كوميديا إغريقية
الكوميديا (الملهاة) هو نوع من أنواع التمثيل،مسرحية ذات طابع خفيف تكتب بقصد التسلية، أوهي عمل أدبي تهدف طريقة عرضه إلى إحداث الشعور بالبهجة أو بالسعادة. وقد نشأت الكوميديا في أوروبا من الأغاني الجماعية الصاخبة، ومن الحوار الدائر بين الشخصيات التي تقوم بأداء شعائر الخصوبة في أعياد الإله ديونيسوس ببلاد اليونان، وهي الأعياد التي تمخض عنها فن الدراما. وتعد المسرحياتأريستوفانيس من أروع الأمثلة على فن الكوميديا القديمة في اليونان. أما فن الكوميديا الحديثة فيمثله ميناندروس، الذي نسج على منواله كل من بلاوتس وترنس. وفي إنجلترا امتزج التقليد الذي سارت عليه من استعمال الفصل الإضافي في أثناء المسرحية بالمسرحيات الكوميدية الكلاسيكية في الأدب اللاتينيي، في القرن 16 حتى بلغت المسرحيات الكوميديا الرومانسية في عصر الملكة إليزابيث ذروتها على يد شكسبير. أما في فرنسا فقد مزج موليير بين المسرحيات الكلاسيكية وما لها من تأثير، وبين المسرحيات التي أطلق عليها اسم " كوميديا الفن ". وأسفرت الحركة المعادية للمسرحية الكوميدية في إنجلترا في عصر " عودة الملكية " والتي كان من أبرز كتابها كونجريف وويتشرليي، عن ظهور الكوميديا التي تتسمى بالإغراق في الانفعالات والعاطفة. وفي أواخر القرن 18، ظهرت المسرحيات الكوميدية الساخرة على يد جولدسميث وشريدان، وتابع أوسكار وايلد كتابة المسرحيات الكوميدية التي تدور حول سلوك الناس وأخلاقهم، وذلك في القرن 19. وقد برز في كتابة الكوميديا الاجتماعية في العصر الحديث كل من بنيرو، وشو، وموم، ونويل كوارد، والكوميديا في أفلام التلفزيون أو السينما (دور الخيالة)، تكون به أحداث مضحكة أو نهاية سعيدة. يمكن للملهاة (الكوميديا) أيضاً بأن تكون النكت التي يقولها الناس لبعضهم البعض أو القصص المضحكة، ويقال بأنها بدأت على يد الإغريق منذ عصر اليونان القديمة. يسمى الأشخاص الذين يمثلون الكوميديابالكوميديين. يعد وليم شكسبير و موليير من بين المشاهير الذين كتبوا عروضاً كوميدية.
نشأة الكوميديا
نشأت الكوميديا في صقلية حيث منحها " إبيخارموس " أول أشكالها الفنية، ثم انتقلت إلي أثينا حيث ازدهرت وتطورت علي أيدي الشعراء المشار إليهم توا، إلي أن وصلت أوج كمالها علي يد أريستوفانيس . و كانت الكوميديا تعرض مثل التراجيديا في أعياد الديونيسيا الكبري، حيث تتجلي مظاهر الفخامة، وكان يحضر لرؤيتها المشاهدون من كل مكان في بلاد الإغريق ، و كانت تتضمن موكبا فاخرا يحمل فيه تمثال الإله ديونيسوس علي عربة، ثم احتفالا مسرحيا يستمر فيه عرض التراجيديا و الكوميديا لمدة ثلاثة أيام .[1]
كذلك كانت الكوميديا تعرض في أعياد اللينايا التي كانت تقام تكريما لديونيسوس بوصفه ربا لمعاصر النبيذ " أو دنان الخمر " ، و كانت تتضمن موكبا دينيا ثم تقديما للأضاحي ثم عرضا مسرحيا لكتاب الكوميديا .
ارتبطت الكوميديا مثلها مثل التراجيديا بأعياد ديونيسوس الإله الشعبي، الذي كانت عبادته واسعة الانتشار وسهلة في طقوسها . و هذا يدل علي أن الدراما الإغريقية قد ارتبطت منذ نشأتها بالجماهير العريضة التي كانت تشارك في احتفالات هذا الإله، حيث إن عرض المسرحيات كان يتم أثناء الاحتفال بل إنه كان جزءا من مظاهر التعبد للإله .
يزعم الدوريون أن كلا من التراجيديا و الكوميديا قد نشأت لديهم : فإما الكوميديا فقد زعم أهل ميجارا أنهم أصحاب الفضل في ابتكارها منذ حصولهم علي الديمقراطية و كذا أهل صقلية رددوا نفس الزعم، حيث نشأ بين ظهرانيهم الكاتب الكوميدي "إبيخارموس "الذي عاش حتي فترة سابقة علي وجود الكاتبين " خيونيدس" و " ماجنيس " . أماالتراجيديا فينسب الدوريون من أهل شبه جزيرة "البيلويونيس |Peloponnesos " فضل ابتكارها إلي أنفسهم.و هم فيما يزعمون يستندون إلي براهين مستمدة من التسميات " الخاصة بهذه الفنون ".فالدوريون يقولون إنهم كانوا يسمون الضواحي الملاصقة للمدن باسم القري " Komai " في حين كان الأثينيون يطلقون عليها اسم البلديات"Demoi " و إن المشتغلين بالكوميديا" Komodoi " لم يحملوا اسمهم هذا من الفعل" Komazein "، بل لأنهم كانوا محتقرين من قبل ساكني المدن، فاضطروا إلي التجول في القرى ، و إنهم كانوا يطلقون علي لفظ العمل" Poiein " كلمة الفعل في حين كان الأثينيون يطلقون علي ذات اللفظ كلمة التصرف " Prattein" ، ان التراجيديا قد نشأت علي يد منشدي الأشعار الديثرامبية ، في حين أن الكوميديا نشأت علي يد منشدي الاشعار الفالية " Ta Phallika " اتي لا تزال موجودة للآن في كثير من المدن.[2]
هذه الكلمات جائت بكتاب " فن الشعر " لأرسطو و يذكر إيضا أن الأشعار الفالية تنشد لتمجيد الإلة باخوس بوصفه ربا للإخصاب، كما كانت تتضمن كثيرا من النكات الغليظة وكثيرا من الصخب والمجون . و يري المحدثون من الباحثين أن كلمة كوميديا Komodia مشتقة من اللفظ Komos الذي يعني النشيد الماجن، وأن أرسطو أخطأ حين أرجع هذا الاشتقاق إلي كلمة Kome بمعني قرية، ويرون أنه كانت هناك أنواع كثيرة من الأناشيد الماجنة تنشد في الاحتفالات و الأعياد الخاصة بالإله ديونيسوس ، علي يد مجموعة من الراقصين الذين كانوا يمزحون مع النظارة ويسخرون منهم، وأن خصائص تلك الأناشيد الماجنة تظهر علي نحو ما في مسرحيات أريستوفانيس أشهر شعراء الكوميديا .
