلُ عن مدينةِ "دانتزيج" ذاتِ الأغلبيّةِ الألمانيّةِ (بالإنجليزية: Danzig) ((بالبولندية: Gdańsk)، "چدانسك") وما حولها بما في ذلك دلتا نهرِ "ڤيستولا" على البلطيقِ لعصبةِ الأممِ لإنشاءِ مدينةِ دانتزيچ الحرّةِ (المواد 100-104)، والتي ضُمتْ إلى بولندا بعدَ الحرب العالمية الثانية.
شملتْ أراضي بولندا بولندا الروسيّةِ وبولندا النمساويّةِ وبولندا البروسيّةِ القديمةِ، وتوسَّعت نحوَ الشرقِ غيرَ أنَّ المعاهدةَ لمْ تعيّنْ حدودَ بولندا من هذهِ الناحيةِ، فكانتْ معاهدةُ ريغا (18 مارسَ/آذارَ 1921م) التي أعقبتْ الحربَ البولنديّة-السوفييتيّةَ (1919م-1920م).
هذا فيما يتعلقُ بالتغييراتِ السياسيّةِ في أوروبَّا.[49]
القيودُ العسكرية
كانتِ المعاهدةُ شاملةً ومعقدةً من حيث القيودُ المفروضةُ على القواتِ المسلحةِ الألمانيّةِ بعدَ الحربِ. وكانتِ الأحكامُ تهدفُ إلى جعلِ الجيشِ الألماني (بالألمانية: Reichswehr) غيرَ قادرٍ على العملِ الهجومي وتشجيعِ نزعِ السلاحِ الدولي. [50] توجبَ على ألمانيا أنْ تسرحَ عدداً كافياً من الجنودِ بحلولِ الحادي والثلاثَينَ (31) منْ مارسّ/آذارَ عامَ 1920م لتتركَ جيشها لايزيدُ عنْ مئةِ ألفِ رجلٍ في سبعِ فرقِ مشاةٍ وثلاثِ فرقِ فرسانٍ كحدٍّ أقصى. حددتِ المعاهدةُ تنظيمَ الفرقِ ووحداتِ الدعمِ، وكانَ مقرراَ أيضاً حلُّ هيئةِ الأركانِ العامة. واقتصرتِ المدارسُ العسكريّةُ لتدريبِ الضباطِ على ثلاثةٍ، مدرسةٌ واحدةٌ لكلِ سلاحٍ، وتقررَ إلغاءُ التجنيدِ الإجباري. وجبَ على ألمانيا كذلكَ الاحتفاظُ بالجنودِ وضباطِ الصفِّ لمدةِ اثنيْ عشرَ عاماً على الأقلِّ، والضباطِ لمدةٍ لاتقلُّ عنْ خمسٍ وعشرينَ عاماً معَ منعِ الضباطِ السابقينَ من حضورِ التدريباتِ العسكريّة. كلُّ ذلكَ بهدفِ منعِ ألمانيا من تكوينِ كادرٍ كبيرٍ من الرجالِ الاحتياطِ المدربينَ، وكانَ عددُ الرجالِ المسموحِ لهم بمغادرةِ الخدمةِ العسكريةِ مبكراً محدوداً.
جرى كذلكَ تقليصُ عددِ الموظفينَ المدنيينَ الذين يدعمونَ الجيشَ وتقليصُ قوةِ الشرطةِ إلى حجمها قبلَ الحربِ معَ زياداتٍ تقتصرُ على التناسبِ معَ الزياداتِ السكانيّةِ؛ أما القواتُ شبهُ العسكريّةِ فممنوعة. تقررَ أيضاً أنْ تكونَ الراينلاند منزوعةَ السلاحِ، مع هدمِ جميعِ التحصيناتِ فيها وإلى مسافةِ خمسينَ كيلومتراً (31 ميلاً) شرقَ نهر الراين ومنعِ البناءِ الجديد، وأن تكونَ المنطقةُ غربَ الراينِ خلواً من أيِّ تحصيناتٍ حربيةٍ أو قواتٍ عسكرية. [43] ودُمرتْ الهياكلُ والتحصيناتُ العسكريّةُ في جزيرتيْ "هِليغولاند" و"دوني". وحظرتْ تجارةُ الأسلحةِ على ألمانيا، وفُرضتْ قيودٌ على نوعِ الأسلحة وكميتها، كما حُظرَ تصنيعُ أو تخزينُ الأسلحةِ الكيميائيّةِ والعرباتِ المدرعةِ والدباباتِ والطائراتِ الحربيّة. سُمحَ للبحريّةِ الألمانيّةِ بستِّ بوارجَ مدرعةٍ مسبقاً واقتُصرَ على ستةِ طرّاداتٍ خفيفةٍ كحدٍّ أقصى (بما لايتجاوزُ مئةً وستةَ آلافِ (6100) طنٍّ)، واثنتي عشرةَ مدمرةً (لاتتجاوزُ 810 أطنانٍ)، واثني عشرَ قاربَ طوربيدٍ (بما لايزيدُ عن مئتيْ (200) طنٍّ)، وحُظرتِ الغواصاتُ مطلقاً. كانَ مقرراً ألا تتجاوزَ القوةُ البشريةُ العاملةُ في البحريّةِ خمسةَ عشرَ ألفَ رجلٍ، بما فيه أفرادُ الأسطولِ والدفاعاتِ الساحليّةِ ومحطاتِّ الإشارةِ والإدارةِ والخدماتِ البريّةِ الأخرى والضباطِ والرجالِ من جميعِ الرتبِ. لم يسمحْ لتعدادِ الضباطِ وضباطِ الصفِّ أنْ يتجاوزَ ألفاً وخمسمئةِ رجلٍ. وفُرضَ على ألمانيا إيقافُ تشغيلِ ثماني سفنٍ حربيّةٍ وثمانيةِ طراداتٍ خفيفةٍ واثنينِ وأربعينَ مدمرةً وخمسينَ قاربَ طوربيدٍ. ونزعُ سلاحِ اثنتينِ وثلاثينَ سفينةَ مساعدةٍ وتحويلُها إلى الاستخدامِ التجاري. ومنعتِ (المادة 198) ألمانيا من امتلاكِ قوةٍ جويّةٍ بما في ذلكَ قواتٍ جويةٍ-بحريةٍ وطالبتها بتسليمِ جميعِ الموادِ الجويّةِ ذاتِ الصلة. بالتزامنِ معَ ذلكَ مُنعتْ ألمانيا من تصنيعِ أو استيرادِ الطائراتِ أو الموادِ ذاتِ الصلةِ لمدةِ ستةِ أشهرٍ بعدَ توقيعِ المعاهدة. [51]
التعويضاتُ
في (المادّةِ 231) قبلتْ ألمانيا المسؤوليّةَ عنِ الخسائرِ والأضرارِ التي سبّبتها الحربُ "نتيجةَ... عدوانِ ألمانيا وحلفائِها". طالبتِ المعاهدةُ ألمانيا بتعويضِ قواتِ الحلفاءِ، وشكلتْ "لجنةَ التعويضاتِ الدوليّةُ" منْ جانبِ الحلفاءِ لتقديرِ المبلغِ الذي يتعينُ على ألمانيا دفعُه بدقةٍ، والشكلِ الذي ستتخذُه المدفوعات. طُلبَ منَ اللجنةِ "منحُ الحكومةِ الألمانيةِ فرصةً عادلةً لإسماعِ صوتِها"، وتقديمِ استنتاجاتها بحلولِ الأولِ منْ مايو/أيارَ منْ عامِ 1921م، وفي غضونِ ذلكَ طلبتِ المعاهدةُ منْ ألمانيا دفعَ ما يعادلُ عشرينَ مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ (خمسةُ ملياراتِ دولارٍ أمريكي) في صورةِ ذهبٍ أو سلعٍ أو سفنٍ أو موادَّ خامٍ أو أوراقٍ ماليةٍ أو سواها. [52]
حدّدتِ اللجنةٌ التعويضاتِ في التاسعِ والعشرينَ منْ ينايرَ/كانونَ الثاني لعامِ 1921م بتسعةٍ وستينَ ومئتيْ (269) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ (ما يُقاربُ 768 مليارَ دولارٍ أمريكيٍّ بتقديراتِ عامِ 2010م) تُؤدى على اثنينِ وأربعينَ (42) قسطٍ سنويٍّ، ثمَّ حدّدها جدولُ مدفوعاتِ لندن لعامِ 1921م باثنينِ وثلاثينَ ومئةِ (132) مليارِ ماركٍ ذهبيٍّ، وأدى السدادُ الشحيحُ للحكومةِ الألمانيةِ إلى احتلالِ منطقةِ حوضِ الرور (بالألمانية: Ruhrbesetzung) من قبلِ فرنسا وبلجيكا ما بينَ (11 ينايرَ/كانونَ الثاني 1923، و25 أغسطسَ/آبَ 1925) بدعوى إدارةِ المناجمِ والصناعاتِ فيها وتشغيلِها لتحصيلِ التعويضاتِ، لكنَّ تطبيقَ "المقاومةِ السلبيّةِ" من قبلِ الألمانِ أدى إلى فشلِ الحملةِ وإعادةِ هيكلة الديون بموجبِ "خطة دوز" (بالإنجليزية: Dawes) في أبريلَ/نيسانَ عامَ 1924. وبناءً على طلبٍ ألمانيٍّ (1928) خُفّضَ المبلغُ الإجماليُّ عامَ 1929 إلى اثنيْ عشرَ ومئةِ (112) مليارِ ماركٍ ذهبيٍّ بما دعيَ "خطةَ يونغ" التي اتفقَ في مؤتمرِ لوزانَ لعامِ 1932م على إيقافها بسببِ أزمةِ "الكسادِ الكبيرِ" الاقتصاديّةِ [وكانتْ ألمانيا ثانيَ دولةٍ تنتقلُ إليها بعدَ اندلاعها في أمريكا وإحدى أشدِّ المتضررين منها]. ثم رفضَ هتلر الدفعَ بعد مجيئهِ إلى الحكم. دفعتْ ألمانيا بين عاميْ 1919م و1932م أقلَّ منْ واحدٍ وعشرينَ (21) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ منْ كاملِ التعويضات، وبحسبِ خبراءَ اقتصادييَّنَ فإنهُ بالرغمِ منْ تخفيضِ المبلغِ الكليِّ لحجمِ التعويضاتِ إلا أنهُ يبقى مغالىً فيه. نتجَ عنْ ذلكَ أنْ أثقلتِ الديونُ الملقاةُ على عاتقِ ألمانيا الاقتصادَ الألمانيَّ المرهَقَ بسببِ أعباءِ الحربِ والدمارِ ممَّا تسبَّبَ بدرجةٍ عاليةٍ منَ الاستياءِ والسخطِ والغليانِ الشعبيِّ فأسهمَ -معَ العواملِ الأخرِ في النهايةِ- بإشعالِ ضرامِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ على يدِ أدولف هتْلر.
