الأقواس التسعة
الأقواس التسعة هو المصطلح الذي استخدمه المصريون القدماء لوصف أعداءهم وأعداء مصر، كان هذا المصطلح يستخدم في مصر القديمة ليشير إلى الأعداء التقليديين للدولة المصرية، والجدير بالذكر أن الجماعات والأمم التي يشملها هذا المصطلح تغيرتا عبر الزمن فلا توجد قائمة موحدة بأسماء الأعداء. إلا أن النوبيين والآسيويين ظلوا ثابتيين في قائمة أعداء مصر.
لم يكن عدد الأعداء تسعة لكن الرقم له دلالة عددية أي أن عدد الأعداء ليس تسعة بالتحديد لكنه يدل على الكثرة، فرقم ثلاثة يشير إلى الجمع أما رقم تسعة فيشير إلى جمع الجمع مما يدل على كثرة أعداء مصر والطامعين في أرضها، يتم تمييزهم من خلال ملابسهم، ولكن عندما يتم التحدث عنهم بشكل عام، يتم تمثيلهم بتسعة دوائر نصف مزدوجة (أقواس) موضوعة في ثلاثة أعمدة. يظهرون في العديد من التمثيلات أنهم مهزومون ويتم أسرهم وتقديمهم إلى الملك وهم مقيدين وخاضعين وفي أوضاع مهينة ومذلة.
الأقواس التسعة هي الأعداء التسعة التي حددها قدماء المصريين وحفروا ملاحم الحروب ضدهم وهزيمتهم على جدران المعابد والقبور الخاصة بهم.[1]
القدماء حددوهم على مرّ العصور لأن هؤلاء الأعداء لم يسعوا فقط لغزو مصر كل على حدى وحكمها ولكنهم تحالفوا مع بعضهم البعض ومع الخونة الداخليين لغزو الأراضي المصرية.[2]
الرمزية والدلالة
"خو" الاسم الذي أطلقه المصريون القدماء على أعدائهم وأعداء مصر. "تا سيتي" ( تعني أرض الأقواس)، تا سيتي اسم أطلقه المصريون على المنطقة التي عاش بها الأعداء وارتبط هذا الاسم بالتحديد بالجزء الجنوبي من مصر (النوبة) حيث عاش الكوشيون والنوبيون.
والعدد تسعة ليس العدد المحدد لأعداء مصر وإنما هو كناية عن كثرة الأعداء، فالرقم ثلاثة يدل على الجمع بينما ستة هو جمع الجمع . أما تسعة هو جمع الجموع ويدل على الكثرة.
لم يكن النوبيين والكوشيين سوى ضيوفا عاشوا مكرمين في أرض مصر إلا أن جشعهم وطمعهم جعل منهم أعداءاً لمصر وللمصريين فطمعوا في حكم مصر وفي سرقة الهوية المصرية وسرقة الحضارات المصرية ونسبها لأنفسهم.
وما يؤكد على إنتمائهم للأقواس التسعة ظهورهم على جدران المعابد المصرية ومقتنيات الملوك المصريين في هيئة أسرى مقيدين يقوم الملك بتأديبهم أو تصويرهم أسفل قدمي الملك كدليل على انتصار وسيطرة الملك عليهم.
وبالطبع ملامحهم المميزة تختلف تماما عن ملامح المصريين سواء التماثيل التي تصور المصريين القدماء أو حتى المصريين الحاليين. وكل ذلك يدلل ويؤكد على كونهم أعداءا لمصر وليسوا صانعي الحضارة كما يدعون.
أنواع الأقواس التسعة
الأقواس التسعة هم الأعداء ويوجد منهم نوعان. هما:
1- العدو الخارجي
العدو الخارجي أو الأجنبي وهو الذي يحاول غزو مصر من الخارج. مثل شعوب البحر والآسيويين الحيثيين و الميتانيين والفرس والليبيين.
2- العدو االداخلي
العدو الداخلي يتمثل في الخونة الذين يعيشون في مصر لكن يتأمرون عليها. وينشط العدو الداخلي وقت اعتلاء العرش حاكم أجنبي أو حاكم مصري ضعيف. وقد يكون الخائن أجنبي يعيش داخل مصر مثل النوبيين و البدو (من آسيا كالعرب و اليهود) والليبيين (من آسيا وقد استقروا في واحة سيوة) الذين عاشوا في أرض مصر كمصريين رغم أن أصولهم غير مصرية، وبعض العناصر المصرية من الخونة والمتمرديين دينياً وأخلاقياً كالكهنة مثلا والوزراء المتطلعين للسلطة. وهؤلاء يستغلون أي فرصة لينشروا الفوضى والتمرد والتواصل مع العدو الخارجي لخدمته ومعاونته ضد مصر.
- تمثال أبو الهول البرونزي لتحتمس الثالث، يظهر فيه فرعون مستلقياً على تسعة أقواس. يستخدم الجزء الأمامي من التمثال طائر اللابوينخ ريخيت ليقول: "كل الناس يمدحون"، باستخدام الحروف الهيروغليفية، ملحوظة، للجميع، اللابوينغ، للناس، والنجم، للمديح؛ (هذا لغز مصور). عمود جد "دومينيون" على الجانب.
