اقتصاد كينزي جديد

الاقتصاد الكينزي الجديد هو مدرسة للاقتصاد الكلي المعاصر تسعى جاهدة لتوفير أسس الاقتصاد الجزئي للاقتصاد الكينزي. تطورت هذه الأفكار جزئيًا ردًا على انتقادات وجهها  أتباع الاقتصاد الكلاسيكي الجديد للاقتصاد الكينزي.

يحدد افتراضان رئيسيان النهجَ الكينزي الجديد للاقتصاد الكلي؛ فمثل النهج الكلاسيكي الجديد، يفترض أن الأسر والشركات لديها توقعات عقلانية، لكن المدرستان تختلفان في نقطة أساسية: يفترض التحليل الكينزي الجديد مجموعة متنوعة من إخفاقات السوق، منها وجود منافسة غير كاملة في تحديد الأسعار والأجور للمساعدة في تفسير ثباتها أو عدم تكيفها مع تغيرات الظروف الاقتصادية. [1]

يعني ثبات الأجور والأسعار وغيرها من إخفاقات السوق الأخرى الموجودة في النماذج الكينزية الجديدة أن الاقتصاد قد يفشل في تحقيق التوظيف الكامل. لذلك، يجادل الكينزيون الجدد بأنّ تدخل الحكومة عبر السياسة المالية وتدخل المصرف المركزي عبر السياسة النقدية لفرض استقرار الاقتصاد الكلي يمكن أن يؤديان إلى نتائج اقتصادية كلية أكثر كفاءة من سياسة عدم التدخل.

تطور النموذج الاقتصادي الكينزي

فشل سوق العمل: أجور الكفاءة

قدم الكينزيون الجدد تفسيرات لفشل سوق العمل في تحقيق التوازن. في السوق الوالراسي، يعرض العمال العاطلون عن العمل تخفيض الأجور حتى يتساوى الطلب على اليد العاملة مع المعروض منها. إذا كانت الأسواق والراسية، فإن صفوف العاطلين عن العمل ستقتصر على العمال الذين ينتقلون بين الوظائف والعمال الذين يختارون عدم العمل لأن الأجور منخفضة ولا تجذبهم. طوروا عدة نظريات تشرح لماذا تترك الأسواق العمال الراغبين في العمل عاطلين عنه، وكانت أهم نظرياتهم هي نظرية أجور الكفاءة المستخدمة لشرح الآثار طويلة الأمد للبطالة السابقة، إذ تصبح الزيادات قصيرة الأمد في البطالة دائمة وتؤدي إلى مستويات أعلى من البطالة على المدى الطويل.[2][3][4]

في نماذج أجور الكفاءة، تُدفع أجور العمال بمستويات تزيد الإنتاجية بدل تحقيق التوازن في السوق. على سبيل المثال، في الدول النامية، قد تدفع الشركات أكثر من سعر السوق لضمان أن عمالها يستطيعون تحمل نفقة ما يكفي من التغذية ليكونوا منتجين. قد تدفع الشركات أيضًا أجورًا أعلى لزيادة ولائهم ومعنوياتهم، ما قد يؤدي إلى تحسين الإنتاجية. يمكن للشركات أيضًا أن تدفع أجورًا أعلى من السوق لمنع التهرب. كانت نماذج التهرب مؤثرة بشكل خاص. خلقت ورقة كتبها كارل شابيرو وجوزيف ستيغليتز عام 1984 بعنوان «توازن البطالة كجهاز تأديبي للعمال» نموذجًا يميل فيه الموظفون إلى تجنب العمل ما لم تتمكن الشركات من مراقبة جهودهم وتهديدهم بالبطالة. إذا كان الاقتصاد يعمل بكامل طاقته، فإن المتهرب من العمل ينتقل ببساطة إلى وظيفة جديدة. تدفع الشركات لعمالها علاوة على سعر السوق للتأكد من أن عمالها يفضلون العمل والاحتفاظ بوظيفتهم الحالية بدلًا من التهرب والمجازفة بالانتقال إلى وظيفة جديدة. بما أن كل شركة تدفع أكثر من أجور التوازن السوقي، فإن سوق العمل يفشل في تحقيق التوازن، ما يخلق مجموعة من العمال العاطلين عن العمل ويزيد تكاليف تعرضهم للطرد. لا يخاطر العمال فقط بتدني أجورهم، بل يخاطرون أيضًا بأن يكونوا عالقين ضمن مجموعة العاطلين عن العمل. إن إبقاء الأجور أعلى من مستويات توازن السوق يخلق مثبطًا خطيرًا للتهرب، ما يجعل العمال أكثر كفاءة على الرغم من أنه يترك بعض العمال الراغبين بالعمل عاطلين عنه.[5][6][7][8][9][10][11][12]

