مشروع مارشال

مشروع مارشال هو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947 والذي اعلنه بنفسه في 5 يونيو من ذلك عام (1947) في خطاب امام جامعة هارفارد وكانت الهيئة التي اقامتها حكومات غرب أوروبا للاشراف على إنفاق 12.9925 مليار دولار أميركي قد سميت " منظمة التعاون والاقتصادي الاوربي" وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة اعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الاوربية.[1][2][3]

لوحة مشروع مارشال الأمريكية

فلقد ترتب على الحرب العالمية الثانية تدمير الاقتصاد الاوربي وانهياره وكساده إلى حدٍ كبير وعميق مما ادى إلى انتشار الفقر والبطالة بشكل واسع، مما خلق تربة خصبة لانتشار الشيوعية كما كان هذا واضحاً من الخطط السوفيتية انذاك، فكان لابد من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اقوى اقتصاد انذاك والتي لم تتضرر كثيراً جراء الحرب ان تتصرف بسرعة وان تهتم بمحور الاقتصاد كأهم عامل مؤثر، فكان مشروع مارشال بادرة أولية لإنعاش اقتصاديات غرب أوروبا .

التطوير والنشر

نفقات مشروع مارشال في أوروبا حسب البلد

صيغ مشروع إعادة الإعمار الذي طُوّر في اجتماع للدول الأوروبية المشاركة بتاريخ 5 يونيو من عام 1947. عرض المشروع المساعدة ذاتها للاتّحاد السوفياتي وحلفائه، لكنّهم رفضوا قبول العرض، وذلك لأنّه سيسمح بالسيطرة الأمريكية على الاقتصادات الشيوعية إلى حدّ ما. في الواقع، حظر الاتّحاد السوفياتي على دوله التابعة (أي ألمانيا الشرقية وبولندا وغيرهم) قبول العرض. أصبح الوزير مارشال متيقّنًا من عدم اهتمام ستالين بالمساعدة الهادفة إلى استعادة الصحّة الاقتصادية في أوروبا الغربية.[4][5][6][7]

وقّع الرئيس هاري ترومان على مشروع مارشال في 3 أبريل من عام 1948، مانحًا 5 مليارات دولار باعتبارها مساعدات لستّة عشر دولة أوروبية. تبرّعت الولايات المتّحدة بمبلغ قدره 17 مليار دولار (أي ما يعادل 202.18 مليار دولار في عام 2019) خلال السنوات الأربع التي كانت الخطّة فيها سارية المفعول، إذ اعتُبرت هذه الأموال مساعدات اقتصادية وتقنية بهدف مساعدة الدول الأوروبية المنضمّة إلى منظّمة التعاون الاقتصادي الأوروبي في التعافي. شكّل مبلغ 17 مليار دولار جزءًا من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي البالغ 258 مليار دولار في عام 1948، بالإضافة إلى الـ 17 مليار دولار التي قدّمتها أمريكا كمساعدات لأوروبا بين نهاية الحرب وبداية المشروع، إذ حُسبت بشكل منفصل عن مشروع مارشال. استُبدل بمشروع مارشال مشروع الأمن المتبادل في نهاية عام 1951؛ إذ وهب المشروع الجديد نحو 7.5 مليار دولار سنويًا حتّى عام 1961 قبل أن يُستبدل بمشروع الأمن المتبادل برنامج آخر.[8][2]

تعامل مشروع مارشال (برنامج التعافي الأوروبي) مع جميع العقبات التي وقفت في وجه التعافي بعد الحرب. تطلّع المشروع إلى المستقبل ولم يركّز على الدمار الذي نجم عن الحرب. أمّا الأمر الأكثر أهميّة فهو الجهود المبذولة في سبيل تحديث الممارسات الصناعية والتجارية الأوروبية وفقًا للنماذج الأمريكية عالية الكفاءة، إضافةً إلى الحدّ من العوائق التجارية الاصطناعية وبثّ الشعور بالأمل والاعتماد على الذات.[9][10]

