مسح الطاقة المظلمة

مسح الطاقة المظلمة (بالإنجليزية: Dark Energy Survey، واختصارًا: DES) هي عملية مسحٍ للضوء المرئي والقريب من نطاق الأشعة تحت الحمراء يهدف إلى تفحّص ديناميكيات توسع الكون والنمو الهيكلي واسع النطاق.[1] يتضمن هذا التعاون مؤسسات بحثية وجامعات من الولايات المتحدة،[2] وأستراليا، والبرازيل،[3] والمملكة المتحدة، وألمانيا، وإسبانيا، وسويسرا.

مسح الطاقة المظلمة
مسح الطاقة المظلمة

يستخدم المسح تلسكوب فيكتور إم بلانكو البالغ قطره 4 أمتار الموجود في مرصد كرو تولولو بين الأمريكي (سي تي آي أوو)، في تشيلي، المزود بكاميرا الطاقة المظلمة (دي إي كام).[4] تسمح هذه الكاميرا بالتقاط صورٍ أكثر دقةٍ، مقارنة بالأدوات السابقة، للجزء الأحمر من الطيف المرئي وللأشعة تحت الحمراء القريبة.[4]

تتمتع أداة دي إي كام بأوسع نطاقات الرؤية (بقطر 2.2 درجة) المتاحة للتصوير الأرضي البصري وللأشعة تحت الحمراء.[4] قام المسح بتصوير 5000 درجة مربعة من السماء الجنوبية إذ تداخلت مساحة رصده مع تلسكوب القطب الجنوبي والشريط 82 من السماء. استغرق المسح 758 ليلةً من الرصد على مدى ست سنوات لإكمالها، رُصدت خلالها المساحة المطلوبة عشر مرات في خمسة نطاقات قياسٍ ضوئية (جي، وآر، وآي، وزي، وواي). بدأ مسح الطاقة المظلمة رسمياً في أغسطس 2013 وأكمل آخر عمليةٍ رصده له في 9 يناير 2019.

نظرة عامة

تبحث عملية مسح الطاقة المظلمة في ديناميكيات الكون والهيكل واسع النطاق الخاص به باستخدام أربع مجسات: المُستعرات العظمة من النوع الأول أيه، والتذبذبات الصوتية الباريونية (بي إيه أوه)، وعدد عناقيد المجرات، والتعدس الجاذبي الضعيف.

يُعتقد أنّ المُستعرات العظمة من النوع الأول Ia هي انفجارات نووية حرارية تحدث عندما تلتحم النجوم القزمة البيضاء في الأنظمة النجمية الثنائية مع الكتلة الصادرة عن النجوم المصاحبة لها.[5] تُعتبر هذه الأحداث مهمة لدراسة علم الكونيات لأنها ساطعة للغاية، ما يسمح للفلكيين برصدها من على بُعد مسافةٍ كبيرة جداً. يمكن تحديد مُعدل توسع الكون استناداً إلى عمليات رصد مسافة اللمعان والانزياح نحو الأحمر للمُستعرات العظمة من النوع الأول Ia البعيدة. تتيح التقنيات الثلاث الأخرى التي يستخدمها مسح الطاقة المظلمة (بي إيه أوه، وعناقيد المجرات، والتعدس الثقالي الضعيف) للعلماء فهم توسع الكون وتطور اضطرابات مجال كثافة المادة المظلمة في نفس الوقت. ترتبط هذه الاضطرابات ارتباطاً جوهرياً مع تكوين المجرات وعناقيدها. يفترض النموذج القياسي لعلم الكونيات أنّ التقلبات الكمومية لحقل الكثافة للمكونات المختلفة التي كانت موجودةً عندما كان الكون صغيراً للغاية قد عُززت من خلال التوسع السريع للغاية للكون الذي يُطلق عليه اسم التضخم. يُعزز الانهيار الجاذبي هذه التقلبات الأولية أثناء وقوع الباريونات في حقل جهد الجاذبية الخاص بالمناطق الأكثر كثافة من الفضاء لتشكيل المجرات. ومع ذلك، فإنّ معدل نمو هالات المادة المظلمة هذه حساسٌ لديناميكيات توسع الكون وسيستغل مسح الطاقة المظلمة هذا الرابط لاستكشاف خصائص هذا التوسع.