وبموجبِ اتفاقِ لندن عام 1953 -الذي قلصَ المبالغَ المتبقية من التعويضاتِ إلى النصفِ- استأنفتْ ألمانيا الغربيّةُ دفعَ تعويضاتِ الحربِ العالميّةِ الأولى، والتي كانتْ عبارةً عن سنداتٍ سياديّةٍ ألمانيّةٍ أصدِرتْ ما بينَ (24-1930) وبيعتْ لمستثمرينَ أحانب (معظمهم أمريكان) ولم تسددْ. وفي الثالثِ من أكتوبرَ/تشرينَ الأولِ (2010) سُدّدَ آخرُ قسطٍ منها. [53]
الضمانات
لضمانِ امتثال ألمانيا لشروطِ معاهدةِ ڤرسايَ تقرّرَ أنْ تحتلَّ قواتُ الحلفاءِ منطقةَ "الراينلاند" ورؤوسَ الجسورِ شرقَ نهرِ الراينِ لخمسةَ عشرَ عاماً (المادة 428)، وإذا لمْ ترتكبْ ألمانيا أيَّ عدوانٍ، فسيجري انسحابٌ مرحليٌّ؛ فبعدَ خمسِ سنواتٍ سيخلى جسرُ كولونيا والمنطقةُ الواقعةُ شمالَ نهرِ الرورِ وعلى طوله. وبعدَ عشرِ سنواتٍ سيخلى الجسرُ في كوبلنز والأراضي الواقعةُ إلى الشمالِ منهُ، وبعدَ خمسةَ عشرَ عاماً سيتمُّ سحبُ ما تبقى منْ قواتِ الحلفاء (المادة 429). وفي حالِ تراجعتْ ألمانيا عنِ التزاماتِ المعاهدةِ، فسيعادُ احتلالِ رؤوسِ الجسورِ على الفور (المادة 430).
المنظماتُ الدوليةُ
خُصّصَ الجزءُ الأولُ منَ معاهدةِ ڤرسايّ -إضافةً إلى جميعِ المعاهداتِ اللاحقةِ الموقعةِ معَ دولِ المِركزِ- لميثاقِ عصبة الأمم الذي نصَّ على إنشاءِ العصبةِ، وهي منظمةٌ دوليُةُ الصفةِ مهمتها التحكيمُ في النزاعاتِ الدوليّة (الجزء الأول)، ونظمَ الجزءُ الثالثَ عشرَ تأسيسَ منظمةِ العملِ الدوليّةِ لتنظيمِ ساعاتِ العملِ، بما في ذلكَ الحدُّ الأقصى ليومِ العملِ وأسبوعهِ، وتنظيمِ عرضِِ العملِ (بالإنجليزية: Labour Supply)، والحمايةِ منَ البطالةِ، وتوفيرِ أجرٍ معيشيٍّ، وحمايةُ العاملِ منَ المرضِ والأمراضِ والإصاباتِ الناجمةِ عنْ عملهِ، وحمايةِ الأطفالِ والشبابِ والنساءِ، والتوفيرِ لأجلِ الشيخوخةِ والإصابةِ، وحمايةِ مصالحِ العمّالِ عندَ العملِ في خارج بلدهمْ، والاعترافِ بمبدأ حريّةِ تكوينِ الجمعياتِ، وتنظيمِ التعليمِ المهنيِّ والتقانيِّ، وتدابيرَ أخرى (الجزء الثالثَ عشرَ، المادة 388) كما دعتِ المعاهدةُ الموقعينَ إلى التصديقِ على اتفاقيّةِ "الأفيونِ" الدولية (المادة 295).
المستعمراتُ والانتدابُ
لم تكنِ المستعمراتُ الألمانيةُ كثيرةً، فقد أتمتْ ألمانيا توحُّدها عامَ 1871م، ودخلتِ السباقَ الاستعماريَّ متاخرةً، وكان منْ أسبابِ قيامِ الحربِ المنافسةُ الألمانيةُ لإنشاءِ إمبراطوريةٍ استعماريَّةٍ في وقتٍ كانَ العالمُ فيهِ قدِ اقتسمَ. أما المستعمراتُ الألمانيةُ القليلةُ فقدِ استوليَ عليها أثناءَ الحربِ ولكن سوِّيَ وضعها قانونيّاً بموجبِ معاهدة ڤرسايَ بناءً على نظامِ الانتدابِ.
المستعمراتُ الألمانيّةُ شرقَ إفريقيا (بالألمانية: Deutsch-Ostafrika) | المستعمراتُ الألمانيّةُ جنوبَ إفريقيا (بالألمانية: Deutsch-Südafrika) | المستعمراتُ الألمانيّةُ غربَ إفريقيا (بالألمانية: Deutsch-Westafrika) | ||||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
* تنجانيقا: استولتْ عليها بريطانيا 1922، (استقلتْ (1961) وبعدَ ضمها "سلطنةَ زنجبارَ" (1964) أصبحتْ تنزانيا)
|
* "ناميبيا" حالياً (باستثناء خليج والفيس البريطاني) ضمتها دولةُ جنوبِ إفريقيا (منْ دولِ الحلفاءِ)، استقلتْ (1990م). | * الكاميرون الألمانية (1884-1914) (بالإنجليزية: Cameroon): كانتْ ألمانيا هيَ التي أطلقتْ اسم "الكاميرون"، قسمتْ الكاميرونُ إلى جزءٍ فرنسيٍّ أضحى فيما بعدُ "الكاميرون" (بالفرنسية: Cameroun)، وجزءٍ بريطانيٍّ قسِّم لاحقاً إلى قسمينِ: أحدُهما انضمَّ إلى نيجيريا والآخرُ إلى الكاميرون.
|
وأعطيتْ اليابانُ جزرَ المحيطِ الهادي الألمانيّةِ شمالَ خطِّ الاستواءِ وهيَ جزرُ مارشالَ وكارولينا (عدا غوام وماريانا)، وكذلكَ ميناءَ "تشينجداو" أو "تسينغتاو" (بالألمانية: Tsingtau) في شبهِ جزيرةِ شاندونغ شرقيَّ الصينِ (حصلت ألمانيا عليها عامَ 1898 منَ الصينِ بموجبِ عقدِ إيجارٍ، واحتلتها اليابان أواخرَ عامَ 1914). وأخذتْ أستراليَا الجزرَ جنوبِ خطِّ الاستواءِ وشرقَ غينيا الجديدةِ ("بابوا غينيا" حالياً) ماعدا ساموا الألمانيةِ فآلتْ إلى نيوزيلنْدا، كما حازَتْ بريطانيا ناورو.