لكن يبدو -رغم هذا الاعتراض اللغوي من جانب باحثي العصور الحديثة- أن أرسطو لم يشتط في حكمه، لأن الكوميديا الأتيكية " الأثينية " نشأت أصلا في القرى، واحتفظت لفترة بطابعها المرتبط بالأناشيد الفالية التي كانت مرتبطة بدورها بعبادة ديونيسوس، و ربما تأثر تطور الكوميديا الأثينية في فترة لاحقة بالكوميديا الميجارية أو بالعروض الدورية الصامتة.[3]
مراحل تطور الكوميديا
و يقر أرسطو بأن مراحل تطور الكوميديا غامضة ومجهولة لعد الاهتمام بها منذ البدء، وأن الأرخون Archon لم يؤلف الجوقة الكوميدية في أثينا إلا في وقت متأخر " ربما عام 486 ق.م " و كان أفراد الجوقة من المتطوعين الهواة، ومنذ ذلك الحين اتخذت الكوميديا الشكل الفني الذي وضعه لها الكتاب المسرحيون . هؤلاء الكتاب هم الذين ابتكروا للكوميديا أقنعتها ومقدماتها و العدد الكبير من الممثلين . و أول من صاغ الموضوعات بالكوميديا في البناء الدرامي كان الشاعر الصقلي " إبيخارموس " و الشاعر فورميس " Phormis " ، حيث إن الكوميديا وفدت من صقلية ، و في أثينا كان أول كتابها "كراتيس " Krates " الذي هجر الطابع الهجائي المقذع وارتقي بموضوعات الكوميديا .
من أهم كتاب الكوميديا الذين ظهروا قبل أريستوفانيس:[4]
1- كراتينوس Kratinos ( 520- 423 ق.م ) الذي كتب أحدي وعشرين مسرحية هاجم في معظمها السياسي الشهير بريكليس، ونال الجائزة تسع مرات، انتزع إحداها من أريستوفانيس عام 423 ق.م . كذلك يعزي له فضل تنظيم عدد الممثلين الذين يشتركون في الحوار علي المسرح . و لقد أشار أريستوفانيس بأحد مسرحيتاه وهي مسرحية " الفرسان " إلي أن كراتينوس كان سكيرا فقام بتأليف مسرحية قارورة الخمر Pytine عام 423 ق.م حيث دافع بها عن ضعفه أمام الخمر و قام بنفسه بالتمثيل بها . و نالت هذه المسرحية الجائزة في حين لم يفز بها " أريستوفانيس " عن مسرحية "السحب "التي عرضت بنفس العام .
2-براتيناس Pratinas ( - 496 ق.م ) و يرجع له فضل ابتكار المسرحية الساتيرية . و اهتم باقتباس موضوعاته من الأساطير بعد تحويرها وتطويعها كي تلائم المغزي الكوميدي . و لم يقتصر نشاطه علي تأليف الكوميديا بل آلف كذلك تراجيديا و مجموعة من الأشعار الديثرامبية .
3- فيريكراتيس Pherekrated الذي كان مقلدا لكراتيس، ونال الجائزة مرتين وأحدهم عام 437 ق.م .
4- يوبوليس Eupolis ( 466- 411 ق.م ) الذي كان معاصرا وصديقا لأريستوفانيس بعض الوقت، ثم خصما له فيما بعد، يعد يوبوليس من أفضل كتاب الكوميديا في ذلك الوقت، رغم حياته القصيرة تمكن من كتابة أربع عشرة مسرحية، ونال عنها سبع جوائز، وتظهر لنا الشذرات الباقية من أعماله نقده اللاذع وخياله الخصب في اختيار الموضوعات ومهارته في تركيب الأحداث، وجرأته في الأوزان، وحسن اختياره للألفاظ .
و سبب خلافه مع أريستوفانيس أنه اتهم أريستوفانيس أنه استعان به في نظم شعر مسرحية " الفرسان " لأريستوفانيس ، في حين أن أريستوفانيس قال يوبوليس هو الذي اقتبس مسرحيته " Marikas " من مسرحيته الفرسان .
تعريف الكوميديا
الكوميديا هي محاكاة نقائص الأفراد في مجتمعهم محاكاة تحقق عنصر الفكاهة بقصد طرح تلك النقائص أمام أعين النظارة كي يسخروا منها ويضحكوا ملء أشداقهم علي المتردين فيها، وغاية هذه المحاكاة معالجة مشاكل المجموع التي أصبحت كداء استشري أو كوباء استفحل أمره، وصار لزاما التصدي له . و الشخرية غايتها التغيير ( و هو مرادف التطهير بالتراجيديا ) من خلال المجموع، لأن السخرية هي أولي مراتب الشعور بالغثيان نحو تصرف غير ملائم، تماما كما يعتبر السخط أولي مراحل الثورة، ومثلما يؤدي السخط بمرور الوقت إلي الثورة علي الظلم والاستعباد، كذلك السخرية تؤدي علي المدي الطويل إلي استهجان النقائص ونبذها.[5]
و يعرف أرسطو الكوميديا قائلا :
الكوميديامحاكاة لأشخاص أدني مرتبة لا في كل أنواع الرذيلة ، بل في جزء مشين يحقق عنصر الفكاهة . ذلك أن ما يبعث علي الضحك هو خطأ أو نفيصة لا تبعث علي الألم و لا تجلب التهلكة ، مثل القناع الكوميدي ، فهو قبيح و مشوه لكنه بلا " تعبير عن " الألم أو الحزن |
و من هذا التعريف يتضح أن هدف الكوميديا ليس محاكاة رذائل البشر بوجه عام، بل هو محاكاة نقائص معينة تحقق عنصر الفكاهة، فثمة رذائل تنحدر إلي مرتبة الشرور وتلك لا يمكن أن تبعث عند محاكاتها علي مجرد الابتسام . و علي كاتب الكوميديا أن يعرف بموهبته ما هي النقائص التي تحقق عنصر الفكاهة، فلكي يتم الإضحاك ينبغي أن يشعر المشاهد بأن ما يراه من نقائص سببه الغفلة وقلة التبصر والجهل و ضعف الإرادة، وينبغي أن يدرك أن الشخصيات الكوميدية أدني مرتبة لا لنقص منزلتها بل لنقص إمكاناتها، ولغياب إرادتها.[7]
إن الفكاهة لا تتحقق إلا إذا دارت الأحداث نقيض ما هو يتوقع منها . و إلا إذا تبلورت المواقف ضد طبيعة الأمور، وضد ما هو متعارف عليه . و النقائص ليست في مجموعها مما يسبب الضحك، لأن ثمة نقائص ناتجة عن شر متعمد وسوء قصد ورغبة في الإيذاء، أما النقائص التي تهم الكوميديا فهي الناتجة عن خلط الأمور وقلب للأوضاع السليمة وتخبط في التصرفات . و يقول أرسطو :
ما يبعث علي الضحك هو النقيصة التي لا تسبب الألم |
فليس هدف الكوميديا أن تتناول مشاكل جادة كالتراجيديا أو أفعالا تهز الوجدان هزا، وتغير مصائر الأمور، بل غايتها عرض نقائص الأشخاص التي انحدروا إليها لغياب إرادتهم عنهم بطريقة تجعل من هذه النقائص موضعا للضحك منها . أن الكوميديا تستهدف استنهاض الهمم المتقاعسة عن طريق الضحكة والبسمة الهادئة .[8][9]
أنواع الكوميديا وعصورها
بدأت عروض الكوميديا القديمة رسميا في أثينا حوالي عام 486 ق.م وأن أوائل كتابها اهتموا في المقام الأول بالسياسة موضوعا لمسرحياتهم، بحيث كانوا يستطيعون عن طريق المسرح نقد رجال السياسة منالديماجوجيين ومهاجمة أصحاب الفكر الجديد من السوفسطائيين . و قلما خلت مسرحية من الهجاء والنقد اللاذع والقذف و الهجوم المقذع، وكلها صفات كانت تتسم بها الكوميديا في عصرها الأول، باستثناء الكاتب المعتدل "كراتيس" الذي خلت مسرحياته من النقد العنيف فإن كل الكتاب كانوا علي حد سواء في هذه الخاصية : فمن ناجية ساعدته طبيعة الحياة الديمقراطية علي تشديد الهجوم علي تجار السياسة و محترفي الحروب ، و ناحية أخرى زاد من حدتهم أن مجتمعهم الأثيني كان يسير نحو التدهور بخطي سريعة في حين لا تفعل قيادته السباسية شيئا سوى التعجيل به نحو هذا التدهور.[10]
و تنقسم الكوميديا الإغريقية من حيث عصورها ألي ثلاث مراحل:[11]
الكوميديا القديمة[12]
اعتمدت موضوعات الكوميديا القديمة علي البعد السياسي الاحتماعي بالمقام الأول، وبدأ عصر ازدهارها منذ عام 486 تقريبا حتي حوالي 400 ق.م . اتخذت المسابقات ما بين الكتاب بأعياد اللينايا والديونيسيا الكبري مكانة كبيرة واعتادوا التنافس بها، وتقوم المنافسة علي تقدم خمسة شعراء كل منهم بمسرحية كوميدية واحدة . و كانت الكوميديا القديمة تتميز بوجه عام بأنها ذات نهاية سعيدة، وبأن بناءها يقوم علي الموضوع السياسي العام، وبأن الضحك يعتمد علي الفكتهة اللاذعة .
