السودان الإنجليزي المصري

السودان الإنجليزي المصري كان اسماً سابقاً للسودان الحالي في فترة الاحتلال الإنجليزي المصري للسودان بين عامي 1899 و1956. شهدت هذه الفترة إرساء أركان الدولة الحديثة في السودان وشكلت المشهد السياسي السوداني المعاصر إلى حد كبير. ومهدت للحرب الأهلية التي أدت لانفصال الجنوب في 2011.

السودان
السودان الإنجليزي المصري
Anglo-Egyptian Sudan
مشترك (بريطانيا العظمى والمملكة المصرية)

1899 - 1956
السودان الإنجليزي المصري
علم
أخضر:السودان (الأنغلو مصري)
أخضر فاتح: تسرب إلى ليبيا الإيطالية في 1919
رمادي غامق: مملكة مصر والمملكة المتحدة

عاصمة الخرطوم
نظام الحكم استعماري
اللغة الرسمية العربية  
اللغة العربية - الإنجليزية
الديانة الإسلام - الإحيائية - المسيحية
التاريخ
الفترة التاريخية العصر الحديث
تأسيس الحكم المشترك 19 يونيو 1899
استقلال السودان 1 يناير 1956
بيانات أخرى
العملة جنيه

اليوم جزء من  السودان
 ليبيا
 جنوب السودان

خلفية تاريخية

جندي مصري أثناء حقبة الإنجليز

التركية السابقة 1821- 1883

في عام 1820 في عهد محمد على باشا والي مصر، قام إسماعيل كامل باشا بن محمد علي بغزو البلاد وكان جيشه يتكون اساسا من الاتراك والبوشناق من البوسنة والالبان و المغاربة والهنود و العربان كما استخدم العبابدة لشهرتهم في معرفة الدروب[1] [2] الجدير بالذكر انه لم يتم استخدام اي مصري في الحملة حيث لم يتم تجنيد المصريين في ذلك الوقت. انتهت الحرب في عام 1822 بانتصار قوات إسماعيل باشا سابقة الذكر، وضمت اجزاء واسعة من السودان الشمالي والأوسط بما فيه مملكة سنار ما عدا دارفور للحكم الخديوى. عرفت تلك الفترة عند السودانيين بالتركية السابقة.

قام الخديو إسماعيل أبن إبراهيم باشا بن محمد علي باستكمال فتوحات جده في السودان واستطاع ضم المناطق الاستوائية حتى أوغندا بحلول عام 1875. وقام الزبير باشا أحد تجار (الرقيق) وحاكم بحر الغزال في عام 1873م، [3] بغزو دارفور وضمها لأملاك الخديوي في وقت لاحق.

الثورة المهدية 1883- 1899

في العام 1880 قامت الثورة المهدية في السودان مدفوعة بمثالب الحكم التركي المصري وفساد موظفيه، وبدأت مسيرتها بعدة انتصارات محدودة اتسعت بسرعة بعدد من المعارك الكبيرة منها معركة شيكان الشهيرة والتي تم القضاء فيها على هكس باشا وجنوده من المصريين الإنجليز، وأخيراً فتحوا مدينة الخرطوم، وقضوا على غوردون لتنتهي بذلك فترة السيطرة المصرية على السودان.

كانت الأحوال في السودان سيئة في فترة عبد الله التعايشي الذي خلف المهدى في عام 1885 ودخل التعايشي في حروب داخلية وخارجية كثيرة كالحرب ضد الحبشة ومحاولة غزو مصر التي كانت قد صارت مستعمرة بريطانية بصورة رسمية في ذلك الوقت، ولم تتمكن قواته من هزيمة الجيش البريطاني. يشير البريطانيون للمهديين بلفظ الدراويش.

إعادة احتلال السودان

خريطة السودان الأنجلو مصري [4]

في عام 1896 أنذرت الحكومة البريطانية فرنسا من الزحف في اتجاه السودان، بعثة عسكرية مشتركة مع مصر لاحتلال السودان وكان قائد الحملة اللورد هربرت كتشنر وقد هزم قوات الخليفة التعايشي في أم درمان في 2 سبتمبر 1898 وسقطت الخرطوم في يد القوات الغازية وانتهت الدولة المهدية. بنهاية عام 1900 اكتمل بسط السيطرة على كامل كردفان وتركت دارفور تحت حكم علي دينار الذي احتفظ بعلاقات طيبة مع الحكومة المركزية حتى قرب قيام الحرب العالمية الأولى.

حملة دنقلا

بعد استقرار الأحوال في مصر وتحسن الاقتصاد تحت الحماية البريطانية وإعادة تنظيم الجيش المصري قررت الحكومة البريطانية في 12 مارس 1896 إرسال بعثة عسكرية لإعادة احتلال مديرية دنقلا بدعوى تخفيف الضغط عن الإيطاليين في كسلا في شرق السودان. إلا أن الهدف الأرجح هو مخاوف البريطانيين من احتلال الفرنسيين للسودان مع توارد أنباء عن تحرك قوات فرنسية من الكونغو بقيادة الميجر مارشاند (أنظر حادثة فشودة أدناه).[5]

لم تتم استشارة المصريين في الامر رغم أن المهمة قد أسندت للجيش المصري بقيادة كتشنر الذي تلقى تعليماته من اللورد كرومر مباشرة ودون أي تدخل من وزارة الحربية المصرية.[5]

الموقف العسكري

كان ميزان القوة يميل للقوات الغازية بشكل كبير. إذ تتفوق على قوات المهدية في التدريب والعتاد و السلاح الناري. و كانت العقبة الأساسية أمامها هي طول خطوط الإمداد في أراضي العدو.

أما بالنسبة للمهديين فقد تفوقوا عددياً واشتهروا بالإقدام الكبير وباستعدادهم للموت في سبيل قضيتهم والجنة التي وعدهم بها المهدي وخليفته. و كان أملهم الوحيد في النصر هو استغلال طبيعة الأرض لصالحهم وضرب خطوط الإمداد. بلغت قوات المهدية 10000 مقاتل في دنقلا تحت قيادة محمود بشارة وقوة من 2000 مقاتل تتمركز في صواردة بقيادة حمودة إدريس.

بلغت خطوط إمداد كتشنر أكثر من 800 ميل قبل مغادرته لصرص آخر محطات الجيش المصري جنوباً. وتنوعت وسائل نقله بين السكك الحديدية والبواخر النيلية والقوارب الشراعية.[5]

خطة الغزو

قرر كتشنر التقدم في شكل وثبات أو مراحل: تبدأ بحشد القوات ثم التقدم والهجوم ثم التمركز مجددا ومد خطوط الإمداد ثم حشد القوات والتقدم ثانية.