كانتِ الروحُ التي سادتْ مؤتمرَ باريسَ وأنتجتْ معاهدةَ فرسايَ روحاً متعصبّةُ منَ القرنِ التاسعَ عشرَ تدورُ في فلَكِ "المركزيةِ الأوروبيةِ" وتؤمنُ بتفوقِ "العرقِ الأبيضِ"، ولمْ تكُ الادّعاءاتُ حولَ حقِّ تقريرِ المصيرِ وفتحِ المجالِ أمامَ الشعوبِ المقهورةِ لعرضِ مطالبِها لتخصَّ سوى الشعوبِ الأوروبيّةِ في وسطِ القارة وشرقِها كما أعلنَ الحلفاءُ، لايستثنى من ذلكَ سوى ويلسونَ والأمريكانِ (كانَ من مصلحةِ أمريكا تحررُ المستعمراتِ لفتحِ أسواقٍ جديدةٍ للبضائعِ الأمريكيّةِ). وبالرّغم من دعوةِ أطرافٍ كثيرةٍ منْ أنحاءِ العالمِ لحضورِ المؤتمرِ إلا أنَّ المفاوضاتِ بشأنِ العالمِ خارجَ أوروبا تمخّضتْ في النهايةِ عنْ إعادةِ توزيعِ المستعمراتِ وزيادةِ المساحاتِ المستعمَرةِ للدولِ الاستعماريّةِ الرئيسيّةِ، لكنْ كانَ لا بدَ منْ حلِ مشكلةٍ تتعلقُ بالقانونِ الدولي تتلخصُ في أنَ انتقالَ حيازةِ مستعمرةٍ منْ دولةٍ إلى أخرى تقتضي تعويضاً [هامش 5]، وبالتالي فالتخلي عنها -نتيجةَ حربٍ مثلاً- يَفترضُ أنْ يُقيَّمَ ويّدرجَ ضمنَ التعويضاتِ المترتبةِ على الطرفِ الخاسرِ، وهنا واجهتِ الحلفاءَ مشكلةٌ قانونيّةٌ فإذا قُوِّمتِ المستعمراتُ وأدخلتِ ضمنَ التعويضاتِ فإنَّ ألمانْيا على العمومِ، والدولةَ العثمانيّةَ خاصّةً لنْ يتوجّبَ عليهما دفعُ مبالغَ كبيرةٍ بلْ ربما لاتدفعانِ شيئاً، وتضيعُ مكاسبُ ماديّةٌ معتبرةٌ على الحلفاءِ لا سيّما وأنهمْ جميعاً -ماعدا الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ- خرجوا من الحربِ على شفيرِ الإفلاسِ.
وُلدَ الحلُّ على يدِ الجنرالِ "سموتز" (بالإنجليزية: Smuts) عضوِ وفدِ جنوبِ إفريقيا، فاستناداً لحقِّ تقريرِ المصيرِ الذي غدا أحدَ أهدافِ مؤتمرِ باريسَ للسلامِِ فإنَّ على الدولَ المنتصرةِ أنْ تدرّبُ الشعوبَ التي كانتْ تحتَ سيطرةِ ألمانيا والدولةِ العثمانيةِ على إدارةِ شؤونها ورعايةِ مصالخِها وتأخذَ بيدِها منْ أجلِ نيلِ استقلالِها الناجزِ، وبذا وُلدَ مبدأ الانتدابِ أي انتدابُ إحدى الدولِ المنتصرةِ لتدريبِ شعبِ إحدى المستعمرات على حكمِ نفسهِ بنفسهِ، ولكيْ يكونَ الأمرُ مُقنَّناً من ناحيةِ القانونِ الدوليِّ فقدِ اشْتُرطَ أنْ يكونَ ذلكَ بموافقةِ عصبةِ الأممِ التي شكلتْ -فيما بعدُ- لجنةً للإشرافِ على حسنِ إدارةِ الدولةِ المنتّدّبّةِ دعيّتْ لجنةَ الانتداباتِ كانتْ تستمعُ إلى تقريرٍ نصفِ سنويٍّ من قبلِ دولةِ الانتدابِ عن سيرِ عمليَّةِ الانتدابِ، وكانَ ذلكَ عادةً منْ دونِ أنْ يكونَ لأي هيئةٍ وطنيةٍ رأيٌ أو مشاركةٌ في وضعِهِ.
بيّنَ وزيرُ خارجيةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ روبرتُ لانسينغ عضوُ الوفدِ الأمريكيٍّ لمفاوضاتِ السلامِ أنَّ نظامَ الانتدابِ الذي ينصُّ على منحِ عصبةِ الأممِ للدولِ المنتصرةِ صكوكَ انتدابٍ على الشعوبِ المُحرَّرّةِ -لمساعدتِها على النهوضِ وتأسيسِ دولٍ وأنظمةٍ حديثةٍ- كانَ بكلِّ بساطةٍ وسيلةً أرْستّها القوى العظمى المنتصرةُ (عدا الولاياتُ المتحدةُ التي رفضتْ أنْ تشاركْ في عصبةِ الأممِ) لتخفيَ تقاسُمَها لغنائمِ الحربِ، فإذا تمَّ الاستيلاءُ على أراضي العدوِّ بصورةٍ مباشرةٍ، فإنَّ قيمةَ هذهِ الأراضي -في ظلِّ القوانينِ الدوليةِ- ستكونُ بديلاً لادّعاءاتِ الحلفاءِ بالمطالبةِ بتعويضاتٍ عنْ خسائرِ الحربِ أو عنْ جزءٍ منها. وضّحَ "لانسينغ" أيضاً أنَّ الجنرالَ جان سموتز هو صاحب المفهومِ الأصليِّ للانتدابِ، يقولُ أحدُ المختصيّنَ في القانونِ الدولي: "لو أرادتْ دولُ الحلفاءِ الاستيلاءَ على ممتلكاتِ الدولِ الوسطى [أيْ دولُ المركزِ] وحليفاتِها وضمِّها إلى ممتلكاتِها الخاصّةِ "كمستعمراتٍ" لكانَ عليها إذْ ذاكَ حسمُ قيمةِ تلكَ المستعمراتِ والممتلكاتِ المستوْلَى عليها منْ أصلِ قيمةِ التعويضاتِ التي فرضتْها على الأعداءِ، ولكنَّها بفضلِ النظامِ الجديدِ الذي أبرزهُ الجنرالُ سمطس [سموتز]... تمكنتْ منْ تحاشي ذلكَ".[54]
تاريخ | مقارنة الدولةِ العثمانيةِ قبلَ معاهدةُ سيفرَ عامَ 1920م، وبعدها، وحالياً ميلٌ مربعٌ (كم²) | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|
1914 | الإمبراطوريةُ العثمانيةُ 1,589,540 كـم2 (613,724 ميل2) | |||||||
1920 بموجبِ معاهدةِ سيفرَ وحدودِ الاحتلالِ عقبَ الحربِ العالميةِ الأولى |
الإمبراطوريةُ العثمانيةُ 175,000 ميل2 (453,000 كـم2) |
أرمينيا 62,000 ميل2 (160,000 كـم2) |
سوريا الطبيعيّةُ بما فيها لبنانُ وفلسطينُ وشرقُ الأردنِ والأقاليمِ السوريّةِ الشماليّةِ 140,000 ميل2 (350,000 كـم2) |
العراق 140,000 ميل2 (370,000 كـم2) |
الحجاز 100,000 ميل2 (260,000 كـم2) | |||
حالياً |
تركيا (أضيفَ لها «الأقاليمُ السوريّةُ الشماليّةُ» (غيرُ معروفةٍ بدقةٍ لكن تقدرُ تقريباً بحواليْ 50,000 كم²) عامَ 1920م، و«لواءُ اسكندرونَ» (4800 كم²) عامَ 1939م) 301,380 ميل2 (780,580 كـم2). |
أرمينيا لمْ تُقرَّها معاهدةُ لوزان عامَ 1923م. |
سوريا الحاليةُ (اقتطعَ منها "الأقاليمُ السوريّةُ الشماليّةُ"، وعامَ 1939م «لواءُ اسكندرونَ» 4800 كم²) 71,500 ميل2 (185,180 كـم2)؛ ولبنانُ 4,100 ميل2 (10,500 كـم2)؛ والأردنُ 34,000 ميل2 (89,000 كـم2)؛ وفلسطينُ 10,000 ميل2 (27,000 كـم2). |
العراق 169,000 ميل2 (437,000 كـم2). |
مملكة الحجاز ضمتْ (24-1926م) إلى «سلطنةِ نجدٍ» تحتَ اسمِ مملكةِ الحجازِ ونجدٍ وملحقاتِها (لاحقاً «المملكةُ العربيةُ السعوديةُ» عامَ 1932م) |
وهكذا -وبالمحصّلةِ- اسْتُولِيَ على مستعمراتِ دولِ المركزِ الخاسرةِ منْ دونِ أن يقللَ ذلكَ منْ التعويضاتِ التي فرضتْ عليها، ومعلومٌ أنَّ التعويضاتِ الجائرةَ التي فرضتْ على ألمانْيا وتفاعلاتها كانتْ -نهايةَ المطافِ- أحدَ أسبابِ اندلاعِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ. ووقعَ على شعوبِ المستعمراتِ "المحررةِ" عبءُ إنقاذِ الدولِ العظمى منْ وطأةِ ديونِها التي راكمتْها أعباءُ الحربِ وإعادةِ بناءِ اقتصاداتِها المدمرةِ بفعلِ تلكَ الحربِ. فسوريا ولبنانُ -على سبيلِ المثالِ- خضعتا للاحتلالِ الفرنسيِّ المباشرِ -بموجبِ صكِّ انتدابٍ منْ عصبةِ الأممِ- وذلكَ بدعوى "تحريرهِما" أثناءَ الحربِ ثمَّ مساعدتِهما على الاستقلالِ، وسدّدتْ حكوماتُهُما -فضلاً عنْ ذلكَ- على مدى سنواتِ الانتدابِ أقساطاً مقررةً من الدينِ العثمانيِّ العامِّ الذي تعودُ أصولُهُ إلى القرنِ التاسعَ عشرَ بصفتِهما منْ ضمنِ ولاياتِ الدولةِ العثمانيةِ السابقةِ.
