نظرية الاستعادة

نظرية الاستعادة أو القانون الجيني الحيوي أو التناظر الجنيني هي فرضية تاريخية تنص على أن التخلق المضغي لجنين الحيوان من التخصيب إلى الحمل أو التفقيس (تطور الجنين)، يمر بمراحل تشبه أو تمثل مراحل البالغين المتعاقبة في تطور سلالات الحيوان البعيدة (شجرة تطور السلالات). وضع النظرية إتيان سيرس في عشرينات القرن التاسع عشر بناء على أعمال يوهان فريدريش ميكل، ليُطلق على النظرية اسم قانون ميكل-سيرس.

لأن الأجنة تتطور أيضا بطرق مختلفة، بدأت عيوب ومشاكل النظرية في الظهور مع بداية القرن العشرين، وأُحيلت إلى "الأساطير البيولوجية"[1] بحلول منتصف القرن العشرين.[2]

وُضعت نظريات مناظرة لنظرية الاستعادة في مجالات أخرى، بما في ذلك النمو المعرفي[3] ونقد الفنون.[4]

علم الأجنة

ميكل وسيرس وجوفري

شُكلت فكرة الاستعادة لأول مرة في علم الأحياء من تسعينات القرن الثامن عشرفصاعدا على أيدي علماء الفلسفة الطبيعية الألماني يوهان فريدريش ميكل وإتيان سيرس وكارل فريدريش كيلماير،[5] لتكتسب الفرضية بعد ذلك حالة كونها قانون أحياء جينية.[6]

شكل سيرس النظرية الجينية بين عامي 1824 و1826، بناء على أعمال ميكل فيما أصبح يُعرف باسم "قانون ميكل-سيرس". كانت هذه محاولة للربط بين علم الأجنة المقارن وبين "نمط التوحيد" في العالم العضوي. دعم الفرضية ايتيان جوفري سانت هيلار، وأصبحت الفرضية جزءا هاما من أفكاره. افترضت الفرضية أن التحولات الماضية في الحياة قد تكون بسبب أسباب بيئية عاملة على الجنين، بدلا من عملها على البالغين كما في اللاماركية. أدت هذه الأفكار الطبيعانية إلى اختلافات مع جورج كوفييه. حظيت الفرضية بدعم كبير في مدارس لندن وإدنبره للتشريح بحلول ثلاثينات القرن التاسع عشر خاصة روبيرت إدموند غرانت، ولكن واجهت معارضة من قبل كارل إرنست فون باير وآرائه عن الانحراف، كما تلقت هجوما من قبل ريتشارد أوين في ثلاثينات القرن التاسع عشر.[7]

هيكل

حاول إرنست هيكل (1834-1919) اصطناع أفكار اللاماركية والفلسفة الطبيعية الخاصة بيوهان فولفغانغ غوته مع مفاهيم تشارلز داروين. في حين كان كثيرا ما يرفض نظرية التطور التفرعي لداروين لصالح التطور التقدمي الخاص بلامارك الأكثر خطية، فإنه من غير الدقيق القول بأن هيكل استخدم الصورة اللاماركية لوصف تاريخ تطور الجنين وتطور السلالات للأنواع المفردة، لكنه اتفق مع داروين في تفرع كل الأنواع من نوع واحد أو عدد قليل من الأسلاف الأصليين.[8] منذ بداية القرن العشرين، دُحض قانون الأحياء الجينية الخاص بهيكل على العديد من النواحي.[9]

كوّن هيكل نظريته على مبدأ أن "تطور الجنين يستعيد تطور السلالات". تطور الجنين هو نمو (تغير الحجم) وتطور (تغير الهيكل والتكوين) لكائن حي مفرد، بينما علم الوراثة العرقي هو التاريخ التكوري للأنواع. ادعى هيكل أن تطور الأنواع المتقدمة يمر بمراحل متمثلة في الأحياء البالغة للأنواع الأكثر بدائية.[9] بعبارة أخرى، تمثل كل مرحلة متعاقبة في تطور الفرد مرحلة في شكل وهيكل البالغ والتي ظهرت في التاريخ التطوري الخاص به.

على سبيل المثال، افترض هيكل أن الشقوق البلعومية الموجودة بين الأقواس البلعومية في رقبة الجنين البشري لا تشبه فقط شقوق الخياشيم في الأسماك، ولكنها تمثل مباشرة مرحلة تطورية بالغة شبيه بالأسماك، لتمثل سلفا شبيه بالأسماك. الشقوق البلعومية الجنينية (والتي تتكون في العديد من الحيوانات عندما تتمزق الألواح العنقية التي تفصل بين الحويصلات البلعومية والشقوق البلعومية) تفتح البلعوم إلى العالم الخارجي. تظهر الأقواس البلعومية في كل أجنة رباعيات الأطراف، ففي الثدييات يتطور القوس البلعومي الأول إلى الفك السفلي (غضروف ميكل) والمطرقة والركاب. إلا أن هذه الأقواس البلعومية والشقوق والحويصلات والخياشيم في أجنة البشر لا يمكنها تحت أي ظرف أن تؤدي نفس غرض الخياشيم في الأسماك البالغة.

