نظرية ميازما

نظرية ميازما (يسمى أيضا نظرية ميازمية) افترضت أن الأمراض مثل الكوليرا, الكلاميديا, أو الموت الأسود بسبب ميازما (μίασμα) اليونانية القديمة: "التلوث"، شكل مؤذي من أشكال "الهواء الفاسد"، المعروف أيضًا بإسم "هواء الليل".

تحتاج هذه المقالة كاملةً أو أجزاءً منها إلى تدقيق لغوي أو نحوي. فضلًا ساهم في تحسينها من خلال الصيانة اللغوية والنحوية المناسبة. (يوليو 2018)
رسم تمثيلي بواسطة روبرت سيمور لوباء الكوليرا في القرن التاسع عشر يصور انتشار المرض في شكل هواء سام.

النظرية تقول أن أصل الأوبئة يرجع إلى ميازما، المنبثقة من تعفُّن المواد العضوية.[1] على الرغم من أن نظرية ميازما ترتبط عادة مع انتشار المرض إلا أن بعض الأكاديميين في أوائل القرن التاسع عشر اقترحوا أن النظرية تمتد إلى ظروف أخرى كذلك، على سبيل المثال يمكن للمرء أن يصبح أكثر سمنة عن طريق استنشاق رائحة الطعام.[2]

نظرية ميازما كانت مقبولة من العصور القديمة في أوروبا والهند والصين لكن النظرية تم رفضها أخيراً من قبل العلماء والأطباء بعد عام 1880م ، وحلَّت محلَّها نظرية جرثومية المرض: وتنص على أن جراثيم محددة وليس ميازما تسبب أمراضاً معينة. ومع ذلك فإن المعتقدات الثقافية حول التخلص من الرائحة جعلت تنظيف النفايات لها الأولوية بالنسبة للمدن.[3][4]

الأصل اللغوي

كلمة ميازما تأتي من اليونانية القديمة وتعني "التلوث".[5] الفكرة أيضًا أدَّت إلى اسم الملاريا (حرفيًا "الهواء الفاسد") خلال العصور الوسطى الإيطالية.

الآراء حول العالم

كتاب سيباستيان بيتريسي الذي تم نشره في كراكوف في 1613م حول الوقاية ضد "الهواء الفاسد".

الميازما كانت تعتبر بخارًا سامًا أو ضبابًا مليئًا بجزيئات من مادة متحللة (ميازماتا) والتي تسبب الأمراض.

تأثير الميازما هو أن المرض ناتج عن العوامل البيئية كالماء الملوث، الهواء الغير نقي، أو الظروف الصحية السيئة. هذه العدوى لا تنتقل بين الأفراد ولكن يمكن أن تؤثر عليهم داخل المكان الذي أدَّى إلى مثل هذه الأبخرة. كان يمكن التعرف عليها برائحتها الكريهة. كما كان يعتقد في البداية أن الميازما يتم نشرها خلال الديدان من القرح في المصابين بالطاعون.[6]

في الهند كان هناك أيضًا نظرية ميازما وأخذ الهنود السبق بكونهم أول من استخدموا نظرية ميازما في ممارسة المهنة السريرية؛ حيث اخترع الهنود "بان" وهو كريم لاصق والذي كان يعتقد بقدرته على منع الميازما، بل كان يعتبر أول مضاد للميازما.[7]

نظرية الميازما المسببة للأمراض احتفظت بانتشارها في  العصور الوسطى وظهر ذلك في كتاب روبرت بويل "الشكوك حول الحقائق المخفية في الهواء".

في خمسينيات القرن التاسع عشر تم استخدام الميازما لشرح انتشار   الكوليرا في لندن وفي باريس، جزئيًا لتبرير تجديد هوسمان في وقت لاحق للعاصمة الفرنسية. حيث قيل أنه يمكن الوقاية من المرض عن طريق تطهير ومسح الأجسام والأشياء.