قاعدة تايلور

عام 1993، صاغ جون ب تايلور فكرة عُرفت باسم قاعدة تيلور، وهي تصور تقريبي لشكل استجابة معدل الفائدة الاسمية كما حدده المصرف المركزي للتغيرات في التضخم أو الناتج أو الظروف الاقتصادية الأخرى. تصف القاعدة على وجه الخصوص كيف يميل المصرف المركزي، استجابة لكل زيادة بنسبة واحد بالمئة في التضخم، إلى رفع معدل الفائدة الاسمية بأكثر من نقطة مئوية واحدة. غالبًا ما يسمى هذا الجانب من القاعدة مبدأ تايلور. على الرغم من أن مثل هذه القواعد توفر  تفويضًا لسياسة المصرف المركزي، لا ينظر فيها في الواقع العملي عند تحديد معدلات الفائدة الإسمية.

آثاره على السياسات

يتفق الاقتصاديون الكينزيون الجدد مع الاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد على أنه -على المدى الطويل- يمكن الأخذ بالثنائية الكلاسيكية: التغيرات في عرض النقود متعادلة. مع ذلك، ولأن الأسعار ثابتة في النموذج الكينزي الجديد، فإن الزيادة في المعروض النقدي (أو ما يعادل ذلك من انخفاض في نسبة الفائدة) تؤدي إلى زيادة الإنتاج وانخفاض البطالة على المدى القصير. علاوة على ذلك، تؤكد بعض النماذج الكينزية الجديدة عدم تعادل المال في ظل عدة شروط.[13][14]

مع ذلك، لا يؤيد الاقتصاديون الكينزيون الجدد استخدام السياسة النقدية التوسعية لتحقيق مكاسب قصيرة الأمد في الإنتاج والتوظيف، لأن من شأن ذلك أن يرفع التوقعات التضخمية ما يكدس المشاكل المستقبلية. بدلًا من ذلك، فإنهم يدعون إلى استخدام السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار، أي أن الزيادة المفاجئة في المعروض النقدي لمجرد إنتاج طفرة اقتصادية مؤقتة لا يوصى بها لأن القضاء على التوقعات التضخمية المتزايدة سيكون مستحيلًا دون التسبب بركود.

عندما يتعرض الاقتصاد لصدمة خارجية غير متوقعة، قد تكون فكرة جيدة أن تتدخل المصارف المركزية للتخفيف من آثار الصدمة على الاقتصاد الكلي عبر السياسة النقدية، خاصةً إذا كانت الصدمة غير المتوقعة تميل إلى خفض كل من الناتج والتضخم في نفس الوقت (مثل انخفاض ثقة المستهلك). في هذه الحالة، يساعد توسيع المعروض النقدي (خفض أسعار الفائدة) على زيادة الناتج مع تثبيت التضخم والتوقعات التضخمية.