فصلت بين قوات الغزو في صرص وقوات المهدية في صواردة حوالي المائة ميل من الأراضي الجرداء الوعرة التي تعرف ببطن الحجر التي تبادل الجانبان إرسال الأطواف إليها.[5]

احتلال عكاشة

أرسل كتشنر في 18 مارس 1896 طابورا صغيرا قام باحتلال عكاشة في منتصف المسافة تقريبا بين القوتين. و سرعان ما حولها لمعسكر حصين بدأ حشد قواته فيه. وسير الأطواف بينه وبين صرص لحماية طريق القوافل في نفس الوقت الذي عمل فيه على مد خط السكة الحديدية من صرص. وعملت كتيبة من 800 رجل على الخط الحديدي الذي تقد ببطء حتى وصل أمبكول على بعد 22 ميلا شمال عكاشة في 21 مايو.[5]

احتلال فركة

بلغت قوات كتشنر في عكاشة 9000 جندي وشن بهم هجوماً خاطفا على فركة -أخفاه بعناية فائقة- من محورين: محور النهر ليقوم بهجوم مباشر ومحور الصحراء ليهجم من الجناح ويقطع طريق الفرار على المهديين.

بدأت معركة فركة في صباح 7 يونيو 1896 وفوجئ المهديون تماماً. قاتل المهديون بشجاعة إلا أن المعركة انجلت عن 1000 قتيل من جانبهم وأسر 600 مقابل 22 قتيلا و 91 جريحا من الغزاة.

الوباء والرحيل إلى كوشة

بعد احتلال فركة انتظر كتشنر بصبر وصول الخط الحديدي الذي وصل عكاشة في 26 يونيو 1896 و بعدها بشهر إلى فركة. في هذه الأثناء ضرب وباء الكوليرا قوات كتشنر ومات فيه 919 رجل. وارتحل الجيش إلى كوشة فرارا من الوباء ثم توغلوأ في الصحراء حتى إنقضى الوباء.

الأسطول النهري

كان بحلفا قبل الغزو أربعة زوارق مدفعية وثلاث بواخر غير مدرعة كانت تستخدم في الأطواف على النيل جنوب حلفا فيما تلى حملة إنقاذ غردون عام 1885. لإستخدامها في الغزو كان لابد من عبور الشلال الثاني وهو مالم يكن ممكنا إلا في موسم فيضان النيل الذي يصل قمته في سبتمبر. في منتصف أغسطس ارتفع النيل بما يكفي لعبور الشلال. و اشترك 1500 رجل في سحب الأسطول عبر المضيق.

طلب كتشنر ثلاثة زوارق مدفعية أكبر من إنجلترا. وصل اولها مفككا إلى كوشة في أغسطس وجمع هناك وسمي الظافر.[5]

موقعة الحفير

تقدم كتشنر وحشد قواته في أبو صاري 55 ميلا جنوبي كوشة وقد بلغ تعداد القوات 13000 جندي و 22 مدفع وأربعة زوارق مدفعية. و من ثم تقدم إلى فريق ووصلها يوم 12 سبتمبر ثم تقدم إلى كرمة يوم 19 سبتمبر 1896 ليجد ان قوات المهدية قد تحصنت بالحفير في الضفة المقابلة لمنع الجيش الغازي من عبور النهر في طريقه إلى دنقلا. و قد حاول كتشنر دك الموقع باستخدام مدفعية زوارقه ومدافعه من الضفة الأخرى إلا أنها لم تؤثر بما يذكر في مواقع المهديين الحصينة.

لجأ كتشنر إلى الحيلة وأشاع أنه سيتقدم بالزوارق لاحتلال دنقلا دون عبور النهر. و أكد ذلك بارسال زوارقه لتتقدم تحت نيران المهديين. أثرت الشائعة في معنويات المهديين وانسحبوا خلال الليل بلا قتال نحو دنقلا. و عبر كتشنر النهر بلا مقاومة.

احتلال دنقلا ومروي

كانت دنقلا هي آخر المواقع الحصينة في المديرية ولا يمكن الدفاع أو التحصن في أي موقع آخر إن سقطت. إلا أن الأنصار أدركوا ألا فرصة لهم بالنصر وأنسحبوا مرة أخرى بدون قتال وتشتت قواتهم في الصحراء حيث عانوا كثيرا ومات منهم الكثيرون عطشا في الطريق إلى المتمة عبر الصحراء وأسر 3000 منهم أثناء الانسحاب.

احتلت مروي بلا مقاومة أيضاً وبدأ إنشاء إدارة مدنية في المديرية. و أنشات حاميات عسكرية في دنقلا والخندق والدبة و كورتي و مروي. كلفت الحملة 715 ألف جنيه مصري وخسر الغزاة 47 قتيلا في المعارك و 122 جريحا فقط واستعادوا 450 ميلا من النيل.[5]

حملة أمدرمان

شجعت نتائج حملة دنقلا على إتخاذ القرار بإعادة احتلال السودان وإنهاء حكم الخليفة. و عاد كتشنر إلى السودان في ديسمبر من عام 1896 بتفويض من حكومته للتقدم إلى أمدرمان. واجه الجيش الغازي نفس التحدي السابق: خطوط الإمداد. حيث تبعد أمدرمان 503 ميلا عن مروى أقصى نقطة وصلها الجيش وتوجد ثلاثة شلالات على النيل قبل امدرمان.[5]

خط السكة حديد

قرر كتشنر مد الخط من حلفا عبر الصحراء إلى أبوحمد و من ثم إلى بربر ثم أمدرمان. بدلا عن تتبع النيل إلى دنقلا ثم من كورتي إلى المتمة ثم أمدرمان. وبلغت المسافة 200 ميل بين أبوحمد وحلفا في صحراء محرقة خالية من الماء. ورغم أن العمل قد بدأرسميا على الخط في يناير 1897 إلا أنه لم يحرز تقدما إلا بعد اكمال الخط الأول إلى دنقلا في شهر مايو من نفس العام وتحويل القوات العاملة عليه إلى الخط الجديد. وحالف كتشنر الحظ في العثور على المياه في نقطتين على الطريق. وتقدم العمل بسرعة كبيرة حيث قطع نصف المسافة بحلول منتصف يوليو ثم توقف بانتظار احتلال أبو حمد قبل التقدم. و هنا قام المهديون بخطأ كبير إذ لم يحاولوا ولو لمرة واحدة تخريب الخط أو تأخير العمل وهو ما كان كفيلاً بإعاقة تقدم الغزاة بشكل كبير.[5]

مذبحة المتمة

وصل جيش الغرب لأمدرمان في مايو 1897 بقيادة محمود ود أحمد وأذن له الخليفة في التقدم إلى المتمة في يونيو واستدعي عبد الله ود سعد كبير الجعليين للقاء الخليفة وإعلامه بالأمر وطلب منه أن يخلي المتمة للجيش. عاد عبد الله إلى المتمة واجتمع للتشاور مع شيوخ قبيلته واتفقوا على تحدي الخليفة ورفضوا إخلاء المتمة وشرعوا في تحصينها وأرسلوا إلى الجيش الغازي في طلب العون في 24 يونيو 1897. استجاب كتشنر بألف ومائة بندقية رمنجتون إلا أنها لم تصل في الوقت المناسب.