الدكتور ويليام فار مساعد مفوض عام 1851م في لندن كان من أهم المؤيدين لنظرية الميازما، وقال إنه يعتقد أن مرض الكوليرا ينتقل عن طريق الهواء وأن هناك تركيز قاتل من الميازما بالقرب من ضفة  نهر التايمز. مثل هذا الاعتقاد كان مقبولًا جزئيًا بسبب قلة جودة الهواء في المناطق الحضرية، القبول الواسع الذي لقته نظرية الميازما طغى على النظرية الصحيحة بواسطة  جون سنو أن الكوليرا تنتشر عن طريق المياه، مما أدى إلى بطء الاستجابة في حي سوهو بلندن وغيره من الأماكن.

الممرضة في  حرب القرمفلورنس نايتنجيل (1820م-1910م)[8][9][10] كانت من دعاة النظرية وعملت على جعل المستشفيات صحية وجيدة الرائحة. وذكر في 'ملاحظات عن التمريض في الطبقات الكادحة' (1860م) أنها كانت "تحافظ على الهواء [للمريض] ليتنفسه نقيًا مثل الهواء الخارجي.[11]

الخوف من الميازما تم تسجيله في العديد من التحذيرات في أوائل القرن التاسع عشر بشأن ما سُمي "بالضباب الغير صحي". كذلك وجود الضباب يؤيّد بقوة وجود الميازما. تتحرك الميازما مثل الدخان أو الضباب حيث تنتقل بتيارات الهواء والرياح، لكنها لا تنتقل ببساطة مع الرياح بل تغيِّر تكوين الرياح نفسه. إذًا فالجو حيث يوجد الناس المريضون يكون موبوءًا بالميازما.[12] كما اعتقد الكثيرون أن الميازما سحرية وأن بإمكانها تغيير تركيب ومكونات الهواء والجو تمامًا.

الصين

في الصين، ميازما (بالصينية: ); الأسماء البديلة (瘴毒, 瘴癘) هو مفهوم قديم للمرض، والمستخدم على نطاق واسع من قبل الصينيين القدماء وأعمالهم الأدبية. الميازما لها أسماء عديدة في الثقافة الصينية. كما أن معظم التفسيرات التي تشير للميازما تشير إليها بأنها نوع من المرض أو الغاز السام.

اعتقد الصينيون القدماء أن الميازما كانت مرتبطة بالبيئة في أجزاء من جنوب الصين. حيث كان يعتقد أن الميازما يسببها الحرارة، الرطوبة والهواء الميت من جبال الصين الجنوبية. كما اعتقدوا أن النفايات الحشرية، تلوث الهواء، الضباب، المياه والغابات الصغيرة مما يشكِّل بيئة مناسبة لتكون الميازما.

في وصف المسافرين القدماء والجنود والمسئولين المحليين (معظمهم أدباء) لظاهرة الميازما دائمًا ما كان يتم ذكر ضباب، غبار أو غاز سام. الميازما سببت العديد من الأمراض ك الانفلونزا والبرد وضربات الحرارة والملاريا والزحار.

في تاريخ الطب الصيني دائمًا ما كان يتم الإشارة إلى الملاريا بأسماء مختلفة في فترات مختلفة. التسمم كان أيضاً يسمى ميازما في الصين القديمة لأنهم لم يعرفوا سبب الأمراض، ومع ذلك فإن جنوب الصين كان متطورًا جدًّا في أسرتيْ "مينغ وتشينغ"، حيث تغيرت البيئة بسرعة، وبعد القرن التاسع عشر أُدخلت العلوم الغربية إلى الصين وعرف الناس كيفية معرفة المرض والتعامل معه. وبدأ مفهوم الميازما بالتلاشي بسبب تقدُّم الطب في الصين.[13]

التطورات منذ القرن التاسع عشر

نظرية زيموتيك

على أساس نظرية "زيموتيك" اعتقد الناس أن بعض الأبخرة والتي تسمى ميازماتا تتصاعد من التربة وتنشر الأمراض. كما كان يعتقد أن الميازماتا تنتج من تعفُّن النباتات والمياه الكريهة خصوصًا في المستنقعات والأحياء بالمناطق الحضرية.

