جار

الجارُ لغةً جارُ :هو لفظ ذو دلالات شتى نتطرق إليها فيما يلي :

  • الجارُ : المُجاور في المسكن. وفي المثل : " قد يُؤْخَذُ الجارُ بذنب الجار ". جمع، جيران وجيرة وجوار وأجوار
  • و الجارُ الشَّريك في العَقَار أَو التِّجارة. و الجارُ المُجيرُ.و المستجير. و المُجار.المعجم الوسيط[1] وَالْجَارُ هُوَ النَّزِيلُ بِقُرْبِ مَنْزِلِكِ، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّزِيلِ بَيْنَ الْقَبِيلَةِ فِي جِوَارِهَا.[2] تعريف الجارُ مرده إلى العرف، والعرف يختلف باختلاف الزمان والمكان، فما تعارف عليه الناس أنه جار فهو جار، والعبرة بأكثرهم. وذلك لأن أحوال الناس تتغير؛ فقديما كانت الحارات صغيرة، والبيوت مجتمعة، ويرى الجيران بعضهم بعضا في اليوم أكثر من مرة، ويجمعهم مسجد واحد، وفي القرى والبلدان الصغيرة يجمعهم سوق واحد، وقد أُطلق الجوار في القرآن على أهل البلدة الواحدة
الحي النموذجي القبرصي في ، نيقوسيا، قبرص
الجار في السوق

صور الجوار

وقد تُصور من الجار معنى القرب، فقيل لمن يقرب من غيره: جاره وجاوره وتجاور معه.ثم إن جمع جار جيران، والاسم هو الجوار، ويقال للمشارك في العقار والمقاسم: جار أيضاً.

الجار في السكن

يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن، ولا ريب أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار.

الجار في العمل

الجار في الدراسة و العمل
  • الجار في السوق
  • الجار في المزرعة
  • الجار في مقعد الدراسة
  • الجار في مقعد المركبة[3]
كلمة «جار» بخط النسخ

فضل الإحسان وتعظيم حق الجار في الإسلام

فضل الإحسان إلى الجار في الإسلام :

لقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي النبي بالجار حتى ظنَّ أن الشرع سيأتي بتوريث الجار: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه". وقد أوصى القرآن بالإحسان إلى الجار:  وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا  . وحض النبي على الإحسان إلى الجار وإكرامه: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". وعند مسلم: "فليحسن إلى جاره". بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان، قال : "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه". والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".[4] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله " من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلِّم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعد خمسًا، وقال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ". فبين أن الإحسان إلى الجار دليل على صدق الإيمان، وشعبة من شعبه، وسبب من أسباب زيادته وقوته. وقد قال بعض الحكماء: ثلاث إذا كن في الرجل لم يشك في عقله وفضله: إذا حمده جاره وقرابته ورفيقه.[5]

جار السكن في الإسلام

الجار: من يقرب مسكنه منك. والمعنى الاصطلاحي للجوار هو: الملاصقة في السكن حد الجوار: جاء عن علي عنه: «من سمع النداء فهو جار»، وقيل: «من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار»، وعن عائشة رضي الله عنها: «حد الجوار أربعون دارًا من كل جانب».[6]

حد الجار والجوار

وحد الجار كما ذهب الشافعية والحنابلة أربعون داراً من كل جانب، من الأمام والخلف واليمين والشمال، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (حق الجار أربعون داراً هكذا وهكذا وهكذا) وبعضهم ضيق فقال: الجار هو الملاصق من جميع الجهات، أو المقابل له، بينهما شارع ضيق، فلا يفصل بينهما نهر متسع أو سوق كبير ونحو ذلك.

  • وبعضهم عرفه بأنه: ما يجمعهما مسجد أو مسجدان متقاربان.
  • وبعضهم قال: إن العرف هو الذي يضبط قضية الجوار، وحملوا حديث الأربعين على التكرمة والاحترام، ككف الأذى ودفع الضرر، والبشر في الوجه والإهداء، وإلى غير ذلك.
  • ولاشك أن الملاصق أولى الناس بأن يطلق عليه اسم الجار، ويقال حتى للساكن معك في المدينة: جاوره فيها. ولما استعظم حق الجار عقلاً وشرعاً عبر عن كل من يعظم حقه بالجار.
  • وإذا أردنا أن نضبط الجار بالعدد؛ فإن أقرب التعريفات التي مرت معنا والتي يسندها الدليل: أربعون جاراً من كل جانب من الجوانب[7]

الجار في القرآن الكريم

  • قال الله تعالى: في القرآن العظيم  لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا   سورة الأحزاب
  •  وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا   سورة النساء

