فينيقيون

فينيقيا (من اليونانية القديمة: Φοινίκη، فوينيكِس Phoinnkē وتعنى "البلد الأرجواني") كانت حضارة سامية قديمة ثالاسوقراطية نشأت في شرق البحر الأبيض المتوسط وغرب الهلال الخصيب قبل 2500 عام قبل الميلاد،[1] ويوافق العلماء عموما على أنها تشمل المناطق الساحلية في شمال فلسطين اليوم ولبنان وجنوب سوريا وصولا إلى الشمال مثل أرواد، ولكن هناك بعض الخلاف حول مدى امتدادها جنوبا، وأبعد منطقة يقترح أنها عسقلان.[2] وصلت المستعمرات في وقت لاحق إلى غرب البحر الأبيض المتوسط (أبرزها قرطاج) وحتى المحيط الأطلسي، وانتشرت الحضارة عبر البحر المتوسط بين 1500 قبل الميلاد و 300 قبل الميلاد.

فينيقيون
𐤊𐤍𐤏𐤍 (فينيقية)
كنعن / knʿn (نقحرة)
Φοινίκη / Phoiníkē (إغريقية)
المدة؟

عاصمة صيدا  
نظام الحكم غير محدّد
نظام الحكم ملكية  
اللغة فينيقية، بونيقية
التاريخ
الفترة التاريخية 1500 ق.م–539 ق.م
التأسيس 2500 ق.م 
النهاية 65 ق.م 

فينيقيا هو مصطلح يوناني قديم يستخدم للإشارة إلى المنتج الرئيسي المصدر من المنطقة، قماش مصبوغ بأرجوان صور من رخويات مريق، ويشير المصطلح إلى المدن الساحلية الكنعانية الكبرى، وهو لا يتوافق تماما مع الهوية الثقافية التي كانت معترفا بها من الفينيقيين أنفسهم. تكونت حضارتهم من دول مدن، على غرار اليونان القديمة،[3] وربما كانت أبرزها صور وصيدا وأرواد وبريتوس وجبيل وقرطاج. كل دولة مدينة كانت وحدة مستقلة سياسيا، ولا يوجد أدلة أثرية تثبت أن الفينيقيين قد اعتبروا أنفسهم جنسية واحدة.[4] من حيث علم الآثار واللغة ونمط الحياة والدين، لا يوجد اختلاف كبير يفصل الفينيقيين عن غيرهم من سكان بلاد الشام.[5]

حوالي 1050 قبل الميلاد، تم استخدام الأبجدية الفينيقية لكتابة الفينيقية حيث تعد اقدم ابجدية في التاريخ واكتشفت في اوغاريت. و أصبحت واحدة من أكثر أنظمة الكتابة استخداما، وانتشرت من قبل التجار الفينيقيين في جميع أنحاء العالم المتوسطي، حيث تطورت واستوعبت من قبل العديد من الثقافات الأخرى.[6]

تأصيل

اسم الفينيقيين، مثل اللاتينية Poenī (بوينيكوس، في وقت لاحق بينيكوس)، يأتي من اليونانية Φοίνικες (فوينيكيس). كلمة φοῖνιξ فوينيكس تعني بشكل مختلف "الشخص الفينيقي"، "أرجوان صور، قرمزي" أو "نخيل التمر" ويشهد مع كل المعاني الثلاثة بالفعل في هوميروس. (طائر الفينيق طائر أسطوري يحمل أيضا نفس الاسم، ولكن هذا المعنى لم يشهد حتى قرون في وقت لاحق) كلمة يمكن أن تكون مشتقة من φοινός فوانوس "الدم الأحمر"، نفسها ربما تتعلق φόνος فونوس "القتل". من الصعب التأكد من أي معنى جاء أولا، ولكن من المفهوم أن الكون قد ربطوا القرمزي أو الأرجواني لون التمور والصبغة مع التجار الذين تداولوا كل هذه المنتجات. وقد اقترح روبرت س. بيكيس أصلا ما قبل اليونانية للاسم المستعار. وقد يكون أقدم شكل من أشكال الكلمة في اللغة اليونانية هو الميسنيان بو-ني-كي-جو، بو-ني-كي، وربما اقترضت من فنو المصرية (فينخو) "أسياتيكش، سيميتس"، على الرغم من أن هذا الاشتقاق متنازع عليه. جمعية الاشتقاق الشعبية من Φοινίκη مع φοῖνιξ المرايا التي في الأكادية، التي ربط كيناي، كيناي "كنعان" إلى كيناو "الصوف الأحمر مصبوغ". كانت الأرض تعرف أصلا باسم كن (قارن إيبلايت كا-نا-نا-أم، فن | كا-نا-نا) وشعبها كما كني. في أقراص أمارنا في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، أطلق الناس من المنطقة أنفسهم كنعاني أو كنعاني. في وقت لاحق، في القرن السادس قبل الميلاد، يكتب هكاتايوس من ميليتوس أن فينيسيا كان يسمى سابقا χνα خنا، وهو الاسم الذي اعتمده فيلو من جبيل في وقت لاحق في الأساطير له كما اسمه للفينيقيين: "خنا الذي كان يسمى بعد ذلك فوينيكس". نجا الاسم الإثني في شمال أفريقيا حتى القرن الرابع الميلادي (انظر اللغة البونيقية).

كنعانيون

ينقسم الكنعانيّون حسب التصنيف اللغوي إلى عدّة فروع أشهرها

أصول

يشير تقرير هيرودوت (مكتوبة 440 قبل الميلاد) إلى أساطير آيو وأوروبا.

وفقا للفرس أفضل مطلعين على التاريخ، بدأ الفينيقيون في الشجار. هؤلاء الناس، الذين كانوا قد سكنوا في السابق على ضفاف بحر اريترا، بعد أن هاجروا إلى البحر الأبيض المتوسط واستقروا في الأجزاء التي يسكنونها الآن، بدأوا في وقت واحد، كما يقولون، لمغامرة في رحلات طويلة، شحن سفنهم مع سلع مصر وآشور ...[7]

يعتقد المؤرخ اليوناني سترابو أن الفينيقيين نشأوا من البحرين.[8] ويعتقد هيرودوت أيضا أن موطن الفينيقيين كان البحرين.[9][10] وقد قبلت هذه النظرية من قبل الفنان الألماني أرنولد هيرين في القرن التاسع عشر الذي قال: "عند الجغرافيين اليونانيين، على سبيل المثال، نقرأ عن جزيرتين، تدعى تيروس أو تايلوس، وأرادوس، التي تفاخر بأنها كانت الدولة الأم للفينيقيين، وعرضت آثارا المعابد الفينيقية ".[11] وكان شعب صور في جنوب لبنان على وجه الخصوص يحافظ على أصول الخليج العربي لفترة طويلة، وتم التعليق على التشابه في عبارة Tylos " تيلوس "و" صور " Tyre.[12] ازدهرت حضارة دلمون في البحرين خلال الفترة من 2200-1600 قبل الميلاد، كما يتضح من عمليات التنقيب عن المستوطنات ومدافن دلمون. ومع ذلك، يزعم البعض أن هناك القليل من الأدلة على وجود استيطان على الإطلاق في البحرين خلال الفترة التي كان من المفترض أن تحدث فيها هذه الهجرة.[13]

تقليديا

ذكر المؤرخ أبو جرير الطبري (المتوفى عام 310ه‍/922م) أن "الكنعانيين هي من العرب البائدة، وأنهم يرجعون بأنسابهم إلى العمالقة". وقال ابن خلدون عن الكنعانيين آخذا عن الطبري: "...وأما الكنعانيون هم من العمالقة، كانوا قد انتشروا ببلاد الشام وملكوها". وقال أيضاً: "أول ملك كان للعرب في الشام فيما علمناه للعمالقة". وقال أيضاً: "وكانت طَسْم والعماليق وأُميم وجاسم يتكلمون بالعربية".[14]

يبدو أن الثقافة الكنعانية قد نشأت في الموقع من ثقافة العصر النحاسي الغاسوليني المبكر. الحضارة الغاسولية نفسها تطورت من مجمع الرعي البدوي حول شبه الجزيرة العربية، الذي تطور بدوره من مزيج من أسلافهم نطوفيين و هاريفيان مع الثقافات ما قبل الفخار العصر الحجري الحديث ب والزراعة، وممارسة تدجين الحيوانات، خلال الأزمة المناخية 6200 قبل الميلاد والتي أدت إلى ثورة العصر الحجري الحديث في بلاد الشام. يوثق جبيل كموقع أثري من العصر البرونزي المبكر. وتعتبر دولة أوغاريت العصر البرونزي المتأخر من الكنائس الأكنغارية بشكل أصيل، على الرغم من أن اللغة الأوغاريتية لا تنتمي إلى اللغات الكنعانية المناسبة.