الشرقُ الأدنى
أما في الشرقِ الأوسطِ أوِ الشرقِ الأدنى -بحسبِ التعبيرِ السائدِ وقتئذٍ استناداً لمصطلحاتِ الدوائرٍ الاستعماريةِ البريطانيةِ-، فكانتْ معاهدةُ سيفرَ (10 أغسطسَ/آبَ 1920م) إحدى المعاهداتِ المهمةِ اللاحقةِ بمعاهدةِ فرسايَ، وفيها أقرّتِ الدولةً العثمانيّةُ بالاكتفاءِ بمدينةِ إسطنبولَ وقطعةٍ صغيرةٍ منْ تراقْيَا هيَ تراقيا الشرقيةِ (القسمُ الأوروبيُّ منْ تركيَّا الحاليةِ) إلى الغربِ منها، وبالجزءِ المركزيِّ منْ آسيا الصُّغْرى أو هضبةِ الأناضولِ شمالاً حتى البحر الأسودِ، أمَّا بقيَّةُ أراضي الدولةِ فقدْ جُرّدتْ منها، وبذا تكونُ الإمبراطوريّةُ العثمانيّةُ قدْ صُفّيَتْ نهائيّاً. اعترَفَ السلطانُ العثماني بموجبِ المعاهدةِ (التي وقعَ عليها مُرغماً تحتَ ضغطِ الإنجليزِ الذينَ كانوا يحتلّونَ إسطنبولَ والمضائقَ) بوضعِ مضيقيْ البوسفور والدردنيل تحت رقابةِ لجنةٍ دوليّةٍ، فلايجوزُ حصارُهما ولا إدخالُهما في حالةِ حربٍ إلا بقرارٍ منْ مجلسِ عصبةِ الأممِ. وكذلكَ بالحكمِ الذاتيِّ لإقليمِ كردستانَ في الجنوبِ الشرقيِّ من الأناضولِ، وأقرَّ بإنشاءِ دولةٍ جديدةٍ مستقلةٍ شرقَ الأناضولِ هيَ أرمينْيا وتضمُّ مناطقَ وان في الجنوبِ وقارصَ وأرضرومَ في الوسطِ وطرابزونَ على ساحلِ البحرِ الأسودِ، ووُضعتْ إزميرُ والأراضي المجاورةُ لها -حيثُ تستوطنُ جاليةٌ يونانيّةٌ كبيرةٌ- بصورةٍ مؤقتةٍ تحتَ إدارةِ عسكريةٍ يونانيةِ معَ بقائِها اسمياً تحتَ السيادةِ التركيةِ (وكانتْ محتلةً من قبلِ قواتٍ يونانيةٍ)، وأقرّتِ المعاهدةُ منحَ فرنْسا منطقةَ نفوذٍ وسطَ الأناضولِ تمتدُ إلى ما بعدَ مدينةِ سيواسَ شمالاً وتشملُ أضنةَ ومرسينَ وطرسوسَ في الغربِ وحتى نهرِ الفراتِ شرقاً، وعلى منحِ إيطاليا منطقةَ نفوذٍ جنوبَ الأناضولِ وتشملُ مدنَ أنْطاليا على ساحل المتوسطِ وقونيةَ وأفيونَ قره حصار، وتمتدُ نحوَ الشمالِ الغربيِّ قريباً منْ بحرِ مرمرةَ.
عندما انعقدَ مؤتمرُ پاريسَ للسلامِ أوائلَ عامِ 1919م بينَ الحلفاءِ للاتفاقِ على الوضعِ الدوليّ ما بعدَ الحرب، قدَّمَ الأميرُ فيصلُ ممثلاً عن والدِهِ الشريفِ الحسينِ مذكرةً يطلبُ فيها الاعترافَ بدولةٍ مستقلّةٍ جنوبَ خطِّ "اسكندرون-دياربكر" بضمانةِ عصبةِ الأممِ. وفي كلمتِهِ أمامَ المؤتمرِ "أسهبَ في شرحِ مطالبِهِ بحقِّ العربِ في تقريرِ مصيرهِمْ بأنفسهِمْ، وبالالتزامِ بالاتفاقِ الذي تمَّ في مراسلاتِ حسين-مكماهون، وبتنفيذِ الإعلانِ الأنجلو-فرنسي الصريحِ والقاطعِ...، وأقرَّ كذلكَ بأنَّ فلسطينَ تتطلبُ نظاماً خاصاً وأنَّ العراقَ سوفَ يقبلُ مساعدةَ بريطانيا العظمى وأنَّ جبلَ لبنانَ سوفَ يقبلُ مساعدةً مماثلةً منْ فرنْسا، أما بالنسبةِ للأجزاءِ الباقيةِ فإنَّ مطلبَ الأميرِ كانَ الاستقلالَ".[55][56]
لكنَّ ذلكَ كلَّهُ لاقى آذاناً صمّاءَ، فبالرّغمِ منْ اتفاقِ الشريفِ حسينٍ معَ مكماهونَ المندوبِ العام في مصرَ كممثلٍ عنْ بريطانيا، وبالرغم منْ اعترافِ الحلفاءِ بالشريفِ كملكٍ للحجازِ وحليفٍ ساهمَ في الحربِ وحضورِ الأميرِ فيصلَ المؤتمرَ على هذا الأساسِ، وبالرغمِ منْ إعلانِ "المؤتمرِ السوري العام" سوريا بحدودِها الطبيعيّةِ دولةً مستقلةً استناداً إلى حقِّ تقريرِ المصيرِ إلا أنَّ معاهدةَ فرسايَ جاءتْ خلواً من أيِّ ذكرٍ لدولةٍ من أيِّ نوعٍ في آسيا العربية، وقررتْ فرنسا وبريطانيا تقاسُمَ "بلادِ الشام" (سوريا الطبيعية)، و"العراقِ" باسمِ الانتدابِ بناءً على اتفاقيةِ سايكس-بيكو لعامِ 1916م بينهما، واتفاقيةِ سانْ ريمو (25 أبريلَ/نيسانَ 1920م) المعدِّلةِ لها.
وفي معاهدةِ سيفرَ معَ الحلفاءِ اعترفتِ الدولةُ العثمانيةُ بالحالةِ السياسيّةِ الراهنةِ القائمةِ في مصرَ (كانتْ بريطانْيا أعلنتْ عليها الحمايةَ بُعيْدَ إعلانِ الحربِ العالميةِ الأولى) والسودانِ (بصفتهِ تحتَ الحكمِ الإنجليزي-المصري المشتركِ) وقبرصَ (كانتْ تحتَ الإدارةِ البريطانيةِ الفعليةِ والسيادةِ الاسميةِ العثمانيةِ منذُ العامِ 1878م)، والتخلي عما تبقّى منْ جزرِ بحرِ إيجه مما احتله الطليانُ خلالَ الحربِ، وبالحمايةِ الفرنسيةِ على المغربِ (كانتْ أعلنتْ عامَ 1911م) وتونسَ (أعلنتْ عامَ 1882م)، وتنازلتْ عن كل ما لها منْ حقوقٍ في البلادِ العربيةِ الأسيويةِ، سوريَّا، ومتصرفيةِ جبلِ لبنانِ وفلسطينَ والعراقِ، والحجازِ، ونجدٍ والإحساءِ، وعسيرٍ واليمنِ.
في النهايةِ وُضِعتْ كلٌّ منْ سوريَّا ولبنانَ تحتَ الانتدابِ الفرنسيِّ عامَ 1922م الذي لمْ يكُ أكثرَ منْ غطاءٍ دوليٍّ تحتَ مظلةِ عصبةِ الأممِ لأمرٍ واقعٍ (كانَ الجيشُ الفرنسيُّ أتمَّ احتلالَهما عامَ 1920م)، وكلٌّ من فلسطينَ والعراقِ تحتَ الانتدابِ البريطانيِّ عامَ 1922م (وقدْ احتُلّتا خلالَ الحربِ)، وأسِّستْ دولةٌ بإشرافٍ بريطانيٍّ هيَ إمارةُ شرقِ الأردن.
ردودُ الفعلِ
نتيجةُ أهدافِ المنتصرينَ المتنافسةِ -والمتعارضةِ أحياناً- جاءتِ المعاهدةُ حلاً وسطاً لمْ يرضِ أحداً. لمْ تغدُ ألمانيا مسالمةً ولا متصالحة، ولم تضعفْ بشكلٍ دائمٍ كما أرادتْ فرنسا، وستقودُ المشاكلُ التي نجمتْ عن معاهدةِ ڤرسايَ إلى معاهداتِ لوكارنو التي حسنتِ العلاقاتِ بينَ ألمانيا والقوى الأوروبيّةِ الأخر. وإعادةُ التفاوضِ على نظامِ التعويضاتِ أفضى إلى خطةِ دوز عامَ (1924م)، ثم "خطة يونغ" لجدولة الدبونِ، ثم تأجيلِ دفعِ التعويضاتِ إلى أجلٍ غيرِ مسمىً في مؤتمرِ لوزانَ (1932م). جرى الاستشهادُ بالمعاهدةِ -في بعضِ الأحيانِ- كأحدِ أسبابِ اندلاعِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ على الرغمِ منْ أنَّ تأثيرَها الفعليِّ -كما يعتقدُ- لمْ يكُ بالحدّةِ التي كانَ يُخشى منها، إلا أنَّ شروطَها -وربما كانَ هذا التأثيرَ الأهمَّ- أدّتْ إلى استياءٍ كبيرٍ في ألمانيا، وتضافرَ ذلكَ مع الحصارِ البحريِّ للحلفاءِ الذي تبعَ الحربَ، والدمارِ، والاقتصادِ الهشِّ صنيعةِ الحربِ، وما آلَ إليهِ من التضخمِ الفاحشِ (18-1923م)، ما أفضى إلى مجاعةٍ قدرَ ضحاياها بنصفِ مليونٍ، دفعَ ذلكَ كلهُ إلى انتشارِ التيّاراتِ المتطرفةِ كالشيوعيّةِ والنازيّةِ، وآلَ في نهايةِ المطافِ إلى بزوغِ نجمِ أدولف هتلر.