- جزء من قاعدة تمثال البازلت الملكي. قدم الملكة على 9 أقواس قبل مائدة القرابين. علامة هوتب عند الحافة الأمامية. مزهرية مع مزهريات ومصباح. الفترة المتأخرة. من مصر. متحف بتري للآثار المصرية، لندن.
- قاعدة تمثال نختنبو الثاني.
و"كل الناس يمدحون". - تمثال أبو الهول البرونزي لتحتمس الثالث فوق تسعة أقواس؛ وتظهر أيضًا عمود جد دومينيون على جانب القاعدة.
تاريخ الأقواس التسعة
بحسب الدكتور علاء شاهين، الأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، فمن أقدم الإشارات إلى "الأقواس التسعة" في التصوير كان على مقمعة قتال الملك العقرب من عصر ما قبل الأسرات (قبل عهد مينا) في مصر العليا، وكان عبارة عن صف من حملة ألوية المقاطعات وستة أشخاص منهم يحملون أشكال لطيور "الرخيت" معلقين فيهم كرمز إلى أسر أهل المكان. وفي عهد جر، من ملوك الأسرة الأولى، نقش قرب وادي حلفا (قرب الشلال الثاني) والملك أمامه أسير نوبي يمسك بقوس.[3]
وفي الأسرة الثالثة تمثال زوسر المشهور، وهو يدوس بقدميه على الأقواس التسعة في أقدم تصوير من نوعه، وهو التصوير الذي استمر عليه حكام مصر بعده. وبتعريف الدكتور سليم حسن في موسوعته "موسوعة مصر القديمة" فالأقواس التسعة يُرمز بها للأقوام الخاضعين، أو الذين قهرتهم مصر، وأشار أيضا إلى آثارهم على مقمعة العقرب ومسند قدمي زوسر. وتظهر هذه الأقوام باسم "حاونبو" (سكان جزر البحر المتوسط)، "تامحو" (آسيا)، "تا شمعو" (كوش)، "بجتيو-شو" (ربما كوش)، التحنو (ليبيا)، "الأونتيو سيتي" (النوبة)، "المونتيو-نو-ستت" (الآسيويون)، وأخيرا "سخت يام" (الواحات). وفي قائمة أوردها سليم حسن ترجع لعهد أمنحتب الثالث: حاو-نبوت (أقوام بحر إيجة)، شات، تاشمع (مصر العليا)، سخت يام (الواحة)، تامحو (مصر السفلى)، بزت شو، تحنو (لوبيا)، أوتيو-سبتي (النوبة)، منتيو-نو-ستت (آسيا).
وقد حدث حيرة في تفسير المعنى الحقيقي للأقواس التسعة، لأنه في كثير من العصور كانت تضم مصر العليا والسفلى بما فيهم الواحات، وهؤلاء ليسوا أجانب ولا أعداء، فلماذا يوضعوا إلى جانب الأجانب والأعداء خارج الحدود، وهناك تفسيرات لاحتمالات الإجابة، وهي أن المقصود بضم مصر العليا والسفلى للأقواس التسعة أن الأقواس التسعة في البداية لم يكن المقصود بها "الأعداء" بمعنى التقليدي المفهوم فقط، ولكن مقصود الأماكن التي يسيطر عليها ملك مصر داخل أو خارج الحدود، أو تعبير عن سيطرته على العالم الدنيوي. وتفسير آخر بأن المقصود بمصر العليا والسفلى ليس السكان في العموم، ولكن مثيري الفتن والقلاقل، الذين يهددون بإفساد نظام حياة مصر، المعروف باسم ماعت، يعني العقيدة أو الشريعة المصرية والقواعد والأصول التي تحدد للمصريين نظام حياتهم في الحياة اليومية ونظام الحكم والأخلاق وعلاقتهم بالإله وبالبلاد الأخرى إلخ، ويعتقد أن المصريين من وضعها لهم هو رع، وكل من يهددها بنشر "إزفت،" أي الفوضى، ليقضي عليها ويسقط مصر من داخلها فهو عدو لـ رع.إلا أنه بغض النظر عن الأقوام المذكورين في القائمة، فالعبارة نفسها "الأقواس التسعة" استخدمها المصريين من الأسرة الثانية عشر على الأقل بمعنى الأجانب، كما تدل على ذلك جملة في قصة سنوحي: "إن الأقوام التسعة يأتون إليك في مصر حاملين الهدايا"، بحسب سليم حسن. ويضيف أنه بداية من الأسرة التاسعة عشر أصبحت كلمة "تامحو" تعني الآسيويين وليس مصر السفلى، وكلمة "تاشمع" تعني النوبيين وليس مصر العليا، وأنه على ذلك فإن الاسم وإن لم يتغير كتابة، فإنه يمكن أن يتغير في المعنى.
