تسييس العلم

تسييس العلم (بالإنجليزية: politicization of science)‏ هو التلاعب بالعلم لغايات سياسية ويحدث تسييس العلم عندما تقوم حكومة أو قطاع أعمال أو مجموعات مناصرة باستعمال الضغط القانوني والاقتصادي للتأثير على البحث العلمي أو طريقة ممارسته ونشره أو تفسير نتائجه، وقد يؤثر تسييس العلم على الحرية الأكاديمية سلباً، ولهذا الأمر شواهد تاريخية عديدة.[1][2][3]

من ناحية تاريخية، لجأت العديد من الجماعات إلى الحملات الدعائية للترويج لمصالحها المخالفة للإجماع العلمي، سعيًا منها إلى التلاعب بالسياسة العامة.

نظرة عامة      

يمكن للعديد من العوامل أن تمثل وجهًا من وجوه تسييس العلم، وتتراوح أمثلتها بين معاداة الفكر الشعبوية التي ترى مخاطرَ على عقائدها الدينية إلى الذاتية ما بعد الحداثية والخوف من المصالح الاقتصادية.[4]

يحدث تسييس العلم عند طرح المعطيات العلمية بالتزامن مع التشديد على اللا يقين المرتبط بالدليل العلمي. ترتكز هذه المقاربة على غياب الإجماع العلمي، وهو ما يؤثر في الكيفية التي تُفهم بها الدراسات.[5] يصف كريس موني كيف أن هذا الطرح يلقى تجاهلًا متعمدًا أحيانًا باعتباره «وسيلة أورويلية». يميل السياسيون والمؤسسات إلى تكذيب جميع النقاشات الدائرة بخصوص بعض القضايا نظرًا لأن «الاستنتاجات القطعية ما تزال غير أكيدة»[6] مقابل تبنّي موقفًا مفاده أن «هذه النتائج هي الأرجح علميًا»، وذلك مقصود للنيل من الدراسات العلمية.

إضافة إلى ما تقدم، يُلجئ أحيانًا إلى وسائل مثل تغيير مسار الحديث، وعدم الإقرار بالحقائق، واستغلال الشكوك بوجود إجماع علمي، في سبيل حرف الانتباه نحو آراء قوّضتها الأدلة العلمية. نجحت جماعات «تجّار الشك»، وهم جماعات مصالح مؤدلجة تدّعي خبرتها في القضايا العلمية، نجحت في تنظيم «حملات تضليل إعلامي» أبرزت فيها اللا يقين الملازم للعلوم بهدف بذرها الشكّ بخصوص القضايا العلمية مثل التغير المناخي الذي سببه البشر، رغم أنه ثمة شبه إجماع في المجتمع العلمي على أن البشر لهم أثر كبير في التغير المناخي.[7]

تطرّق ويليام آر فرويدنبيرغ وزملاؤه في كتاباتهم إلى تسييس العلم باعتباره أداة خطابية وذكروا أنها محاولة لنقل عبء تقديم الدليل في النقاش. يُدرج فرويدنبيرغ مثال جماعات الضغط لصالح السجائر التي تعارض القوانين التي تصدّ عن التدخين. تقلل جماعات الضغط من شأن الأدلة العلمية باعتبارها غير يقينية، وتأكد على غياب النتائج القاطعة. يخلص فرويدنبيرغ إلى أن السياسيين وجماعات الضغط غالبًا ما «ينجحون في جهودهم الرامية إلى الحصول على "دليل علمي قاطع" قبل أن يكتسب التشريع سمة "التسويغ"، ويصرّون على أنه ما يلزم هو توجّه متوازن يأخذ بعين الاعتبار احتمالات خطأ الصنف1 والصنف2 في الظرف المعطى، مع ملاحظة أن النتائج العلمية دائمًا ما تكون غير نهائية».[8]