كثير من الناس لا سيما الضعفاء أو العجزة تجنبوا التنفس من هواء الليل عن طريق البقاء داخل البيوت وإبقاء النوافذ والأبواب مغلقة. بالإضافة إلى الأفكار المرتبطة بنظرية "زيموتيك"، كان هناك أيضًا خوف عام من أن البرد أو الهواء البارد يسبب انتشار المرض. الخوف من هواء الليل اختفى تدريجيًا بفهم المزيد عن المرض وكذلك مع تحسينات في تهوية وتدفئة المنزل. أهمية خاصة كانت في فهم أن عائل انتشار الملاريا هو البعوض (النشط في الليل) بدلًا من الميازماتا.[14]

العدوى في مقابل الميازماتا

قبل أواخر القرن التاسع عشر، "هواء الليل" كان يعتبر خطرًا في معظم الثقافات الغربية. خلال القرن التاسع عشر، انقسم المجتمع الطبي حول تفسير طريقة انتشار المرض. إحدى الجانبين كان ممن اعتقدوا أن العدوى هي من تسبب المرض عن طريق الإتصال الجسدي. بينما اعتقد الآخرون أن المرض موجود في الهواء على شكل ميازما، ولذا يمكنه الانتشار دون اتصال جسدي.

النظرية الجرثومية الحالية تعتبر انتشار المرض عن طريق كل من الإتصال الجسدي المباشر والغير مباشر.[15]

التأثير على اصلاحات الهندسة الصحية

في أوائل القرن التاسع عشر، كانت ظروف المعيشة في المدن الصناعية في بريطانيا غير صحية بشكل متزايد. حيث كان عدد السكان يتحرك بشكل أسرع كثيرًا من البنية التحتية. على سبيل المثال فإن عدد سكان مدينة مانشيستر تضاعف خلال عقد واحد فقط، مما أدى إلى تزاحم كبير وتراكم للنفايات. [16] نظرية الميازما أعطت تفسيرًا منطقيًا للمصلحين الصحيين في منتصف القرن التاسع عشر، حيث بررت الميازما لماذا  الكوليرا وغيرها من الأمراض الوبائية تستوطن الأماكن التي كان بها الماء والتي تكون كريهة الرائحة؟ وكما أكَّد زعيم الإصلاح الهندسي في لندن إدوين تشادويك أن "كل رائحة مرض"، واقترح تغيير في البنية الأساسية في شبكات الصرف الصحي من أجل مكافحة زيادة معدلات الوفيات في المناطق الحضرية. تشادويك أكَّد أن المشاكل من أوبئة الكوليرا والتيفوئيد لها صلة مباشرة بالتحضر، واقترح أنظمة صرف صحي جديدة مستقلة يجب أن تكون متصلة إلى المنازل. تشادويك دعّم اقتراحه مع التقارير الواردة من مجتمع لندن الإحصائي والتي أظهرت زيادة كبيرة في كل من معدلات الاعتلال والوفيات منذ بداية التحضر في أوائل القرن التاسع عشر. على الرغم من أن إصلاح تشادويك  مقترح على أساس من نظرية ميازما، إلا أن مقترحاته لا تزال تساهم في تحسينات  الصرف الصحي، التحسينات مثل: منع ارتداد الهواء الضار من المجاري مرة أخرى إلى المنازل عن طريق شبكات صرف صحي منفصلة في تصاميم  المرافق الصحية التي بالمناسبة أدَّت إلى انخفاض سلاسل  الكوليرا وبالتالي ساعدت في دعم النظرية.[17]

من الميازما إلى النظرية الجرثومية

على الرغم من أن العلاقة بين الجراثيم والمرض اقترحت في وقت مبكِّر جدًّا, لم يكن هناك قبول حتى أواخر سنة 1800م أصبحت النظرية مقبولة. نظرية ميازما تم الطعن فيها من قبل جون سنو، مقترحًا أن هناك بعض الوسائل التي ينتشر بها المرض عن طريق السم أو مادة مغيبة في الماء.[18] قد تم اقترح هذا من قبل في الرد على وباء في شارع برود في وسط لندن في عام 1854م.[19] بسبب شيوع نظرية الميازما بين العلماء الإيطاليين فإن اكتشاف فيليبو باتشيني في نفس العام للبكتيريا  العصوية التي تسبب المرض تم تجاهله تمامًا.