رأى البعض منَ الساسةِ الإنجليزِ ومنَ الكومنولث أنَّ السياسةَ الفرنسيةَ كانتْ جشعةً وانتقاميّة، [57] وكان لدى "لويد جورج" شعورٌ بأنَّ الفرنسيينَ سيُبْقونَ أوروپا في حالةِ اضطرابٍ مستمرٍ بفعلِ حرصهمْ على صونِ المعاهدة. [57] أصدر الجنرالُ سموتز (صاحبُ فكرةِ الانتدابِ) بياناً يدينُ المعاهدةَ، ويأسفُ لعدمِ كتابةِ الوعودِ "بنظامٍ دوليٍّ جديدٍ وعالمٍ أكثرَ عدلاً وأفضلَ في هذهِ المعاهدة"!!. لقيتْ المعاهدةُ قبولاً واسعاً لدى رجلِ الشارعِ الإنجليزيِّ [58] لكنَّ الرأيَ العامَّ تغيرَ مع تصاعدِ الشكوى الألمانيّةِ[59] حتى أعربَ "رمزي ماكدونالد" (1866-1937) رئيسُ الوزارةِ البريطانيةِ (24-1935) -بعدَ الإعلانِ عنْ إعادةِ عسكرةِ منطقةِ الراينلاند (1936)- عن سرورهِ لأن المعاهدةَ تتلاشى، وأمله بأنَّ الفرنسيينَ قد تلقَّوا درساً قاسياً.[60]
بذلتْ كندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوبُ إفريقيا مساهماتٍ كبيرةً في المجهودِ الحربي البريطاني، ولكن كدولٍ منفصلةٍ لا كمستعمراتٍ بريطانية. ووقعت على المعاهدةِ بشكلٍ مستقلٍّ في حينِ لم يجرِ اتتعاملُ مع الهندِ -التي وقعتْ أيضاً وقدمتْ مساهمةً عسكريةً كبيرةً كذلكّ- بالسويّةِِ ذاتِها، إذ بقيتْ خاضعةً لسيطرةٍ مباشرةٍ من بريطانيا. كان ذلك مثالاً صارخاً عن الازدواجيةِ في التعامل مع الشعوبِ ذواتِ الأصلِ الأوروبي وسواها.
رأى اليمينُ الفرنسيُّ أنَّ المعاهدةََ كانتْ متساهلةً للغايةِ، وأنها فشلتْ في تحقيقِ جميعِ مطالبِ فرنسا. انتقادٌ للفشل في ضمِّ الراينلاند وللمساومةِ على الأمنِ الفرنسي لصالحِ الولاياتِ المتحدةِ وبريطانيا، فيما هاجمَ اليساريّونَ المعاهدةَ وكليمنصو معاً لكونها شديدةَ القسوة. [58][59][61] وعندما ترشح "كليمنصو" لرئاسةِ الجمهوريةِ في ينايرَ/كانونَ الأولَ (1920) خسر.[61]
رفضَ الكونغرسُ الأمريكي إقرارَ المعاهدةِ بفعلِ الأغلبيّةِ الجمهوريّةِ في مجلسِ الشيوخِ، وأبرمتِ الولاياتُ المتحدةُ السلامَ مع ألمانيا والنمسا والمجرِ بمعاهداتٍ ثنائيّةٍ لاحقة، ولم تنضمَ إلى عصبة الأمم مفضلةً الالتزامَ بـ"عقيدة مونرو" (بالإنجليزية: Monroe Doctrine).
قيلَ الكثيرُ عن (المادةِ 231) الشهيرةِ بـ"عبارةِ ذنبِ الحربِ" (بالإنجليزية: "War Guilt Clause") وهيَ أولُ مادةٍ في القسمِ المخصّصِ للتعويضاتِ في المعاهدةِ. قيلَ بأنها لم تترجمْ بشكلٍ صحيحٍ للجانبِ الألمانيّ، وأنَّ صيغتها التاليةَ كما وردتْ في النسخةِ التي سُلّمتْ للحكومةِ الألمانيّةِ: «تعترفُ ألمانيا، بأنَّ ألمانيا وحلفاءَها -بصفتهم بادئي الحربِ- مسؤولونَ عنْ جميعِ الخسائرِ والأضرارِ...» كانتْ نتيجةَ ترجمةٍ غيرِ دقيقةٍ للنصِّ الأصليِّ -المحرَّرِ بكلتا اللغتينِ الفرنسيةِ والإنجليزيةِ- وهيَ صيغةٌ اعتبرَتْ مهينةً، وأدّتْ إلى شعورٍ بالإذلالِ في أوساطِ الشعبِ الألمانيِ. وجدَ الرأيُ العامُّ هذهِ المادةَ بأنها ظالمةٌ، فإذا كانَ لألمانيا (وحلفائها) نصيبُها -بالطبعِ- من المسؤوليّةِ إلآ أنْه ليستِ المسؤوليّةَ كاملةً، كانَ ثمّة رأيٌ مفادُهُ أنّ ألمانيا قدْ «تخلتْ عنْ كرامتِها»[62] [63] أدركَ المسؤولونَ «أنَّ موقفَ ألمانيا حيالَ هذا الموضوعِ لمْ يكُ حسناً لأنَّ الحكومةَ الإمبرياليّةَ دفعتِ الشعبَ الألمانيَّ إلى الإيمانِ بها خلالَ الحربِ» [64] كانتِ الحكومةُ واقعةً بينَ مطرقةٍ وسندانٍ، فمنْ جهةٍ كانَ هناكَ الغضبُ الشعبيُّ، ومنْ جهةٍ أخرى كانَ ضغطُ الحلفاءِ. فيما بعدُ سيسعى السياسيّونَ والمؤرّخونَ كلٌّ منَ جهتهِ إلى إثباتِ أنَّ ألمانيا لمْ تكُ وحدَها المذنبةُ في التسبّبِ بالحربِ؛ فإذا أمكنَ دحضُ هذهِ الحجةِ فإنَّ الادّعاءَ القانونيَّ الذي يدعمُ فرضَ التعويضاتِ سينهار. [65]
كتبَ صديقُ ويلسونَ السابقُ الكولونيلُ "إدوارد ماندل هاوس" -الذي حضرَ المفاوضاتِ- في مذكراتهِ في 29 يونيو 1919 ثانيَ يومِ التوقيعِ:
"سأغادرُ باريسَ بعدَ ثمانيةِ أشهرٍ مصيريّةٍ بمشاعرَ متضاربة. بالنظرِ إلى المؤتمرِ في وقتٍ لاحقٍ ثمةَ الكثيرُ مما يجبُ الموافقةُ عليهِ، والندمُ عليه. من السهلِ تحديدُ ما كانَ يجبُ فعله، ولكنْ من الأصعبِ العثورُ على طريقةٍ للقيامِ بذلك. بالنسبةِ لأولئكَ ممّن يقولونَ إنَّ المعاهدةَ سيئةٌ ولاينبغي أبداً إبرامُها وأنها ستشركُ أوروبا في صعوباتٍ لا حصرَ لها في تنفيذها، أشعرُ برغبةٍ في الاعترافِ بها. لكنّي أودُّ أن أقولَ ردّاً على ذلكَ أيضاً لايمكنُ تحطيمُ الإمبراطوريات وإقامةُ دولٍ جديدةٍ على أنقاضها دونما إزعاج. خلقُ حدودٍ جديدةٍ هوَ خلقُ مشاكلَ جديدة؛ الواحدُ يتبعُ الاخرَ. بينما كانَ يجبُ أن أفضّلَ سلاماً مختلفاً إلا أنني أشكُّ كثيراً في إمكانيةِ صنعه". [66]
تقييماتٌ تاريخيةٌ
ينقسمُ المؤرخونَ حولَ تأثيرِ المعاهدة. فقدِ اعتبرها بعضهم حلاً جيّداً في وقتٍ صعبٍ، ورأى آخرونَ أنّها إجراءٌ كارثيٌّ كانَ من شأنِهِ أنْ يغضبَ الألمانَ ويدفعهمْ للسعيِ للانتقام. إنَّ التأثيرَ الفعليَّ للمعاهدةِ محلُّ خلافٍ أيضاً. [67]