وصل جيش محمود البالغ 10000 مقاتل إلى المتمة في 30 يونيو 1897 وحاول الجعليون التصدي له بأقل من ألفي مقاتل يحملون القليل من البنادق. وانتهت المعركة سريعاً وقام الجيش باستباحة المتمة وقتل السكان والمقاومين. عرفت الحادثة في التراث الشعبي بـ "كتلة عبد الله ود سعد".[5]

احتلال أبو حمد

أرسل كتشنر طابورا طائرا بقيادة الجنرال هنتر من مروي لاحتلال أبو حمد تكون من 3600 جندي وتحركوا مساء 29 يوليو 1897. كان للمهديين حامية صغيرة من 700 مقاتل استبسلت في الدفاع عنها بلا فائدة واحتلت أبو حمد في 7 أغسطس 1897.[6] كانت الحامية في انتظار مدد لم يأت أبدا وقد علموا بتحرك الطابور الطائر قبل يومين من وصوله. قتل من الأنصار 250 و انسحب أو أسر الباقون.[5] بدأ كتشنر في تحريك زوارق المدفعية عبر الشلال ورغم فقد واحد منها إلا أن البقية - خمسة - قد وصلت أبو حمد بحلول التاسع والعشرين من أغسطس.[5]

احتلال بربر

بلبل احتلال أبو حمد الزاكي عثمان قائد حامية بربر وقد خاطبه الأمير محمود ود أحمد بأنه سيصل بكامل جيشه لبربر في يوم 11 أغسطس إلا أنه لم يحضر. وخوفا من هجوم وشيك انسحبت الحامية في الرابع والعشرين من اغسطس إلى شندي. ولما وصلت الأنباء إلى هنتر أرسل طوفا من أربعين من الهجانة للإستطلاع. ولما تقدموا بلا مقاومة دخلوا بربر فوجدوها خالية من المقاتلين وأرسلوا إلى هتنر بأنهم قد احتلوا بربر. كان الاحتفاظ ببربر مغامرة كبيرة للقوات الغازية وذلك لطول خط الإمداد من مروي خصوصا وأن الخط الحديدي ل يصل أبو حمد بعد وكان من الممكن للأنصار إبادة أي قوة تتمركز فيها قبل وصول الإمدادات من الخلف. و كانت لبربر قيمة إستراتيجية كبيرة للغراة حيث تساهم في قطع الطريق بين قوات المهدية في شرق السودان و أمدرمان وقد فتح الطريق بين بربر وسواكن بعد أنسحاب عثمان دقنة من مواقعه في أدراما. لم يقم الأنصار بأي هجوم على المدينة التي عززت حاميتها في سبتمبر بقوة مقدرة.[5]

استقالة كتشنر وإنشاء عطبرة

استخدم كتشنر زوارقه لقصف قوات محمود ود أحمد في المتمة لعدة مرات في أكتوبر ونوفمبر. و في 31 أكتوبر وصل الخط الحديدي إلى أبو حمد وفتح خط الإمداد من مصر ليزيل قدرا كبيرا من المخاطر عن بربر ويسهل الدفاع عنها عند الحاجة. و في نوفمبر ظهرت شلالات غير معروفة عند انحسار النيل على بعد أربعة أميال شمال مقرن نهر عطبرة مع النيل. وأبقى كتشنر الأسطول النهري جنوب الشلال وأنشأ قاعدة أو حصنا عند موقع مدينة عطبرة احتوى على مرسى نهري وقاعدة للصيانة والإمداد. و تطورت لتصبح القاعدة الرئيسية لحشد القوات المتقدمة نحو أمدرمان.

في السادس عشر من أكتوبر تقدم كتشنر باستقالته للمندوب السامي اللورد كرومر وذلك لخلافات عميقة مع مدير الشئون المالية بالقاهرة لاعتراضاته المستمرة على تكاليف الحملة المتزايدة. وبعد اجتماعه مع كرومر وتزويده بالدعم اللازم عاد كتشنر عن استقالته وعاد لقيادة الحملة.

سلم الإيطاليون كسلا للحكومة المصرية وانسحبوا نحو مستعمرتهم في إريتريا في 24 ديسمبر 1897.[5]

معركة النخيلة

تأخر الخليفة في تحريك القوات الرئيسية من أمدرمان لمواجهة الغزو. وذكر بأن ذلك لاشتداد التنافس بين عثمان شيخ الدين والأمير يعقوب على قيادة الحملة المقترحة مما حدا بالخليفة لإلغاءها حلا للخلاف. و اخيرا تحرك محمود ود أحمد بجيشه من المتمة ووصل العالياب في 18 مارس 1898 وانضم إليه عثمان دقنة بقواته من الشرق. وفي 20 مارس عسكر جيش محمود في النخيلة على نهر عطبرة وأنشأ معسكراً حصينا. تحرك كتشنر بقواته وعسكر في رأس الهودي على بعد 20 ميلا من النخيلة. و بدأ الانتظار حيث انتظر كل من الجيشين تحرك الآخر للهجوم وأرسل كتشنر زوارقه لقصف المتمة حيث دمرت مستودعات الغلال لجيش محمود وحررت 650 من أسرى الجعليين من النساء والأطفال الذين أسروا بعد مذبحة المتمة. و بدأ الجوع يؤثر في جيش الأنصار.

تقدم كتشنر ببطء في الرابع من أبريل وهاجم معسكر محمود في 8 أبريل 1898 و في معركة استمرت لساعتين اجتاح الغزاة معسكر الأنصار وتشتت كامل جيش محمود ود أحمد البالغ 12000 مقاتل حيث قتل منهم 3000 آلاف وانسحب عثمان دقنة إلى القضارف مع 4000 آلاف رجل وتشتت شمل البقية. و أسر محمود ود أحمد نفسه. مقابل 560 قتيل من الغزاة.[5]

معركة كرري

قرر الخليفة الدفاع عن أمدرمان وبدأ ببناء الطوابي على ضفتي النيل وتجمع الأنصار في امدرمان ليبلغ عداد الجيش 60 ألف مقاتل. تقدم كتشنر حتى وصل امدرمان وبدأ في قصفها وأصاب قبة المهدي باضرار كبيرة وعسكر في شمال امدرمان. و بعد صبح يوم 2 سبتمبر 1898 زحف الأنصار باتجاه معسكرات الغزاة لتحصد الاسلحة الحديثة والتدريب العالي صفوفهم صفا صفا حتى انجلت المعركة عن خسائر فادحة للأنصار انسحب اثرها الخليفة جنوبا واحتل كتشنر الخرطوم وامدرمان. عرفت المعركة في السودان بمعركة كرري و عند الإنجليز بمعركة امدرمان.[6]