لم يكن حتى عام 1876م حينما أثبت روبرت كوخ أن البكتيريا عصيات الجمرة الخبيثة تسبب الجمرة الخبيثة,[20] التي جلبت حد نهائي لنظرية الميازما.

بحلول عام 1866م، وبعد ثمان سنوات من وفاة جون سنو، أعلن وليام فار بأن نظرية ميازما لإنتقال الكوليرا كانت خطأ، بواسطة الإحصائيات المبررة على معدل الوفيات.[21]

انظر أيضا

المراجع

  1. John M. Last, المحرر (2007). "A Dictionary of Public Health". Westminster College, Pennsylvania: Oxford University Press. مؤرشف من الأصل في 24 أبريل 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); |الفصل= تم تجاهله (مساعدة)
  2. Halliday, Stephen (2001). "Death and Miasma in Victorian London: An Obstinate Belief". British Medical Journal. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. Linda Nash, Inescapable Ecologies: A History of Environment, Disease, and Knowledge (2007)
  4. Suellen Hoy, Chasing Dirt: The American Pursuit of Cleanliness (1996) pp 104-13
  5. Miasma in Webster Dictionary نسخة محفوظة 08 فبراير 2018 على موقع واي باك مشين.
  6. 'Malouin, Paul-Jacques. [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  7. Miasma Analysis نسخة محفوظة 27 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.
  8. BRIEF HISTORY DURING THE SNOW ERA (1813–58) نسخة محفوظة 17 يناير 2017 على موقع واي باك مشين.
  9. Who was William Farr? [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 25 مارس 2009 على موقع واي باك مشين.
  10. Development of the Germ Theory of Disease نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  11. The Invisible Giant [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  12. Valenčius, Conevery B. The Health of the Country: How American Settlers Understood Themselves and Their Land.
  13. 牟重行,王彩萍,〈中國歷史上的「瘴氣」考釋〉,《國立臺灣師範大學地理研究報告》,(第38期,台北:國立臺灣師範大學地理學系,2003),頁25-26。 نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  14. Baldwin, Peter C. "How Night Air Became Good Air, 1776-1930" in Environmental History, July 2003 نسخة محفوظة 05 مارس 2009 على موقع واي باك مشين.
  15. The Invisible Ghost نسخة محفوظة 24 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين. "نسخة مؤرشفة". Archived from the original on 24 أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 26 مايو 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link)
  16. Gill, Geoff (2000). "Cholera and the fight for Public Health Reform in Mid-Victorian England". Historian. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  17. Whorton, James (2001). "'The insidious foe'—sewer gas". West J. Med. 175 (6): 427–428. doi:10.1136/ewjm.175.6.427. PMID 11733443. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  18. On Continuous Molecular Changes, More Particularly in Their Relation to Epidemic Diseases نسخة محفوظة 10 يناير 2018 على موقع واي باك مشين.
  19. John Snow's Cholera Map Maps نسخة محفوظة 10 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  20. Robert Koch (1843-1910) نسخة محفوظة 25 يناير 2016 على موقع واي باك مشين.
  21. Competing Theories of Cholera نسخة محفوظة 30 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.

    لمزيد من القراءة

    • Sterner, Carl S. (2007). "A Brief History of Miasmic Theory" (PDF). Bulletin of the History of Medicine. 22 (1948): 747. مؤرشف من الأصل (PDF) في 23 نوفمبر 2018. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • Thorsheim, Peter (2006). Inventing Pollution: Coal, Smoke, and Culture in Britain since 1800. Ohio University Press. ISBN 0-8214-1681-2. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)

    وصلات خارجية

    • بوابة علم الأحياء الدقيقة
    • بوابة الأديان
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.