كارثة فوكوشيما داي إتشي النووية (مفاعل الوحدة الثانية)

كارثة فوكوشيما داي إتشي النووية (بالإنجليزية: Fukushima Daiichi nuclear disaster)، كانت سلسلة من أعطال المعدات، والانصهارات النووية، وتحرر المواد النشطة إشعاعيًا بمحطة فوكوشيما النووية الأولى، عقب زلزال وتسونامي توهوكو يوم 11 مارس عام 2011.[1][2] وتعتبر هذه الكارثة أكبر كارثة نووية حدثت منذ كارثة تشيرنوبل عام 1986.[3]

السياق

حدث 11 مارس عام 2011

تضم المحطة ستة مفاعلات منفصلة للماء المغلي، والمصممة بواسطة شركة جنرال إلكتريك، وتشرف شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (تيبكو) على صيانتها. أُفرغ المفاعل الرابع في وقت الزلزال من وقوده، بينما وُضع المفاعلان الخامس والسادس في وضع الإغلاق البارد ليخضعا للصيانة المخطط لها. أُغلق كل من المفاعل الأول والثاني والثالث بشكل آلي عقب الزلزال مباشرةً، وشُغلت مولدات الطوارئ للتحكم في الإلكترونيات وأنظمة التبريد.[4] غمرت التسونامي، التي حدثت عقب الزلزال، الغرف السفلية بالمياه حيث توجد مولدات الطوارئ. وفشلت هذه المولدات المغمورة بالمياه في العمل، وانقطعت الطاقة الكهربية عن المضخات الهامة التي تدير حركة مياه التبريد لتحمي المفاعلات من الانصهار. وازدادت حرارة المفاعلات بدرجة كبيرة، عندما توقفت هذه المضخات عن العمل، بسبب حرارة الاضمحلال الكبيرة الناتجة عن النشاط النووي، والتي نتجت في الأيام القليلة الأولى بعد إغلاق المفاعل النووي. بدأت حرارة قضبان الوقود النووي المستهلك الموجودة بالمفاعلات في الارتفاع بصورة شديدة، عقب غليان المياه الموجودة في المفاعلات وانخفاض مستوى المياه في مجمعات قضبان الوقود المستهلك.[5][6] وبدأت كل من المفاعل الأول والثاني والثالث في الانصهار النووي خلال الساعات اللاحقة. وأمرت الحكومة باستخدام مياه البحر في تبريد هذه المفاعلات، في محاولة لإيقاف هذا الانصهار النووي، لعدم توفر أي بديل آخر آنذاك. وازداد وضع الانصهار النووي سوءًا بسبب التأخر في تنفيذ هذه الإجراءات، ما أدى إلى تراكم أغلب الوقود المنصهر في قاع وعاء المفاعل. [7][8][9]

سببت الحرارة والضغط الناتجان عن المفاعلات المنصهرة تفاعلًا بين الغطاء المعدني للوقود النووي والمياة المتبقية لينتج غاز الهيدروجين المتفجر. وقعت العديد من الانفجارات الكيميائية بسبب امتزاج الهيدروجين بالهواء، في أثناء مكافحة العمال لتبريد وإغلاق المفاعلات. أدى القلق بوقوع انفجارات صغيرة متكررة، وانتشار الغازات النشطة إشعاعيًا بالغلاف الجوي، واحتمالية وقوع انفجارات أكبر إلى إخلاء مساحةً بقطر 20 كيلومترًا حول المحطة النووية.[10] وخلال الأيام الأولى من الحادثة، صدرت أوامر بإخلاء العاملين بالمحطة بصورة مؤقتة في أوقات مختلفة لأسباب أمنية متعلقة بالإشعاع النووي. وفي الوقت نفسه، أُعيدت مياه البحر التي سبق وتعرضت لقضبان الوقود إلى البحر ساخنةً ونشطةً إشعاعيًا بكميات كبيرة لعدة أشهر حتى وُضعت وحدات إعادة التدوير في أماكنها لتبريد كميات محدودةً من المياه وإعادة استخدامها في عمليات التبريد بشكل متكرر. أعاقت التلفيات الناتجة عن الزلزال والفيضانات في أعقاب التسونامي المساعدات الخارجية. استُعيدت الطاقة الكهربية على نحو بطيء لبعض المفاعلات، ما سمح بعمليات التبريد الآلي. [11]

قيَّم المسؤولون اليابانيون هذه الحادثة باعتبارها حادثةً من المستوى الرابع طبقًا للمقياس الدولي للحوادث النووية (أينيس)، بالرغم من رؤية بعض الوكالات الدولية الأخرى أنه كان ينبغي أن يأخذ مستوًى أعلى. رُفع هذا المستوى لاحقًا إلى المستوى الخامس وأخيرًا إلى المستوى السابع، وهو المستوى الأعلى ضمن مستويات هذا المقياس. انتُقدت الحكومة اليابانية وشركة تيبكو في الصحافة الأجنبية بسبب تواصلهم السيئ مع العامة وجهود التنظيف الارتجالية. أعلن أمين مجلس الوزراء الياباني يوكيو إيدانو، في يوم 20 مارس عام 2011، عن خروج هذه المحطة من الخدمة بعد نهاية الأزمة.[12][13]