من أهم كتاب الكوميديا القديمة أريستوفانيس (445-385ق.م)و كان من طبقة ملال الأراضي في أثينا ، و كان يمتلك مزرعة في جزيرة أيجينا القريبة من أثينا ، و أحس مع طبقته بالتدهور السريع الذي أصاب أثينا بعد الحروب البيلوبونيسية ( التي دارت بين أثينا من جانب و أسبرطة من جانب آخر ) بالضربات القاصمة التي حلت بها من جراء تخبط الزعماء الجدد الذين تولوا وقتئذ حكمها وعرفوا بالدهماويين . لقد رغب أريستوفانيس مع طبقته في إبعاد الظروف التي أدت إلي التدهور، لذا هاجم الأفكار الفلسفية السوفسطائية الجديدة التي أدت في رأيه إلي زوال النظام الديمقراطي، كما رغب بعودة العصر السابق الذي حققت فيه أثينا النصر علي الفرس بفضل نظامها السياسي المتين، وبنيتها الاجتماعي المتماسك . و هذا ما يفسر السبب الذي من أجله اعتبر الباحثون من المحدثين أريستوفانيس محافظا وذلك لانتمائه إلي طبقة الملاك ولنفوره من الفكر الجديد سواء في مجال السياسة أو مجال الأدب وظنوا أن كرهه للحرب يرجعوه للخسارة المادية التي تلحق بطبقة ملاك الأراضي .
سمات أريستوفاتيس
لقد كان أريستوفانيس محبا للسلام معاديا للحرب بسبب ما تجره من شرور ووبال، ولذا صب جام غضبه علي الديماجوجيين الذين يخدعون الجماهير بمعسول الكلام، ويمنونهم بالأماني والوعود، وعلي العسكريين الذين يستفيدون من الحروب و يحرضون علي خوضها، ويزينون للناس قيامها بأنه خلاص وإنقاذ، وهو في الحقيقة دمار وخسارة . و كان هجاؤه منصبا بوجه خاص علي كليون وهو أحدأخطر الساسة في نظره وأكثرهم انحرافا . و قد وصف السوفسطائيين بأنهم مفسدي الفكر اليوناني ومزيفين للحقائق ومروجين للأباطيل.[13]
تأثير أريستوفانيس بالكوميديا
ابتكر أريستوفانيس لغة كوميدية خاصة به من الكلمات ذات المعاني المزدوجة والإيحاءات الخاصة والألفاظ المصكوكة والمركبة تركيبا عجيبا، كذلك تميزت أشعاره بالرصانة والإبداع و الخيال، وكان حواره طبيعيا يتميز بالحيوية في حين كانت نكاته غليظة وجريئة بغض النظر عن كونها غير شهوانية .
يعد أريستوفانيس من أبرع الكتاب في التندر أو الاقتباس الساخر وخاصة فيما اقتبسه من أشعار يوربيديس : فأحيانا كان ينقل عنه بيت ويغير به كلمة واحدة، وأحيانا يغير ترتيب بيت بحيث يغير معناه بالكامل، وأحيانا يقتبس مشهدا تراجيديا و يغيره ليصبح كوميديا.[14]
الكوميديا الوسطي [15]
بدأت في الانتشار عام 400 ق.م، واتجهت إلي السخرية من الأساطير و التهكم علي الأعمال الفلسفية والأدبية . إلي جانب تهكمها علي السلوك الإنساني الهابط ولا مجال هنا للنكات الصاخبة التي كانت سمة للكوميديا القديمة ولا للنقد السياسي، بل الفكاهة هنا معتمدة علي السلوك الاجتماعي وانحرافاته، لذلك فهي فكاهة هادئة تدعو للبسمة ولا للقهقهة.[14]
و يمكن اعتبار مسرحية " بلوتوس " لأريستوفانيس من الكوميديا الوسطي حيث انه من الناحية الفنية امتازت الكوميديا الوسطي ب قلة نسبة أناشيد الجوقة ولأن فواصلها الغنائية لا ترتبط كثيرا بموضوع المسرحية، ولأن موضوعها ابتعد عن السياسة واقترب من الأساطير .
و من كتاب هذه المرحلة : أنتبفانيس، أليكسيس، وإبيكراتيس .
الكوميديا الحديثة
بدأت بالانتشار من عام 336 ق.م تقريبا، استمدت موضوعاتها من الحياة الاجتماعية المعاصرة، اتسمت شخصياتها بالنمطية وأنها لا تمت للواقع المعاش بصلة إلا لماما . و لقد حلت الفكاهة في هذا النوع محل النكات اللاذعة التي كانت سمة للكوميديا القديمة، وأضحي الحب الرومانسي موضوعا سائدا في مسرحيات كتاب هذا النوع . كذلك لم يعد للجوقة مجال أو وجود إ لا أذ اعتبرت جماعة الراقصيين والموسيقيين من الجوقة.[16]
لقد كان النمط الأخلاقي الذي تصوره الكوميديا الحديثة هابطا خاصة وأنها غضت الطرف عن الخطف و الاغتصاب و قبلتهما كأمر واقع، و يرجع ذلك إلي أن القيم الاجتماعية السامية انحطت في عصرها . و وقفت أثينا بعد تدهور الحضارة الإغريقية فريسة للسيطرة المقدونية .
تختلف الكوميديا الحديثة -خصوصا لدي مناندروس- عن الكوميديا القديمة في الاتجاه و الموضوع، كذلك في الإطار و الأسلوب : ففي اللغة كانت تميل للبساطة حتي لتكاد تشبه النثر أو لغة الحديث اليومي، كما قل بها العنصر الغنائي إلي أدني حد، و اضمحل دور الجوقة حتي كادت لا تشترك بالحوار، كذلك اختفت أجزاء من المكونات مثل " المشهد الجدلي " و " خطاب الجوقة " تدريجيا، و أصبحت مقسمة إلي ما يشبه الفصول التي تتحدد بدايتها و نهايتها بفواصل غنائية راقصة، و لم تعد الكوميديا أو ما تبقي منها في الكوميديا الحديثة تتخذ لنفسها هيئة الطيور أو الحيوانات مثل الكوميديا القديمة، كما اختلفت أقنعتها و تنوعت من أجل الشخصية النمطية التي كانت سمة مميزة للكوميديا الحديثة .