التاريخ السياسي

إتفاقية الحكم الثنائي

في 19 يناير 1899وقعت الحكومتان المصرية والبريطانية على اتفاقية تقضي بالسيادة المشتركة على السودان (الذي سمي بالسودان الإنجليزي المصري)عرفت باتفاقية كرومر- بطرس. اعترفت الإتفاقية "بالجهود المشتركة" ماليا وعسكريا التي قادت إلى فتح السودان. و بالاعتراف بالحقوق البريطانية في السودان المبنية على "حق الفتح". وعليه يرفع العلمان البريطاني والمصري معاً في السودان. قضت الاتفاقية بترشيح حاكم عام من قبل بريطانيا على أن يعين بمرسوم ملكي مصري. وللحاكم العام كل السلطات التشريعية والمالية على البلاد. من الناحية العملية جعلت الإتفاقية السودان دولة مستقلة تحت إدارة الموظفين البريطانيين يعاونهم صغار الموظفين المصريين.[7]

عارض المصريون الوطنيون المعاهدة بشدة لاعتقادهم أن الخديوي قد تنازل عن السيادة المصرية على السودان لبريطانيا.

العلم المصري الذي رفع في السودان.

حادثة فشودة

كادت الحادثة أن تؤدي إلى نشوب حرب بين فرنسا والمملكة المتحدة، لكنها انتهت بالانتصار الدبلوماسي للمملكة المتحدة. ونتج عنها ظهور ما يسمى متلازمة فاشودة في السياسية الخارجية الفرنسية (التأكيد على النفوذ الفرنسي في الأراضي التي قد تصبح تحت النفوذ البريطاني).ففي عام 1898 تسابق الجيشان البريطاني والفرنسي، لتأكيد ادعاء كل من الدولتين ملكيتها لبلاد السودان والساحل. فقد دخل ج.ب. مارشان الفرنسي جنوب السودان، يقود حملة من الجنود السنغاليين، واستولى على "فاشودة" في يوليو 1898، متزامنا تقريبا مع الغزو الإنجليزي المصري من الشمال. والتقى الجيشان والقائدان في فشودة حتى انسحب مارشان في 3 نوفمبر 1898. وتخلت فرنسا عن دعاواها في أعالي النيل. وبعد الاتفاق الودي في 1904 بين بريطانيا وفرنسا تغير اسم البلدة من فاشودة إلى كدوك لمحو ذكرى الصدام من الذاكرة.[8]

ضم دارفور

رغم ان دارفور كانت جزءأ من السودان تحت الحكم التركي منذ فتح الزبير باشا لها. و جزءا من الدولة المهدية منذ استسلام سلاطين إلا أن علي دينار أحد أحفاد سلاطين الفور قد استقل بها بعد معركة كرري واحتفظ بعلاقات طيبة مع الحكومة الإستعمارية حتى الحرب العالمية الأولى. حين لمست الحكومة منه استعدادا للدخول في الحرب إلى جانب المحور وتركيا فقامت بغزو دارفور وهزيمته في 22 مايو 1916 و قتل علي دينار بحلول نوفمبر من العام نفسه.

الجنوب

قتل دينكا أجار ضابطاً بريطانيا عام 1901 فأرسلت الحكومة قوات الجيش لتحرق القرى المشاركة وقتلت سلاطينها وصادرت مواشيهم. و تمرد دينكا أتوات على نهر لاو عام 1903 ثم عام 1907 ومجدداً عام 1910 ولم تستقر المنطقة إلا فيما بعد 1917.

أما النيام نيام (الزاندي) فقد ثارو عام 1903 بقيادة السلطان ريكتا ابن سلطان يامبيو و هاجموا فصيلة من الجيش. وقتل السلطان نفسه في عام 1905 إثر هزيمته من الحكومة. والقي القبض على ابن السلطان في 1914 و أبعد إلى الخرطوم حيث توفي عام 1916.

وتمرد الشلك عام 1915 و النوير أعوام 1913 و 1914 و1917. و الأنواك عام 1913.

ولميستقر الجنوب حتى عام 1926 حين اخضعت قبيلة التبوسا.[7]

جبال النوبة

ظل النوبة مستقلين في معظم تاريخهم. حيث لم تخضع إلا أجزاء محدودة من الجبال للأتراك ومن بعدهم المهديين ولم يخضعوا للمحتلين إلا بعد لأي. حيث ثاروا في جبل الداير عام 1903. وفي جبل براني قرب تلودي عام 1908 و عام 1917 و ففي رقيق عام 1910 و 1911و في هيبان 1911 و توقوي 1910 و الطير الأخضر وكادوقلي و شط الضافية وميري و الدلنج ومندال وكاندرو و فاندو وكيلا كيدو وتيمة و سيبي وذلمار وغيرها في أعوام عديدة وحركات متكررة حتى عام 1929.[7]

الحركات المهدية

تحرك علي عبد الكريم من أسرة المهدي عام 1900 في إمدرمان وادعى المهدية وسمى جماعته "عباد الله" و عرفت أيضا بجماعة "ود الكريم" و حكم عليه وأتباعه السبعة وعشرين بالإبعاد وسجن بحلفا حتى مات بعد الحرب العالمية الأولى.

وسبقه من البرنو الفكي محمد الخزين عام 1902 وقد إدعى المهدية و أعدم.

ثم ثار عبد القادر ود حبوبة عام 1908 في الحلاوين بالجزيرة وأعدم في 17 مايو 1908 في حلة مصطفى سوق الحلاوين الرئيسي. ثم ثار أحد أتباعه الفكي عكاشة أحمد بكردفان عام 1912 وقبض عليه و أعدم.

ثم قبض على عبد الوهاب بجزيرة تنقاسي عام 1908 وهو يخطط لإعلان المهدية أيضاً. و دعى الفكي نجم الدين الأهالي في سنار للثورة على أسس دينية في عام 1910 وأعدم أيضاً.[7]

النبي عيسى

بعد هزيمة المهدية حاول الكثيرون البناء على إرث الثورة المهدية فإدعى العديدون أنهم نبي الله عيسى الذي أرسل لقيادة المؤمنين بعد المهدي. فقد أعلنها محمد ود آدم في سنار و هاجم قوة للبوليس أرسلت للقبض عليه فقتل منها و قتل هو نفسه في الاشتباك. وبنفس الدعوى قام الشريف مختار ودالشريف عام 1910 من الشنابلة و قبض عليه و أعدم. وهو نفس العام الذي إدعى فيه فكي مدني بالنيل الأبيض نفس الدعوة. ثم أعلن أحمد عمر من الفلاتة من سوكوت بدارفور نفس الدعوى و أعدم عام 1915. ثم أدعاها ابن اخت المهدي محمد السيد حامد في مديرية الفونج عام 1919 وأعدم أيضاً.[7]

ثورة 1924 وانحسار النفوذ المصري في السودان

بعد فشل ثورة عام 1919 في مصر غير السلطان لقبه إلى "ملك مصر" بدلا عن "ملك مصر والسودان" في دلالة رمزية على اسقاط مطالباته بالسيادة على السودان بضغط بريطاني.