تجاوز اقتصاد كلّ دولة مشاركة مستوياته قبيل الحرب مع حلول عام 1952 وانتهاء التمويل؛ إذ ارتفع الإنتاج في كلّ دولة مستفيدة من مشروع مارشال بنسبة 35% على الأقل في عام 1951 عن الحالة التي كان عليها في عام 1938. وعلى مرّ العقدين القادمين، تمتّعت أوروبا الغربية بنمو وازدهار لم يسبق لهما مثيل، لكنّ الاقتصاديون لم يتأكّدوا من حجم الدور المباشر وغير المباشر الذي لعبه برنامج التعافي الأوروبي في هذا النمو، ولم يعرفوا ما كان سيحدث لولا هذا البرنامج. أعرب رئيس إدارة التعاون الاقتصادي بول هوفمان في عام 1949 عن دور البرنامج في التعافي الأوروبي من وجهة نظر التفسير الأمريكي الشائع، إذ أخبر الكونغرس أن مساعدات مارشال قد قدّمت «الإطار الحاسم» الذي اعتمدت عليه الاستثمارات الأخرى اللازمة للتعافي الأوروبي. اعتُبر مشروع مارشال واحدًا من العناصر الأولى المساهمة في التكامل الأوروبي، إذ استطاع إلغاء العوائق التجارية وإنشاء مؤسسات هادفة إلى تنظيم الاقتصاد على المستوى القارّي، وبالتالي شجّع على عملية إعادة الإعمار السياسي الكامل لأوروبا الغربية.[11][12][13]

استنتج المؤرّخ الاقتصادي البلجيكي هيرمان فان دير وي أنّ مشروع مارشال حقّق «نجاحًا باهرًا»:

لقد أعطى زخمًا جديدًا لإعادة الإعمار في أوروبا الغربية، وقدّم إسهامًا حاسمًا في عملية إعادة تجديد نظام النقل وتحديث المعدّات الصناعية والزراعية، إضافةً إلى استئناف الإنتاج الطبيعي وزيادة الإنتاجية وتسهيل التجارة البينية الأوروبية.[14]

الدمار أثناء الحرب

أنقاض سوق مدمر في نورنبرغ في شهر أكتوبر عام 1946

دُمّرت معظم أوروبا بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية. ألحق القصف الجوّي المستمر خلال الحرب أضرارًا بالغةً في معظم المدن الكبرى، إذ تضرّرت المنشآت الصناعية بشكل خاص. توقّفت التدفّقات التجارية في المنطقة بشكل كامل؛ عاش الملايين من الناس في مخيمات اللاجئين معتمدين على المساعدات الأمريكية، التي قُدّمت تحت غطاء إدارة الأمم المتّحدة للإغاثة والتأهيل وغيرها من الوكالات. اعتُمدت الأمم المتّحدة بموجب المؤتمر الذي استمرّ لثلاثة أشهر وأعلن النصر في أوروبا. انتشرت حالات نقص الغذاء بشكل شديد وخصوصاُ في فصل الشتاء القاسي في الفترة بين عامي 1946-1947. شحنت الولايات المتّحدة 16.5 مليون طنًّا من المواد الغذائية -القمح خصوصًا- إلى أوروبا واليابان بين شهر يوليو من عام 1945 وشهر يونيو من عام 1946. شكّلت هذه الإمدادات سدس الإمدادات الغذائية الأمريكية، إذ وفّرت 35 تريليون سعرة حرارية، الذي يُعتبر كافيًا لتوفير 400 سعرة حرارية في اليوم لمدّة عام كامل لنحو 300 مليون شخص.[15][16]

تضرّرت البنية التحتية للنقل بشكل خاص، إذ استُهدفت السكك الحديدية والجسور والأرصفة بالغارات الجوّية على وجه التحديد، بينما غرقت الكثير من الشحن التجارية. أسفر تدمير وسائل النقل عن عزل معظم البلدات والقرى الصغيرة اقتصاديًا، على الرغم من أنّها لم تتعرض لأضرار كبيرة. لم تكن معالجة هذه المشاكل بالأمر السهل، إذ استنفدت معظم الدول المنخرطة في الحرب خزائنها في هذه العملية.[17]

لم تتضرر البنية التحتية في الولايات المتّحدة وكندا -بوصفها قوىً عظمى- بشكل كبير خلال الحرب العالمية الثانية، إذ أصبحت أكثر ازدهارًا مما كانت عليه قبل الحرب على الرغم من لعب الصادرات دورًا هامشيًا في بنية اقتصادها. استخدم الأوروبيون العديد من المساعدات المقدّمة عن طريق مشروع مارشال بهدف شراء السلع المصنّعة والمواد الخام من الولايات المتّحدة الأمريكية وكندا.[18]

الأحداث الأوّلية اللاحقة للحرب

انتشرت العديد من الأفكار الإنسانية خلال فترة الخمس سنوات التي تلت تشكيل الأمم المتّحدة. يعود تشكيل كلّ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى تلك الفترة أيضًا. اعتُبرت منظّمة التجارة الدولية واحدةً من الأفكار المقترحة في عام 1947 خلال مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتوظيف. بدأ التخطيط لتأسيس الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (جات) في تلك الفترة أيضًا.