وصف هانك كامبل، رئيس جماعة تأييد الصناعات المسماة المركز الأمريكي للعلوم والصحة، وآليكس بيريجوف «مغالطات رفع المعنويات» التي يوظفها السياسيون الذين يصيغون مواقفهم بطريقة تجعل الأفراد يشعرون بالرضا لتأييدهم سياسات معينة حتى عند إثبات الدليل العلمي أنه ليس ثمة حاجة تستثير القلق أو تستدعي التغيير الجذري في البرامج الحالية. يزعم كامبل وبيريجوف أن التقدميين لطالما استشكلوا السياسات ذات الصلة بالأطعمة المعدلة جينيًا، والتلقيح، والكثافة السكانية، واستخدام الحيوانات في الأبحاث العلمية، والطاقة النووية، وغيرها من القضايا.[9]

التسييس لدى جماعات الضغط

ثمة تكتيك سياسي يُلجأ إليه أحيانًا لتأخير تطبيق أيما تشريع يكبّل النشاطات ذات الضرر المحتمل، وهو طريقة النقاش المتعلق باليقين العلمي. في العديد من الحالات، توجد درجة من اللا يقين المصاحب للنتائج العلمية، ويمكن تجيير هذا اللا يقين لتأخير اتخاذ الخطوات القانونية لسنوات، من خلال طلب المزيد من «اليقين العلمي» قبل تنفيذ القانون.[10]

الاحتباس الحراري

كالَ أشهر علماء المناخ ومنتقديهم من كلا الطرفين الاتهامات لبعضهم بعضًا بتسييس العلوم في حالة التغير المناخي. ثمة إجماع علمي حول التغير المناخي وارتفاع حرارة سطح الأرض في العقود الأخيرة وأن هذا الارتفاع مردّه إلى عوامل بشرية تتمثل في انبعاثات الغازات الدفيئة.[11][12][13] رغم ذلك، ونظرًا لعدم قبول المنهج العلمي بالإجماع منهجًا لإثبات النظريات العلمية، فإنه لا يمكن التسليم بصحة الادعاءات المتعلقة بالاحتباس الحراري بناءً على الإجماع فحسب.

في العام 1991، أنشأ تحالف شركات أمريكية ضمّ رابطة التعدين الوطنية، ورابطة ويسترن فيولز، ومعهد أديسون للكهرباء منظمة علاقات عامة باسم «مجلس معلومات البيئة». أطلق مجلس معلومات البيئة حملة إعلانية بكلفة 500,000$ بهدف «إعادة وضع الاحتباس الحراري في مكانه الصحيح باعتباره نظرية (وليس حقيقة)»، حسب وصف المجلس. ردّ منتقدو جماعات تأييد الصناعات أن المزاعم بوجود خلاف حول الاحتباس الحراري ما هي إلا محاولة متعمدة لتقليل الأثر الذي قد تتركه أيما معاهدة دولية، مثل اتفاقية كيوتو، على مصالحهم التجارية.[14]

في يونيو من العام 2005، أكد محرر قسم البيئة في الجارديان، جون فيدال، وجود أبحاث أجرتها وزارة الخارجية الأمريكية تثبت أن إدارة الرئيس بوش قد شكرت مدراء تنفيذيين في شركة إكسون «لمشاركتها الفعالة» في مساعدة صياغة سياسة التغير المناخي، بما في ذلك موقف الولايات المتحدة من اتفاقية كيوتو. إضافة إلى ذلك، فقد أدت المشورة التي قدمتها جماعة تأييد الصناعة، تحالف المناخ العالمي دورًا في تلك السياسة.[15]

