قطنا (مدينة أثرية)

قطنا (المشرفة حاليًا) بالقرب من مدينة حمص في سوريا، هي موقع لمملكة تعود إلى عصر البرونز 2700 ق.م. حظيت مملكة قطنا لمدة ثلاثة قرونٍ ونصفٍ من تاريخها بأهميَّة ومكانةٍ كبيرتين، وازدهرت بفضل موقعها الذي كان يتوسَّط الطرق التجارية في الشرق الأدنى القديم، إلا أن جيوش الإمبراطورية الحيثية بقيادة سابيليوليوما الأول اجتاحتها ودمَّرتها في سنة 1340. وقد أعيد استيطانها بحلول القرن التاسع قبل الميلاد، لكن لم تلبث أن دُمِّرت مرة أخرى على يد سرجون الثاني حاكم الإمبراطورية الآشورية. هُجِرت المدينة بعد ذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما شيدت فيها أخيراً القرية الحديثة، لكنَّ الحكومة قرَّرت في مطلع ثمانينيات القرن العشرين تهجير السكان البالغ عددهم 12,000 إلى بلدة مشرفة الجديدة حفاظاً على الآثار التاريخية بالمدينة.

قطنا (مدينة أثرية)
قطنا
بقايا قصر أثري صغير في مدينة قطنا الأثرية.

قطنا
موقع قطنا في سوريا
الإحداثيات: 34°50′06″N 36°51′57″E
تاريخ التأسيس 3300 ق.م 
تقسيم إداري
 البلد  سوريا
 المحافظة محافظة حمص
 المنطقة منطقة حمص
 الناحية عين النسر
تاريخ الإلغاء 1982 
خصائص جغرافية
 المجموع 1 كم2 (0٫4 ميل2)
معلومات أخرى
رمز جيونيمز 173495 
الموقع الرسمي الموقع الرسمي 

الموقع

تقع قطنا (حالياً قرية المشرفة) في الشمال الشرقي من مدينة حمص وتبعد عنها حوالي 18 كم، كذلك تبعد 35 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة السلمية. وتتمتع المدينة بموقع جغرافي هام، وشكلت منطقة عبور أساسية في قلب سورية وعلى طرف باديتها، تعبرها القوافل التجارية المتجهة من الشرق إلى الغرب (بلاد الرافدين- ساحل البحر المتوسط) ومن الشمال إلى الجنوب (حلب- حازور في فلسطين).[1]

الاكتشاف

لوح مسماري من القرن الخامس عشر قبل الميلاد معروض الآن في متحف اللوفر.

تعود قصة اكتشاف قطنا إلى عام 1924م زمن الانتداب الفرنسي، عندما بدأ الفرنسي الكونت دوبويسون R. DU BUISSON أعمال التنقيب الأولى ضمن التل الأثري، كذلك قام بالعديد من المسوحات الأثرية، وفي تلك الفترة تم الكشف عن القصر الملكي والعديد من اللقى والبقايا الأثرية وكان من بينها ألواح كتابية ذكرت اسم المدينة قطنا. واستمرت بعد ذلك أعمال التنقيب حتى عام 1929م، غادر بعدها دوبويسون معتقداً أنه قام باكتشاف القصر الملكي بالكامل، ليتم بعدها سكن الموقع من قبل أهالي المنطقة وتحتل مساكن القرية مساحة الموقع بالكامل تقريباً.[2]

وإلى جانب أعماله في قطنا قام دوبويسون بالكثير من الأعمال ووصل إلى ضفاف الفرات لا سيما في موقع دورا أوروبوس وفي منطقة الباغوز، ولم يكتف بذلك بل عاد إلى سورية عام 1965م وقام بأعمال تنقيب في ساحة معبد بل في تدمر.[3]

يبقى الوضع في قطنا على ما هو عليه حتى عام 1982م عندما تم نقل القرية من داخل الموقع إلى منطقة مجاورة، ليتم بعدها إعادة أحياء أعمال التنقيب عام 1994م[4] من قبل بعثة سورية من المديرية العامة للآثار والمتاحف بقيادة الدكتور ميشيل المقدسي، وقامت بإجراء العديد من الأعمال في قطاعات مختلفة من المدينة.[4]

وتابعت البعثة السورية أعمالها حتى عام 1999م حيث انضم إليها فريق ألماني وآخر إيطالي[5] ومنذ ذلك الوقت حتى الوقت الحاضر تعمل في الموقع ثلاث بعثات أثرية بهدف الكشف عن أسرار مملكة قطنا.[5]

التاريخ

شكلت قطنا كما ذكرنا أعلاه نقطة تقاطع للطرق التجارية ومقراً ملكياً. ولقد أشير إلى الأهمية السياسية لقطنا من خلال النصوص بدءاً من مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، أما فيما يخص أقدم البقايا في المدينة، فقد أدت الأعمال الأثرية في الموقع (منطقة الأكروبول) إلى الكشف عن بعض البقايا المؤرخة على نهاية الألف الرابع قبل الميلاد إلا أنها لم تسمح بتكوين فكرة كاملة عن طبيعية الاستيطان في تلك الفترة.[6]

الحفريات شمال غرب قصر الملوك.