عناية السنة بحقوق الجار

  • ولقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الإسلام بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار.
  • فقال رسول الله : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت إنه سيورثه».
  • عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
  • وقال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: يا رسول الله! خاب وخسر، من هذا؟ قال : «من لا يأمن جاره بوائقه»، وفي هذا تعظيم لحق الجار، وترهيبٌ من إيذائه، وإضراره، وأن الإحسان إليه يكون بتأدية حقه، وكف الأذى عنه، وبذل العون إليه.
  • وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخيرات الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره».
  • فقد ثبت عنه أنه قال: «ما تقولون في الزنا؟» قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، قال: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر من أن يزني بامرأة جاره، ما تقولون في السرقة؟» قالوا: حرام، حرمها الله ورسوله، قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر من أن يسرق من بيت جاره، ومن أغلق بابه من جاره مخافة على أهله أو ماله فليس الجار بمؤمن». فلماذا كانت السرقة من الجار أشدَّ إثمًا من السرقة من عشرة بيوت؟ وما الذي ضاعف الجرم في تلك الجريمة؟ إنها حرمة الجار.
  • وقد روى أبو هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها. وفي رواية تصوم النهار، وتقوم الليل، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال : «هي في النار»، وقال: إن فلانة تذكر من قلة صيامها، وصلاتها، وإنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة».
  • وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله! إن لي جارتين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابًا»، قال الحافظ ابن حجر : «والحكمة في ذلك أن الجار الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هديةٍ وغيرها، فيتشوف لها، بخلاف الأبعد، وكذلك فإن الأقرب أسرع إجابة لما قد يقع لجاره من المهمات، ولا سيما في أوقات الغفلة».

أنواع الجار

وفي الآية: القرآن:  وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا   - سورة النساء.

  • الجار القريب : هو صاحب القربى فالقربى معروفة، وهو الجار المسلم الذي تجمعك به علاقة قرابة. و له ثلاثة حقوق، فله حق القرابة وحق الجوار وحق الإسلام
  • الجار الجُنُب وأما بالنسبة للجار الجُنُب، أي: البعيد المسلم غير القريب لا قرابة له، فلما ذكر جار القربى ذكر النوع الآخر من الجيران وهو الجار الذي ليس له قرابة.وهو جار له حقان، فله حق الإسلام وحق الجوار.
  • الجار الكافرالقريب

وإذا كان لك جار كافر فله حق واحد وهو حق الجوار والقرابة.[8]

  • الجار الكافر غيرالقريب وهذا له حق واحد وهو: حق الجوار فحسب.[8]

مراتب حق الجار

حق الجار على ثلاث مراتب: أدناها كف الأذى عنه، ثم احتمال الأذى منه، وأعلاها وأكملها: إكرامه والإحسان إليه.

  • المرتبة الأولى وهي كف الأذى عنه، فهي أقل ما يجب على الجار تجاه جاره، فإنه إذا لم يحسن إليه، فلا أقل من أن يكف أذاه عنه.

والله تعالى يقول:  وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا  ، فكيف إذا كان المؤذَى هو جارك المؤمن، فإن الإثم أشد.

ولهذا قال النبي : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ".

  • المرتبة الثانية فهي احتمال الأذى منه، والتغاضي عنه، والتغافل عن زلته فعن عثمان بن زائدة قال: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل. فحُدث بذلك أحمد بن حنبل، فقال: العافية عشرة أجزاء، كلها في التغافل، والمعنى: أن السلامة من أذى الناس، لا يكون إلا بالتغافل عن شرورهم، والتغاضي عن ظلمهم وغشمهم، وعدم مؤاخذتهم بكل ما يصدر منهم ومن وفق لذلك فهو العاقل الموفق، والسيد المسوَّد، وقد وصف الله المتقين بأنهم يكظمون الغيظ، ويعفون عن الناس، ويحسنون إليهم بالصفح عنهم، والتسامح معهم، فقال سبحانه:  الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  .
  • المرتبة الثالثة فهي إكرام الجار والإحسان إليه والإحسان إلى الجار معنى واسع تدخل فيه أنواع كثيرة من المكارم والفضائل التي أمر بها الإسلام، فكل ما يجب للمسلم على المسلم من حقوق فإنه يجب على الجار لجاره المسلم من باب أولى وأحرى، لأن له حق الإسلام وحق الجوار أيضًا ومن ذلك محبته والتودد إليه، والسلام عليه، وطلاقة الوجه معه، وعيادته إذا مرض، وتشيعه إذا مات، ونصره إذا ظُلم، وكفه عن الظلم والمعصية بقدر الاستطاعة، ومواساته وبذل المعروف له، وتفريج كربته، وإعانته عند حاجته، وتعزيته عند المصيبة، وتهنئته في الفرح، وإدخال السرور عليه، والإهداء إليه، والنصيحة له ولأولاده وأهله، وتعليمه ما يجهله من أمر دينه ودنياه، وموعظته بالحسنى، وإعانته على طاعة الله تعالى، ودعوته إلى الإسلام وترغيبه فيه إن كان كافرًا، وألا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، وأن يستر عليه ما ينكشف له من عوراته.