تحليل جينوغرافي

قام الدكتور بيار زلّوعة (المختص في دراسة الحمض النووي والمدرِّس في الجامعة اللبنانية الأميركية) بإجراء دراسة حديثة ضمن المشروع الجينوغرافي التابع لمؤسسة ناشيونال جيوغرافيك الذي يهدف إلى دراسة حركة هجرة الشعوب تاريخياً. وقد تمكّن خلال سنوات الدراسة من استنتاج البصمة الفينيقية الموجودة في الحمض النووي المستخلص من بعض الآثار الفينيقية، وفي جينات الصبغي Y عند نسبة معتبرة من الذكور الذين يعيشون حالياً في مناطق التواجد القديمة للحضارة الفينيقية في محيط البحر الأبيض المتوسط. هذه البصمة الفينيقية (الهابلوغروب J2) وصل حاملوها إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط قبل نحو 10 آلاف سنة، أي مع بداية عصر التحضر (الانتقال من حالة الترحال إلى حالة الإقامة). وسكنوا هذه الأرض وأنشؤوا قراهم ثم مدنهم، وهاجر بعضهم إلى أماكن أخرى من حوض المتوسط حيث بنى مستوطنات وخلّف هناك آثاره وجيناته. فالجين J2 موجود في كلّ المدن التي استخدمها الفينيقيون في حوض المتوسط -من قرطاج إلى صقليّة ومالطة وغيرها- والتي يعود تاريخ وجودهم فيها إلى 2000 قبل الميلاد.[15]

وعلى الرغم من دراسات سابقة أجراها باحثون آخرون تدل على أن هذا الهابلوغروب J2 ليس فقط للفينيقيين فهو أقدم عمراً من تاريخهم وموجود بكثرة في جميع منطقة الهلال الخصيب، بل وبصورة أكبر بكثير في القوقاز،[16] إلا أن دراسة بيار زلوعة تعدت الهابلوغروب J2 لتحدد إضافيا، وعلى وجه الخصوص، ستة نسخ متنوعة من نيوكليوتيدات قصيرة متكررة جنبا إلى جنب، تعرف بالنمط الفرداني Y-STR، تحمل بصمة فينيقية منفردة في الخصوصية. وبالتالي، تمثل الأنماط الفردانية الستة المكتشفة (PCS1+ وصولاً إلى PCS6+) الأنساب التي من المرجح أنها نشرت عبر الفينيقيين أثناء استعمارهم لسواحل حوض البحر المتوسط، ويدعم هذا الترجيح ارتفاع ترددات هذه الأنماط الفردانية في كل من مستعمراتهم وفي قلب وطنهم الأم فينيقيا، على حدٍ سواء.[17]

أبجدية فينيقية

نقش أحيروم، ملك فينيقيا جبيل، 1000 قبل الميلاد.[18]

تتكون الأبجدية الفينيقية من 22 حرفا، كل الحروف ساكنة. منذ حوالي 1050 قبل الميلاد، استخدم هذا السيناريو لكتابة الفينيقية، لغة سامية شمالية. ويعتقد أنها واحدة من أسلاف الحروف الهجائية الحديثة. من خلال تجارتهم البحرية، نشر الفينيقيون استخدام الأبجدية إلى الأناضول وشمال أفريقيا وأوروبا، حيث اعتمدها الإغريق الذين طوروها إلى نص أبجدي ليكونوا أحرفا مميزة للحروف المتحركة وكذلك الحروف الساكنة.

اسم "الفينيقين" هو من قبل تعطى الاتفاقية للنقوش ابتداء من حوالي 1050 قبل الميلاد، لأن الفينيقية، العبرية، وغيرها من اللهجات الكنعانية لا يمكن تمييزها إلى حد كبير قبل ذلك الوقت. ما يسمى أهرام أحيروم، محفورة على تابوت الملك أحيروم من حوالي 1000 قبل الميلاد يظهر أساسا في النص الفينيقي المطور بالكامل.

كان الفينيقيون من أوائل المجتمعات على مستوى الدولة التي تستخدم على نطاق واسع الأبجديات: عائلة اللغات الكنعانية، التي يتحدث بها الفينيقيون، الأموريون، العمونيون، الموابيتون، والأدوميت، كانت أول مجموعة مصدقة تاريخيا من اللغات لاستخدام الأبجدية، المستمدة من النص البروتو كنعاني، لتسجيل كتاباتهم. يستخدم السيناريو البروتو كنعاني حوالي 30 رمزا ولكن لم يستخدم على نطاق واسع حتى ظهور الممالك السامية الجديدة في القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد. يستمد النص البروتو الكنعاني من الهيروغليفية المصرية.

ذروة: 1200-800 قبل الميلاد

وقد لاحظ فرناند بروديل في وجهة نظر العالم أن فينيقيا كانت مثالا مبكرا على "اقتصاد عالمي" محاط بالإمبراطوريات. وعادة ما يتم وضع نقطة عالية من الثقافة الفينيقية والقوة البحرية ج. 1200-800 قبل الميلاد. وكان من الصعب تحديد الأدلة الأثرية التي تتفق مع هذا الفهم. ومع ذلك، فإن التركيز الفريد في فينيسيا للفضاء المؤرخة بين 1200 و 800 قبل الميلاد، يحتوي على هاكسيلفر مع نسب نظائر الرصاص مطابقة الخامات في سردينيا وإسبانيا. هذه الأدلة المعدنية تتفق مع الذاكرة التوراتية لغرب البحر الأبيض المتوسط ترشيش التي زودت سليمان بالفضة عبر فينيقيا، خلال ذروة الأخير (انظر "التجارة"، أدناه).

وقد تم إنشاء العديد من أهم المستوطنات الفينيقية قبل فترة طويلة من هذا: بيبلوس، صور في جنوب لبنان، صيدا، سميرة، أرواد، وبيريتوس، عاصمة لبنان، كلها تظهر في أقراص أمارنا.

وكانت جامعة موانئ الدولة المستقلة، مع دول أخرى على الجزر وعلى طول سواحل البحر الأبيض المتوسط، مناسبة بشكل مثالي للتجارة بين منطقة المشرق العربي، الغنية بالموارد الطبيعية وبقية العالم القديم. حوالي 1200 قبل الميلاد، سلسلة من الأحداث سيئة الفهم ضعفت ودمرت الإمبراطوريات المصرية والهيتيتية المجاورة. في فراغ الطاقة الناتج، ارتفع عدد من المدن الفينيقية كقوى بحرية هامة.

تراجع: 539-65 قبل الميلاد

عمل بحري خلال حصار صور في جنوب لبنان (350 قبل الميلاد). رسم أندريه كاستيغن، 1888-89.

الحكم الفارسي

الملك الفارسي كوروش غزا فنيقيا في 539 قبل الميلاد. ثم قسم الفرس فنيقيا إلى أربع ممالك رئيسية: صيدا، صور، أرواد، وجبيل. لقد ازدهرت، وتأثيث الأساطيل للملوك الفرس. وانخفض التأثير الفينيقي بعد ذلك. في 350 أو 345 قبل الميلاد، تم سحق تمرد في صيدا بقيادة تينس من قبل أرتكسركس الثالث. وقد وصف ديودوروس سيكولوس تدميره.

الحكم المقدوني

سيطر الإسكندر الأكبر على معظم المدن الفينيقية من غير مقاومة تذكر حيث استسلم له ملك ارادوس وتمت الإطاحة بملك صيدا بسهولة تامة بينما قاومت صور الاحتلال حتى دخلها في سنة 332 قبل الميلاد بعد حصار طويل دام ما يعادل الستة أشهر من يناير (كانون الثاني) حتى يوليو (تموز). كان ألكسندر قاسيا بشكل استثنائي على صور، حيث اعدم 6000 الاف شخص مباشرة بعد دخولها ومن ثم اتبعهم ب 2000 من المواطنين البارزين الذين تم صلبهم على شواطئ المدينة، واغتنم ما يزيد عن 30000 شخص كعبيد كي يتم بيعهم لاحقا. وبالرغم من ذلك فانه حافظ على حياة الملك وعائلته وبعض الحجاج القرطاجيين الذين احتموا في معبد ملقراط. وقد أطاح صعود المقدونيين تدريجيا ببقايا الهيمنة السابقة لفينيقية علي الطرق التجارية في شرق البحر الأبيض المتوسط واختفت الثقافة الفينيقية تماما في الوطن الأم. في ذلك الحين استمرت قرطاج في الازدهار في شمال أفريقيا. وأشرفت على التعدين من الحديد والمعادن الثمينة القادمة من شبه الجزيرة الإيبيرية، واستخدمت قواتها البحرية الكبيرة وجيوش المرتزقة لحماية المصالح التجارية. وبقيت كذلك حتى دمرتها روما أخيرا في عام 146 قبل الميلاد، في نهاية الحروب البونيقية.

بعد وفاة الكسندر الكبير، تتابع الحكام المقدونيون على الوطن الفينيقي بالتسلسل التالي: لاوميدون (323 ق.م)، بطليموس الأول (320)، أنتيغونوس الثاني (315)، ديميتريوس (301)، وسلوقس (296). بين عامي 286 و 197 قبل الميلاد، سقطت فينيقيا (باستثناء أرادوس) على يد بطالمة مصر، الذين قاموا بتثبيت كهنة عشتار العليا كحاكمين في صيدا (أشمونازار الأول، تبنيت، إشمونازار الثاني).

في عام 197 قبل الميلاد، عادت فينيقيا مع سوريا إلى السلوقيين. أصبحت المنطقة أكثر هلينية (يونانية)، على الرغم من أن صور أصبحت مستقلة عام 126 قبل الميلاد ثم تليها صيدا في عام 111 قبل الميلاد. ومن ثم تم الاستيلاء على سوريا، بما في ذلك فينيقيا، من قبل الملك تيغرانس القادم من أرمينيا من سنة 82 حتى 69 قبل الميلاد، عندما هزم من قبل لوكولوس. وفي 65 قبل الميلاد، أدمج بومبي العظيم أخيرا الإقليم كجزء من المقاطعة الرومانية لولاية سوريا. أصبحت فينيسيا مقاطعة منفصلة حوالي سنة 200 ميلادي.

جغرافية مناطقهم وانتشارهم

استوطن الكنعانيون الساحل الشرقي للبحر المتوسط (والذي يشمل سوريا ولبنان وفلسطين الحالية) منذ 5000 ق.م. ومنذ عام 1100ق.م، دعي الكنعانيون الذين سكنوا مناطق الساحل شمال صور بالفينيقيين حتى أعالي ساحل سوريا.

أنشأ الفينيقيون مدناً على الساحل الغربي للبحر المتوسط ما زالت عامرة إلى يومنا هذا مثل صور وأوغاريت وارواد وصيدا وجبيل وغيرها.

بلغت فينيقيا والمدن التابعة لها ذروة مجدها التجاري في القرن الثالث عشر قبل الميلاد إذ كانت اتصالاتها البحرية تشمل مناطق العالم القديم بأكمله وبلغت تجارتها درجة عظيمة.