توفر كاميرا دي إي كام إمكانيات رصدٍ جديدة لم تكن متاحةً لعمليات المسح السابقة، مثل مسح سلووان الرقمي للسماء. تتمثل إحدى الاختلافات المهمة بين جهاز اقتران الشحنة (سي سي دي) الخاص بتلسكوب فيكتور إم بلانكو وكاميرا دي إي كام في الكفاءة الكموية المُحسنة في الجزء الأحمر من الأطياف المرئية وفي الأشعة تحت الحمراء القريبة. هذه خاصية مهمة للغاية للرصد المصادر البعيدة، مثل المستعرات العظمى من النوع الأول إيهأو عناقيد المجرات، لأن توسع الكون يُزيح لون الفوتونات المنبعثة من مصدرٍ معين نحو أطوالٍ موجيةٍ أكثر احمراراً. من ناحيةٍ أخرى، فإن السيليكون، وهو العنصر الرئيسي المستخدم في تصنيع أجهزة سي سي دي، يصبح شفافاً للأشعة تحت الحمراء، إذ تُشكل هذه المُشكلة تحدياً تقنياً لتطوير أجهزة سي سي دي لكاميرا دي إي كام.[6][7]

يترأس جوش فريمان منصب مدير مسح الطاقة المظلمة ويتكون التعاون من العديد من معاهد البحوث والجامعات. ينقسم تعاون مسح الطاقة المظلمة نفسه إلى عددٍ من مجموعات العمل العلمية. تضمّ بعض مجموعات العمل الرئيسية ما يلي: مجموعة عمل التعدس الضعيف، ومجموعة عمل عناقيد المجرات، ومجموعة عمل الهيكل واسع النطاق، ومجموعة عمل المستعرات العُظمى، ومجموعة عمل التطور المجري، ومجموعة عمل التعدس القوي. تشمل موضوعات العلوم الأخرى علوم المحاكاة، والمعايرة، والقياسات الضوئية للانزياحات نحو الطيف الأحمر، والنجوم الزائفة، ومجرة درب التبانة. تحمّل تعاون مسح الطاقة المظلمة المسؤولية الكبيرة للتّطوير الميكانيكي والإلكتروني والبصري لكاميرا دي إي كام. يمتلك التعاون موقعاً على الإنترنت،[8] حيث يمكن للعلماء نشر نتائجهم، وعروضهم، ومقالاتهم الجديدة. بعض الإصدارات على هذا الموقع هي مُتاحة لعامة الناس.

المسح

يخطط تعاون مسح الطاقة المظلمة لاستكمال مسحٍ مساحته 5000 درجة مربعة للسماء الجنوبية على مدى 5 سنوات. من المُخطط أن يتمكن المسح من رصدٍ أجرامٍ ذات قدرٍ ظاهري يُعادل 24 في النطاق الراديوي آي في المنطقة بأكملها. اُختيرت منطقة المسح لتتداخل مع منطقة مسح مرصد القطب الجنوبي لأن أسلوبه في رصد عناقيد المجرات من خلال تأثير سونيايف - زيلدوفيتش يُتمم التقنيات البصرية الخاصة بمسح الطاقة المظلمة. كما تتداخل منطقة المسح أيضاً مع مناطق المسح الخاصة بمسح سلووان الرقمي للسماء ومسح نصف الكرة الخاص بتلسكوب فيستا[9] لأنّ هذه المسوحات يمكن أن توفر مزيداً من المعلومات حول المجرات التي يقوم مسح الطاقة المظملة بتصويرها.

أجريت أول عملية مسحٍ بتاريخ 12 سبتمبر عام 2012؛[10] بعد إنهاء فترة التحقق والاختبار، بدأت عمليات المسح العلمي في أغسطس 2013.[11] يُجري مسح الطاقة المظلمة عمليات رصدٍ لمدة 105 ليلةً كل موسم، الذي يستمر من أغسطس إلى فبراير. أكمل مسح الطاقة المظلمة موسمين من التصوير حتى الآن، السنة الأولى (أغسطس 2013 - فبراير 2014) والسنة الثانية (أغسطس 2014 - فبراير 2015).

المُستعرات العُظمى

التطبيقات في علم الكون

محاكاة لمنحنيات الضوء الصادر عن مستعر أعظم من مسح الطاقة المظلمة موزعة على أربع نطاقات

اكتشف علماء الفيزياء الفلكية تسارع التوسع الكوني عن طريق فحص السطوع الظاهري لعشرات المستعرات العظمى من النوع الأول Ia البعيدة، والتي هي نجومٌ متفجرة أصبح سطوعها لفترة وجيزة يُعادل سطوع مجرةٍ بأكملها مُكونة من مليارات النجوم.[12] في النماذج الرائدة حالياً للمستعرات العظمى من النوع الأول أيه، تحدث الانفجارات عندما تلتحم النجوم القزمة البيضاء في الأنظمة النجمية الثنائية مع الكتل الصادرة عن النجوم المصاحبة لها، إذ تُصبح غير مستقرة (لا يزال الحد الأقصى للكتلة التي تجعل النجم غير مُستقراً موضع نقاش)، لتنفجر بعد ذلك على شكلٍ انفجارٍ نووي حراري هائل. على الرغم من وجود بعض الاختلافات، تتمتع معظم المستعرات العظمى من النوع الأول Ia بمنحنى ضوئي مميز أي رسم بياني للّمعان كدالةٍ للوقت مع قدرٍ ظاهري مُطلق يساوي -19.3. نتيجة هذه التجانس والسطوع، تُعتبر المستعرات العظمى من النوع الأول إيه من أفضل الشموع القياسية لتحديد المسافات.