استمر تمركز عدد من الوحدات العسكرية المصرية في السودان حتى سحبها بعد اغتيال السير لي ستاك الحاكم العام للسودان في القاهرة. حيث أمهلت بريطانيا مصر 24 ساعة لسحب قواتها و موظفيها من السودان و أخمدت حركة عسكرية سودانية محدودة قامت بها الكتيبة الحادية عشرة السودانية و هي الأحداث التي عرفت في السودان بثورة 1924.

بعد ثورة 1925 لم يعد لمصر إلا النفوذ الاسمي الذي يمثله رفع علمها في السودان. خصوصا بعد تكوين قوة دفاع السودان في 17 يناير 1925 لتحل محل القوات المصرية في الدفاع عن السودان.[9] و انحصر تمثيلها في السودان بمكاتب الري المصري لإدارة خزان جبل أولياء و جمع البيانات عن النيل.

نظرياً استمرت معاهدة 1899 بلا تغيير حتى استبدلت بمعاهدة 1936 بين شريكي الحكم.

إدارة البلاد

جواز سفر سوداني سنة 1947

انخفض عدد سكان السودان أثناء الثلاثة عشر عاما التي حكمه فيها المهديون إلى ثلاثة ملايين نسمة من ثمانية ملايين كنتيجة للحروب و المجاعات التي اجتاحت البلاد. وانتشر العوز و انعدم الأمن. لم توجد مدارس بالمعنى المفهوم أو مستشفيات أو محاكم. وخلت البلاد من الكوادر المؤهلة للخدمة المدنية أو أي نوع من العمل العام. و انخفض التبادل التجاري إلى مستويات دنيا. كل مؤسسات الدولة كان يجب أن تنشأ من الصفر.[9] لخص كرومر خطة إدارة البلاد: "حسن الإدارة و زيادة عدد السكان و تطوير المواصلات وتوفير المياه وزراعة القطن ووفرة الوقود الرخيص" وأضاف ونجت "إنشاء نظام مبسط للتعليم"[7]

إدارة مديرية دنقلا

كانت دنقلا أول المديريات التي تمت أعادة احتلالها و بالتالي شهدت قيام أول إدارة مدنية في ظل الحكم الثنائي. تجول الجنرال هنتر من القوات الغازية في أرجاء المديرية و أنشأ أحد عشرة وحدة إدارية و عين مأموراً على رأس كل منها يعاونه ضابط شرطة و ستة عشرشرطيا منهم أربعة راكبون. سلح هنتر المآمير الجدد بتعليمات مفصلة حول واجباتهم و التحديات التي سوف يواجهونها و طرق التعامل مع الأهالي. و منها:

  • إن وظيفتك الجديدة هي وظيفة هامة و مسئولة.
  • تذكر أنك تمثل حكومة عادلة و رحيمة فعليك ان تكون مثالاً للعدل يسعى إليه المواطنون لرفع الظلم عنهم
  • يجب أن تعمل بكل ما في وسعك لتكسب ثقة واحترام المواطنين
  • تذكر أن المواطنين قد تخلصوا حديثا من اضطهاد نظام طاغ وظالم أصل فيهم شعور الخوف. و عليه يجب أن تشعر الأهالي ببزوغ عهد جديد من العدل و المعاملة الكريمة و في نفس الوقت يجب أن تتعامل مع الجرائم و المجرمين بحزم وقوة يجعلها من ذكريات أيام الدراويش
  • سيحاول الأهالي رشوتك! يجب أن ترد الرشى بصورة حاسمة و قطعية. و أن يفهم الأهالي أن الرشى لن تجلب عليهم سوى العقوبات. لا يجب أن يؤخذ أي شيء من الأهالي دون دفع مقابله.
  • إذا ثبت أنك أو أي من موظفيك قد أخذ أي "بقشيش" من المواطنين (هكذا وردت في النص الإنجليزي) فسوف يتم فصلك و تقديمك لمحاكمة عسكرية
  • عليك أن تشجع التوسع في الزراعة في منطقتك
  • عليك أن تحارب إساءة معاملة النساء
  • يمكنك معاقبة المستحقين بما لا يتجاوز يوما واحدا في الحبس. لعقوبات أكبر يجب عليك إحالة الأمر لأقرب سلطة عسكرية
  • يمكنك رفع أي إشكال لأقرب قائد عسكري لمنطقتك و يجب عليك العمل بتوجيهاته

مبادىء كتشنر لإدارة السودان

أعتمد نظام لا مركزي للإدارة و عين كتشنر حاكما عاما يعونه ثلاثة من السكرتيرين: إداري و ينوب عن الحاكم العام، قضائي و مالي و مدير للمعارف (التعليم). و قسم السودان إلى ست مديريات: دنقلا، بربر، كسلا، سنار فشودة و الخرطوم. و عين ضابط إنجليزي على رأس كل مديرية. وقد احتفظ الإنجليز بالوظائف العليا في الحكومة حتى مستوى مفتشي المراكز و خصصت الوظائف الأدنى للمصريين من مستوى المآمير. في 1899 أصدر كتشنر الخطوط العامة لإدارة السودان:

  1. بإزالة حكم الدراويش تتاح لنا الفرصة لإقامة نظام إداري متوافق مع متطلبات السودان.
  2. القوانين و اللوائح الضرورية للحكم ستصدر تباعا حسب الحوجة ولكن الهدف ليس تدبيج القوانين و الأطر بقدر ما هو الحكم الرشيد للبلاد
  3. يجب إرساء الأطر القانونية تدريجيا و التأكد من الالتزام التام بها في جميع أنحاء البلاد والتزام العدل مع الابتعاد عن كل ما يمكن أخذه كدلالة على ضعف الحكومة
  4. مهمتنا الأولى هي كسب ثقة المواطنين و تنمية ثرواتهم و الارتقاء بهم:
    1. على الموظفين التنفيذيين الإتصال بالطبقة النافذة من المواطنين و من خلالهم يمكننا التأثير على كل الشعب.
    2. على مدراء المديريات و المفتشين الاحتفاظ بصلات مباشرة مع الشخصيات المؤثرة في مناطقهم و كسب ثقتهم و الاهتمام بمصالحهم الشخصية و رفاههم
    3. على الموظفين الاهتمام بتقدم البلاد و إثراء المتصلين بهم من المواطنين و يجب أن تدلل تصرفاتهم الشخصية على ذلك
    4. يجب أن يعلم المواطنون أننا نتوقع منهم الصراحة و الصدق لا الكذب و التملق
  5. يجب مراعاة المشاعر الدينية و احترام الإسلام
  6. يعاد بناء المساجد في كل مدن البلاد ولا يسمح ببناء القباب أو الزوايا أو التكايا والمساجد الصغيرة منعا لإستخدامها في نشر التعصب و تعالج طلبات بنائها على المستوى المركزي
  7. الرق غير معترف به، إلا أننا لن نتدخل ما دام الأرقاء يؤدون خدماتهم طوعا لسادتهم . و سنتدخل بحزم عند إساءة معاملة الأرقاء من قبل السادة