في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد، زالت سيطرة الإيجيّين على البحر المتوسّط مما سمح للفنيقيين بالتوسع في تجارتهم البحرية. وتوزّعت سفنهم ومن ثمّ مستعمراتهم في جميع أنحاء المتوسّط.[19]

في الحوض الشرقي

امتدت المدن الفينيقية في العصور القديمة، على المنطقة الساحلية من مدينة أوغاريت في شمال سورية (رأس شمرا الحديثة) إلى عكا بشمال فلسطين، بطول يبلغ حوالي 322 كيلومترا. ثم استوطنوا السواحل الشرقية لقبرص وذلك لغناها بالنّحاس والحجارة الكريمة، ثمّ لوفرة حبوبها وخمورها وزيتونها، ولموقعها الوسط بين عالمين. وبنوا المخازن على معظم ساحلها.

اهتمّوا بمناطق كيليكيه وطرطوس، ومن هنالك وصلوا إلى رودس المواجهة للشّاطئ. استقرّوا في كريت وجزر "السّيكلاد". ولكنّهم لم يتعدّوا الدّردنيل في إنشاء المستعمرات بسبب المسافة. وإن تكن قوافلهم قد وصلت إلى شواطئ البحر الأسود وأرمينيا.

وفي الجنوب، تواجد الفينيقيّون؛ إلا أنهم لم يقيموا مستعمرات بسبب وجود المصريين. فقد أقاموا المخازن في ممفيس، حيث تمتّعوا بحريّة التّجارة. وأنشئوا حيًّا خاصًّا بالصّوريّين منذ القرن الثّاني عشر قبل الميلاد، وأقاموا فيه معبدًا لعشتروت.

في الحوض الغربي

لمّا اشتدّت منافسة الإغريقيّين، فضّل الفينيقيون ترك المجال مفتوحًا أمام صيدون، فنقلوا مناطق نفوذهم التّجاري إلى الحوض الغربي من المتوسّط. فاستقرّوا في صقلية، و"يوتيقا" (المدينة العتيقة) في تونس اليوم، ومالطة، مُراعين في اختيارهم لمستعمراتهم البحريّة المركز التّجاري والموقع الطّبيعي لإنشاء المرافئ. ومن هناك انطلق الفينيقيّون إلى جنوبي سردينيا، والجزر المجاورة لها "كالباليار". ومن ثمّ خطّوا نحو "ترشيش" (إسبانيا) حيث حوّلوا إحدى محطّاتهم التّجاريّة إلى مستعمرة.

قرطاجة

أثار لمنازل فينيقية في قرطاجة - تونس

لم تكن قرطاجة[20] (يقال أيضا قرطاج) أوّل مستعمرة أُنشئت في شمال أفريقيا، بل سبقتها مستعمرة "يوتيقا" (سنة 1000ق.م) على نهر مجردة، و"زارتيس" (بنزرت). وسُمّيت قرطاجة (المدينة الحديثة) تمييزًا لها عن جارتها "يوتيقا" (المدينة العتيقة). وقد شيّدت حوالي 814 ق.م. لتكون صلة الوصل بين صور والمستعمرات الفينيقيّة. وقد اختار لها الصّوريّون موقعًا استراتيجيًّا بين الحوضين الشّرقي والغربي للمتوسّط. تتّصل برًّا بالقارّة الأفريقية، وبحرًا بمختلف المحطّات والمخازن والمستعمرات الفينيقيّة في الغرب. و قد أصبحت قرطاجة الوريثة الشرعية لمدينة صور بعد سقوط هذه الأخيرة وكونت امبراطورية تجارية أصبح يضرب بها المثل في الازدهار والرقي. كما تجدر الإشارة ان فينيقيي قرطاج لقبوا بالبونقيين كمزيج بين الفينيقيين وسكان شمال أفريقيا الأصليين.

الوصول لسواحل الأطلسي

وعند تفسيره لتاريخية عواميد هرقل، اشار الباحث وليم سيرفات عن إمكانية وصول الفينيقيين إلى السواحل الأوروبية الأطلسية من خلال بحثهم لاسواق جديدة لمنتوجاتهم.[21]

الإبحار حول أفريقيا

يروى هيرودوت أن الفرعون نكاو الثاني أراد مد نشاطه البحري والتجاري، فطلب من البحارة الفينيقيين القيام برحلة حول أفريقيا فقاموا برحلة استغرقت ثلاث سنوات، من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، وثم عادوا عن طريق جبل طارق. ولم يستطع العالم القديم أن يصدق أن الشمس التي تشرق دائما من على اليسار، أشرقت يوماً ما من على يمين البحارة.[22] وعند نقص مؤونتهم، كانوا يتوقفون على الساحل لزراعة بعض المحاصيل ثم يتابعون الإبحار بعد الحصاد.[23]

عبور الأطلسي

في دراسة للباحثة "هاينكة زودهوف"، ترجمها للعربية د. حسن عمران عنوانها "معذرة كولومبوس لست أول من اكتشف أمريكا" ذكرت من ضمن الحجج العلمية التي تقدمها على أن عبور الأطلسي قد سبق كولومبوس بقرون، عثر في أمريكا على بعض الشواهد والآثار التي تدل على أن الفينيقيين قد عبروا الأطلسي ووصلوا إلى أمريكا في العصور القديمة، ومن هذه الشواهد العثور على آلاف القطع الأثرية في مقابر في جواتيمالا بينها تميمة صغيرة جدا للإله (بيس) ذو الملامح القبيحة ولحية كثة كان يعتقد مستوطنوا الشرق الأوسط في الأف الأولى قبل الميلاد أنه يرد الشؤم والنحس. مهارة الفينيقيين البحرية وخبرتهم في خوض غمار البحار، ووجود التعويذة بيس في القبور من طقوس الفينيقيين التي أثبتها علماء الآثار في مقابرهم في مناطق عدة من الشرق الأوسط، وكذلك النقش الشهير المعروف بنقش بارايبا في البرازيل ونقوش اكتشفها "ستيف بارثالوميو" في وسط ولاية يوتاه في الولايات المتحدة الأميركية.[24]

مدن فينيقيّة

تقع المدن الفينيقيّة على الشّاطئ الشّرقي للبحر المتوسّط وأهمّها:

  • جبيل "قديمًا جبال وبيبلوس وذلك في العهدين اليوناني والرّوماني، من أهم المدن الفينيقية وأقدم مدينة مأهولة في العالم ومصدر الأبجدية الفينيقية".
  • صور التي تعتبر من أقدم المدن الفينيقيّة، "يعود تأسيسها إلى الألف الثّالث ق.م"، وغدت منذ أواخر الألف الثّاني ق.م من أكثر المدن الفينيقيّة صيتًا وشهرة.
  • بيروت "بيريت"- الدّامور- صيدا التي كانت أكبر المدن الفينيقيّة.
  • أوغاريت : "رأس شمرا حاليًّا، تقع شمال مدينة اللاذقية وتعتبر من أهمّ المدن الفينيقيّة نظرًا لموقعها الجغرافي وقد تم اكتشاف اقدم ابجدية في اوغاريت بالأضافة لأقدم نوتة موسيقية.
  • أرواد: وهي الجزيرة الوحيدة المأهولة على الشاطئ الشرقي للمتوسط في سوريا.
  • طرابلس "تريبولي". وقد عرفت بهذا الاسم اليوناني الأصل لأنّها كانت تتألّف من 3 مدن صغيرة أو 3 أحياء خاصّة بالصّوريّين والأرواديّين والصّيدونيين.
  • طرطوس من المدن الفنيقية الهامة ولها مينائها الفنيقي المعروف منذ القدم.
  • صيدا أو صيدون وتعتبر من المدن المهمة أيضا.
  • جبلة ميناء مملكة سيانو.

وعلى الجهة الغربية تقع مدينة [[قرطاج] ]وهيَ من العواصم الفينيقية في شمال إفريقيا (تونس).

هناك عدّة مدن أخرى بنوها في لبنان وسوريا وفلسطين، كما لكلّ مدينة مرفآن شمالاً وجنوبًا وذلك لتسهيل الاتصالات بين المدن.

أقامت المدن الكنعانيّة-الفينيقيّة علاقات تجاريّة وثقافيّة مع مصر وبلاد الرافدين، وهذه العلاقات كانت تقوم على أساس المودّة. وبين تابعٍ ومتبوع، فكانت هذه المدن تؤمّن للبلاد المقيمة معها علاقات أخشاب الأرز التي تستخدم في البناء وصناعة السّفن.