ويصح هنا الإشارة إلى أمر مهم يمكن أن يكون له صلة بالأقواس التسعة من حيث تحديد من هم أعداء مصر، وهو ما يجوز تسميته بـ"وصية حور"، أو "وثيقة العهد المصرية القديمة" الواردة في متون الأهرام، وفيها "حور" (حورس بالنطق اليوناني المحرف) يحذر مصر اللي وصفها بإنها عينه "عين حور"، من إنها تآمن للشعوب الأجنبية من كل الحدود، لأن ثقافتها وعقيدتها وأصلها مختلف عنهم، وأي اندماج بينها وبينهم سيعود عليها بالضرر والخراب. فيقول حسب ترجمة جيمس هنري بريستد للنص في كتابه "تطور الفكر والدين في مصر القديمة":التحية لك يا عين حور (مصر) التي زانها بكلتا ذراعيه إنه لا يسمح لكِ (يا مصر) أن تصغي إلى أهل الغرب إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الشرق إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الجنوب إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى أهل الشمال إنه لا يسمح لكِ أن تصغي إلى القاطنين بوسط الأرض ولكن تصغين إلى حورس إنه هو الذي زانك إنه هو الذي شيدك إنه هو الذي أسسك إنك تفعلين لأجله كل شيء يقوله لكِ إن الأبواب الموجودة عليكِ تستوي ثابتة مثل "إنموتف"إنها لا تنفتح لسكان الغرب إنها لا تنفتح لسكان الشرق إنها لا تنفتح لسكان الشمال إنها لا تنفتح لسكان الجنوب إنها لا تنفتح للقاطنين وسط الأرض إنها تنفتح لحورس إنه هو الذي صنعها إنه هو الذي أقامها إنه هو الذي نجاها من كل سوء أوقعه "ست" عليها إنه هو الذي أقام دعائمك فأمر الإله مصر أن تكون الأصول التي وضعها لها (ماعت) هي مرجعيتها، ولا تسلم نفسها للشعوب الكائنة وراء الحدود وثقافاتهم، فهو الأدرى بما يصلح لها؛ لأنه هو من أسسها ووضع قواعدها. وفي ترجمة أخرى للنص في كتاب "متون الأهرام" لـ حسن صابر للوصية في الفصل 587: التبجيل لكِ يا عين حور التي أعيدت بكلتا يديه إنه لن يأذن لكِ بطاعة الغربيين إنه لن يأذن لكِ بطاعة الشرقيين إنه لن يأذن لكِ بطاعة الجنوبيين إنه لن يأذن لكِ بطاعة الشماليين إنه لن يأذن لكِ بطاعة هؤلاء الذين في وسط الأرض بل سوف تطيعين حور فإنه الذي أعادك، وهو الذي خلقك، والذي أعادك إلى أصلك.
وكان المصريون القدماء يرسمون أو ينقشون أو ينحتون رموز الأقواس التسعة إما في شكل أقواس، أو شكل رؤوس تدل على الجماعات المعادية، أو على صورة أشخاصهم ولكن في وضع ذليل كأسرى حرب، منحنيين أمام المصريين، أو مقيدة أيديهم خلف ظهورهم، أو في صورة منهزمين والملك المصري يحاربهم أو يؤدبهم بالمقمعة.
وعادة ما يكون مكان هذه الرسومات إما على الصنادل، أو على مسند القدمين تحت كرسي العرش، أو في نهايات العصى، أو على واجهة المعابد، كمعابد الأقصر و أبو سمبل و الكرنك وملك مصر يهزمهم، أو في مقابر الحكام وقادة الجيش الذين ينقشون صور المعارك التي خاضوها. وعلى هذا نرى خلال تتبع المعارك المصرية أن طوال أزمنة الحكم المصري القديم ظل الجيش يحارب على الحدود الثلاثة، ثم على الحدود الأربعة.[4]
مراجع
- Andrés Diego (2006). Etnicidad y territorio en el Egipto del Reino Antiguo (باللغة الإسبانية). Univ. Autònoma de Barcelona. ISBN 978-84-490-2460-3. مؤرشف من الأصل في 24 مارس 2016. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - مصر الخالدة، مسند للقدمين منقوش عليه الأسرى التسعة - تاريخ الولوج = 2-9-2008 نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- عباس, دكتور محمد رفعت (2015-04-21). "الأقواس التسعة فى مصر القديمة". سيفجردز للتاريخ والآثار. مؤرشف من الأصل في 12 فبراير 2021. اطلع عليه بتاريخ 11 فبراير 2021. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - "عقيدة مصر القتالية و"الأقواس التسعة".. من أعداؤنا؟". عقيدة مصر القتالية و"الأقواس التسعة".. من أعداؤنا؟ ~ كيمة والهكسوس. الجمعة، 17 يوليو 2020. مؤرشف من الأصل في 28 أكتوبر 2020. اطلع عليه بتاريخ 03 فبراير 2021. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(مساعدة)
وصلات خارجية
- كيفين أ. ويلسون (2005). حملة الفرعون شيشنق الأول إلي فلسطين. موهر سيبيك. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)
- بوابة التاريخ
- بوابة مصر القديمة