محاور الإدارة

حددت إدارة الاحتلال التحديات الملحة بالآتي:

  • ملكية الأرض و تسجيل الأراضي: أرسي نظام قانوني لتسجيل الأراضي و الفصل في نزاعات الملكية الموروثة من المهدية. وانتشر المآمير و المفتشون في البلاد يقومون بمسح و تسجيل الأراضي و إصدار سندات الملكية. لم يتم منح أي أراض للأجانب أو تنزع أي ملكيات كما حدث في مستعمرات إنجليزية أخرى.
  • إنشاء نظام ضريبي فعال و مناسب: تبنت الحكومة نظام ضرائب بسيط غير تزايدي. حيث أصدر الأمر بتحديد الضرائب على الأراضي الزراعية وأشجار النخيل و القطعان. وتجنبا لإرهاق الأهالي (أو إغضابهم) فقد خول الموظفون المحليون لإعفاء الضرائب حال الإعسار أو الجدب. و منع تحصيل الضرائب إن أدى للإعسار أو الإضرار البالغ بالمواطنين.
  • العدل و القانون: بني قانون العقوبات السوداني على القانون الهندي بعد مراجعته و التأكد من صلاحيته للتطبيق في السودان.
  • الصحة العامة
  • التعليم

النظام القانوني

أسس البريطانيون القانون السوداني على القوانين الهندية بعد تعديلها لتناسب أعراف و تقاليد البلاد. وقد اسست القوانين الهندية بدورها على ما يعرف بقوانين "ماكولي" وهو نائب بريطاني اعترض على فكرة نسخ القوانين الإنجليزية للمستعمرات كما فعل البريطانيون في استراليا و كندا على سبيل المثال. حيث احتج بأن القانون الإنجليزي لا يصلح للتطبيق الأعمى في بلاد تختلف حضاراتها و معتقداتها و بيئتها عن إنجلترا. فقام بإعداد القانون الهندي ملتزما بمبادئ القانون الإنجليزي العامة و بانيا على القانون المغولي الإسلامي السائد في الهند قبل استعمارها.[10]

ولم يكن في السودان قبل ذلك من التجارب القانونية ما يمكن أن يستهدى به لتنظيم العلاقات و المؤسسات في دولة حديثة. حيث حكم السودان بقوانين محلية هي مزيج من الأعراف السائدة و الشريعة الإسلامية كما فهمها و فسرها فقهاء الحقبة. حيث أورد ود ضيف الله في الطبقات امثلة وضح فيها تغلب العرف على الشريعة في عهد الفونج حتى كاد يختفي أثرها من القانون السائد.[10]

قام المستعمرون بإصدار عدد من القوانين المنظمة للعديد من أوجه الحياة بالسودان، مثل قانون العقوبات و الإجراءات الجنائية (1899) و قانون تسوية الأراضي (1899) و قانون نزع الملكية و قانون الشفعة المستهدي بالشريعة الإسلامية. ثم قانون الأوراق المالية (1917) و قانون إشهار الإفلاس (1918) و الشركات المساهمة (1925) و إبادة الجراد (1907) و المواد الغذائية و الضروريات (1926) و قانون القوارب (1907) وقانون الرخص (1922) و قانون المكوس (1924).[10]

ارتبطت القوانين السودانية بالعرف السوداني إلى حد كبير حيث رفض القضاة السودانيون الاستناد إلى السوابق الإنجليزية في مرات عديدة لمخالفتها للواقع و المجتمع السوداني.[10]

وفي عام 1958 ترأس القاضي السوداني محمد أحمد أبو رنات لجنة مراجعة القوانين في شمال نيجيريا و أوصت اللجنة بتطبيق القانون السوداني بعد تطويعه ليوافق الواقع المحلي في المنطقة.[10]

الإدارة الأهلية

بحلول عام 1919 كان الأمن و النظام قد استتب في جميع انحاء السودان وبدأ الإنجليز بالتفكير في وضع أقصى ما يمكن من سلطات في يد الزعامات المحلية من الشيوخ و العمد تحت إشراف الموظفين المدنيين بهدف تقليل العبء على الوافع على موظفيهم و زيادة الفعالية و ترشيد نفقات إدارة البلاد. وفي 1928 أعطي شيوخ القبائل سلطات قضائية. وقد قم الإنجليز بدعم الشيوخ ماديا و إسباغ الهيبة عليهم سواء بالمال أو غيره كتعليم أبنائهم و توزيع كساوي الشرف عليهم. ووسعت مسئولياتهم لتشمل الاهتمام بالمنشئات المحلية و الطرق.

الموقف المالي

اعتمدت حكومة السودان الإستعمارية على الحكومة المصرية في تمويل أنشطتها و قد تزايدت الإيرادات السودانية حتى فاقت المنصرفات في عام 1912 تقريباً. وهذا باستثناء عائدات الجمارك السودانية المتحصلة عبر الموانئ المصرية. وفي عام 1941 وافقت الحكومة السودانية على دفع مبلغ 5,414,525 جنيه استرليني للحكومة المصرية كقيمة عادلة لكل المنصرفات المصرية في السودان منذ إعادة احتلاله. أمابالنسبة للحكومة البريطانية فلم يعتبر السودان مستعمرة و لم يتحمل دافع الضرائب البريطاني أي تكاليف متعلقة بالسودان ولم تعد عليه أي عائدات مباشرة.

التجارة الخارجية

في ما قبل عام 1900 تكونت صادرات السودان بشكل أساسي من: الصمغ العربي، ريش النعام، العاج و المطاط الهندي. كان الصمغ العربي هو أكثر هذه الصادرات أهمية وقد انخفض كثيرا من جراء القيود التي وضعها المهديون على التجارة فانخفض حجم الصادر من 151 ألف قنطار قبل الثورة إلى 42 ألف قنطار في 1899 ثم ارتفع إلى 220 ألف قنطار في 1902.شهدت السنين الأولى من الحكم عددا من الإستثمارات الفاشلة التي أدت بعدد من المغامرين الأوروبيين إلى الإفلاس، مثل إنتاج الورق من نباتات السدود أو محاولة إنتاج الفحم من نفس النباتات أو المحاولات الفاشلة للبحث عن الذهب. و سرعان ما اتضح أن طريق السودان إلى الرفاه و السعة يكمن في زراعة السهول الطينية المنبسطة التي تغلب على أراضيه. ارتفعت قيمة الصادرات السودانية إلى 7.5 مليون جنيه استرليني بحلول 1919 من مجرد 500 ألف جنيه في 1908.