تجارتهم

مثقال فينيقي لوزن البضائع

لم يسع الفينيقيّين أن يتجاهلوا التجارة مع بلاد "أَمُرّو"، وبلاد ما بين النّهرين، وما ورائهما من دول وشعوب. فتشعّبت طرق القوافل في كلّ الاتّجاهات حتّى شملت بلدانًا تتّصل بفينيقيا بحرًا كمصر وآسيا الصّغرى. وأهمّ طرقاتهم البريّة هي:

  • الطّرق السّاحليّة: أحدها نحو الجنوب، مرورًا بكلّ المدن الفينيقيّة وساحل فلسطين حتّى سيناء. ومن هنالك ينقسم الطّريق إلى شعبتين: أولاهما نحو شبه الجزيرة العربيّة، حيث اشتهرت على الخليج العربي مدنٌ سمّيت بالمدن الفينيقيّة. والثّانية تذهب نحو مصر والسودان والحبشة. أمّا الطّريق السّاحلي نحو الشّمال، فيعبر فينيقيا نحو كيليكيا اللاذقية وأوغاريت وطرطوس. وكانت عاصمة الحثيّين "حَتّوسَه" (بوغاز كوي اليوم) نقطة التقاء بين "الطّريق الملكي" الفارسي نحو "ساردس" عاصمة "ليديا" غربي آسيا الصّغرى، وبين الطّريق الشّمالي نحو أرمينيا والبحر الأسود.
  • الطّرق الدّاخليّة: ونعني بها طريقين رئيسيّين، أوّلهما يتفرّع عن الطّريق السّاحلي الشّمالي. فيذهب من أوغاريت نحو حماة، وحلب، والرُّها، وكركميش، ونِصّيبّين في الجزيرة السورية، فيتّصل بوادي الفرات حتّى ما بين النّهرين، أو يذهب من حَرَّان إلى نينوى. والطّريق الثّاني يعبر جبال لبنان إلى الزّبداني فدمشق فتدمر فبلاد ما بين النّهرين وشرق سوريا. وهذا هو الطّريق الأقصر، لكنّه الأصعب. وكلتا الجزيرة العربيّة وبلاد ما بين النّهرين كانت الصّلة ما بين فينيقيا والهند. وفي طرقهم البريّة هذه، كان الفينيقيّون يقيمون علاقات الودِّ مع شعوب البلدان والمناطق التي يعبرونها؛ فيبنون أواصر التّفاهم مع القبائل، ويستعينون ببعضها كسماسرة أو مرشدين. وهذا ما سمح لهم بإقامة المحطّات التجاريّة والأحياء الخاصّة بهم. كما أمّن قوافلهم شرّ اللصوص المهاجمين في مناطق نائية منعزلة.

لا غروَ في أن تستمرّ رحلة التّجّار الفينيقيّين بضع سنواتٍ أحيانًا. فهم متجوّلون، يعرضون على الشّعوب مصنوعاتهم ومصنوعات غيرهم. وبلادٌ كفينيقيا لا يمكنها أن تعطي الكثير، فيما عدا الأخشاب والزّيوت والخمور. لذلك اتّكلوا على إنتاج غيرهم يشترونه ثمّ يبيعونه. فاستوردوا الصّوف والجلود واللّحوم من وسط سوريا، والعسل والحبوب من فلسطين، والافاويه والتّوابل من الشّرق الأقصى، والنّحاس من قبرص واليونان والقفقاس، والذّهب من إسبانيا، والحجارة الكريمة من مصر وسيناء، والعطور من بلاد الرّافدين، والأبنوس والعاج من السّودان، والكتّان والقطن من مصر، والخيول من أرمينيا.

الحضارة الفينيقيّة

مصادر الحضارة الفينيقيّة

إنّ معظم معلوماتنا في التاريخ الفينيقي هي المصادر الخارجيّة:

  • الكتابات المصريّة والبابليّة والآشورية، لاسيّما الرّسائل التي تبادلها فراعنة مصر وأمراء سوريا والمدن الكنعانيّة.
  • المصادر اليونانيّة "قصائد الشّاعر هوميروس في الملحمتين الإلياذة والادوسية، وكتابات المؤرّخين اليونانيّين أمثال هيرودت.
  • المصادر الرّومانيّة "يوستينوس".
  • كتاب التناخ الذي ورد فيه اسم كنعان بكثير من السلبية وأسماء مدن فينيقيّة هامّة.

إضافة إلى هذه المصادر الخارجيّة: الكتابات الفينيقيّة الّتي نقشت على النّواويس والأنصاب والاكتشافات الأثريّة الحديثة لمدينتي أوغاريت وجبيل، كذلك الحفريّات في صور وصيدا والبقاع.

التّنظيم السّياسي

لم يمل الفينيقيّون إلى إقامة دولة قويّة على غرار البابليّين والآشوريّين والمصريّين إنّما كانوا مقسّمين إلى عدّة دويلات-مدن، وكان التّنافس سائدًا بينها، وتعود أسباب عدم إيجاد الوحدة السّياسيّة بينها إلى ما يلي: التّنافس التّجاري فيما بينهم وصعوبة المواصلات "جبال-غابات-أودية-مسالك وعرة". وبالرّغم من عدم توصّل المدن الفينيقيّة إلى إيجاد الوحدة السّياسيّة، فقد كان التّحالف أحيانًا يتمّ بين بعضها تحت زعامة إحدى المدن الكبرى بدافع الخوف من أخطار خارجيّة كانت تهدّدها.

نظام الحكم

كان نظام الحكم عند الفينيقيّين ديمقراطيًّا فكان لكلّ مدينة حكومة خاصّة بها يترأسها حاكم أو ملك يحكمها بالوراثة، سلطته مقيّدة، يساعده في إدارة الحكم مجلسان هما: مجلس تمثيلي "هيئة من المشرّعين" مجلس الأشراف "الأغنياء" إضافة إلى ذلك الكهنة الذين كان لهم دورٌ كبير في إدارة دفّة الحكم. وقد شكّلت مدن صور وجبيل وأرواد اتّحادًا اقتصاديًّا مركزه طرابلس التي كانت تعقد فيها المؤتمرات العامّة للتّداول في الشّؤون الاقتصاديّة والمشاكل المشتركة والعمل على ضبط الاستقرار الدّاخلي كي تؤمن مصالح كلًّ منها، وقلّما كانوا يناقشون الأمور السّياسيّة.

الدّيانة

قامت الدّيانة الفينيقيّة على عبادة قوى الطّبيعة كالشّمس والقمر والأرض والسّماء والبحر والمطر والبرق والرّعد والعواصف، وجعل الفينيقيّون لكلٍّ من الحرب والزّراعة والملاحة والصّيد إلهًا ودعي بالبعل، إضافة إلى أنّهم ألّهوا ملوكهم وأبطالهم، واعتقدوا بالتّثليث الإلهي "أب وأم وابن". إيل عناة بعل (عشتروت وادونيس) وفي مرحلة متقدمة كان الإله ايل في كل شيء حتى أصبح الفينقيين يعتبرون أول شعب آمن بالإله التوحيدي إيل.

أشهر آلهتهم

إيل سيّد الآلهة- بعل وهو رب الخصب والنماء "الرّب" حيث كان لكلّ مدينةٍ بعلها وبعلتها مثال بعلبك "بعل-بك"، بعلشميه "بعل-شميه" بعل بيروت وأدونيس إله الشّمس والحياة مركز عبادته الرئيسي في جبيل وعشيقته عشتار إلهة الحبّ والخصب والجمال وكانت عبادتهما منتشرة في جميع المدن الفينيقيّة وأشمون إله الصحّة (صيدا) وملكارت (صور) ملك المدينة. ورشف إله البرق والرّعد والنّور، وداغون إله الزّرع والنّبات وموت إله الموت.

الهياكل

أقام الفينيقيّون المعابد تمجيدا لآلهتهم، وكان أشهرها معبدي أدونيس عشتار في مغارة أفقا "منبع نهر إبراهيم في جبيل" وكان الهيكل يتالّف من 3 أقسام هي:

  • القسم الدّاخلي موضع الإله وعبادته,
  • القسم الخارجي وهو المعبر إلى الدّاخل.
  • السّاحة العامّة، وكانت مساكن الكهنة والموظّفين إلى جانبها.

تقديم الأضاحي

كان الفينيقيّون يقدّمون إلى الآلهة الضّحايا البشريّة في الأوقات العصيبة، وكان تستبدل بالحيوانات في بعض الأحيان، التي كانت دماؤها تصبّ على الأنصاب ولحومها تحرق على المذابح، اعتقادًا منهم أنّ دخانها يشبع الآلهة ويرضيها، وكانت الصّلوات والدّعوات والرّقص والتّرانيم تقام على يد الكهنة.

مواسم الاحتفالات

كان لدى الفينيقيّين موسمان رئيسان هما:

  • موسم الفرح والبهجة والسّرور الذي كان يقام في فصل الرّبيع رمزًا لولادة الإله أدونيس من جديد.
  • موسم الحزن والكآبة الذي يقام في الخريف رمزًا لموت الإله، ويعود ذلك إلى قصّة أدونيس الذي صرعه حيوانٌ بريٌّ متوحّش في غابات وادي نهر إبراهيم الذي أصبح مقدّسًا لدى الفينيقيّين، وأخذت تتوسّل للإله موت "ملك العالم السّفلي" لإحيائه من جديد، فكان ما أرادت.

ما بعد الموت

لم يعتقد الفينيقيّون بالحياة الثّانية، إنّما كانوا يعتقدون أنّ الرّوح لا تفنى بعد الممات، إنّما تستقرّ في حالة سكونٍ وهدوء، قريبةً من الجسد "أي من صاحبها". كان الفينيقيّون يدفنون ملوكهم والنّبلاء في نواويس حجريّة، بينما كانوا يدفنون العامّة في توابيت خشبيّة، وقد وضعت هذه النّواويس والتّوابيت في أماكن آمنة لا تنالها أيدي اللصوص، حيث كان يوضع مع الميّت ما يحتاج إليه من مؤن وأواني خزفيّة وحلى. وكان اسم الميّت ينقش على قبره، وكان ذوو الفقيد وأقاربه يزورونه من حينٍ إلى آخر، ويضعون على قبره الورود والطّعام والشّراب ظنًّا منهم بأنّ روحه تسرّ بذلك.

ديانتهم

عشتروت ألهة الحب والجمال لدى الفنيقيين - رسم روزيتي
تمثال لبعل الفنيقي وجد في إسبانيا، متحف الأندلس

كانت ديانة الفينيقيين مجموعة من الطقوس والعبادات تقيمها المدن الفينيقية، وتختلف باختلاف الأمكنة التي تقام فيها، بالرغم من اشتراكها جميعاً في النظرة ذاتها للاله وللظواهر الكونيّة والطبيعيّة.

وكانت العادة أن يكون لكل مدينة ثلاثة آلهة: إله مُسن يملك القوة والحكمة يسمى في العادة "بعل" أي سيد، وإلهة أُنثى تمثل الحنكة والحياة، وإله شاب يمثل النبات والولادة.