في كتابهِ "التبعاتُ الاقتصاديّةُ للسلام" (بالإنجليزية: The Economic Consequences of the Peace) وصفَ جون مينارد كينز (1883-1946) -الممثلُ الرئيسُ لوزارةِ الخزانةِ البريطانيةِ في مؤتمرِ باريسَ- معاهدةَ ڤرسايَ بـ"سلامٍ قرطاجيٍّ"، وأنها محاولةٌ مضللةٌ لتدميرِ ألمانيا لصالحِ الانتقامِ الفرنسي عوضاً عنْ اتّباعِ المبادئ الأكثرِ عدلاً من أجلِ سلامٍ دائم. عنِ النقاطِ الأربعَ عشرةَ للرئيسِ "وودرو ويلسون" -التي قبلتها ألمانيا عندَ الهدنة- قال كينز: «أعتقد أن الحملةَ لتأمينِ التكاليفِ العامةِ للحربِ... كانتْ واحدةً من أخطرِ أعمالِ اللاحكمةِ السياسيّةِ التي كان رجالُ الدولةِ مسؤولينَ عنها على الإطلاق». [68] أعربَ "كينزُ" عنِ اعتقادِهِ أنَّ التعويضاتِ التي طُلبتْ من ألمانيا كانتْ أكثرَ بعدةِ مراتٍ مما يمكنُ لألمانيا أن تدفعه، وأنها ستؤدي إلى عدمِ استقرارٍ شديد. ورأى أن من شأن التعويضاتِ أن تشلَّ الاقتصادَ الألماني. وقتذاك كان رأيُ كينز مدعوماً إلى حدًّ كبيرٍ، أما اليومَ وعلى الرغم من العديدِ من المؤرخينَ الذين يرون أنّ التعويضاتِ كانَتْ رهقاً، إلا أنّهم يعتقدون أنه كانَ من الممكن أداؤها. [53]
لقد جودِلَ -على سبيلِ المثالِ من قبلِ المؤرخِ "چرهارد واينبرج" في كتابهِ "عالمٌ تحتَ السلاحِ"- أنَّ المعاهدةَ كانتْ في الواقع مفيدةً للغايةِ لألمانيا. جرى الحفاظُ على الرايخ البسماركي كوحدةٍ سياسيّةٍ بدلاً من تفككهِ، ونجت ألمانيا إلى حد كبيرٍ من الاحتلالِ العسكري بعد الحربِ (على عكسِ الوضعِ عقبَ الحرب العالمية الثانية). وفي مقالٍ له عامَ 1995 أشارَ "واينبرج" إلى أنه مع اختفاءِ "النمسا-المجر" وانسحابِ روسيا من أوروبا أضحت ألمانيا القوةَ المهيمنةَ في أوروبا الشرقية. [69]
زعمَ المؤرخُ العسكريُّ البريطانيُّ "كوريلي بارنيت" أنَّ معاهدةَ ڤرساي كانت «متساهلةً للغايةِ مقارنةً بشروطِ السلامِ التي كانتْ ألمانيا نفسُها -عندما كانت تتوقعُ الفوزَ في الحربِ- تفكرُ في فرضها على الحلفاءِ». علاوةً قالَ: إنها كانتْ «بالكادِ صفعةً على الرسغِ» عندما تقاطعُ مع معاهدةِ بريست-ليتوفسك" التي فرضتها ألمانيا على الاتحاد السوفييتي الروسي المهزومِ في مارسَ/آذارَ (1918)، والتي سلبتْ ثلثَ سكانِ روسيا (وإنْ كانَ معظمهم من غيرِ العرقِ الروسي)، ونصفَ المشاريعِ الصناعيّةِ الروسيّةِ، وتسعةَ أعشارِ مناجمِ الفحمِ الروسيّةِ إلى جانبِ تعويضٍ ستةِ ملياراتِ مارك. [70] في النهايةِ حتى وفقَ الشروطِ "القاسيةِ" لمعاهدةِ ڤرسايَ تمتْ عودةُ الاقتصادِ الألماني إلى وضعهِ السابقِ على الحرب.
ادعى بارنيت أيضاً: «من الناحيةِ الإستراتيجيّةِ فإن ألمانيا كانت في الواقعِ في وضعٍ متفوقٍ بعد المعاهدةِ عما كانتْ عليه عامَ 1914م. واجهتِ الحدودُ الشرقيةُ لألمانيا روسيا والنمسا اللتيْنِ كانتا في الماضي توازنانِ القوةَ الألمانية». يؤكدُ "بارنيت" أن حدودَها الشرقيةَ بعدَ الحربِ كانتْ أكثرَ أمناً، لأن الإمبراطوريةَ النمساويةَ السابقةَ انقسمتْ بعد الحربِ إلى دولٍ أصغرَ وأضعفَ، ودُمرتْ روسيا بالثورةِ والحربِ الأهليّةِ، وبولندا المستعادةُ حديثاً لم تكنُ حتى لتقابلَ ألمانيا المهزومة. في الغربِ كانت ألمانيا مُوازَنةً فقط مع فرنسا وبلجيكا، وكلاهما كانَ أقلَّ منْ حيثُ عددُ السكانِ والنشاطِ الاقتصادي من ألمانيا. يختمُ "بارنيت" بالقولِ: «إنه بدلاً من إضعافِ ألمانيا، فإنَّ المعاهدةَ "عززتْ كثيراً" القوةَ الألمانيّةَ». [71] كانَ يجبُ على بريطانيا وفرنسا (وفقاً لبارنيت): «تقسيمُ ألمانيا وإضعافُها بشكلٍ دائمٍ منْ خلالِ التراجعِ عن عملِ "بسمارك" وتقسيمِ ألمانيا إلى دولٍ أصغرَ وأضعفَ بحيث لايمكن أبداً تعطيلُ السلامِ في أوروبا مرةً أخرى». [72] ومنْ خلالِ الفشلِ في القيامِ بذلكَ، وبالتالي عدمُ حلِّ مشكلةِ القوةِ الألمانيّةِ واستعادةِ التوازنِ في أوروبا، فإنَّ بريطانيا «فشلتْ في هدفِها الرئيسي منَ المشاركةِ في الحربِ العظمى». [73]
ورأى المؤرخُ البريطاني لألمانيا الحديثة "ريتشارد ج. إيفانز" أنَّ اليمينَ الألماني وأحزابَ اليسارِ كذلكَ كانا معارضيْنِ للمعاهدةِ على السواء، وجادلَ بأنه من غير الصحيحِ أنَّ ڤرسايَ تسببت بالنهايةِ المبكرةِ للجمهوريةِ، بدلاً من ذلك أكّدَ أنَّ "الكسادَ الكبيرَ" أوائلَ الثلاثيناتِ هو ما وضعَ حدّاً للديمقراطيّةِ الألمانية [يقصدُ ببروزِ النازية]، كما جادلَ بأن ڤرسايَ لمْ تكُ السببَ الرئيسَ للاشتراكيّةِ القوميّةِ [أو النازية] وأنَّ الاقتصادَ الألماني «تأثرَ بشكلٍ هامشيٍّ فقط بتأثيرِ التعويضات». [74]
أشارتْ المؤرخةُ الأميركيّةُ ذاتُ الأصلِ البولندي "إيڤا طومسون" إلى أن المعاهدةَ سمحت للعديدِ من الدولِ في وسطِ أوروبا وشرقها بتحريرِ نفسها منَ الحكمِ الألماني القمعي، وهيَ حقيقةٌ غالباً مايتجاهلها التأريخُ الغربي الأكثرِ اهتماماً بفهم وجهةِ النظرِ الألمانية. ففي الدولِ التي وجدت نفسها حرةً نتيجةَ المعاهدةِ -كالبولنديين أو التشيك- يُنظر إلى المعاهدةِ على أنها رمزٌ للاعترافِ بالأخطاءِ المرتكبةِ ضدَّ الدولِ الصغيرةِ منْ قبلِ جيرانها العدوانييّنَ الأكبرِ حجماً. [75]
أدى الاستياءُ من المعاهدةِ إلى أرضيةٍ نفسيّةٍ خصبةٍ للصعودِ النهائيِّ للحزبِ النازي، لكنَّ المؤرخَ الأستراليَّ ذا الأصلِ الألماني "يورچن تامْبكه" حاججَ بأنه كانَ «تشويهاً غادراً للتاريخ» القولُ بأنَّ البنودَ منعتْ نموَّ الديمقراطيّةِ في ألمانيا وساعدتْ على نموِّ الحزبِ النازيِّ؛ قائلِاً إنَّ شروطها لم تكُ عقابيّةً -كما هوَ معتقدٌ- وإن التضخمَ الألمانيَّ المفرطَ في عشريناتِ القرنِ الماضي كان جزئيّاً سياسةً متعمّدةً لتقليلِ تكلفةِ التعويضاتِ، وكمثالٍ على الحججِ ضد "إملاء-ڤرساي" يقتبسُ منْ "إليزابيث ويسكمان" التي سمعتْ أرملتيْ ضابطينِ في "فيسبادن" تتذمّرانِ منْ أنّه «بسببِ نفادِ مخزونِهما منَ الجواربِ الكتانيّةِ فقدْ توجّبَ عليهنَّ غسلُ الكتانِ مرةً كلَّ أسبوعينِ بدلاً من مرةٍ واحدةٍ في الشهر!» [76] [كدلالةٍ ساخرةٍ على الأزمةِ خفيفةِ الوطأةِ التي كانتْ تعانيها الشريحةُ الوسطى من المجتمعِ الألماني].