كتاب الكوميديا الحديثة[17]
من أهم كتاب الكوميدي الحديثة " فيليمون | Philemon" (361 - 263 ق.م ) و كان مواطنا من سولي في كيليكيا بآسيا الصغري، و ربما كان من سيراكوساي بصقلية ، ثم وفد إلي أثينا في طفولته، و لم يتبقَ لنا من إنتاجه شئ رغم أن" بلاوتوس " الكاتب الكوميدي الرماني اقتبس من اعماله الكثير .
كذلك هناك " ديفيلوس | Diphilos " الذي كان من سينوبي علي البحر الأسود ، و لا نملك من أعماله التي بلغت المائة شيئا رغم أن تيرنتيوس و بلاوتوس قد اقتبسا قدرا كبيرا من أعماله .
و من أهم كتاب هذه المرحلة كان " مناندروس " الذي ولد في أثينا من أب ثري يدعي ديوبيثيس، و كان عمه أليكسيس من كتاب الكوميديا الوسطي المشهورين . تتلمذ مناندروس علي يد ثيوفراستوس تلميذ أرسطو و خليفته، و كان صديقا للفيلسوف أبيقور .
تميز مناندروس بالواقعية في رسم الشخصيات، و ينفرد بالموضوع المستمد من الواقع المحلي لأثينا في القرن الرابع قبل الميلاد و يتفوق في الحوار و الحبكة المسرحية . و لقد شغف مناندروس علي الدوام بموضوع واحد فقط و هو مجتمعه المتدهور، و كان أبطاله من اللقطاء، و مسرحياته تدور حول الاغتصاب و تنتهي بالزواج بعد التعرف علي حقيقة العلاقة التي تربط بين الشخصيات . و أدرك مناندروس أن اللقطاء كشخصيات تتيح له فرصة تتويج بنائه الدرامي بالكتشاف و التحول .
لقد عبر مناندروس بصدق عن فكر إغريق ذلك العصر و رسم بمسرحياته صورة واقعية لمجتمعه المتدهور الغارق في اللذات الحسية بعد أن فقد ثقته بآلهته القديمة .
أجزاء الكوميديا
المقدمة[18]
يتم بها التمهيد لأحداث المسرحية، و كذلك لما يدور فيها من مواقف، ففي مسرحية " السحب " لأريستوفانيس علي سبيل المثال ، تبدأ المسرحية بالأب " ستربسياديس " و هو يحدث ابنه المستهتر " فيديبيديس " عن الحالة السيئة التي صار عليها و عن الديون التي اغرق نفسه بها . كذلك بمسرحية " الضفادع " نري الإله " ديونيسوس " يزود البطل هيراكليس كي يدله هيراكليس علي أقصر الطرق المؤدية إلي العالم السفلي " هاديس " و يلي هذا ذهابهم معا إلي العالم السفلي و يعقب هذا حوار عن السبب علي لسان الشخصيات بحيث يتمكن المشاهد من إدراك كنه أحداث المسرحية المرتقبة دون عناء .
أغنية الجوقة[19]
في هذا الجزء يتم دخول الجوقة إلي خشبة المسرح لأول مرة : ففي مسرحية " السحب " يتم دخول الجوقة علي هيئة سحب عقب المقدمة " البرولوج " و بعد الحديث الذي دار بين ستربسياديس و سقراط . و في مسرحية " الضفادع " تدخل الجوقة المكونة من الضفادع كي تستقبل ديونيسوس و هيراكليس ، ثم تبدأ في السخرية منهما أثناء تجديفهما ، و كذلك تغني أناشيدها حتي يصلا إلي العالم السفلي . و تتميز أغنية الجوقة بالمعاني الجميلة و الشعر الرقيق بحيث كان هذا بالإضافة إلي رقصها و ملابسها الجميلة يجعل من هذا الجزء لوحة فنية بالغة الروعة .
المشهد الجدلي[20]
يتم به مشادة كلامية بين شخصيتين من شخصيات المسرحية ، تضمر كل منهما للأخرى عداء أو خصومة . و تتميز لغة هذا الجزء بالقدرة علي الدحض و التفنيد . و كمثال علي المشهد الجدلي نجد مسرحية " الضفادع " حيث يتباري كل من الشاعرين " أسخيلوس " و " يوربيديس " للفوز بعرش التراجيديا ، و بالتالي الفوز بالحياة مرة أخرى ، و كان الإله ديونيسوس يقوم بدور الحكم بين الشاعرين .
و بمسرحية " السحب " نجد المشهد الجدلي قائم ما بين " منطق الحق " و " منطق الباطل " ، اللذان تجسدا داخل مسرحية سقراط من أجل استمالة الشاب " فيديبيديس " الذي جاء للالتحاق بالمدرسة .
خطاب الجوقة[21]
بهذا الجزء تتوجه بالخطاب إلي الجمهور من النظارة ، يبدأ بمقطوعة في التفعيل السريع " و هو في الأصل يعود للخطوة العسكرية " المارش " . تتبعها جملة طويلة كان من المحتم أن تلقي في نفس Pnigos واحد ، ثم أنشودة " Ode " تبتهل فيها الجوقة إلي الآلهة ، تتلوها مقطوعة هجائية " Epirrhema " عن الأحوال السائدة وقت عرض المسرحية ، و تأتي بعد المقطوعة أنشودة مضادة " antode " للأنشودة الأولي ، ثم مقطوعة هجائية مضادة للمقطوعة الأولي . و كان خطاب الجوقة بعيدا عن موضوع المسرحية و سياق الأحداث الجارية فيها ، كما أن مضمونه لا يمت بصلة إلي الفكرة الأساسية ، و لا يربط بين أحداث المسرحية بقدر ما يفصل بينها .
يري الباحثون أن وجود هذا الخطاب في المسرحية الكوميدية يعود أساسا إلي أن نشأتها ارتبطت بالنشيد الماجن "Komos " أو علي الأصح بنوع خاص منه بعد تعديله ، و أنه أنه تبعا لترتيب أجزاء ذلك النشيد أصبحت أجزاء الكوميديا تتتابع بحيث تبدأ بالمدخل ثم المشهد الجدلي ثم خطاب الجوقة .
المشهد التمثيلي[22]
بالمسرحية الكوميدية عدة مشاهد تمثيلية ، تفصل بينهم أغاني الجوقة . و هناك ثلاث شخصيات التي تقوم بالأدوار الرئيسية أما القائمون بالأدوار الفرعية فكانوا كثيرين ، و لم تكن ثمة نسبة محددة يتبعها الكاتب أو يحدد من خلالها العدد .
الخاتمة[23]
و هو المشهد الختامي بالمسرحية و التي عادة كانت تنتهي عادة بوليمة أو حفل زواج بهيج أو حفل شراب و سمر ، و لكن لم تكن تلك القاعدة دائما . فمسرحية " السحب " تنتهي بإحراق الأب ستربسياديس لمدرسة سقراط ، و مسرحية " الفرسان " تنتهي بفوز بائع " السجق " علي تاجر الجلود " الدباغ " كليون و هي نهاية ساخرة بها رمزية و إيحاء . و في مسرحية " النساء في ظاعياد الثيسموفوريا " تنتهي الأحداث بهرب الشاعر يوربيديس و زميله من سجن النساء . بينما تنتهي مسرحية الضفادع بتعليق الجوقة علي اختيار ديونيسوس للكاتب المسرحي أسخيلوس و تفضيله إياه علي يوربيديس . أما مسرحية " الزنابير " فتنتهي برقصة صاخبة ماجنة تسمي رقصة السكاري حيث تؤديها جوقة المسرحية المكونة من الشيوخ العابثين .