قدَّرت الحكومة اليابانية الكمية الكلية للمواد النشطة إشعاعيًا التي انتشرت في الغلاف الجوي بنحو عشر الكمية المنتشرة في حادثة تشيرنوبل تقريبًا. انتشرت كميات كبيرة أيضًا من هذه المواد الإشعاعية إلى الأرض ومياه المحيط. وبينت القياسات التي أجرتها الحكومة اليابانية على مسافة 30 إلى 50 كيلومترًا من المحطة وجود مستويات عاليةً من السيزيوم 137 بصورة تستدعي القلق، ما أدى إلى حظر الحكومة لبيع الأغذية المزروعة في هذه المنطقة. أوصى المسؤولون اليابانيون بعدم استخدام مياه الصنبور في تحضير الطعام للأطفال مؤقتًا. وأعلنت شركة تيبكو في مايو 2012 عن انتشار 900 بيكريل «إلى الغلاف الجوي في شهر مارس فقط لعام 2011»، على الرغم من الاتهامات بدفع بعض الموظفين إلى الكذب، وإعطاء قراءات خاطئة لهذه القياسات للتستر على المستويات الحقيقية للإشعاع. [14][15]

صرحت السلطات اليابانية، يوم 16 ديسمبر عام 2011، باستقرار الوضع في المحطة، على الرغم أن إزالة التلوث من المناطق المحيطة بها، وإخراجها من الخدمة، سيستغرق عقودًا. عيَن البرمان الياباني، يوم 5 يوليو عام 2012، لجنة التحقيق المستقلة في حادثة فوكوشيما النووية (NAIIC)، التي قدمت تقرير تحقيقها إلى البرلمان الياباني، بينما عينت الحكومة اليابانية لجنة التحقيق في حادثة محطات فوكوشيما للطاقة النووية التابعة لشركة طوكيو للطاقة الكهربائية، والتي قدمت تقريرها النهائي إلى الحكومة اليابانية في يوم 23 يوليو عام 2012. اعترفت شركة تيبكو، لأول مرة في يوم 12 أكتوبر عام 2012، بأنها فشلت في اتخاذ تدابير أقوى لمنع مثل هذه الكوارث خوفًا من قيام الدعاوى القضائية أو الاحتجاجات ضد محطاتها النووية.[16][17][18][19]

سُجل أعلى مستوًى للإشعاع الصادر من المفاعل الثاني في يوم 2 فبراير عام 2017، بمعدل 730 زيفرت في الساعة.[20]

الآثار على العاملين والسكان المحليين

قُتل عدد قليل من العاملين بالمحطة، أو أُصيبوا بإصابات بالغة بسبب ملابسات هذه الكارثة التي نتجت عن الزلزال. لم يكن هناك أي حالات وفاة فورية بسبب التعرض المباشر للإشعاع، ولكن تعرض ستة عاملين على الأقل إلى كميات من الإشعاع تتعدى الحدود القانونية المسموح بالتعرض لها خلال كامل حياتهم، وتعرض أكثر من 300 عامل إلى جرعات كبيرة من الإشعاع. تراوحت حالات السرطان المستقبلية، والمتنبأ بوقوعها، بسبب التعرض المستمر للإشعاع عند السكان القاطنين بالقرب من فوكوشيما بين عدم وجود وفيات إلى 100 حالة سرطان إلى «تخمين» غير خاضع لمراجعة الأقران باحتمالية وفاة 1000 حالة بسبب السرطان. [21]

مفاعل الوحدة الثانية

مجمع الوقود المستهلك

أُضيفت مياه البحر إلى مجمع الوقود المستهلك يوم 20 مارس عام 2011 عبر خط تبريد مجمع الوقود. واستُخدمت المياه العذبة منذ يوم 29 مارس نفس العام.

وفي يوم 31 مايو، حُول نظام التبريد بمجمع الوقود المستهلك من نظام الحقن المائي إلى نظام التبريد الدوري.

استخدام مياه البحر في التبريد

أصدرت الحكومة اليابانية أمرًا، يوم 14 مارس عام 2011 في الساعة 20:05 حسب توقيت اليابان القياسي، بحقن مياه البحر إلى الوحدة الثانية في جهود جديدة لتبريد قلب المفاعل. اتُخذ هذا الإجراء باعتباره حلًا أخيرًا لأنه يدمر المفاعل. بدأت شركة تيبكو عمليات التبريد بمياه البحر في الساعة 16:43. واستُخدمت المياه العذبة لتبريد قلب المفاعل بدءًا من يوم 26 مارس نفس العام.