آلهتهم

كان ثلاثي جبيل هم إيل المسن وبعلة جبيل الأنثى وإلى جانبهما الإله الفتى أدونيس. وفي صيدون كان بعل صيدون المسن وعشترت الأنثى واشمون الإله الفتى والذي يحتفل بموته وببعثه كلَّ سنة. وكان ثلاثي صور مؤلفاً من إله السماء بعل شميم ومن عشترت أم الآلهة والبشر والنبات، ومن ملقارت الفتي الشاب سيد المدينة وملكها.وذكر في الآثار عدد آخر من الآلهة مثل بعل حامون الذي عُبد في غرب المتوسط وقرطاجة وتانيت الالهة القرطاجية، وبعل لبنان الذي قدم له عامل حيرام على قرت حدشت في قبرص الآنية البرونزية وموت إله الحر والصيف والحصاد، وبعل كاسيوس (الجبل الأقرع) وبعل صافون وبراتي (حرمون) آلهة الجبال. ثم الربّة شمش (الشمس) والآلهة يم ويوم وشَهَر (القمر)[بحاجة لمصدر].

طقوس العبادات

ليس لدينا إلا معلومات قليلة ومتفرّقة عن طقوس عبادات الفنيقيين ومراسيمهم. فهناك إشارات إلى أنهم كانوا يقدمون الأضاحي ارضاءً للألهة وأن كهنتم يلبسون الزي الأرجواني خلال الطقوس. وذكر أن من يضحّي للآلهة ويدخل إلى باحة الهيكل، كان عليه أن يتطهّر ويستبدل ثيابه الدنيوية بأخرى جديدة. كما كانت تبعد الخنازير عن هيكل ملقارت لئلا تدنسه بقربها.

والأضاحي عند الفينيقيين قد تعدت كونها أن تكون من ممتلكاتهم فقد تعدت ذلك لتصبح فرداً منهم أو من عبيدهم فكانوا ينتقون أحدهم ليكون أضحية كما جاء ذلك في ترجمة أحد مخلفاتهم الأثرية نقش بارايبا.

وعند الاحتفال بموت الاله كان الناس يحلقون رؤوسهم ويضربونها ويقيمون المناحات ويعلنون الحداد في جميع الأنحاء، وفي اليوم الذي يرجع فيه إلى الحياة يقولون إنه أصبح في السماء[بحاجة لمصدر].

علوم الفينيقيّين وفنونهم وآدابهم

طرق الكتابة قبل اكتشاف الأبجديّة الفينيقيّة: قبل اكتشاف الأبجديّة الفينيقيّة في القرن الرّابع عشر ق.م، كان العالم القديم يعتمد في الكتابة طرقًا مختلفة، فقد ظهرت الكتابة لأوّل مرّة في كلٍّ من مصر وبلاد ما بين النّهرين في أوائل الألف الثّالث ق.م. وجاءت هذه الكتابات تصويريّة "هيروغليفيّة" في مصر ومسماريّة في بلاد ما بين النّهرين، ثمّ تطوّرت كلٌّ من الكتابتين إلى مقاطع صوتيّة ثمّ إلى الصّوت حيث وضع له شكلٌ أو حرفٌ حتّى بلغ عدد هذه الأحرف الأبجديّة 24 حرفًا في أوائل الألف الثّاني ق.م.

الأبجديّة الفينيقيّة

تعتبر الأبجديّة الفينيقيّة أهمّ المنجزات الحضاريّة وأعظم ما قدّمه الفينيقيّون من خدمات إلى العالم وأشهر الابجديات أبجدية أوغاريت وهي اكمل الابجديات. فقد عرف الفينيقيّون بتلك الكتابة المقطعيّة الصّوتيّة. وكان لا بدّ للفينيقيّن من تطويرها ومن استنباط كتابة جديدة تتّفق ومتطلّباتهم الحياتيّة والاجتماعيّة وخالية من التّعقيد والالتباس، وأكثر فهمًا ووضوحًا للجميع، وقد وضعوا لها القواعد إلى أن أخرجوها كتابة أبجديّة، مؤلّفة من اثنتين وعشرين حرفًا فاستعملوها ونشروها في العالم. وكانت قد ظهرت عدّة كتابات فينيقيّة أشهرها أبجديّة أوغاريت التي كتبت بأشكال مسماريّة "القرن الرّابع عشر ق.م" واشتهرت مع المدينة الّتي وصلت بشهرتها مناطق واسعة من شرق المتوسط ودمّرت على يد الغزاة الآنيين الذين أتوا من اليونان وقد شكلت أبجدية أوغاريت أحد أهم واكمل الابجديات على الإطلاق، والأبجديّة السّينائيّة "كشفت نصوصها في سيناء" التي تمثّل إحدى المحاولات التي قام بها الكنعانيّون للانتقال من الكتابة التّصويريّة-المقطعيّة إلى الأبجديّة، وأبجديّة جبيل التي تتألّف من 22 حرفًا كانت تكتب بالقلم والحبر على ورق البردي، من اليمين إلى اليسار، وكان الأصل الذي اشتقّت منه جميع الأبجديّات السّاميّة الأخرى والأبجديّة اليونانيّة، ومنها اشتقّت الأبجديّات الحديثة.

علوم

كان للأبجديّة والاكتشافات الفينيقيّة، والرّحلات الجغرافيّة، والصّناعات والمستعمرات التي أنشأها الفينيقيّون في مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسّط الأثر الهام في تاريخ الشّعوب القديمة عامّةً، فقد اشتهر الفينيقيّون خاصّة "الصّوريّون" و"الأوغاريتيون" بالعلوم لا سيّما في علم الفلك والحساب الضّروريّين في الملاحة والتّجارة، وكان القرطاجيّون أوّل من أصدر أوراق النّقد على جلود الحيوانات واستنبطوا خطوط الطّول ودوائر العرض ووضعوها على خرائطهم لتحديد مواقع مستعمراتهم ومحطّاتهم التّجاريّة. واكتشفوا النّجم القطبي الشّمالي لتحديد الجهات. كما ساهموا في تطوّر علم الجغرافيا نتيجة رحلاتهم الاستكشافية حول أفريقيا وعبورهم مضيق جبل طارق، والبحار والمحيطات والتي أكسبتهم معرفة بأحوال القارّة الأفريقيّة من حيث المناخ، والنّبات والسّكّان وأنماط معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم. وحسب المؤرخون أنّ الفينيقيّين وصلوا بسفنهم إلى السّواحل البريطانيّة، وربّما إلى القارّة الأميركيّة قبل أن يكتشفها كريستوفر كولومبوس لوحة باراإبا تثبت ذلك والتي وجدت في البرازيل (نقش پارايبا (Paraíba) أو(Parahyba)).

فنون

جاء الفنّ الفينيقي في الألف الثّالث ق.م مقلّدًا لعدّة فنون خارجيّة، كالقبرصيّة والمسينيّة والإيجيّة والمصريّة، والرّافديّة، إلى أن أصبح في الألف الأوّل ق.م محرّرًا من الاقتباس والتّقليد، متّخذًا طابعًا خاصًّا به، فقد تجلّى فنّ الإتقان والخلق والإبداع عند الفينيقيّين في: الصّباغ الأرجواني الذي استخرج من الصّدف واستخدم في صناعة الأقمشة المطرّزة الّتي نالت شهرة عظيمة في العالم القديم. والخزف الذي تفنّنوا في صناعته، فقد شملت الكؤوس التي جاءت بشكل تماثيل راقصات، وقوارير الطّيب بشكل تماثيل صغيرة والأبارق والزّهريّات التي زيّنت بالألوان والنّقوش الجميلة، وصناعة النّقود والأختام التي بدت فيهما الدّقّة والإتقان، وأدوات الزّينة التي شملت "الحلى المطعّمة بالعاج والذّهب والفضّة والحجارة الكريمة" والرّسم والنّقش على الخزف والخشب والمعادن، والنّحت الذي تمثّل في "تيجان الأعمدة والمسلات واللوحات الجميلة التي جاءت آية من الدّقّة والجمال". أمّا في البناء فقد تجلّت براعتهم في هندسة القصور والهياكل والسّفن التّجاريّة والحربيّة فضلاً عن اهتمام الفينيقيّين بالغناء والموسيقى وتطويرها في الطّقوس الدّينيّة، وكان العود إحدى آلاتهم الموسيقيّة التي استعملها شعوبٌ كثيرة.

آداب

كان لاكتشافات مدينة أوغاريت "رأس شمرا حاليًّا" في سوريا سنة 1929- الأدبيّة- الدّينيّة أثرٌ هام في معرفة التّراث الأدبي الفينيقي، فالملاحم الأدبيّة- الدّينيّة "ملحمة بعل" كارت "أقهات بن دانيال" التي كتبت في القرن الرّابع عشر بالأبجديّة الأوغاريتيّة تعتبر انعكاسًا للنّشاط الأدبي في هذه المدينة، إضافة إلى ذلك العديد من الألواح الحجريّة التي خطّطت بالمسماريّة والتي وُجدت في أوغاريت، وتضمّنت علومًا وآدابًا وفنونًا وأديانًا لمختلف أنواع حضارات الشّعوب القديمة تعود إلى الإنتاج الفكري الفينيقي، وهذا دليلٌ على عكس ما قاله المؤرّخون القدماء "اليونان- الرّومان- المصريّون- البابليّون- الآشوريون" في كتاباتهم بأنّ الفينيقيّين شعب تجاريٌّ فقط.

للأسف الشديد ان اكثرية الكتابات الفينيقية كانت على ورق البردى وطبعاً لم يبق منها شيء.

الاقتصاد

الزراعة

لم يهمل الفينيقيُّون أيَّاً من مواردهم الاقتصادية، فقد أنبتوا في أرضهم كُلَّ ما كان بإمكانها أن تعطيهم. ونوَّعوا من الصناعات حتى لا يشتروا من الخارج. لكنهم اهتموا بالتجارة لأنها المورد الأساسي.