كتبَ المؤرخُ الألمانيُّ "ديتليف بويكِرت" أنّ ڤرسايَ كانتْ بعيدةً كل البعدِ عنِ "السلامِ المستحيلِ" الذي ادّعى معظمُ الألمانِ أنه كانَ خلالَ فترةِ ما بينَ الحربينِ، وعلى الرغم من أنه لايخلو من العيوبِ فقد كانَ في الواقعِ معقولاً تماماً لألمانيا. بدلاً من ذلك حاججَ بويكِرت بأنه كانَ يُعتقدُ على نطاقٍ واسعٍ في ألمانيا أن ڤرسايَ كانتْ معاهدةً غيرَ معقولةٍ تماماً، وكانَ هذا "التصورُ" وليسَ "حقيقةُ" معاهدةِ ڤرسايَ هوَ المهم. لاحظَ بويكِرت أنه بسببِ "الآمالِ الألفية" [نسبةً إلى ألفَ سنةٍ] -التي نشأتْ في ألمانيا خلال الحربِ العالميةِ الأولى عندما بدا لبعضِ الوقتِ أن ألمانيا كانتْ على وشكِ غزوِ كلِّ أوروبا- فإنَ أيَّ معاهدةِ سلامٍ سيفرضها الحلفاءُ عقبَ الحربِ على الرايخِ الألماني المهزومِ كانَ من المحتّمِ أنْ يوجدَ ردَّ فعلٍ قوميّاً عنيفاً، ولم يكُ ثمة شيءٌ يمكنُ للحلفاءِ فعله لتجنبِ ردِّ الفعلِ العنيفِ هذا. علقَ بويكِرت على أن سياسةَ التقاربِ مع القوى الغربيّةِ التي نفذها "چوستاف ستريسيمان" بين عاميْ 1923 و1929 كانتْ سياساتٍ بناءةً لربما سمحت لألمانيا بلعبِ دورٍ أكثرَ إيجابيّةً في أوروبا، وأنه لم يكنْ صحيحاً أن الديمقراطيّةَ الألمانيةَ كانَ محكوماً عليها بالموتِ عامَ 1919 بسبب ڤرساي. أخيراً جادلَ بويكِرت بأنَّ "الكسادَ الكبير" وفي الوقتِ نفسهِ التحولَ إلى سياسةٍ قوميّةٍ للاكتفاءِ الذاتي داخلَ ألمانيا هوَ ما أنهى جمهوريةَ ڤايمار، وليسَ معاهدةَ ڤرساي. [77]
ذكرَ المؤرخُ الفرنسيُّ "ريموند كارتييه" أنَّ ملايينَ الألمانِ في إقليم "السوديت"، و"بوزِن" (بوزنان) (في بروسيا الغربيةِ) قدْ وُضعوا تحت حكمٍ أجنبيٍّ في بيئةٍ معاديةٍ، حيثُ جرى توثيقُ المضايقاتِ وانتهاكِ الحقوقِ من قبلِ السلطات. ويؤكدُ "كارتييه" أنه منْ أصلِ 1,058,000 ألمانيٍّ في بوزن عامَ 1921م هربَ 758,867 من ديارهم في غضونِ خمسِ سنواتٍ بسببِ المضايقاتِ البولندية. أدتْ هذهِ الصراعاتُ العرقيّةُ الشديدةُ إلى مطالبَ عامةٍ بإعادةِ ضمِّ الأراضي المقتطعةِ لتصبحَ ذريعةَ هتلر لضمِّ "تشيكوسلوفاكيا" (1939) وأجزاءٍ منْ بولندا.
وفقاً لـ"ديفيد ستيفنسون" فقد أبدى معظمُ المعلقينَ -منذ فتحِ الأرشيفاتِ الفرنسيّةِ- ملاحظاتٍ على ضبطِ النفسِ الفرنسيِّ ومعقوليّةٍ في المؤتمرِ على الرغمِ من أنَّ "ستيفنسون" أشارَ إلى أنَّ "هيئةَ المحلفينَ كانتْ خارجَ الخدمةِ"، وأنه "ثمةَ دلائلُ على أنَّ نوّاسَ الحكمِ كانَ يتأرجحُ في الاتجاهِ الآخرِ". [78] [كدلالةٍ على التحيزِ الذي سادَ أروقةَ المؤتمر].
الهوامش
- الحقُّ أنَّ مبادئَ ويلسونَ طالبتْ بإدارةٍ عادلةٍ للمستعمراتِ تخدمُ مصالحَ شعوبها، فلمْ تكُ فكرةُ "الانتدابِ" قدْ بزغتْ بعدُ.
- جوبالاند: إقليمٌ يقعُ جنوبَ غربيِّ الصومالِ على خطِّ الاستواءِ بينَ الصومالِِ من الشرقِ، وكينيا من الغربِ، وإثيوبيا من الشمالِ، والمحيطِ الهنديِّ من الجنوبِ، ضمّته إيطاليا من مستعمرةِ كينيا البريطانيّةِ.
- قطاع أوزو: شريطٌ من الأرضِ الصحراويّةِ على طولِ الحدودِ الليبيّةِ-التشاديّةِ بطولِ حواليْ ستمئةِ ميلٍ، ومساحةِ حواليْ ثمانينَ ألفِ كيلومتر مربع
- "ترييستي": مرفأٌ إيطاليٌّ هامٌّ على الأدرياتيك، كانتْ محلَّ نزاعٍ على السيطرةِ بينَ يوچوسلاڤيا وإيطاليا عقبَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ. ذكرها الإدريسيُّ باسمِ "إصطاجانكو": «ومنْ كرادس [(بالإيطالية: Grado)] إلى إصطاجانكو خمسةُ أميالٍ وهيَ مدينةٌ متحضرةٌ كبيرةُ القطرِ عامرةٌ بالأجنادِ والعمّالِ والرّجالِ والتّجارِ والصّناعِ، وهيَ حصينةٌ على نهرٍ كبيرٍ يأتي إليها منْ مسافةٍ قريبةٍ لكنّهُ كبيرٌ ومنهُ شربُهمْ، وهذهِ المدينةُ على آخرِ طرفِ جُونِ البنادقةِ [الجُون: الخليج] وآخرِ بلادِ البنادقييّنَ وفُرْضةُ [أي منفذُ] بلادِ إيكلاية [(باللاتينية: Aquileia)] وفيها أسطولٌ يغزي».
من كتاب "نزهةُ المشتاقِ في اختراقِ الآفاقِ" للشريفِ الإدريسيِّ (493-559)هـ\(1100-1166م). - كانتِ النظرةُ العامّةُ إلى المستعمراتِ على أنها ممتلكاتٌ وحسبْ.
المراجع
- Treaty of Versailles Preamble نسخة محفوظة 05 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles Signatures and Protocol نسخة محفوظة 05 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part VII نسخة محفوظة 03 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part III نسخة محفوظة 03 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part XII نسخة محفوظة 03 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Treaty of Versailles/Part VIII نسخة محفوظة 03 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Thomson, David (1970), p. 605.
- Haigh, Christopher, ed. (1990).
- Slavicek, Louise Chipley (2010), pp 43-44
- Schmitt, Bernadotte (1960), 104 (1): 101–110.
- Brezina, Corona (2006). Primary Sources of American Treaties.
- Yearwood, Peter J. (2009). Guarantee of Peace
- Slavicek, Louise Chipley (2010). PP 43-44.
- Keynes, John Maynard (1920). P 34.
- Keylor, William R. (1998). p. 34.
- Keylor, William R. (1998). p. 43.
- Lentin, Antony (1992), Vol. 42 no. 12, p. 28.
- Lentin, Antony (1992), Vol. 42 no. 12, p. 28–32.
- Trachtenberg, Marc (1982), 17 (3): 487–506.
- Trachtenberg, Marc (1982), 17 (3). P 490.
- Cooper, John Milton (2011), pp. 454, 505.
- Brezina, Corona (2006). P 21.
- Slavicek, Louise Chipley (2010). PP 46 & 7.
- Slavicek, Louise Chipley (2010). P 65.
- Probst, Robert (28 June 2019). Süddeutsche Zeitung (in German).
- Slavicek, Louise Chipley (2010). p 114.
- Treaty of Versailles نسخة محفوظة 05 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- name="Treaty_of_Saint-Germain-en-Laye_ 19
- معاهدة نويي
- معاهدة تريانون
- معاهدة سيفر
- يوغوسلافيا
- Truitt, Wesley B. (2010), P 114.
- Martin (2007), p xiii
- Russell, Frank M. (1951). pp 103-106.
- Reinach, Joseph (1920), p 193.
- Ther, Philipp & Siljak, Ana, eds. (2001). p 123.
- Bullivant, Keith; Giles, Geoffrey & Pape, Walter, eds. (1999).
- Albrecht-Carrie, Rene (1940). p 9.
- ٍSteiner 2007, p 75.
- Peckham, Robert Shannan, ed. (2003). P 107.
- Peckham 2003, p 107.
- Effectives and Cadres of the German Army نسخة محفوظة 04 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Text of the Treaty of Saint-Germain-en-Laye نسخة محفوظة 04 أكتوبر 2018 على موقع واي باك مشين.
- Frucht, Richard, ed. (2004). p 24.
- Martin, Lawrence (2007) [First published 1924]. p iii.
- Brezina, Corona (2006). P 34.
- Boemeke, Manfred F.; Feldman, Gerald D. & Glaser, Elisabeth, eds. (1998). P 325.