التلوث الإشعاعي بالمياه الجوفية

أُعلن في يوم 27 يوليو عام 2013 عن وجود مستويات عالية جدًا من التريتيوم والسيزيوم في حفرة تحتوي على نحو 5000 متر مكعب من المياه في الجانب البحري من مبنى مفاعل الوحدة الثانية. وُجدت كميات من التريتيوم بلغت 8.7 مليون بيركيل لكل لتر، ومن السيزيوم 2.35 مليار بيركيل لكل لتر. كانت مفوضية الرقابة النووية (NRA) قلقةً من أن التسريبات الموجودة في هذا المكان يمكن أن ترفع من مستويات التريتيوم في البحر، ومن استمرار تدفق المياه من المفاعل عبر مبنى التوربينات وإلى هذه الحفرة. ولكن ظنت شركة تيبكو أن هذا التلوث كان موجودًا منذ الأيام الأولى من الكارثة في عام 2011، وظل باقيًا في مكانه. ومع ذلك، ستسيطر شركة تيبكو على الموقع والتسريبات الموجودة به، وستسد التربة حول هذه الحفرة.[22]

المراجع

  1. "Japan's unfolding disaster 'bigger than Chernobyl'". نيوزيلاند هيرالد. 2 April 2011. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  2. "Explainer: What went wrong in Japan's nuclear reactors". IEEE Spectrum. 4 April 2011. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. "Analysis: A month on, Japan nuclear crisis still scarring" نسخة محفوظة 18 April 2011 at WebCite International Business Times (Australia). 9 April 2011, retrieved 12 April 2011; excerpt, According to James Acton, Associate of the Nuclear Policy Program at the Carnegie Endowment for International Peace, "Fukushima is not the worst nuclear accident ever but it is the most complicated and the most dramatic...This was a crisis that played out in real time on TV. Chernobyl did not."
  4. Black, Richard (15 March 2011). "Reactor breach worsens prospects". BBC Online. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 23 مارس 2011. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. "3 nuclear reactors melted down after quake, Japan confirms". CNN. 7 June 2011. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 يوليو 2011. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. "'Melt-through' at Fukushima? / Govt report to IAEA suggests situation worse than meltdown". Yomiuri. 8 June 2011. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 08 يونيو 2011. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  7. F. Tanabe, Journal of Nuclear Science and Technology, 2011, volume 48, issue 8, pages 1135 to 1139
  8. "Bulk of melted fuel in No. 2 reactor at damaged Fukushima plant at bottom of pressure vessel: Tepco". The Japan Times. July 28, 2016. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 04 فبراير 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  9. Starr, Steven. "Costs and Consequences of the Fukushima Daiichi Disaster". Environmental Health Policy Institute. Physicians for Social Responsibility. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 04 فبراير 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. Hydrogen explosions Fukushima nuclear plant: what happened? نسخة محفوظة 2 December 2013 على موقع واي باك مشين.
  11. Stricken reactors may get power Sunday, وول ستريت جورنال, 19 March 2011 نسخة محفوظة 13 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  12. Wagner, Wieland (15 March 2011). "Problematic public relations: Japanese leaders leave people in the dark". Der Spiegel. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 19 مارس 2011. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  13. "China urges Japan's openness amid panic buying of salt". Channel NewsAsia. Agence France-Presse. 17 March 2011. مؤرشف من الأصل في 13 أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 17 مارس 2011. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  14. "TEPCO puts radiation release early in Fukushima crisis at 900 PBq". Kyodo News. 24 مايو 2012. مؤرشف من الأصل في 24 مايو 2012. اطلع عليه بتاريخ 24 مايو 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  15. Kevin Krolicki (24 May 2012). "Fukushima radiation higher than first estimated". رويترز. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 24 مايو 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  16. Fackler, Martin (12 October 2012). "Japan Power Company Admits Failings on Plant Precautions". The New York Times. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أكتوبر 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  17. Sheldrick, Aaron (12 October 2012). "Fukushima operator must learn from mistakes, new adviser says". Reuters. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أكتوبر 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  18. Yamaguchi, Mari (12 October 2012). "Japan utility agrees nuclear crisis was avoidable". Associated Press. Boston.com. مؤرشف من الأصل في 8 يناير 2017. اطلع عليه بتاريخ 13 أكتوبر 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  19. "Japanese nuclear plant operator admits playing down risk". CNN Wire Staff. CNN. 12 October 2012. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 13 أكتوبر 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  20. "Record radiation level detected inside damaged Fukushima reactor". Japan Today. 3 فبراير 2017. مؤرشف من الأصل في 2 فبراير 2017. اطلع عليه بتاريخ 4 فبراير 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  21. "The Cost of Fear: The Framing of a Fukushima Report". 2012-03-15. مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 15 أبريل 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  22. "Crisis continues at Fukushima nuclear plant as fuel rods exposed again". Kyodo News. مؤرشف من الأصل في 20 مارس 2011. اطلع عليه بتاريخ 23 مارس 2011. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • بوابة طاقة
    • بوابة اليابان
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.