في العام 2006، ذكر الكاتب في الجارديان جورج مونبيوت أنه وفقًا للمعطيات الواردة في سجلات شركة إكسون الرسمية، فقد تلقت 124 منظمة التمويل من إكسون موبيل أو عملت معها بشكل حثيث، وأن «هذه المنظمات تتبنى موقفًا واحدًا من التغير المناخي: أن العلوم متناقضة بصدده، وأن العلماء مختلفون بشأنه، وأن ناشطي حقوق البيئة مجرد محتالون، وكاذبون أو مجانين، وأنه في حال قررت الحكومة اتخاذ خطوات قانونية لمنع الاحتباس الحراري، فسيلحق ذلك أضرارًا بالاقتصاد العالمي لغير سبب وجيه. وتطلق هذه المنظمة تسمية «العلم التافه» على النتائج العلمية التي لا توافق هواهم. أما النتائج العلمية التي يقبلونها، فيسمّونها «العلم السليم».[16][17] يحدّد معهد باسيفيك، وهو منظمة أنشئت لتقديم أبحاث مستقلة وتحليل السياسات المتصلة بالقضايا المشتركة بين التنمية، والبيئة، والأمن يحدّد «الاستخدام الانتقائي للمعلومات»، ومغالطة الدليل الناقص باعتبارها أبرز أشكال إساءة استخدام العلم.[18]

التصميم الذكي

تسعى حركة التصميم الذكي المرتبطة بمعهد ديسكفري إلى «دحض وجهة النظر المادية عن العالم» المتمثلة في نظرية التطور، ليحل محلها «علم لا يتعارض والعقائد المسيحية والألوهية».[19] يصور معهد ديسكفري التطور باعتباره «نظرية مأزومة» لوجود العلماء الذي ينتقدون التطور والذين يعتقدون أنه لأسباب تتعلق «بالإنصاف» و«الوقت المتكافئ»، يجب تثقيف الطلاب بخصوص «الخلاف الدائر».

تُفيد إحدى أشد النظريات وثوقية وتجريبية في العلوم أن جميع أشكال الحياة على الكرة الأرضية تنحدر من سلف مشترك مع بعض التعديلات.[20] وفقًا لذلك، فإن أي جانب خلافي في التطور يتسم بطابع ديني أو سياسي، وليس علمي.[21] في العام 2005، خلص الحكم النهائي لمحكمة فيدرالية أمريكية في محاكمة دوفر، كيتسميلر ضد مدرسة مقاطعة دوفر، بعد تفحّص مزاعم أنصار التصميم الذكي، خلصت إلى أن التصميم الذكي ليس علمًا، وأنه «لا يمكن فصله عن سوابقه الخلقيّة، وبالتالي الدينية»، وخلص إلى أن ترويج المدرسة له يخرق البند التأسيسي للتعديل الأول لدستور الولايات المتحدة.[22]

في العام 2006، نشرت مجلة ساينس العلمية نتائج إحصائية خلصت إلى أن الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الثانية قبل الأخيرة في قبول نظرية التطور من بين 34 دولة متقدمة شملتها الإحصائية. ذكر المقال: «تُعتبر نسبة قبول نظرية التطور أقلّ في الولايات المتحدة منها في اليابان أو أوروبا، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى الأصولية المستشرية وتسييس العلم السائد في الولايات المتحدة».[23]