- Treaty of Versailles, Article 430-Western Europe نسخة محفوظة 03 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Shuster, Richard (2006). P 74.
- Treaty of Versailles نسخة محفوظة 03 2يناير9 على موقع واي باك مشين.
- Martel, Gordon, ed. (2010). p 156.
- "Why Did World War I Just End?", Claire Suddath, "Time" Site, موقع مجلة تايم، 27/10/2010. اطلع عليه بتاريخ 11/02/2021.
- فؤاد مفرج: ص 12.
- ستيفن همسلي لونغريغ (1958): ص 114.
- Marshall, Ernest (8 فبراير 1919). "Desires of Hedjaz Stir Paris Critics" (PDF). New York Times. مؤرشف من الأصل (PDF) في 17 ديسمبر 2019. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - Lovin, Clifford R. (1997), pp 9 & 96.
- ٍSchmitt (1960), p 104.
- Bell (1997), p 22.
- Stevenson (1998), p 10.
- Henig (1995), p 52.
- Morrow (2005), p 290.
- Binkley & Mahr (1926), p 400.
- Boemeke, Feldman & Glaser (1998), p 38 & p 537.
- Albrecht-Carrié (1940), p 15.
- Schiff, Judith Ann (1 August 1996).
- TNA (The National Archive): The Great War 1914 to 1918 n.d.
- Keynes (1920).
- Weinberg, Gerhard L. (2008) [First published 1995]. p. 16.
- Barnett, Correlli (2002). p. 392.
- Barnett, Correlli (1986). p 316.
- Barnett, Correlli (1986). p 318.
- Barnett, Correlli (1986). p 319.
- Evans, Richard J. (1989). p 107.
- Thompson, Ewa (n.d.).
- Tampke, Jürgen (2017). pp. vii, xii.
- Peukert, Detlev (1992). p. 278.
- Stevenson (1998), p 11.
بيانات المراجع
- المراجع العربية
- فؤاد مفرج (1933). رسالةٌ في الانتدابِ. بيروت، لبنان، (الطبعة الأولى، نسخة pdf). مطبعةُ صادرَ. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- ستيفن همسلي لونغريغ (دونما تاريخ، الطبعة الإنجليزية 1958). تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي [Syria and Lebanon under French Mandate]. بيروت، لبنان. تُرجم بواسطة بيار عقل (الطبعة الأولى، نسخة pdf). دار الحقيقة. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة)
- المراجع الأجنبية
- Correlli Barnett (1986). The Collapse of British Power. Prometheus Books. ISBN 978-039103-439-6. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Correlli Barnett (2002). The Collapse of British Power. "Pride and Fall" sequence. London: Pan. ISBN 978-033049181-5. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- P.M.H Bell (1997) [1986]. The Origins of the Second World War in Europe (الطبعة الثانية). London: Pearson (via Internet Archive). ISBN 978-058230-470-3. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Manfred F. Boemeke; Gerald D. Feldman; Elisabeth Glaser (1998). Versailles: A Reassessment after 75 Years (الطبعة الأولى). Cambridge: Publications of the German Historical Institute, Cambridge University Press. ISBN 978-052162-132-8. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Corona Brezina (2006). The Treaty of Versailles, 1919: A Primary Source Examination of the Treaty That Ended World War I. Primary Sources of American Treaties. London: Rosen Central. (via Internet Archive). ISBN 978-140420-442-3. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- John Milton Cooper (2011). Woodrow Wilson: A Biography (باللغة الإنجليزية). Vintage Books. ISBN 978-030727790-9. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Richard J. Evans (1989). In Hitler's Shadow: West German Historians and the Attempt to Escape from the Nazi Past (باللغة الإنجليزية) (الطبعة الأولى). Pantheon Books (via Internet Archive). ISBN 978-067972-348-6. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Richard Frucht (2004). Eastern Europe: An Introduction to the People, Lands, and Culture (باللغة الإنجليزية) (الطبعة الأولى). ABC-CLIO. (via Internet Archive). ISBN 978-157607-800-6. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Christopher Haigh (1990). The Cambridge Historical Encyclopedia of Great Britain and Ireland (باللغة الإنجليزية) (الطبعة الأولى). Cambridge: Cambridge University Press. (via Internet Archive). ISBN 978-052139-552-6. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Ruth Henig (1995) [1984]. Versailles and After: 1919–1933 (باللغة الإنجليزية) (الطبعة الأولى). London: Routledge. ISBN 978-041512710-3. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- William R. Keylor (1998). The Legacy of the Great War: Peacemaking, 1919 (باللغة الإنجليزية). Boston and New York: (Archived from the original on October 2013) Houghton Mifflin. ISBN 0-669-41711-4. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- John Maynard Keynes (1920). The Economic Consequences of the Peace (باللغة الإنجليزية). London: Harcourt Brace and Howe. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Antony Lentin (1992). "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919" (باللغة الإنجليزية). London: Harcourt Brace and Howe. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Gordon Martel (1992). A Companion to Europe 1900–1945 (باللغة الإنجليزية). Hoboken NJ: Wiley-Blackwell. ISBN 978-1-444-33840-9. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Robert Shannan Peckham (2003). Rethinking Heritage: Cultures and Politics in Europe (باللغة الإنجليزية) (الطبعة الأولى). I.B.Tauris. ISBN 978-186064-796-3. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Detlev Peukert (1992). The Weimar Republic: The Crisis of Classical Modernity (باللغة الإنجليزية). تُرجم بواسطة Richard Deveson. Hill & Wang. ISBN 978-080909674-9. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Joseph Reinach (1920). Le rôle de l'impératrice Eugénie en septembre et octobre 1870. Revue d'Histoire du XIXe siècle – 1848 (باللغة الفرنسية) (الطبعة 1920). Société d'Histoire de la Révolution de 1848. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Judith Ann Schiff (1 August 1996). Bibliographical Introduction to "Diary, Reminiscences and Memories of Colonel Edward M. House (باللغة الإنجليزية). Yale University Library and Social Science Statistical Laboratory. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Richard Shuster (2006). German Disarmament After World War I: The Diplomacy of International Arms Inspection 1912–1931. Strategy and History (باللغة الإنجليزية). New York: Routledge. ISBN 978-041535808-8. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Louise Chipley Slavicek (2010). The Treaty of Versailles. Milestones in Modern World History (باللغة الإنجليزية). Chelsea House Publications. ISBN 978-160413-27-9 تأكد من صحة
|isbn=
القيمة: length (مساعدة). الوسيط|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- David Stevenson (1998). France at the Paris Peace Conference: Addressing the Dilemmas of Security". French Foreign and Defence Policy, 1918–1940: The Decline and Fall of a Great Power (باللغة الإنجليزية). New York: Routledge. ISBN 978-0-415-15039-2. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Jürgen Tampke (2010). A Perfidious Distortion of History (باللغة الإنجليزية). Melbourne: Scribe. ISBN 978-192532-1-944. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- David Thomson (1970). Europe Since Napoleon (باللغة الإنجليزية). Penguin Books. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- TNA (The National Archive) (n.d). The Great War 1914 to 1918 (باللغة الإنجليزية). الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في:|سنة=
(مساعدة)
- Wesley B. Truitt (2010). Power and Policy: Lessons for Leaders in Government and Business (باللغة الإنجليزية). Praeger. ISBN 978-031338-240-6. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Gerhard L. Weinberg (2008) [1995]. Germany, Hitler, and World War II: Essays in Modern German and World History (باللغة الإنجليزية). Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 978-052156626-1. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Peter J. Yearwood (2009) [1995]. Guarantee of Peace: The League of Nations in British Policy 1914-1925 (باللغة الإنجليزية). Oxford: Oxford University Press. ISBN 978-019922-673-3. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- المجلات
- Trachtenberg, Marc (1982), "Versailles after Sixty Years", Journal of ContemporaryHistory, 17 (3): 487–506, doi:10.1177/002200948201700305, JSTOR 260557, S2CID 154283533
- Marc Trachtenberg (1982). "Versailles after Sixty Years". Journal of Contemporary History (باللغة الإنجليزية). Vol. 17 no. no. 3. صفحة 487–506. doi:10.1177/002200948201700305. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Schmitt, Bernadotte (1960), "The Peace Treaties of 1919-1920", Proceedings of the American Philosophical Society, 104 (1): 101–110, JSTOR 985606
- Bernadotte Schmitt. "The Peace Treaties of 1919-1920". Proceedings of the American Philosophical Society (باللغة الإنجليزية). Vol. 104 no. no. 1. صفحات 101–110. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- Lentin, Antony (1992), "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919", History Today, vol. 42 no. 12, ProQuest 1299048769
- Antony Lentin (1992). "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919". History Today (PDF)
|format=
بحاجة لـ|url=
(مساعدة) (باللغة الإنجليزية). Vol. 42 no. 12. الوسيط|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- مواقع ويب
Why Did World War I Just End?" By Claire Suddath, Monday, Oct. 04, 2010", Time Magazine Web.
- بوابة عقد 1920
- بوابة السياسة
- بوابة الإمبراطورية الألمانية
- بوابة فرنسا
- بوابة الحرب العالمية الأولى
- بوابة القانون
- بوابة الأمم المتحدة
- بوابة عقد 1910
- بوابة علاقات دولية