معطيات الطّبيعة

لم يكفِ سكّان فينيقيا ما كانت تُنتجه أرضهم من غلال. لا لأنّهم أهملوا الزّراعة، بل لآنّ مساحات البلاد ضيّقة. ففينيقيا ساحل مستطيل، تتعاقب على شواطئه السّهول الرّسوبيّة والرّؤوس الصّخريّة. وتغطّي الغابات جباله فلا تترك للزّراعة إلاّ قدرًا ضئيلاً من السّفوح المطلّة على المتوسّط. وتتوزّع المزروعات في منطقتين: سهليّة تغلب فيها الخضار والحبوب والنّخيل، وجبليّة تغلب فيها الكرمة والزّيتون. ولم يوفّر الفينيقيّون أيّ مساحة، من أيّ سعةٍ كانت، دون زراعة. لذا جدّوا في تمهيد الجلول منعًا لانجراف الأتربة مع الأمطار والسّيول.

طرق الإنتاج

واعتمدوا في الحراثة على سكّة خشبيّة مجوّفة، تتّسع للبذار. تجرّها الثّيران أو الحمير أو الإنسان إذا لزم الأمر. وحصدوا السّنابل بمنجل بدائيّة مربوطة إلى حجر. ودرسوا الحنطة على البيادر تحت النّورج. وذرّوها على طبقٍ أو بالمذراة. وجمعوها في أكوارٍ لفصل الشّتاء.

الإنتاج

واشتهرت خمور فينيقيا في الخارج. وقرطاجة بنت صور باعت خمورها اللّذيذة من روما. واستبدل الفينيقيّون أغراس الزّيتون البرّي أغراسًا جديدة من الخارج. فاستعاضوا بإنتاجهم عن الاستيراد. وافتنّوا في زراعة الرّمّان، ونقلوها إلى قرطاجة. وذاع صيت بعض الكتب الزّراعيّة في قرطاجة فنقلت إلى اللاّتينيّة.

الغابات

وكانت سببًا في إثارة أطماع جيران فينيقيا بها. وقد غطّت كلّ الجبل حتّى بدت معينًا لا يشحّ. فأسرف الفينيقيّون في قطعها. ومصر كانت أوّل من اتّجر مع جبيل من أجل أخشابها، حتّى إذا تضاءلت إمكانات تصدير الأخشاب من جبيل أفل نجمها. ولمّا دانت فينيقيا لسلطة الآشوريّين والكلدانيّين والفرس، باهى هؤلاء ببناء قصورهم من خشب الأرز في لبنان. وكثيرًا ما فرضت الضّريبة على فينيقيا خشباً.

الصّباغ الأرجواني

احتكرت صناعته صور وصيدون. وهو كناية عن صدف طبيعي، منشأه صدف "الموريكس". تكاثر على شواطئ فينيقيا. فجمعوا منه كميّات ضخمة حتّى غدا نادرًا اليوم. والصّدف بعد انتزاعه عن الشّاطئ، يَنْضح منه سائلٌ أصفر تُلوّن به الأنسجة. حتّى إذا جفّ النّسيج المصبوغ استحال لونه بنفسجيًّا. وازداد رونقًا كلّما تعرّض للنّور. وافتنّ الفينيقيّون في جعله قاتمًا أو زاهيًا. ويتّضح من ذلك أنّ الصّباغ لم يكن أرجوانيًّا بل بنفسجيًّا إنّما الدّعاية صوّرته أحمر قرمزيًّا. وقد تشهد مصانع الأرجوان بالقرب من مدينتي صيدون وصور. وتشهد على ذلك تلول صدف الموريكس الباقية حتّى الآن جنوبي صيدا. ولمّا كانت الرّائحة المنبعثة منه كريهة، اهتمّ الفينيقيّون بإقامة المصانع خارج نطاق المدينة. وطوّروا صناعته حتّى قضوا على المضاربة الإيجيّة، بعد أن كانت متفوّقة في أواخر الألف الثّاني قبل الميلاد.

المصنوعات المعدنيّة

من بين المواد الأوّليّة المعدنيّة نذكر القصدير والنّحاس والحديد والذّهب. والقصدير استقدموه في البدء من آسيا، من بلاد عيلام، ومن آسيا الصّغرى. ولمّا برعوا في الملاحة أتوا به من "أتْرَوْرِيَا" في إيطاليا اليوم، ومن أسبانيا، وانتهى بهم المطاف إلى جنوبي إنكلترا (بلاد الكورنواي). والنّحاس استوردوه من جبال أمانوس، والحديد استخرجوه محليًّا. وكفاهم من هذه المعادن كميّات ضئيلة نظرًا للاستعمال المحدود، لتأمين حاجاتهم من السّلاح والأواني والتّماثيل والكؤوس والنّقود، الّتي تحمل سكّتها رسم مركب فينيقي، أمّا الذّهب فقد خصّوا به الحليّ وما شابهها من الكماليّات.

الزّجاج والعاج

لم يبتكر الفينيقيّون طريقة صناعة الزّجاج، بل أخذوه عن المصريّين. ولكنّهم جعلوه شفّافًا، ونوّعوا من أصنافه. فصنعوا منه الكؤوس والقناني وقوارير الطّيب. وافتنّت كلٌّ من صور وصيدون في تلوينه. فأخرجتا منه الأبيض والأصفر والأحمر والأزرق. وجعلتا من صناعته فنًّا حتّى وصل الاعتداد لديهم إلى توقيع أسمائهم على منتجاتهم الزّجاجيّة (من أمثال جَاسُون وأرْتَاس) وقد غدت الأقراط والأساور والخواتم والعقود مرصّعة بأحجار زجاجيّة، شديدة الشّبه بالحجارة الكريمة. والكؤوس الزّجاجيّة الفينيقيّة كان غالبًا جوائز للفائزين في المباريات الرّياضيّة والجسمانيّة لدى الإغريق. والإلياذة غنيّة بالشّواهد على ذلك. أمّا العاج، وهو مادّة غريبة عن فينيقيا، فقد استُقدِم من الهند عن طريق ما بين النّهرين، أو من أفريقيا عن طريق مصر. صنع منه الفينيقيّون صناديق صغيرة، وتماثيل وزخرفوها. ووجدت أعداد ضخمة من مصنوعات العاج في النّواويس والمقابر، لأنّها كانت تودع مع الميّت. ومعظمها موجودٌ اليوم في المتحف البريطاني.

صناعة الخزف

برع الفينيقيّون في صناعة الخزف. وصنعوا منه كميّات ضخمة من الآنية والتّماثيل الصّغيرة. ولمّا كان اهتمامهم بالنّاحية التّجاريّة قبل كلّ شيء، لم يسهروا على إخراج تحفٍ فنّيّة، بل على إخراج آنيةٍ رخيصة، وتماثيل مرغوبة في الأسواق. وتطوّرت صناعته حتّى جبلوا منه النّواويس. وأكثر الآنية الخزفيّة وجدت في المقابر، إذ حوت العطور أو لوازم معينة تُدْفن مع الميّت. وبعض الآنية الّتي وجدت في "كفر جرَّه" (بالقرب من صيدا) تدلّ على أنّهم توصّلوا إلى جعل الخزف رقيقًا متماسكًا لا بل رنّانًا وفي ذلك الكمال.

صناعة السّفن

إنّ العامل الأساسيّ لازدهار صناعة السّفن، هو توفّر المادّة الأوّليّة، ألا وهي الخشب. واعتماد الفينيقيّين على البحر في تنقّلاتهم وتجارتهم اضطرّهم إلى تطوير هذه الصّناعة، فانتهوا إلى المراكب الكبيرة. وهذه تنقسم إلى فئتين: مراكب تجاريّة ومراكب حربيّة. والمركب التّجاري طويل، يجلس في كلِّ جانبٍ منه صفٌّ أو اثنان من المقذّفين حسب حجم السّفينة. مقدّمته مرتفعة تنتهي برأس حيوان. وفي وسطه سارٍ يحمل شراعًا. أمّا المركب الحربي فمقدّمته حادّة معدّة للصّدام. وتحمل المراكب في مؤخّرتها عارضتين طويلتين تقومان مقام الدّفّة. وذاع صيت الأساطيل الفينيقيّة. حتّى غدت فينيقيا قوّة بحريّة تطمع بها جميع الإمبراطوريّات المجاورة في مصر وما بين النّهرين وفارس. وعن مراكب قرطاجة نقلت روما نماذج مراكبها فيما بعد.

ميزة الصّناعة الفينيقيّة

إذا استثنينا صناعة السّفن، نجد أنّ مُجمل المصنوعات الفينيقيّة تمتّ بصلةٍ وثيقةٍ إلى الكماليّات. شأن الزّجاج، والصّباغ الأرجواني، والخزف والعاج. احتكروا بعضها (كالأرجوان) وضخّموا أسعاره. وحين قصّروا حيال براعة غيرهم في المصنوعات، عمدوا إلى إخراج نماذج تجاريّة غير متقنة ولكنّها سهلة التّصريف كالمصنوعات الخزفيّة مثلاً. ومعظم النّماذج المعتمدة لديهم كانت صغيرة الحجم، سهلة الحمل، لا خوف من عطبها في المراكب. وهذا ما يفسّر توزّع المنتجات الفينيقيّة في كلّ أنحاء المتوسّط، أو في البلاد الدّاخليّة التي اتّجرت معهم. وما اعتماد هذه الصّناعات وإتقانها إلاّ في سبيل تحاشي شرائها من الخارج، لئلا يحدّ شراؤها من أرباحهم. فلم يكن الفينيقيّون صلة وصلٍ فقط، بل غدوا المنتجين لهذه المصنوعات الكماليّة. والطّبيعة بدورها لم تكن لتهيئ فينيقيا لأيّ دورٍ صناعيّ، وبالرّغم من ذلك استطاع الفينيقيّون أن يأتوا الكثير من المنتجات الصّناعيّة. وحتّى في تقليد صناعات غيرهم، أضفوا على إنتاجهم مسحة من الإتقان البارع، ممّا يدلّ عليه صفاء زجاجهم وتلوينه واستعماله مكان الحجارة الكريمة. وصناعة السّفن كانت المدى الأرحب لإبراز براعة الفينيقيّين الصّناعيّة، إذ تضافرت لإتقانها جميع العوامل البشريّة والطّبيعيّة؛ من خشب وخبرة ملاحيّة ومعلومات جغرافيّة وفلكيّة وملاءمة السّاحل للصّيد والسّفر.