قدم هيكل العديد من الرسومات الجنينية التوضيحية والتي بالغت كثيرا في التشابهات بين أجنة الأنواع المختلفة. يرفض علم الأحياء الحديث الصيغو الحرفية والصيغة العالمية لنظرية هيكل، بالإضافة إلى تطبيقاتها المحتملة على سلوكيات التطور الجنيني، مثل التطور النفسي الحركي للحيوانات الصغيرة وأطفال البشر.[10]

الانتقاد المعاصر

أساءت رسومات هيكل التوضيحية تمثيل التطور الجنيني البشري المعروف لدرجة أنه جذب معارضة العديد من أعضاء المجتمع العلمي، بما في ذلك عالم التشريح فيلهلم هس والذي كان قد كوّن نظرية منافسة هي نظرية السببية الميكانيكية في التطور الجنيني البشري.[11][12] انتقدت أعمال هس منهجية هيكل بصورة خاصة، قائلا أن أشكال الأجنة نتجت في الغالب عن الضغوط الميكانيكية الناتجة عن الاختلافات المحلية في النمو. نتجت هذه الاختلافات بدورها عن "الوراثة". قارن هس بين أشكال الهياكل الجنينية وبين انابيب مطاطية يمكن شقها وانحنائها، وموضحا هذه المقارنات برسومات توضيحية دقيقة. لاحظ ستفن جاي غولد في كتابه المنشور عام 1977 تحت عنوان تطور الأجنة وتطور الأنواع أن هجوم هس على نظرية الاستعادة الخاصة بهيكل كانت أكثر أساسية من أي ناقد تجريبي، إذ أنه أوضح بفعالية أن القانون الجيني الحيوي لم يكن ذا علاقة بالموضوع.[13][14]

افترض داروين أن الأجنة تشبه بعضها البعض لأنها تتشارك في سلف مشترك كان له جنين مشابه غالبا، ولكن هذا التطور لم يستبدل تطور الأنواع بالضرورة. لم يجد داروين سببا في افتراض أن الأجنة في أي مرحلة تشبه البالغين من سلف سابق. افترض داروين أيضا أن الأجنة كانوا عرضة لضغط انتقائي أقل حدة من البالغين، وبالتالي فقد تغيروا بصورة أقل. [15]

الوضع الحديث

يتبع علم الأحياء النمائي التطوري الحديث فون بير (بدلا من داروين) في الإشارة إلى التطور النشط في النمو الجنيني كوسيلة أساسية في تغيير شكل أجسام البالغين. إلا أنه هناك مبدأان محوريان في علم الأحياء النمائي التطوري (التغيرات التي تحدث في التزامن والتموضع داخل الجسم بالنسبة إلى التطور الجنيني وكيفية تشكيلها لجسد النسل مقارنة بالأسلاف) وضعهما لأول مرة هيكل في سبعينات القرن التاسع عشر. نتيجة لذلك فقد نجت هذه العوامل من أفكاره عن التطور، في حين لم تنج نظرية الاستعادة الخاصة به.[16]

تُعتبر الصورة الهيكلية لنظرية الاستعادة بائدة.[17] تمر الأجنة فعلا بفترة تتغير فيها أشكالهم بشدة من خلال موقعهم التطوري، وليس من خلال ضغوط اصطفائية، وهذا يعني فقط أنهم يشبهون الأجنة الأخرى في هذه المرحلة، وليس الأسلاف البالغين كما ادعى هيكل. يلخص قسم الأحياء القديمة من جامعة كاليفورنيا الرؤية الحديثة كما يلي:

«تعكس الأجنة فعلا مسار التطور، ولكن هذا المسار أكثر تعقيدا وتشابكا مما ادعاه هيكل. قد تتطور أجزاء مختلفة من نفس الجنين في اتجاهات مختلفة. وكنتيجة لذلك، تم التخلي عن القانون الجيني الحيوي، وسمح سقوطه للعلماء بتقدير الأبعاد الواسعة للتغيرات الجنينية التي قد ينتجها التطور، وهو التقدير الذي أدى إلى نتائج مبهرة في السنوات الماضية إذ اكتشف العلماء بعض الجينات المعينة التي تتحكم في التطور.[18]»