موضوع الكوميديا
كما انقسمت الكوميديا لمراحل ، اتسمت كل مرحلة بموضوعاتها
موضوعات الكوميدياالقديمة[24]
فالكوميديا القديمة اعتمدت في موضوعاتها علي أسطورة خيالية أو فكرة بسيطة أو قصة مسلية ، و مع اختلاف الموضوع تغلف بالعادة بالهجاء اللاذع و النقد الساخر لأحداث المجتمع و نقائصه ، و لم يكن الكتاب يكفون قط عن استهجان تلك النقائص مهما سبق له نقدها في مسرحياته السابقة.
يمكن اطلاق اسم " الكوميديا الأريستوفانية علي الكوميديا القديمة نسبة إلي أريستوفانيس، و تناولت موضوعات لها أنماطا من العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في أثينا في ذلك العصر .
فمنها ما يتعرض لقضية التربية كمسرحية " السحب " التي تتناول بالنقد المذاهب العقلية الجديدة لخطورتها علي التراث الاجتماعي المسقر ، و علي الأخلاق و التربية الأسرية . و كذلك مسرحية " الزنابير " التي تدور حول علاقة الأب بابنه و حول اختلاف فكر الشبان عن فكر الشيوخ : فالأب العجوز قاس و صعب المعاشرة محب للتردد علي المحاكم ، و غبي يثق بالدهماويين تجار السياسة ، في حين أن الأبن متعقل ذو بصيرة ، يري في أبيه شيخا لا هم له إلا الاحتجاج و المعارضة دون وجه حق ، فيحاول من جانبه ترويضه و كبح جماحه تدريجيا .
و هناك مسرحيات أخرى تدور حول النقد الأدبي مثل مسرحية " الضفادع " التي تتم فيها مساجلة أدبية ما بين شاعرين كبيرين من شعراء التراجيديا و هما " أيسخيلوس و يوربيديس " ، حول الفن الدرامي و غايته الخلقية ، و تطرح المساجلة سؤالا هاما و هو " أيهما أهم للمجتمع : الفنان صاحب الرسالة الفكرية أم الفنان المبدع دون حرص علي الغاية الأخلاقية ؟ " . و هو تساؤل ما زال مطروحا بالساحة الفكرية و الأدبية حتي اللحظة .
أما مسرحية " النساء في أعياد الثيسموفوريا " و هي عبارة عن اقتباس ساخر لمواقف درامية اشتهر بها الكاتب التراجيدي " يوربيدس " ، و يقدم بها الكاتب نقدا ليوربيدس لجرأته في عرض موضوعات تنشر الإثم و تزينه بدلا من أن تدينه .
و هناك مسرحيات تتناول موضوعات أخرى مثل موضوع " الحرب و السلام " ، كمسرحية " أهل أخارناي " و التي تصور ما فعلته الحرب بالمواطنين من تخريب للأرض ، و تقتير في الرزق ، بحيث أصبح السلام هو المطلب الأساسي للشعب ، و رغم ذلك فهناك إصرار من دعاة الحرب علي خوض المعارك الطاحنة التي يساق إليها الشعب دون ذنب أو جريرة .
كذلك مسرحية " السلام " التي تصور حال بلاد الإغريق بعد أن أتت الحرب علي الأخضر و اليابس ، مما دعا أحد الأثنيين إلي الصعود إلي السماء كي يخلص ربة السلام ، و يعود بها إلي الأرض من أجل أن يستتب الأمن ، و تسود الطمأنينة ، و تختفي الحرب الضروس إلي غير رجعة .
إيضا مسرحية " برلمان النساء " التي تقوم فيها الزوجات الأثينيات بالاستيلاء علي السلطة و مقاليد الأمور بعد أن يئسن من نجاح الرجال في إيقاف الحروب المستمرة ، ثم يقمن بوضع اسس اجتماعية جديدة تريح كاهل المواطنين و تعيد إليهم الأمن و الرخاء ، بعد أن عانوا كثيرا من ويلات الحروب .
إلي جانب وجود مسرحيات يلعب الخيال بها دورا كبيرا مثل مسرحية " الطيور " التي تحكي قصة رجلين سئما الحياةفي أثينا ، و عافا أن يظلا في معاناة لأحوالها المتدهورة ، فيقرران الهجرة إلي عالم الطيور، و يبنيان بمساعدة الطيور مملكة بين الأرض و السماء ، بحيث يقدر لها أن تسيطر علي الأرباب ، و تتحكم في مصائر البشر في آن واحد .
كذلك مسرحية " بلوتوس " التي تصور حال إله الثروة الذي سميت المسرحية باسمه بعد أن أعماه زيوس ، رغبة منه في عقاب البشر ، كي لا يتمكن الأول من إعطاء الثروة لمن يستحقها ، فنتج عن ذلك أن أصبح الأوغاد أثرياء و الشرفاء فقراء . و يتخيل الكاتب في مسرحية " برلمان النساء " حكومة كلها من النساء ، تشرع القوانين المبتكرة و تنجح فيما فشل فيه الرجال من قبلهم ، و تقيم نظاما للحياة الجماعية تصبح فيه الثروة علي المشاع ، و الطعام شركة بين الجميع ، حتي الزواج يصير جماعيا بحيث أن المرأة التي لا بعل لها من حقها أن تختار لها زوجا لمدة معينة بأمر القانون ، و كذلك التي لا طفل لها من حقها أت تتخذ ابنا لها من بين الأطفال و تقوم بتربيته .
من أوجه النقد للمجتمع توجهت الكوميديا بنقد رجال السياسة الدهمانيون كمسرحية " الفرسان " التي تهاجم بشدة الزعيم الديماجوجي " كليون " ، رغم أنه بهذها الوقت في عز سطوته و أوج قوته ، و التي تظهر بصورة رمزية كتاجر جلود يقوم بدبغها و بيعها ، لكن بائع السجق يتفوق عليه في الصفقة و سلاطة اللسان .
كذلك لم يقف النقد لدي الساسة فحسب بل وصل للأدباء و رجال الفكر ، ففي " النساء في أعياد الثيسموفوريا " نجد تهكما علي يوربيديس الذي عزمت النساء علي قتله ، لأنه اجترأ علي تصويرهن في مسرحياته بصورة تفضح مكنون أنفسهن ، ثم يلجأ الشاعر إلي زميل له كي يتنكر في زي امرأة ، و يحضر احتفالات النساء كي يدافع عنه .
كذلك بمسرحية الضفادع فيسخر أريستوفانيس من يوربيديس لأنه أفقد التراجيديا جلالها القديم ، و جردها من سموها الأخلاقي . أما مسرحية السحب تتناول بالنقد و الهجوم الفيلسوف " سقراط " و تصوره تصويرا ساخرا متهمة إياه بالشعوذة و غرابة الأطوار .
كذلك حظيت طائفة النساء بحظ وافر بالتصوير بالأعمال المسرحية سواء بشكل إيجابي أو سلبي فتم تمثيلها بثلاث مسرحيات مثل " ليسستراتي " التي تصور النساء و قد عزمن علي التحرك من أجل فرض رغباتهن علي الرجال بالقوة بعد أن فشل هؤلاء في إقرار السلام ، و مسرحية " برلمان النساء " التي توضح ماذا يمكن أن يحدث للمجتمع لو قامت به حكومة من النساء . و أخيرا بمسرحية " النساء في أعياد الثيسموفوريا " التي تصور المجتمع النسائي المغلق و ما يحدث فيه و كيف يفكر أفراده من النساء .