الملاحة

نشطت الملاحة في فينيقيا نتيجة اعتباراتٍ عدّة منها: صعوبة التّنقّل البرّي، ووفرة الخشب، وملاءمة الموقع الجغرافي بالنّسبة للعالم القديم. وعزّز الفينيقيّون ملاحتهم بنشاطات خاصّة، كتطوير صناعة السّفن، وحسن اختيار مواقع المرافئ، وتسخير المعارف الجغرافيّة والفلكيّة، وأخيرًا إنشاء المستعمرات لتكون أداة اتّصال.

ظروف الملاحة

جهل الفينيقيّون استعمال البوصلة. ولكنّهم اهتدوا إلى الشّمال بواسطة النّجم القطبي، وقد سمّاه الإغريق باسمهم أي "النّجم الفينيقي". وشرعوا في التّنقّل على طول الشّاطئ، لا يغامرون في عرض البحر، وتجنّبوا المغامرة في اللّيل حتّى لا يضيعوا. وجعلوا مدنهم محطّات تجاريّة، بين الواحدة والأخرى مسيرة نهار. واستفادوا من الجزر المنتشرة في بحر إيجه، ورادوا جميع مناطق الأرخبيل الإغريقي. أمّا الوصول إلى مصر في الجنوب فقد تمّ على مراحل. لازموا الشّاطئ حتّى وصلوا إلى الدّلتا. وهكذا دواليك حتّى انتهى بهم إلى خارج المتوسّط.

الرّحلات

وزاد الكسب التّجاري من طموح الفينيقيّين. فنظّموا رحلات استكشافيّة. وكان إحداها لحساب الفرعون "نِخَأوْ". ويخبرنا هيرودوتس بأنّ هذا الفرعون قد طلب من الفينيقيّين، حوالي عام 1600 ق.م، أن يقوموا برحلة غطّى نفقاتها، انطلقت من شواطئ البحر الأحمر. واستمرّت 3 سنوات ودارت حول "ليبيا" والمقصود أفريقيا. وعادت عن طريق البحر المتوسّط إلى مصر. وعندما وصلت مراكب الرّحلة العشرة غربيّ الشّاطئ الأفريقي، تمكّنت العاصفة من إحداها ففصلته عن سائر المراكب. وحملته التيّارات المائيّة والرّياح التّجاريّة حتّى شرق البازيل (أنظر نقش بارايبا). أمّا الرّحلة الثّانية فقد قام بها أحد مواطني قرطاجة، واسمه "حَنُّون" بتكليفٍ من مجلس الشّيوخ. والغاية من هذه الرّحلة التّفتيش عن أسواقٍ جديدة. وقد سار "حنّون" في عكس اتّجاه رحلة "نخاو". وثمّة رحلة ثالثة قام بها مواطن آخر من قرطاجة هو "حَمْلَكُن". فعبر مضيق جبل طارق. واستمرّ في سيره أربعة أشهر وصل في نهايتها إلى جنوبي إنكلترا. وقد تمّت الرّحلتان القرطاجيّتان ما بين 450 و350 ق.م.

المستعمرات

في أواخر الألف الثّاني قبل الميلاد، زالت سيطرة الإيجيّين على البحر المتوسّط. فتنفّس الفينيقيّون الصّعداء. وتوزّعت سفنهم ومن ثمّ مستعمراتهم في جميع أنحاء المتوسّط. وتشاء الأساطير أن تنسب إلى صور أمر إنشاء كلّ المستعمرات الفينيقيّة. إنّما الواقع غير هذا.

في الحوض الشّرقي

في الحوض الشّرقي من المتوسّط، أحاط الفينيقيّون قبرص بعقدٍ من المخازن. وتصدّوا للمنافسة الإغريقيّة التي اشتدّت خلال القرنين الرّابع والثّالث ق.م والطّمع بقبرص عائد لغناها بالنّحاس والحجارة الكريمة، ثمّ لوفرة حبوبها وخمورها وزيتونها، ولموقعها الوسط بين عالمين. أمّا في آسيا الصّغرى فقد اهتمّوا بمناطق كيليكيه و"طرطوس" خاصّة. ومن هنالك وصلوا إلى "رودس" المواجهة للشّاطئ. إذّاك ازداد الخطر المحدق بهم، إذ قرّبهم من مناطق النّفوذ الإغريقيّة. وبالرّغم من ذلك استقرّوا في "كريت" وجزر "السّيكلاد". ولكنّهم لم يتعدّوا "الدّردنيل" في إنشاء المستعمرات خشية الابتعاد عن البلد الأم، وإن تكن قوافلهم قد وصلت إلى شواطئ البحر الأسود و"أرمينيا". وفي الجنوب لم يكن يسيرًا إنشاء المستعمرات على حساب مناطق النّفوذ المصريّة. بل اكتفوا بإقامة المخازن في "ممفيس"، حيث تمتّعوا بحريّة التّجارة. وأنشئوا حيًّا خاصًّا بالصّوريّين منذ القرن الثّاني عشر قبل الميلاد، وأقاموا فيه معبدًا لعشتروت.

في الحوض الغربي

ولمّا اشتدّت منافسة الإغريقيّين، فضّل الصّوريّون ترك المجال مفتوحًا أمام صيدون. فنقلوا مناطق نفوذهم التّجاري إلى الحوض الغربي من المتوسّط. فاستقرّوا في "صقلية"، و"يوتيقا" (المدينة العتيقة) في تونس اليوم، و"مالطة"، مُراعين في اختيارهم لمستعمراتهم البحريّة المركز التّجاري والموقع الطّبيعي إنشاء المرافئ. ومن هناك انطلق الفينيقيّون إلى جنوبي "سردينيا"، والجزر المجاورة لها "كالباليار". ومن ثمّ خطّوا نحو "ترشيش" (إسبانيا) حيث حوّلوا إحدى محطّاتهم التّجاريّة إلى مستعمرة. ولكنّ الفينيقيّين حين ابتعدوا عن أرض كنعان، لم تعد نقطة ارتكازهم صور، بل قرطاجة أكبر المستعمرات الفينيقيّة على الإطلاق.

قرطاجة

لم تكن قرطاجة أوّل مستعمرة أُنشئت في شمال أفريقيا، بل سبقتها مستعمرة "يوتيقا" (سنة 1000 ق.م) على نهر المجرّدة، و"زارتيس" (بيزرتا).وسُمّيت قرطاجة (المدينة الحديثة) تمييزًا لها عن جارتها "يوتيقا" (المدينة العتيقة). وقد شيّدت حوالي 814 ق.م. لتكون صلة الوصل بين صور والمستعمرات الفينيقيّة. وقد اختار لها الصّوريّون موقعًا استراتيجيًّا بين الحوضين الشّرقي والغربي للمتوسّط. تتّصل برًّا بالقارّة الأفريقية، وبحرًا بمختلف المحطّات والمخازن والمستعمرات الفينيقيّة في الغرب. ولم يخطر لصور يومًا بأنّ هذه المستعمرة التي بَنَتْ، ستنافسها فيما بعد. وبرزت عظمة قرطاجة يوم أخضع الآشوريّون فينيقيا. ولمّا هدم نبوخذ نصّر الكلداني صور البرّيّة، لم يعد لدى الفينيقيّين مدينة تفوق قرطاجة بعظمتها. فتبنّت هذه المستعمرة العملاقة سياسة صور وصيدون وكانت استمرارًا لهما. وسعت للتّوسّع في الحوض الغربي للمتوسّط حتّى اصطدمت بالإغريق. فنشبت حربٌ بينهما سنة 550 ق.م واستطاعت قرطاجة أن تكسب الرّومان إلى جانبها. ولمّا تنكّر لها الرّومان فيما بعد وتأصّل العداء قضي على قرطاجة إثر حربين عرفتا باسم الحربين البونيتين.

الطّرق التّجاريّة البرية

لم يسع الفينيقيّون أن يتاجهلوا التجارة مع بلاد "أَمُرّو"، وبلاد ما بين النّهرين، وما ورائهما من دول وشعوب. فتشعّبت طرق القوافل في كلّ الاتّجاهات حتّى شملت بلدانًا تتّصل بفينيقيا بحرًا كمصر وآسيا الصّغرى. وأهمّ طرقاتهم البريّة هي:

الطّرق السّاحليّة

أحدها نحو الجنوب، مرورًا بكلّ المدن الفينيقيّة وساحل المتوسط. وينقسم الطّريق إلى شعبتين: أولاهما نحو خليج العقبة وشبه الجزيرة العربيّة، حيث اشتهرت على الخليج العربي مدنٌ سمّيت بالمدن الفينيقيّة. والثّانية تذهب نحو مصر والسّودان والحبشة. أمّا الطّريق السّاحلي نحو الشّمال، فيعبر فينيقيا نحو كيليكيا. وكانت عاصمة الحثيّين "حَتّوسَه" (بوغاز كوي اليوم) نقطة التقاء بين "الطّريق الملكي" الفارسي نحو "ساردس" عاصمة "ليديا" غربي آسيا الصّغرى، وبين الطّريق الشّمالي نحو أرمينيا والبحر الأسود.