مراجع

  1. Evolution or design debate heats up. نسخة محفوظة 04 فبراير 2009 على موقع واي باك مشين.
  2. American Association for the Advancement of Science Statement on the Teaching of Evolution نسخة محفوظة 21 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  3. Intelligent Judging — Evolution in the Classroom and the Courtroom George J. Annas, نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين, Volume 354:2277-2281 May 25, 2006 نسخة محفوظة 20 سبتمبر 2009 على موقع واي باك مشين.
  4. Goldberg, Jeanne (2017). "The Politicization of Scientific Issues: Looking through Galileo's Lens or through the Imaginary Looking Glass". سكيبتيكال إنكوايرر. 41 (5): 34–39. مؤرشف من الأصل في 3 يوليو 2020. اطلع عليه بتاريخ 16 أغسطس 2018. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. Bolsen, Toby; Druckman, James N. (2015). "Counteracting the Politicization of Science". Journal of Communication (65): 746. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. Horgan, John (2005-12-18). "The Republican War on Science". The New York Times. The New York Times Company. مؤرشف من الأصل في 5 مايو 2020. اطلع عليه بتاريخ 22 أبريل 2018. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  7. van der Linden, Sander; Leiserowitz, Anthony; Rosenthal, Seth; Maibach, Edward (2017). "Inoculating the Public against Misinformation about Climate Change". Global Challenges. 1 (2): 1. doi:10.1002/gch2.201600008. PMC 6607159. PMID 31565263. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  8. Freudenberg, William R.; Gramling, Robert; Davidson, Debra J. (2008). "Scientific Certainty Argumentation Methods (SCAMs): Science and the Politics of Doubt". Sociological Inquiry. 78 (1): 2–38. doi:10.1111/j.1475-682X.2008.00219.x. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  9. Hank Campbell, Alex Berezow (2012-09-12). Science Left Behind : Feel-good Fallacies and the Rise of the Anti-Scientific Left (الطبعة 1st). New York: PublicAffairs. ISBN 9781610391641. مؤرشف من الأصل في 3 يوليو 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. Freudenburg, William R.; Gramling, Robert; Davidson, Debra J. (2008). "Scientific Certainty Argumentation Methods (SCAMs): Science and the Politics of Doubt". Sociological Inquiry. 78: 2–38. doi:10.1111/j.1475-682X.2008.00219.x. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  11. Oreskes, Naomi (December 2004). "Beyond the Ivory Tower: The Scientific Consensus on Climate Change". Science. 306 (5702): 1686. doi:10.1126/science.1103618. PMID 15576594. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  12. America's Climate Choices: Panel on Advancing the Science of Climate Change; National Research Council (2010). Advancing the Science of Climate Change. Washington, D.C.: The National Academies Press. ISBN 978-0-309-14588-6. مؤرشف من الأصل في 24 سبتمبر 2014. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  13. "Understanding and Responding to Climate Change" (PDF). الأكاديمية الوطنية للعلوم. 2008. مؤرشف من الأصل (PDF) في 11 يوليو 2019. اطلع عليه بتاريخ 30 مايو 2010. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  14. "The PR Plot to Overheat the Earth". 2008. مؤرشف من الأصل في 3 يوليو 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  15. Revealed: how oil giant influenced Bush, White House sought advice from Exxon on Kyoto stance John Vidal. The Guardian, June 8, 2005 نسخة محفوظة 22 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
  16. The Denial Industry The Guardian, September 19, 2006 نسخة محفوظة 24 مارس 2007 على موقع واي باك مشين.
  17. Peter H. Gleick (8 March 2007). "The Political and Selective Use of Data: Cherry-Picking Climate Information in the White House" (PDF). Pacific Institute. مؤرشف من الأصل (PDF) في 13 أغسطس 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  18. Integrity of Science initiative of the Pacific Institute نسخة محفوظة 8 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  19. "Wedge Document" (PDF). Discovery Institute. 1999. مؤرشف من الأصل (PDF) في 07 ديسمبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة) - cited in Handley P. Evolution or design debate heats up. The Times of Oman, 7 March 2005.
  20. National Academy of Science Institute of Medicine (2008). Science, Evolution, and Creationism. National Academy Press. ISBN 978-0-309-10586-6. مؤرشف من الأصل في 7 أكتوبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  21. "That this controversy is one largely manufactured by the proponents of creationism and intelligent design may not matter, and as long as the controversy is taught in classes on current affairs, politics, or religion, and not in science classes, neither scientists nor citizens should be concerned." Intelligent Judging – Evolution in the Classroom and the Courtroom George J. Annas, نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين, Volume 354:2277–81 May 25, 2006 نسخة محفوظة 20 سبتمبر 2009 على موقع واي باك مشين.
  22. Kitzmiller v. Dover Area School District, 04 cv 2688 (December 20, 2005). , Conclusion of Ruling.
  23. Miller, Jon D.; Scott, Eugenie C.; Okamoto, Shinji (2006). "Public Acceptance of Evolution". Science. 313 (5788): 765–66. doi:10.1126/science.1126746. PMID 16902112. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • بوابة علم الاجتماع
    • بوابة علوم
    • بوابة تاريخ العلوم
    • بوابة تقانة
    • بوابة السياسة
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.