موضوعات الكوميديا الحديثة [25]
اتسمت موضوعات الكوميديا الحديثة أو كما تسمي " الكوميديا المناندرية " نسبة إلي رائدها و ممثلها الأوحد مناندروس " . حيث قام مناندروس بلعب جميع الأدوار "النساء و الرجال " ، فبهذا الوقت اصبح المجتمع متشددا أكثر من عصر " أريستوفانيس " فلم يعد مسموحا للفتيات الظهور و لا بالزواج إلا من الشخص الذي يرتضيه الأب ، و لم يكن من المسموح رؤية هذا الشخص قبل الزواج ، و اصبح المجتمع منغلق أكثر و أصبح هناك سياج فولاذي يحيط بالأبناء في حين يقدم الآباء علي الملذات في الخفاء مع المحظيات و العاهرات ، مما دفع الاباء بعد ذلك لسلك نفس طريق الآباء مع أبنائهم بعد ذلك . و انتشرت تجارة النخاسة و الرقيق .
في ظل هذا المجتمع و ظروفه المتدهورة كان علي الكوميديا المناندرية أن تمسك بعصا سحرية علها تصل لطريق تحول به علاقات لا يقرها المجتمع ، و يعتبرها غير شرعية ، إلي علاقات مشروعة لا غبار عليها . و كانت وسيلة الكوميديا المناندرية في هذا هي "الكشف " عن حقيقة مولد اللقطاء أو ذوي النسب المجهول ، بحيث يتم هذا عن طريق العبيد الذين أشرفوا علي تربيتهم و هم أطفال قبل إلقائهم في العراء ، أو بيعهم في أسواق النخاسة ، و عن طريق الأمهات اللائي تخلصن من فلذات أكبادهن خوفا من العار ، و لكنهن يتعرفن عليهم بعد فترة من الزمن بعلامات مميزة في أجساهم أو بحلي كانوا يرتدونها . و بهذا التعرف -في رأي الكوميديا الحديثة- تصبح الزيجات بين الشبان الأثرياء و اللقيطات شيئا ممكنا ، لأن التعرف جعل من اللقيط ابنا لأسرة معروفة و أظهر حقيقة نسبه .
إن النهاية السعيدة التي كان مناندروس ينهي بها مسرحياته ، و التي كانت تتمثل في زواج الشاب بالفتاة التي يحبها بعد التعرف علي حقيقة مولد من كان لقيطا منهما، كانت نهاية ذات مغزى و ليست عرفا كوميديا ، حيث أن النهاية السعيدة كانت موجودة بوجه عام بالكوميديا الإغريقية و يمكن تفسيرها بأنها تمثل انتصار الإرادة الإنسانية علي الضعف و التدهور ، و بأنها يشير بعودة العلاقات الطبيعية السوية إلي الأفراد و إلي صفوف المجتمع.
البناء الدرامي[26]
لابد أن يسمح البناء الدرامي للكاتب من تكوين أطار عام رابط بين المشاهد و بعضها ، كذلك بإظهار العلاقات المتشابكة بين الشخصيات ، و من ثم الوصول إلي الذروة التي تختلط فيها الأمور ، و يحدث عدم الفهم ، فيأتي الحل في النهاية عكسيا ، و لكنه يكون محتملا في الغالب .
و لابد أن تتسم المسرحية الكوميدية ببساطة الحبكة و البناء ، بمعني أن تقلل قدر الإمكان من عدد الشخصيات ، و تتقن رسمها ، و أن تتحاشي الأحداث غير المحتملة و المقحمة علي السياق الرئيسي .
اتسمت الكوميديا القديمة بغلبة القصة علي البناء الدرامي ، فلا وجود بالكوميديا للبناء الدرامي بشكل كامل بل كان عبارة عن تخطيطا يضم عدة مواقف مرتبطة بطريقة ماهرة و بسيطة . و لا وجود لخط درامي متصاعد بل هو خط متموج ما بين الصعود و الهبوط حسب الموقف الدرامي ، و كان هناك عدة ذروات درامية و كذلك عدة حلول و لم تكن الكوميديا تحوي علي عقدة تتبلور عندها الأحداث و يتحتم بعدها كشف الأمور بل كانت المواقف فيها تصل إلي مرحلة التأزم بحيث يأتي حلها فكاهيا بعيدا عما يتوقعه المشاهد .
اشتمل بناء الكوميديا الدرامي علي فكرة رئيسية تمهد لها الأحداث من أجل من خلق مواقف فكاهية ، و كانت هذه الفكرة من البساطة بحيث يمكن تلخيصها في عدة سطور ، و كان شائعا بالنسبة للكوميديا القديمة حيث أن معظم مسرحيات أريستوفانيس يمكن سردفكرتها الرئيسية في سطور قليلة . و الحق أن الفكرة الرئيسية هي لب المشكلة ، و هي أصعب ما في التأليف الكوميدي .
إن كاتب الكوميديا يبحث في المقام الأول عن الفكرة المبتكرة ، و يقوم بعد ذلك بتصميم مواقفها ، و كانت الفكرة الأساسية هي المحور الذي تدور حوله كل الأحداث ، و تتوالي من أجله كل المشاهد بتتابع سريع أو بطئ ، و كانت هذه الفكرة تتخذ شكلا تخطيطيا في تصميمها ، و الهدف منه خلق مواقف كوميدية حافلة بالمفارقات .
تتكون الفكرة الرئيسية من عدة مشاهد جدلية ، حيث تتصادم شخصيتان متناقضتان ، كل منهما تتخذ موقفا مضادا من الأخرى ، و عند تصادم الشخصيتين كانت الجوقة تنحاز لها لإثارته علي خصمه و تشجيعه علي الهجوم عليه بشتي السبل .
البناء الدرامي بالكوميديا القديمة
اتسم البناء الدرامي بالكوميديا القديمة بالبساطة و يقوم علي أساس موضوع مأخوذ من الحياة العامة و الواقع الاجتماعي ، و يعتمد علي المشاهد الجدلية التي تحقق عنصر الفكاهة .
البناء الدرامي بالكوميديا الحديثة
أما بالكوميديا الحديثة " المناندرية " فكان البناء الدرامي لا يعتمد علي الموضوع ذي الفكرة الرئيسية ، بل علي الشخصية ذاتها ، و علي ما تخلقه من تناقض بتصرفاتها ، يؤدي إلي الإضحاك علي مواقف اجتماعية متضاربة . و لم تكن الكوميديا المناندرية تعتمد فقط في بنائها الدرامي علي التناقض في تصرفات الشخصية ، بل كانت تعتمد كذلك علي المشاهد التمثيلية التي يضع الكاتب تصميمها للتنويع و التفريغ في موضوع مسرحيته ، بحيث تتيح له أن يظهر للمشاهد شخصيات نمطية فكاهية مثل شخصية الطفيلي أو المتفاخر أو العبد الماكر و غيرها .
برع مناندروس في رسم شخصياته بسرعة و مهارة ، و نجح في الوقت ذاته في خلق الارتباط بين كل شخصية و الشخصيات الأخرى بطريقة محكمة و متقنة ، بحيث تبدو العلاقة القائمة بين الشخصيات علاقة طبيعية . و كان موقفا إيضا في إظهار التناقض بين فعل كل شخصية و الشخصية المقابلة لها : الصفاقة مثلا في مقابل الأدب الجم ، السذاجة في مقابل المكر و الدهاء .