الطّرق الدّاخليّة

ونعني بها طريقين رئيسيّين، أوّلهما يتفرّع عن الطّريق السّاحلي الشّمالي (شمال سورية). فيذهب من أوغاريت نحو حماه، وحلب، و"الرُّها"، و"كركميش"، و"نِصّيبّين"، فيتّصل بوادي الفرات حتّى ما بين النّهرين والجزيرة السورية، أو يذهب من "حَرَّان" إلى "نينوى". والطّريق الثّاني يعبر جبال لبنان إلى الزّبداني إلى "دمشق" ثم "تدمر" فبلاد ما بين النّهرين. وهذا هو الطّريق الأقصر، لكنّه الأصعب. وكلتا الجزيرة العربيّة وبلاد ما بين النّهرين كانت الصّلة ما بين فينيقيا والهند.

وفي طرقهم البريّة هذه، كان الفينيقيّون يقيمون علاقات الودِّ مع شعوب البلدان والمناطق التي يهبرونها. فيمكّنون أواصر التّفاهم مع القبائل، ويستعينون ببعضها كسماسرة أو مرشدين. وهذا ما يسمح لهم بأن يقيموا المحطّات التجاريّة أو يُقيموا الأحياء الخاصّة بهم. كما تأمن قوافلها شرّ اللصوص المهاجمين في مناطق نائية منعزلة.

السّلع التّجاريّة

لا غرحلة التّجّار الفينيقيّين بضع سنواتٍ أحيانًا. فهم متجوّلون، يعرضون على الشّعوب مصنوعاتهم ومصنوعات غيرهم. وبلادٌ كفينيقيا لا يمكنها أن تعطي الكثير، فيما عدا الأخشاب والزّيوت والخمور. لذلك اتّكلوا على إنتاج غيرهم يشترونه ثمّ يبيعونه. فاستوردوا الصّوف والجلود واللّحوم من سوريا، والعسل والحبوب من فلسطين، والافاويه والتّوابل من الشّرق الأقصى، والنّحاس من قبرص واليونان والقفقاص، والذّهب من إسبانيا، والحجارة الكريمة من مصر وسيناء، والعطور من بلاد الرّافدين، والأبنوس والعاج من السّودان، والكتّان والقطن من مصر، والخيول من أرمينيا.

اللغة

يجتمع معظم علماء اللغات والآثار على أن اختراع الأبجدية الأم، التي ولدت منها جميع أبجديات العالم مثل اليونانية واللاتينية والعربية والعبرية تم على أيدي الفينيقيين، حيث وجد أقدم رقم (لوح فخاري) مكتوبة عليه الأبجدية في أوغاريت قرب مدينة اللاذقية في سوريا. المؤرخ هيرودوتس اليوناني نسب الأختراع إلى قدموس الفينيقي. ولما انتقل قدموس إلى طيبة نشرها بين شعوب أوروبا. وهناك آثار في مدينة طيبة عبارة عن نقش لصورة قدموس يعلم أبناءه الحروف الأبجدية. ومن أقدم الكتابات التي كتبت بالأبجدية الفينيقية منقوشات قبر أحيرام ملك جبيل أو "بيبلوس" في شمال لبنان. ويذكر أنه وجد آثار لنصوص فينيقية في دول أخرى مثل قبرص ومصر وإسبانيا وإيطاليا وخاصة تونس وفي أكثرية دول حوض البحر المتوسط، وكانت تكتب اللغة الفينيقية من اليمين إلى اليسار. كما ذكر الباحث "ستيف بارثالوميو" عن أثار فينيقة تعود لقرطاجة في وسط ولاية يوتاه في الولايات المتحدة الإمريكية.[24]

وصلات خارجية

انظر أيضا

المراجع

  1. Jerry H. Bentley; Herbert F. Ziegler (2000). Traditions & Encounters: From the Beginnings to 1500. McGraw Hill. ISBN 978-0-07-004949-9. مؤرشف من الأصل في 2 يوليو 2019. By about 2500 b.c.e. Phoenician merchants and ships already dominated trade in the Mediterranean basin. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  2. Woolmer, Martin (2017). A Short History of The Phoenicians. I.B.Tauris. ISBN 978-1780766171. Retrieved 27 February 2018.
  3. See Review by Roger Wright, University of Liverpool. نسخة محفوظة 24 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
  4. Josephine Quinn (11 December 2017). In Search of the Phoenicians. Princeton University Press. صفحة 201, 203. ISBN 978-1-4008-8911-2. مؤرشف من الأصل في 22 مارس 2020. My starting point was that we have no good evidence for the ancient people that we call Phoenician identifying themselves as a single people or acting as a stable collective. I do not conclude from this absence of evidence that the Phoenicians did not exist, nor that nobody ever called her- or himself a Phoenician under any circumstances: Phoenician-speakers undoubtedly had a larger repertoire of self-classifications than survives in our fragmentary evidence, and it would be surprising if, for instance, they never described themselves as Phoenicians to the Greeks who invented that term; indeed, I have drawn attention to several cases where something very close to that is going on... A distaste even for self-government could also explain a phenomenon I have drawn attention to throughout the book: our “Phoenicians” not only fail to visibly identify as Phoenician, they often omit to identify at all. It is striking in this light that the first surviving visible expression of an explicitly “Phoenician” identity was imposed by the Carthaginians on their subjects as they extended state power to a degree unprecedented among Phoenician-speakers, that it was then adopted by Tyre as a symbol of colonial success, and that it was subsequently exploited by Roman rulers in support of their imperial activities. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. Josephine Quinn (11 December 2017). In Search of the Phoenicians. Princeton University Press. صفحة 24, 204. ISBN 978-1-4008-8911-2. مؤرشف من الأصل في 22 مارس 2020. My answer to the question Moscati posed in 1963 is that nothing did in fact unite the Phoenicians in their own eyes or those of their neighbors, and that his Phoenician people, or civilization, or nation, is not actually a real historical object, but rather a product of the scholarly and political ideologies I have discussed in this chapter. Such modern ideas about the ancient Phoenicians are thoroughly interwoven with ideas about the modern nation-state. That does not in itself, of course, mean that they cannot also be true. But the picture presented by our ancient sources is very different... In the end, it is modern nationalism that has created the Phoenicians, along with much else of our modern idea of the ancient Mediterranean. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. Fischer, Steven Roger (2004). A history of writing. Reaktion Books. p. 90.
  7. The Internet Classics Archive | The History of Herodotus by Herodotus نسخة محفوظة 20 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.
  8. Ju. B. Tsirkin. "Canaan. Phoenicia. Sidon" (PDF). p. 274. نسخة محفوظة 10 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  9. R. A. Donkin (1998). Beyond Price: Pearls and Pearl-fishing : Origins to the Age of Discoveries, Volume 224 نسخة محفوظة 20 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  10. Bowersock, G.W. (1986). "Tylos and Tyre. Bahrain in the Graeco-Roman World". In Khalifa, Haya Ali; Rice, Michael. Bahrain Through The Ages – the Archaeology. Routledge. pp. 401–2. نسخة محفوظة 20 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  11. Arnold Heeren, p441
  12. Rice, Michael (1994). The Archaeology of the Arabian Gulf. Routledge. p. 20.
  13. Rice (1994), p. 21.
  14. تاريخ الطبري
  15. "Atlas of the Human Journey - The Genographic Project". مؤرشف من الأصل في 22 يوليو 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  16. Balanovsky, O.; Dibirova, K.; Dybo, A.; Mudrak, O.; Frolova, S.; Pocheshkhova, E.; Haber, M.; Platt, D.; Schurr, T. (2011). "Parallel Evolution of Genes and Languages in the Caucasus Region". Molecular Biology and Evolution. 28 (10): 2905–20. doi:10.1093/molbev/msr126. PMID 21571925. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  17. Zalloua et al., Identifying Genetic Traces of Historical Expansions: Phoenician Footprints in the Mediterranean,The American Journal of Human Genetics (2008)
  18. The date remains the subject of controversy, according to Glenn E. Markoe, "The Emergence of Phoenician Art" Bulletin of the American Schools of Oriental Research No. 279 (August 1990):13-26) p. 13. "Most scholars have taken the Ahiram inscription to date from around 1000 B.C.E.", notes Edward M. Cook, "On the Linguistic Dating of the Phoenician Ahiram Inscription (KAI 1)", Journal of Near Eastern Studies 53.1 (January 1994:33-36) p. 33 JSTOR. Cook analyses and dismisses the date in the thirteenth century adopted by C. Garbini, "Sulla datazione della'inscrizione di Ahiram", Annali (Istituto Universitario Orientale, Naples) 37 (1977:81-89), which was the prime source for early dating urged in Arguments for a mid 9th -8th century B.C.E. date for the sarcophagus reliefs themselves—and hence the inscription, too— were made on the basis of comparative art history and archaeology by Edith Porada, "Notes on the Sarcophagus of Ahiram," Journal of the Ancient Near East Society 5 (1973:354-72); and on the basis of paleography among other points by Ronald Wallenfels, "Redating the Byblian Inscriptions," Journal of the Ancient Near East Society 15 (1983:79-118). نسخة محفوظة 19 يناير 2019 على موقع واي باك مشين.
  19. Ancient Phoenicia نسخة محفوظة 23 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
  20. Ancient Cartage نسخة محفوظة 23 مايو 2016 على موقع واي باك مشين.
  21. العامل الفنيقي نسخة محفوظة 05 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
  22. تاريخ الفينيقيين نسخة محفوظة 30 نوفمبر 2014 على موقع واي باك مشين.
  23. النظرية الفينيقية نسخة محفوظة 01 أبريل 2017 على موقع واي باك مشين.
  24. الفنيقيون في يوتاه مع صور نسخة محفوظة 14 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين.
    • جان مازيل، تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية، الناشر: دار الحوار تاريخ النشر: 01/01/1998.
    • بوابة حضارات قديمة
    • بوابة الهلال الخصيب
    • بوابة دول
    • بوابة لبنان
    • بوابة سوريا
    • بوابة فلسطين
    • بوابة الشرق الأوسط القديم
    • بوابة المتوسط
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.