لتحديد ما إذا كان معدل توسع الكون يتسارع أو يتباطأ مع مرور الوقت، يستغل علماء الكونيات سرعة الضوء المحدودة. يحتاج الضوء  لمليارات السنين للسفر من مجرة بعيدة إلى الأرض. بما أنّ الكون يتوسع، كان الكون أصغر حجماً (أي كانت المجرات أقرب إلى بعضها البعض) عندما انبعث الضوء من المجرات البعيدة. إذا كان معدل توسع الكون يتسارع بسبب الطاقة المظلمة، فإنّ حجم الكون يزداد بسرعةٍ أكبر مع مرور الوقت مما لو كان التوسع يتباطأ. لا يمكننا قياس تغير حجم الكون كدالةٍ للوقت باستخدام المستعرات العظمى. بدلاً من ذلك، يمكننا قياس حجم الكون (في الوقت الذي انفجر فيه النجم) والمسافة التي تفصلنا عن هذه المُستعرات العظمى. بعد قياس هذه المسافة، يمكن لعلماء الفلك استخدام قيمة سرعة الضوء إلى جانب نظرية النسبية العامة لتحديد المدة التي استغرقها الضوء للوصول إلى الأرض والذي يقودهم لمعرفة عمر الكون عندما انفجرت المستعرات العُظمى.

قياسات المُستعرات العُظمى باستخدام مسح الطاقة المظلمة

أنشأ عدد من الاستطلاعات الكونية الطموحة للمستعرات العظمى مخطط هابل ذي انزياحٍ نحو الأحمر قريبٍ من العدد 1. بالإضافة لذلك، تُمدد عمليات البحث باستخدام تلسكوب هابل الفضائي هذا المُخطط لتشمل انزياحات نحو الأحمر ذات قيمةٍ أكبر من 1. بناءً على عمليات المسح الأرضية هذه، سوف يواصل مسح الطاقة المظلمة هذا البحث من خلال اكتشاف وإجراء قياساتٍ مفصلة لآلاف المستعرات العُظمى بهدف تحسين الدقة الإحصائية لعلم الكونيات الخاص بها والتحكم في الأخطاء المنهجية في استخدامها لقياس المسافات. سوف يقيس مسح الطاقة المظلمة سطوع 3500 مستعرٍ أعظم تقريباً من النوع الأول Ia. تبعد هذه المستعرات العظمى مسافة مليارات السنين الضوئية عن الأرض. عندما انفجرت المستعر الأعظم الأبعد الذي سيدرسه المسح، كان حجم الكون نصف ما هو عليه الآن. سيرصد مسح الطاقة المظلمة 30 درجة مربعة من السماء عدة مرات، مقسمةً إلى حقلين عميقين وثمانية حقول ضحلة، ما سيؤدي إلى اكتشاف نحو 6000 مُستعرٍ أعظم، أي ثلثي ما سيكون كافياً لقياس المسافات.

مراجع

  1. Home - The Dark Energy Survey نسخة محفوظة 4 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  2. DES Collaboration Page, DES Collaborators. نسخة محفوظة 18 أبريل 2016 على موقع واي باك مشين.
  3. DES-Brazil نسخة محفوظة 2014-10-22 على موقع واي باك مشين., DES-Brazil Consortium.
  4. Dark Energy Camera (DECam), Cerro Tololo Inter-American Observatory. نسخة محفوظة 23 مايو 2019 على موقع واي باك مشين.
  5. News about Flash Code News about the first 3D successful simulation of a type IA supernova. نسخة محفوظة 5 مايو 2019 على موقع واي باك مشين.
  6. Status of the Dark Energy Survey Camera (DECam) project نسخة محفوظة 14 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
  7. DECam Presentation نسخة محفوظة 2011-09-27 على موقع واي باك مشين., Pdf Presentation about the specific details about how a CCD device works and about the specific properties of the DECam, made by a Fermilab specialist.
  8. The Project - The Dark Energy Survey Collaboration, The DES Project Site. نسخة محفوظة 23 يناير 2019 على موقع واي باك مشين.
  9. Dark Energy Survey Collaboration. "Description of the Dark Energy Survey for Astronomers" (PDF). The Dark Energy Survey. مؤرشف من الأصل في 5 مارس 2016. اطلع عليه بتاريخ 01 مارس 2015. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. "Dark energy camera snaps first images ahead of survey". BBC. 2012-09-18. مؤرشف من الأصل في 1 أكتوبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  11. "The Dark Energy Survey begins". Fermilab. 2013-09-03. مؤرشف من الأصل في 27 مارس 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  12. آدم ريس; et al. (1998). "Observational evidence from supernovae for an accelerating universe and a cosmological constant". Astronomical Journal. 116 (3): 1009–38. arXiv:astro-ph/9805201. Bibcode:1998AJ....116.1009R. doi:10.1086/300499. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)

    وصلات خرجية

    • بوابة الفيزياء
    • بوابة علم الفلك
    • بوابة علم الكون
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.