الأساس إذا في بناء الكوميديا الحديثة دراميا هو الشخصية إلي جانب حبكة المكيدة ، في حين تقوم الكوميدياالقديمة علي الموضوع .
الشخصيات
الشخصيات بالكوميديا القديمة[27]
كانت شخصيات الكوميديا القديمة مجرد تفسير رمزي للفكرة الكوميدية و لم تكن لها أبعاد أو أعماق فمثلا بمسرحية " الفرسان " نجد شخصية " ديموس " ترمز للشعب لهذا صورها أريستوفانيس علي أنها رجل عجوز ساذج غر ، يتلاعب به العبيد الأشرار الذين يرمزون لرجال السياسة ، و أن شخصية " بلوتوس " بالمسرحية التي تحمل نفس الاسم ، و كانت ترمز للثروة و صورها أريستوفانيس علي أنه شيخ أعمي لا يعرف كيف يهب المال لمن يستحقه . أما شخصية " ديكايوبوليس " بمسرحية " أهل أخارناي " ترمز إلي المواطن العادل ، لذلك صورها الكاتب بمواطن عادل ذي نظرة حصيفة ، يسعي للسلام تجنبنا الحرب و ويلاتها .
كذلك هناك شخصيات عامة مستمدة من الحياة ، و لكنها تجسد خلقا احتماعيا سائدا ، مثل شخصية " ستربسياديس " بمسرحية السحب التي تجسد الغباء الريفي المختلط بالمكر و القحة في بعض الأحيان ، و شخصية " بافلاجون " بمسرحية الفرسان التي تجسد أللاعيب الدهماويين من رجال السياسة خصوصا ألا عيب الديماجوجي كليون .
الشخصيات بالكوميديا الحديثة[28]
شخصياتها عادة نمطية و هي تجسيد لأنماط من العلاقات الاجتماعية ، و هي تقدم نموذج مبالغ به في رسمها لأفراد المجتمع مثل " العجوز المشاكس ، العبد الماكر ، الأكول الشره ، البخيل و المتفاخر و الطفيلي ، المتملقي و الانتهازي " و تتكرر هذه الشخصيات بنفس الصورة و نفس المواصفات في كل مسرحية .
كذلك لم يكن جميع المشاهدين علي علم أو معرفة بهذه الشخصيات في حاتهم العامة أو من خلال تجاربهم الحياتية السابقة ، بل كانوا يتعرفون عليهم من خلال العرض المسرحي نفسه ، لهذا فإذ اتقن المؤلف رسم الشخصيات بمهارة و إتقان مبينا صفاتهم الشيئة و مظهرا تخبطها في التصرفات التي تنحدر إليها فإن الشماهدين سيسخرون من تلك النقائص و يحاولون تجنبها مستقبلا بعد أن يضحكوا علي من قاموا بها ، و لكن إذا لجأ المؤلف للتهويل و المبالغة في رسم الشخصية يمكن أن يحدث ذلك أثرا عكسيا لدي المشاهدين و بدلا من أدانتهم لسلوكهم الهابط يولد لديهم اعجاب خفي بالشخصية ، و هذا لا يتفق و مغزي الكوميديا .
دور الجوقة [29]
كان عدد أفراد الجوقة بالكوميديا 24 فردا ، نصفهم من الرجال و نصفهم الآخر من النساء ، و النساء بالمسرح الإغريقي كان يقوم بأدوارهم " الرجال " سواء بالتراجيديا أو الكوميديا ، و كانوا يرتدون ملابس تظهرهم أحيانا في صورة غير أدمية " كالطيور ، الضفادع ، السحب " كذلك كانوا يقومون بالرقص إلي جانب الغناء و كانت الرقصة الشائعة في الكوميديا هي رقصة السكارى .
موقف الجوقة بالكوميديا
يختلف دور الجوقة في الكوميديا عن التراجيديا ، فالجوقة في الكوميديا أكثر تنوعا في دورها و أكثر جراءة في موقفها ، و لم يكن الأمر مقتصرا علي غنائها للأناشيد ، بل كانت حركة أفرادها تكثر و تتنوع ، و حديثهم يطول و يتشعب ، و إن كانت الفواصل الغنائية في الكوميديا تبدو من الوهلة الأولي أقل ترتيبا و أقصر طولا من مثيلتها بالتراجيديا .
مواقف الضحك و فلسفته [30]
أن الضحك ينبعث إما من اللفظ و إما من الموقف و ينقسم الضحك المنبعث من اللفظ إلي سبعة أقسام و هما كالأتي
1- من التشابه
أي بواسطة الألفاظ المتشابهة في نطقها ، و لكنها مع ذلك تعبر عن معان تبعث علي الضحك . مثل : الثرى و تعني الرماد و الثري و هو الغني .
2- من الترادف
أي بواسطة لفظين مختلفين لهما مدلول واحد ، أو يعبران عن معني واحد . مثل : النور و الضياء ، الناس و البشر ، العقل و اللب .
3- من الثرثرة الحمقاء
أي بواسطة التكرار الممل لعدد من الكلمات أو الجمل المتراصة و المتتابعة .
4- من التلاعب بالألفاظ
سواء عن طريق الزيادة أو النقصان ، مثل التلاعب بالألفاظ ، نجد أريستوفانيس في مسرحية " برلمان النساء " يطلق اسما طوله سبعة ابيات علي أحد أصناف الطعام في الوليمة الجماعية التي دعيت إلي حضورها الجوقة في ختام المسرحية .
أما المثال علي التلاعب بالألفاظ عن طريق النقصان فنجد بمسرحية " الضفادع " لنفس الكاتب ، حيث يترتب علي حذف حرف ال " A " من كلمة "Galena " و تعني الهدوء لتصبح " Galen" و تعني الهرة ، مما يؤدي إلي قلب المعني الجاد إلي معني فكاهي .
5- من التصغير
إي بواسطة استخدام صيغة التصغير من اللفظ ، مثال مسرحية " السحب " لأريستوفانيس ، و ذكره لاسم " سقراط " و تصغيره ليصبح " Sokratidion " إي " سقراطي أو سقراط الصغير " و يكررها الأب ستريسياديس و ينادي بها الفيلسوف مرارا في سذاجة تثير الضحك .
6- من قلب الألفاظ
سواء بالصوت أو بالإيماء " أي التعبير عن معني اللفظ بالحركة و الإشارة " ، و سنجد هذا في مسرحية " الضفادع " في وصف الإله " بان " رب القطعان و الرعاة بالصفة " Kerobatas " و التي تعني السائر فوق قمم التلال ، أو ذا الأقدام المقرونة " الحوافر " ، لكنها قلبت في المسرحية عن طريق الإيماء لتعني ذا القرون .
7- من شكل الكلمة
أي باستخدام أساليب لغوية مضحكة ، سواء من النحو أو من تركيب الكلام .
أما الضحك المنبعث من الموقف فينقسم إلي ثمانية أقسام و هي :
1- من التماثل
سواء مماثلة الأحسن بالأسوأ أو الأسوأ بالأحسن " أي العكس " ، مثال ذلك مماثلة كليون الزعيم الديماجوجي بالخنفساء ، أو مماثلته بالمدق في مسرحية " السلام " لأريستوفانيس . كذلك مماثلة العبد بالسيد في معظم مسرحيات الكوميديا الحديثة خصوصا مسرحيات " مناندروس " .