وهذه الأنواع تختلف باختلاف الجيران والمناسبات وحالة كل جار، وما ينزل به من أحداث الزمان، كما يختلف باختلاف الشخص من فقر وغنى، ووجاهة وضعة. ومن هذه الأنواع ما هو فرض عين، ومنها ما هو فرض كفاية، ومنها ما يكون مستحبًا. والجامع لهذا كله: أن تحسن إليه بكل ما تقدر عليه من قول وفعل، وأن ترجو له الخير، وتحب له ما تحب لنفسك، وتقدم له ما استطعت من معروف أيًا كان نوعه.[9]

حقوق الجار

لا شك أن الجار له حقوق كثيرة نشير إلى بعضها، فمن أهم هذه الحقوق:

  1. رد السلام وإجابة الدعوة: وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران، لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.
  2. كف الأذى عنه: وهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حرامًا بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهًا إلى الجار، فقد حذر النبيي من أذية الجار أشد التحذير، وتنوعت أساليبه في ذلك، ومن ذلك قوله: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن». قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: «مَن لا يأمن جاره بوائقه».وكذلك في حديث المرأة التي تصلي الليل، وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها. قال : «لا خير فيها، هي في النار».
  3. -تحمل أذى الجار: وإنها لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثيرٌ من الناس أن يكفّ أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾. ويقول الله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. وقد ورد عن الحسن قوله: «ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى». وفي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضى الله عنه قال: قال رسول الله : «إن الله عز وجل يحب ثلاثة، ويبغض ثلاثة»، وذكر في الثلاثة الذين يحبهم: «رجل كان له جار سوء يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت».واعلم أن هذا من باب الدفع بالتي هي أحسن، ذكروا عن الإمام أبي حنيفة أن رجلاً كان بجواره يسيء إليه كل يوم في بيته، فكان يخرج ويبعد الأذى أو الإساءة وهو صابرٌ، وفي يومٍ من الأيام خرج فلم يجد تلك الإساءةَ التي كان يعهدها، فسأل عن جاره عندما رآه تخلف عن عادته! فأُخبر أنه أحدث حدثًا وسُجن، فذهب وشفع عند صاحب الشرطة حتى أخرجه، ولم يعلم هذا الجارُ بالذي جاء يشفع له، فلما خرج قال: من الذي أخرجني؟ قالوا: جارك جاء يشفع لك، قال: من هو؟ قالوا: أبو حنيفة ! فندم على إيذائه، وكف عن ذلك.
  4. تفقده وقضاء حوائجه: إن رسول الله يقول: «ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم». وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول.
  5. ستره وصيانة عرضه: وإن هذه لمن أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره، فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره، مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾.
  6. الإهداء إليه ومودته: وإن من مجال الإحسان إلى الجار التودد إليه بالهدية والقول اللطيف، ولهذا أوصى رسول الله الصحابي الجليل أبا ذر فقال له: «يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك».

الجار في الشعر العربي

وقد كان العرب يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران حتى في الجاهلية، ومن ذلك:

  • قول عنترة:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتيحتى يواري جارتي مأواها
  • وأما في الإسلام فيقول أحدهم:

ما ضر جاري إذ أجاورهأعمى إذا ما جارتي خرجت

ألا يكون لبيته ستر حتى يواري جارتي الخدر

ومن ذلك أنك إذا صعدت على سطح منزلك ورأيت عورة لجارك فحقُّ الإسلام غض البصر، وحق الجوار عدمُ خيانة جارك، وهذا الحكم يدخل فيه الصعود إلى السطح أو النظر من النوافذ أو الشرفات أو النظر مما يسمّى بالمنور، ففيه النوافذ المطلة على أخيك المجاور، فمن الأدب والإسلام أن تستأذن قبل صعودك، كي لا تؤذي مسلمًا في بيته.

لأمرٍ فآذِنْ جـارَ بيتك من قبلُأصاب الفتى من هتك جارته خبلُ

وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان النبي يقول: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة». ومعنى الحديث باختصار: أي لا تحقرن أن تُهدي إلى جارتها شيئًا، ولو أنها تُهدي لها ما لا ينتفع به.

ومن جملة حق الجار أن الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولا يطلع من السطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا يضيق طريقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صدعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عن غيبته، ولا يسمع عليه كلامًا، ويغضّ بصره عن حرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف لولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه.

ومن حديث معاذ بن جبل : «قالوا: يا رسول الله! ما حق الجار على الجار؟ قال: «إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنيته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده».[10]

انظر أيضاً

المراجع

    وصلات خارجية

    • بوابة الإسلام
    • بوابة علم الاجتماع
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.