التعافي البطيء

تعافت معظم اقتصادات أوروبا ببطء، إذ أسفرت البطالة ونقص الغذاء عن إضرابات واضطرابات في العديد من الدول. شكّل الإنتاج الزراعي 83% من مستوياته في عام 1938، بينما شكّل الإنتاج الصناعي 88% والصادرات 59%. يُستثنى من هذا الأمر كلّ من المملكة المتّحدة وهولندا وفرنسا، حيث استُعيد مستوى الإنتاج إلى مستويات ما قبل الحرب أي قبل مشروع مارشال، وذلك بحلول نهاية عام 1947. أمّا إيطاليا وبلجيكا فلحقتهم بحلول نهاية عام 1948.[19][20][21]

مراجع

  1. Adst.org نسخة محفوظة 20 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  2. Mills, Nicolaus (2008). Winning the Peace: the Marshall Plan and America's Coming of Age as a Superpower. Wiley. صفحة 195. ISBN 978-0-470-09755-7. مؤرشف من الأصل في 10 يناير 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. Charles L. Mee, (1984). The Marshall Plan. New York: Simon & Schuster. صفحة 99. ISBN 0-671-42149-2. مؤرشف من الأصل في 10 يناير 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)CS1 maint: extra punctuation (link)
  4. جيوفري روبرتس (December 2000). "Historians and the Cold War". History Today. مؤرشف من الأصل في 25 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 15 فبراير 2009. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. Robert J. McMahon (March 27, 2003). The Cold War. دار نشر جامعة أكسفورد. صفحة 30. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. Volkogonov, Dmitri. Stalin: Triumph and Tragedy. Forum, 1996, p.531.
  7. Kaplan, Jacob J. 1999. Interviewed by: W. Haven North. March 22. Arlington, VA: Association for Diplomatic Studies and Training, Foreign Affairs Oral History Project, Foreign Assistance Series, p. 4. Adst.org نسخة محفوظة 20 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  8. Milward (1984) p. 46
  9. Hogan (1987) pp. 427–45
  10. Barry Eichengreen, The European Economy since 1945: Coordinated Capitalism and Beyond, (2008) pp. 64–73
  11. Barry Eichengreen, The European Economy since 1945: Coordinated Capitalism and Beyond, (2008) p. 57; West Germany was 6% higher, the other countries 45% higher.
  12. Quoted in Hogan (1987) p. 189
  13. Milward (1984) p. 466
  14. Van der Wee, Herman (1984). Prosperity and Upheaval: The World Economy, 1945–1980. Berkeley: University of California Press. صفحة 44. ISBN 978-0-520-05709-8. مؤرشف من الأصل في 10 يناير 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  15. Tom Buchanan, Europe's Troubled Peace 1945–2000, (2006) ch 1
  16. Allen J. Matusow, Farm Policies and Politics in the Truman Administration (1967) pp 35-36.
  17. Tony Judt, Postwar: a History of Europe since 1945 (2005) ch 1
  18. James T. Patterson (1997). Grand expectations: the United States, 1945-1974. Oxford University Press. ISBN 978-0-19-507680-6. مؤرشف من الأصل في 10 يناير 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  19. Jan Luiten van Zanden, The Economic History of the Netherlands 1914-1995, Routledge, 1998, (ردمك 04 1515 003 5)
  20. Hein A.M. Klemann, De Nederlandse economie en de Tweede Wereldoorlog (English: The Dutch economy and World-War Two), in: “Tijdschrift voor geschiedenis” (English: Magazine for history), Volume 110, p. 3-40, 1997
  21. Michael J. Hogan, The Marshall Plan, p. 30.

    وصلات خارجية

    • بوابة عقد 1950
    • بوابة الحرب العالمية الثانية
    • بوابة أوروبا
    • بوابة الولايات المتحدة
    • بوابة الاقتصاد
    • بوابة الحرب الباردة
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.