زراعة القطن وإنشاء مشروع الجزيرة

ذكر عدد من المسافرين الأوروبيين إمكانية ري أراضي الجزيرة المنبسطة بين النيلين. حيث تتمتع الأراضي بانحدار طبيعي طفيف من الجنوب إلى الشمال مما يمكن ريها من خزان صغير يقوم على النيل الأزرق. إلا أن أول تقرير جدي أصدره عام 1904 السير ويليام جاريستن. وأشار فيه إلى أن الأراضي مناسبة و نعداد السكان كف للقيام بمشروع زراعي يروى من خزان على النيل.حتى ذلك الوقت كان القطن بعيداً عن الأذهان و صيغ التقرير أعلاه بغرض زراعة الحبوب. وكما ذكر السير ونجت في تقرير عام 1903 فإن السودان هو المصدر الحقيقي للقطن المصري و أن بذور القطن التي جلبها المسيو جومل إلى مصر كانت في الأساس من حديقة أحد الموظفين في السودان. و في تلك السنة بدأت تجربة زراعة القطن في دلتا طوكر و دلتا القاش في شرق السودان وجاءت بنتائج مبشرة.

استثمر الأمريكي لي هنت في زراعة القطن بالزيداب شمال الخرطوم بنجاح كبير عام 1904 و أنشأ شركة السودان للمزارع التجريبية.في عام 1908 قام مدير الري مستر دوبويس بكتابة مذكرة عن الري بالقنوات في الجزيرة تبعتها دراسات مساحية حقلية مكثفة أكدت جدوى المشروع ووجهت بإنشاء الخزان قرب سنار. وقدر بان المشروع يمكنه ري حوالي 3 ملايين فدان. زار رفد من اتحاد منتجي القطن السودان في 1910 و أبدوا اهتماما كبيرا بفكرة مشروع الجزيرة. وقدم ونجت الحاكم العام طلبا للبرلمان البريطاني لضمان قرض مقداره 3 ملايين جنيه استرليني لصالح المشروع، وافق البرلمان و أصدر قانون قرض حكومة السودان لعام 1913، رفعت بتعديلات لاحقة إلى 13.5 مليون جنيه.

تواصلت تجارب زراعة القطن حيث زرع في مشروع طيبة (6000 فدان) سنة 1914. و وبدأت الأعمال التحضيرية للخزان في نفس العام إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى آخر المشروع فلم يكتمل التصميم إلا في عام 1919.

تعمير الخرطوم

أنشات المباني الحكومية على واجهة النيل الأزرق في الخرطوم قرب سراي الحاكم العام (القصر الجمهوري حالياً) و مساكن الموظفين في المنطقة المحيطة. استمر الحاكم العام و موظفو الحكومة في السكن بامدرمان و الانتقال إلى الخرطوم بالمعدية يوميا حتى عام 1904. كانت أول المباني اكتمالا هي القصر و مباني السكرتاريات (الوزارات الحالية) و المسجد الكبير وبنك باركليز (الخرطوم حاليا) و بنك مصر و ثكنات الجيش. تواصل العمل على بناء كلية غردون حتى اكتمل في عام 1905 الذي شهد افتتاح خط الترام البخاري.

خط التلغراف

بحلول 1905 بلغت خطوط التلغراف ما يقارب الأربعة آلاف ميل في الطول ووصلت حتى التونج و واوو قام 73 عاملا بالطواف على الخطوط بصورة مستديمة للقيام باعمال الصيانة.

الملاحة النهرية إلى الجنوب

عملت الحكومة على تطهير مجرى النيل و فتح الممر النهري عبر منطقة السدود بقيادة بيك و ماثيوز مستعينين بعدد من المراكب البخارية و فريق من المساجين. و نجحوا في تطهير المسار حتى الرجاف و واو في عام 1903 و احتفظت الحكومة بالخط النهري مفتوحا باستمرار أعمال التطهير.

السكة حديد

بدأ إنشاء السكة حديد لدعم الحملة العسكرية لغزو السودان. ووصل خط السكة حديد إلى الحلفايا بالخرطوم بحري في 30 ديسمبر 1899. بلغ طول الخط الحديدي 779 ميلا بالوصول إلى بحري. و في عام 1904 بدأ إنشاء الخط الواصل إلى بورتسودان في البحر الأحمر للاستعاضة عن التصدير و الاستيراد عبر بورسعيد. أفتتح الخط الحديدي لبورتسودان عام 1905 و بدأ الميناء في استقبال السفن التجارية عام 1907 و تم افتتاحه رسميا في عام 1909.تم افتتاح كبري الخرطوم بحري (القوات المسلحة حاليا) كبري كوستي في عام 1910. مما أوصل السكة حديد لقلب الخرطوم و مهد لإيصالها لمدينة الأبيض في كردفان التي وصلها في عام 1911 (دارفور لم تكن جزءا من البلاد آنذاك). وقد بلغ عدد محطات السكة حديد 108 محطة و طول الخط 1500 ميل.

التعليم

بدات الحكومة العمل على التعليم من الصفر تقريبا. فلم تكن بالبلاد سوى مدرستين بسواكن و وادي حلفا حسب المنهج المصري. كانت أولى العقبات هي توفير المعلمين للمدارس الجديدة و تم استقدام معلمين أجانب لسد النقص حتى تخرجت الدفعات الأولى من الطلاب الذين تم تدريب بعضهم كمعلمين في معاهد فتحت خصيصاً لهذا الغرض.

الري

ابتعثت الحكومة المصرية السير ويليام جارستين مستشار وزارة الاشغال العامة المصرية لاستكشاف نهر النيل و دراسة اساليب التحكم في مياهه و تأمين امدادات المياه لمصر. تم نشر تقريره في كتاب عام 1904. و شكل هذا التقرير اساس اعمال التحكم في النيل دون تعديل يذكر. حيث اقترح المشاريع الاتية:

في ما عدا خزان سنار الذي يروي مشروع الجزيرة هدفت كل المقترحات أعلاه لتوفير المياه لمصر.[11]

إنشاء كلية غردون

بعد شهرين فقط من معركة كرريدعى كتشنر لإنشاء مؤسسة للتعليم العالي في السودان تخليدا لذكرى الجنرال غردون و دعى العموم البريطاني للتبرع بمائة ألف جنيه استرليني للمشروع. استجاب البريطانيون و جمعوا 120 ألف حنيه في ستة أسابيع. ووضه اللورد كرومر حجر الأساس للجامعة في 5 يناير 1899. صاحب إنشاء الكلية كثيرا من الاعتراضات بدعوى أنها مضيعة لأموال كان من الأجدى إنفاقها على زيادة المدارس الأولية. إلا أن كتشنر أثبت بعد نظره في إنشاء الكلية التي أسهمت بشكل كبير في نشر الوعي في السودان و تطورت لتصبح جامعة الخرطوم الحالية.