2- من المخاتلة
مثال ذلك ما حدث في مسرحية " الضفادع " حيث كان من المتوقع أن يعود الإله ديونيسوس بالشاعر المسرحي يوربيديس من عالم الموتي إلي عالم الأحياء ، لكنه لجأ إلي المخاتلة و عاد بدلا منه بالشاعر المسرحي أسخيلوس .
3- من المحال
مثال ذلك التشبيه الذي ورد في مسرحية " السلام " علي لسان تريجايوس " لا لن نمنحك شيئا قبل أن يتزوج الذئب شاه ! " .
4- من الممكن و غير المتناسق
مثال ذلك قيام ديونيسوس في مسرحية " الضفادع " بوزن الشعر بالميزان .
5- من غير المتوقع
مثال ذلك قول الميت " الجثة " الذي رفض في مسرحية " الضفادع " حمل أمتعة ديونيسوس ، لأن الأخير ساومه في الأجر ، بدلا من أن ينقده دراخمين عرض عليه أوبولين فقط ، فصاح الأول مستنكرا " لاأرضي بهذا و لو بعثت الآن حيا !" .
6- من استخدام الرقص الصاخب
مثال ذلك استخدام أريستوفانيس لرقصة السكارى في ختام مسرحيته " الزنابير " و هي رقصة صاخبة ماجنة بوجه عام .
7- من اختيار الأسوأ حينما تسنح للشخص فرصة الحصول علي الأعظم
مثال ذلك رفض الشيخ فيلوكليون في مسرحية " الزنابير " تغيير تصرفاته السيئة التي حاول إبعاده عنها ، و كانت النتيجة انغماس الشيخ بالشراب و ازدياده خلقه سوءا و تصرفاته انحدارا .
8- من عدم ترابط الألفاظ و انعدام تناسقها
مثال علي ذلك قول ستريسياديس في مسرحية " السحب " لسقراط : "إذا اشتريت امرأة تمارس السحر من إقليم ثساليا ، و أنزلت القمر ليلا من السماء و حبسته في علبة مستديرة كالمرآة و احتفظت بها علي الدوام " فسوف أتخلص من دفع فائدة الديون التي تثقل كاهلي " .
إلي جانب هذه التقسيمات هناك ثلات مواقف ينتج عنها الضحك سواء بالكوميديا القديمة أو الوسطي أو الحديثة .
1- من الشعور بالتفوق
و ذلك نتيجة لمعرفة ما يدور بالأحداث بالعمل في حين هناك أشخاص داخل العمل لا تعرف و لا تدري ما يدبر ضدها ، و حينما يشاهد الجمهور هذا يشعر بنوع من السمو بسبب قدرته علي الفهم .
2- من التناقض
و ذلك حينما نحس بوصفنا كمشاهدين بالتناقض بين الفكرة و السلوك و بين ما هو متوقع و ما هو كائن بالفعل . و كان المثل الشائع عن هذا الموقف خصوصا في الكوميديا المناندرية هو مثل " العبد و السيد " ، حيث أن الفكرة السائدة في العصور القديمة عن السيد هي التفوق و السيطرة و السيادة نتيجة القوة و القدرة بدنية كانت أو عقلية ، و علي النقيض من ذلك كانت الفكرة السائدة عن العبد . و لكن أن وجد السيد أبله و ضعيفا و قليل الحلية ، و أن العبد يتلاعب به لأن السيد يبدو صار غبيا و العبد أذكي و أقدر ، هذا التناقض ما بين الفكرة و السلوك يؤدي إلي الضحك في النهاية لدي المشاهد .
3- من سوء الفهم
و ذلك حينما يدور حوار بين الشخصيات و تفهم شخصية الحديث شكل خاطئ و من ثم تتراكم المواقف اللاحقة علي هذا الفهم الخاطئ و حتي يتعقد الموقف ، و حينما يزول سوء الفهم ينجلي كل شئ، و ينزاح الغموض و تعرف كل شخصية حقيقة الأمر ، و جد في مسرحية " قدر الذهب| Aululria " التي ألفها الكاتب المسرحي الروماني " بلاوتوس " ، حيث يدور حوار بين الأب البخيل " يو كليو " و جاره " ليكونيديس " و تبين منه أن الجار اعتدي علي عفاف ابنه البخيل و جاء ليتزوجها و يتحدث عن أثمن ما تملكه الفتاة و لكن البخيل الذي ضاع منه الكنز قبل قدوم الجار بفترة جعله يظن أنه هو من سرق الكنز و أنه جاء لرده . و بسبب سوء الفهم هذا تحدث مفارقات مضحكة بين الطرفين إلي أن ينجلي الموقف فتفهم كل شخصية حقيقة الأمر .
مغزي الكوميديا [31]
لقد اتخذت الكوميديا هدفا لها و هو تصوير النقائض الاجتماعية بطريقة فكاهية غير مؤلمة ، من أجل أن نشاهد مدي التناقض القائم بين السلوك السليم و السلوك المعيب ، و كي نسخر بأنفسنا من إسفاف هذا السلوك و من ثم لا نقدم علي فعله . و بهذا فالكوميديا عبارة عن مجهر يجسم العيوب و النقائض الاجتماعية ، و هي ناقد موضوعي يهاجم الخطأ دون اعتبار لأية عوامل شخصية ، و لا تأخذه هوادة أو رأفة بمن يهاجمه أيا كان ، ذلك أن الهدف من هجومه هو دفع جميع أفراد المجتمع إلي السخرية من عيوبهم ، و إلي الضحك علي نقائصهم ، و بذلك يبرهنون علي منتهي الشجاعة و النقد الذاتي .
أن الكوميديا لا تبحث عن الظواهر الفردية و لا تتحيز للطائفية ، بل هي ذات نظرة بانورامية عمومية ، لا تعمق الفروق الاجتماعية بل تحاول إذابتها و تفتيتها من أجل انصهار المجتمع كله في بوتقة واحدة .
لهذا تحاول استثارة القوي الإيجابية المضمحلة لدينا ، و تسعي لزيادة حصيلة قوة الإرادة عند من لا عزيمة عنده ، لأن الإرادة إذا نقصت جعلته يقع في أخطاء مزرية و نقائص مخجلة .
انظر أيضاً
المصادر
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص 86
- فن الشعر ، أرسطو ، ترجمة : د/إبراهيم حمادة ، فقرة 1448
- Cf.e.g.E.Boisacq: Dictonnaire Etymologique,s.v.Komos
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص84:85
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص87
- فن الشعر ، أرسطو ، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، الفقرة 1447
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص89
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص91:92
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص92
- J.A.Cramer, Op. Cit,P.406
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص93
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص94
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص95
- ٌR.Harriott, Op. Cit, p197
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص98
- R.Harriott, Op. Cit, p200:201
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص102
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص103
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص103:104
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص104:105
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص105
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص106
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص107:110
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص111:114
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص115:118
- فن الشعر ، أرسطو ، ترجمة د/ إبراهيم حمادة ، فقرة 1453
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص120
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص122:125
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص125:136
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، ص136:143
المراجع
- نظرية الدراما الإغريقية ، د/ محمد حمدي إبراهيم ، سلسلة أدبيات ، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان ، ط 1 ، 1994 ، القاهرة .
- بوابة فنون
- بوابة مسرح
- بوابة اليونان القديم
- بوابة دراما
- بوابة كوميديا