المراجع

  1. بول إرليخ (عالم); Richard Holm; Dennis Parnell (1963) The Process of Evolution. New York: McGraw–Hill, pg. 66: "Its shortcomings have been almost universally pointed out by modern authors, but the idea still has a prominent place in biological mythology. The resemblance of early vertebrate embryos is readily explained without resort to mysterious forces compelling each individual to reclimb its phylogenetic tree."
  2. Blechschmidt, Erich (1977) The Beginnings of Human Life. Springer-Verlag, p. 32: "The so-called basic law of biogenetics is wrong. No buts or ifs can mitigate this fact. It is not even a tiny bit correct or correct in a different form, making it valid in a certain percentage. It is totally wrong."
  3. David G. Payne, Michael J. Wenger (1998) Cognitive Psychology p.352 quotation: "Faulty logic and problematic proposals relating the development of an individual to the development of the species turn up even today. The hypothesis that ontogeny recapitulates phylogeny has been applied and extended in a number of areas, including cognition and mental activities." نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  4. Medicus (1992) p.2 quotation: "..many biologists accept the rule with respect to behavioral ontogeny in animal species."
  5. Mayr 1994
  6. (Danesi 1993, p. 65)
  7. Desmond 1989، صفحات 52–53, 86–88, 337–340
  8. Richards, Robert J. 2008. The Tragic Sense of Life: Ernst Haeckel and the Struggle Over Evolutionary Thought. Chicago: University of Chicago Press. Pp. 136–142
  9. Scott F Gilbert (2006). "Ernst Haeckel and the Biogenetic Law". Developmental Biology, 8th edition. Sinauer Associates. مؤرشف من الأصل في 4 مارس 2019. اطلع عليه بتاريخ 03 مايو 2008. Eventually, the Biogenetic Law had become scientifically untenable. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. Gerhard Medicus (1992). "The Inapplicability of the Biogenetic Rule to Behavioral Development" (PDF). Human Development. 35 (1): 1–8. doi:10.1159/000277108. ISSN 0018-716X. مؤرشف من الأصل (PDF) في 9 فبراير 2018. اطلع عليه بتاريخ 30 أبريل 2008. The present interdisciplinary article offers cogent reasons why the biogenetic rule has no relevance for behavioral ontogeny. ... In contrast to anatomical ontogeny, in the case of behavioral ontogeny there are no empirical indications of 'behavioral interphenes, that developed phylogenetically from (primordial) behavioral metaphenes. ... These facts lead to the conclusion that attempts to establish a psychological theory on the basis of the biogenetic rule will not be fruitful. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  11. "Making visible embryos: Forgery charges". University of Cambridge. مؤرشف من الأصل في 4 يونيو 2016. اطلع عليه بتاريخ 27 أكتوبر 2016. Rütimeyer's ex-colleague, Wilhelm His, who had developed a rival, physiological embryology, which looked, not to the evolutionary past, but to bending and folding forces in the present. He now repeated and amplified the charges, and lay enemies used them to discredit the most prominent Darwinist. But Haeckel argued that his figures were schematics, not intended to be exact. They stayed in his books and were widely copied, but still attract controversy today. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  12. "Wilhelm His, Sr". Embryo Project Encyclopedia. 2007. مؤرشف من الأصل في 3 أبريل 2019. اطلع عليه بتاريخ 27 أكتوبر 2016. In 1874 His published his Über die Bildung des Lachsembryos, an interpretation of vertebrate embryonic development. After this publication His arrived at another interpretation of the development of embryos: the concrescence theory, which claimed that at the beginning of development only the simple form of the head lies in the embryonic disk and that the axial portions of the body emerge only later. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  13. Gould, Stephen (1977). Ontogeny and phylogeny. Belknap Press of Harvard University Press. صفحات 189–193. ISBN 0-674-63941-3. Haeckel sensed correctly that His was a far more serious competitor than his empirical critics... His would have substituted a drastically different approach and relegated the biogenetic law to irrelevancy—a fate far worse and far more irrevocable than any odor of inaccuracy. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  14. Ray, R. S.; Dymecki, S. M. (December 2009). "Rautenlippe Redux -- toward a unified view of the precerebellar rhombic lip". Current Opinion in Cell Biology. 21 (6): 741–7. doi:10.1016/j.ceb.2009.10.003. PMC 3729404. PMID 19883998. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  15. Barnes, M. Elizabeth. "The Origin of Species: "Chapter Thirteen: Mutual Affinities of Organic Beings: Morphology: Embryology: Rudimentary Organs" (1859), by Charles R. Darwin". The Embryo Project Encyclopedia. مؤرشف من الأصل في 3 أبريل 2019. اطلع عليه بتاريخ 18 أبريل 2016. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  16. Hall, B. K. (2003). "Evo-Devo: evolutionary developmental mechanisms". International Journal of Developmental Biology. 47 (7–8): 491–495. PMID 14756324. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  17. Lovtrup, S (1978). "On von Baerian and Haeckelian Recapitulation" (PDF). Systematic Zoology. 27 (3): 348–352. doi:10.2307/2412887. JSTOR 2412887. مؤرشف من الأصل (PDF) في 18 أبريل 2016. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  18. Early Evolution and Development: Ernst Haeckel, University of California Museum of Paleontology, مؤرشف من الأصل في 22 ديسمبر 2012, اطلع عليه بتاريخ 20 فبراير 2013 الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); الوسيط |separator= تم تجاهله (مساعدة)CS1 maint: ref=harv (link)
    • بوابة علم الأحياء التطوري
    • بوابة علم الأحياء
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.