ركزت دراسات السياسة النقدية المثلى في النماذج الكينزية الجديدة  للتوازن الديناميكي الاحتمالي العام على قواعد معدلات الفائدة (خاصة «قاعدة تايلور»)، فحددت كيف يجب على المصرف المركزي تعديل معدل الفائدة الاسمية استجابة للتغيرات في التضخم والناتج. في بعض نماذج التوازن الديناميكي الاحتمالي العام الكينزية الجديدة البسيطة، اتضح أن استقرار التضخم كافٍ، لأن الحفاظ على تضخم مستقر تمامًا يحقق استقرارًا في الناتج وفي التوظيف إلى أقصى درجة مرغوب فيها. أطلق بلانشارد وغالي على هذه الخاصية اسم «الصدفة الإلهية».[15]

تُظهر هذه الدراسات أيضًا أنه لم يعد هناك «صدفة إلهية» في النماذج التي تحتوي على أكثر من عيب في السوق (مثل الصراعات في تغيير مستوى التوظيف وكذلك ثبات الأسعار)، بل هناك مفاضلة بين استقرار التضخم واستقرار العمالة. [16][17]

تبين في الآونة الأخيرة أن الصدفة الإلهية لا تصمد بالضرورة في الشكل غير الخطي للنموذج الكينزي القياسي الجديد. لن تصمد هذه الخاصية إلا إذا حافظت السلطة النقدية على معدل التضخم عند 0% بالضبط. عند أي هدف آخر مرغوب لمعدل التضخم، هناك مفاضلة داخلية، حتى في ظل عدم وجود عيوب حقيقية مثل ثبات الأجور. لم تعد الصدفة الإلهية قائمة.[18]

المراجع

  1. The role of imperfect competition in new Keynesian economics, Chapter 4 of Surfing Economics by هو ديكسون نسخة محفوظة 13 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  2. Romer (2005), page 438
  3. Romer (2005) pages 437–439
  4. Romer 2005، صفحة 437.
  5. Froyen, Richard (1990). Macroeconomics, Theories and Policies (3rd ed.). New York: Macmillan. (ردمك 978-0-02-339482-9). page 357
  6. Romer (2005), page 439
  7. Froyen (1990), page 358
  8. Romer (2005), page 448
  9. Shapiro, C.; Stiglitz, J. E. (1984). "Equilibrium Unemployment as a Worker Discipline Device". The American Economic Review 74 (3): 433–444. doi:10.2307/1804018
  10. Snowden and Vane (2005), page 390
  11. Romer (2005), page 453.
  12. Snowden and Vane (2005), page 390.
  13. Benchimol, J., Fourçans, A. (2012), Money and risk in a DSGE framework : A Bayesian application to the Eurozone, Journal of Macroeconomics, vol. 34, pp. 95-111. نسخة محفوظة 13 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  14. Benchimol, J., 2015, Money in the production function: a new Keynesian DSGE perspective, Southern Economic Journal, Volume 82, Issue 1, pp. 152-184. نسخة محفوظة 13 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  15. Blanchard, Olivier; Galí, Jordi (2007). "Real wage rigidities and the New Keynesian model" (PDF). Journal of Money, Credit, and Banking. 39 (1): 35–65. doi:10.1111/j.1538-4616.2007.00015.x. مؤرشف من الأصل (PDF) في 10 أبريل 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  16. Federal Reserve Bank of Minneapolis, New Keynesian Models: Not Yet Useful for Policy Analysis, July 2008 نسخة محفوظة 13 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  17. Blanchard, Olivier; Galí, Jordi (2007). "A New Keynesian model with unemployment" (PDF). CFS working paper 2007/08, Center for Financial Studies, Goethe University, Frankfurt. مؤرشف من الأصل (PDF) في 13 أبريل 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); Cite journal requires |journal= (مساعدة)
  18. Alves, S. A. L., 2014, "Lack of Divine Coincidence in New-Keynesian Models", Journal of Monetary Economics 67: 33-46.
    • بوابة الاقتصاد
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.