الخدمات الصحية

فتحت في عام 1901 مستشفيات صغيرة في كل من: امدرمان، الخرطوم، وادي حلفا، بربر، ، دنقلا، سواكن و كسلا. و بنيت مستشفيات كبيرة في الخرطوم و عطبرة و بورتسودان في 1909.

بدأ التوسع البير في حوالي عام 1920 عندما بدأ إنشاء مستشفيات وادي حلفا، كسلا، كلكال، سنار، الحاج عبد الله و جبل أولياء. و افتتحت مدرسة القابلات بأمدرمان.

أنشأت بريطانيا نظاما إداريا متقدما في شمال السودان وأقامت مشاريع اقتصادية كبيرة مثل مشروع الجزيرة لإنتاج القطن وتصديره لبريطانيا.

وفى الجنوب كانت السيطرة البريطانية أقل منها في الشمال حيث تركت السلطة في يد عدد من المسئولين المدنين الذين اطلق عليهم لقب البارونات الحشرات Bug Barons بسبب سلطتهم شبة المطلقة على مساحات كبيرة في أدغال الجنوب.

على الرغم من الخلافات المتزايدة بين المصريين والوطنيين السودانيين الذين يطالبون بانهاء السيادة البريطانية على السودان إلا أن الحكومة المصرية وقعت اتفاقية مع بريطانيا العظمى في عام 1936 التي أكدت بين بنودها اتفاقية 1899.

في عام 1946 وبعد الحرب العالمية الثانية تفاوضت مصر وبريطانيا بشأن تعديل وتنقيح معاهدة عام 1936، وطالبت الحكومة المصرية بريطانيا بالانسحاب من السودان، واقترح البريطانيون بعض التعديلات على الوضع وقتذاك ولكن المفاوضات أفضت إلى طريق مسدود.

الطريق نحو الاستقلال

في 19 يونيو 1948 وبعد مشاورات مع بعض المسئولين في شمال السودان أعلن الحاكم العام في السودان عن عمل مجموعة من الإصلاحات لإعطاء شمال السودان الخبرة في الحكم الذاتى وذلك لاتخاذ المتطلبات الأساسية للقرارات المتخذة بشأن الحالة السياسية النهائية للسودان وتم انتخاب مجلس الشعب الجديد في نوفمبر وقام المؤيدون للاتحاد مع مصر بعد تأكدهم من عدم إمكانية النجاح بمقاطعة الانتخابات في ديسمبر 1950. طالب مجلس الشعب السوداني بريطانيا بإعطاء السودان استقلال تام في العام 1951.

فيما بين 1950 و1951 استمرت الحكومة المصرية في مطالبة بريطانيا بالانسحاب من السودان.

في أكتوبر 1951 شجبت الهيئة التشريعية السودانية اتفاقية السيادة المشتركة بين مصر وبريطانيا ومعاهدة 1936. وفي نفس الشهر قام مصطفى النحاس بالغاء معاهدتي 1936 و1899 من جانب واحد. ولم تعترف برطانيا بهذا الإلغاء.

تم استئناف المفاوضات المصرية والبريطانبة بخصوص الوضع في السودان وذلك بعد تنازل الملك فاروق عن العرش بعد ثورة يوليو 1952.

في 21 فبراير 1953 وقعت الحكومتان اتفاقية يتم بمقتضاها منح السودان حق تقرير المصير في خلال ثلاث سنوات كفترة انتقالية تطبيقا لبنود الاتفاق. تمت أول انتخابات نيابية في السودان في آواخر عام 1953ً وتم تعيين أول حكومة سودانية وذلك في 9 يناير 1954 وكانت في معظمها من الشماليين.

في 19 أغسطس قامت وحدات من الجيش السوداني الجنوبي بالتمرد وتم القضاء على حركة التمرد عن طريق الجيش.

في 30 أغسطس وافق البرلمان على اجراء استفتاء عام لتحديد مستقبل البلاد السياسى وفي نفس الوقت وافقت وبريطانيا على الانسحاب من السودان في 12 نوفمبر 1955.

في 19 ديسمبر أعلن البرلمان السودان كدولة مستقلة بعد إجراء الاستفتاء العام. وقد أعلنت جمهورية السودان رسميًا في 1 يناير 1956. وقد أصبح السودان عضوًا في جامعة الدول العربية في 19 يناير، وفي الأمم المتحدة في 12 نوفمبر من نفس العام.

انظر أيضا

مصادر

  1. Robert O. Collins,A History of Modern Sudan Cambridge University Press, 2008 p.10
  2. Timothy J. Stapleton, A Military History of Africa ABC-CLIO, 2013 vol.1 p.53
  3. Robert O. Collins. A History of Modern Sudan. Cambridge University Press, May 29, 2008 pg. 18
  4. عنوان الخارطة في الجانب الأعلى إلى اليمين.
  5. المهدية: تاريخ السودان الإنجليزي المصري 1881-1899، أ ب ثيوبولد، ترجمة محمد المصطفى عبد الكريم، مركز عبد الكريم مرغني الثقافي
  6. السودان عبر القرون، د. مكي شبيكة، دار الجيل بيروت،1991
  7. تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900 - 1969، محمد عمر بشير، ترجمة هنري رياض و وليم رياض و الجنيد علي عمر، الدار السودانية للكتب 1980
  8. http://www.marefa.org/index.php/حادثة_فاشودة. موسوعة المعرفة
  9. The Sudan, Years of Achievement, J S R Duncan, Blackwood and Sons, 1952
  10. الفجر الكاذب: نميري و تحريف الشريعة، منصور خالد، دار الهلال، 1986.
  11. بالانجليزية: ترويض أعالي النيل The training of the Upper Nile ف. نيوهاوس. المفتش العام السابق للري المصري في السودان. الناشر: سير ايزاك بيتمان و أولاده. لندن. 1939.https://digitalt.uib.no/bitstream/handle/1956.2/2517/1036_new_house %28The Training of the Upper Nile%29.pdf?sequence=1 نسخة محفوظة 25 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
    • بوابة عقد 1950
    • بوابة الحرب
    • بوابة السودان
    • بوابة مصر
    • بوابة تاريخ أفريقيا
    • بوابة الإمبراطورية البريطانية
    • بوابة التاريخ
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.