ويبدأ الاستيطان الحقيقي في الموقع من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد (عصر البرونز القديم)، حيث يتم تأسيس المدينة في مركز الهضبة لتأخذ شكلاً دائرياً بحيث تشابه المدن المجاورة لها، والتي كانت معروفة في تلك الفترة مثل الروضة والشعيرات.[7] هذه المدينة كانت تنتشر على مساحة تتراوح بين 20 و25 هكتاراً، ثم شهدت المدينة فيما بعد تطوراً على شكل مخططها مع الازدهار الحقيقي الذي عرفته المدينة خلال عصر البرونز الوسيط (2000-1600 ق.م)، حيث تم إعادة تأسيس المدينة وفق مخطط منتظم وتغير شكلها من المخطط الدائري إلى المربع وأصبحت مساحتها تزيد عن 100 هكتار. وخلال عصر البرونز الحديث بقي الوضع كما كان عليه ومن بقايا هذه الفترة القصر الملكي في شمال المدينة العليا وعدة أحياء سكنية في المدينة السفلى.

اودهرت المدينة بشكل كبيرٍ خلال منتصف الألف الثاني، حيث ساعدها وقوعها على ملتقى الطرق التجارية القديمة بين مصر والعراق والأناضول، لكنها تعرَّضت للغزوات والهجمات الحيثية في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حتى أصبح بقاءها مهدداً. وفي عام 1340 قاد الإمبراطور الحيثي سابيليوليوما الأول حملة ضخمةً على المدينة. وأرسل الملوك المجاورون لحاكم قطنا آنذاك إيداندا يعدونه بالمدد ويوصونه بتحصين المدينة، فأمر الملك بتدعيم الأسوار التي يبلغ طولها 4 كيلومترات، وطلب من الحدَّادين صناعة 18,600 سيف استعداداً للمعركة. إلا أن النصر كان من نصيب الحيثين، فتمكَّنوا من اقتحام المدينة وإضرام النيران في قصر الملك، والغالب أنه قبض على إيداندا وحاشيته وأعدموا على أيدي الغزاة.[8]

أما في الألف الأول قبل الميلاد فلا توجد معلومات كافية عن المدينة في تلك الفترة، ولكن البقايا الأثرية تشير إلى وجود إعادة استيطان بدءاً من القرن التاسع قبل الميلاد، حتى تم تدمير المدينة عام 720 ق.م من قبل الحملات العسكرية التي شنها الملك سرجون الثاني الذي أخضع المنطقة نهائياً للحكم الآشوري. وخلال العصور الكلاسيكية يبدو أن المدينة كانت خالية من السكان ولم يتم العثور على بقايا كافية داخل أسوار المدينة تنتمي لهذا العصر.[9]

مخطط المدينة

يحيط بالمدينة خندق مربع مكتمل الأضلاع تقريبًا وتحصينات بارزة. وما زالت التحصينات الترابية تنتصب على ارتفاعات تتفاوت بين 15-20 مترًا مسوِّرة مساحة تبلغ 110 هكتارات، في حين توجد أربع بوابات تقتطع مساحتها من تلك الأسوار على الجهات الأربع. يطل أكروبول قَطْنا على جزئها الغربي الأوسط، وكان يحيط بذاك الأكروبول مدينة منخفضة واسعة تبلغ مساحتها 70 هكتارًا تقريبًا. وتنتصب عند زاويتها الجنوبية الشرقية رابية نصفها طبيعي التشكل ونصفها صنعيّ

تعود مستويات السكن الأولى المبرهن عليها حتى اليوم في المشرفة للألف الثالث قبل الميلاد (عصر البرونزي القديم الثالث والرابع، 2600-2000 ق.م). إلا أنه لم يكن بالإمكان سوى جمع معلومات محدودة حتى الآن في هذا الموقع حول هذه الفترة الهامة من التاريخ السوري، وما زال اسم هذا التجمع السكني غير معروف.

عصر البرونز الوسيط

تمثال لأحد الآلهة القطنية القديمة، يعود إلى العصر البرونزي الوسيط.

(2000-1500 ق.م) كان الموقع (الذي يمكن حصره في هذه الفترة بالمنطقة القائمة داخل مدينة قَطْنا) إحدى الممالك والمراكز التجارية الرئيسية في سوريا إلى جانب مملكتي يمحاض - (حلب) وماري.وقد قامت مدينة قَطْنا على تقاطع الطرق التجارية الرئيسية العابرة للمنطقة وهو الأساس الذي قامت عليه مكانتها البارزة تجاريًا وإستراتيجيًا وسياسيًا. وأقامت المملكة الآشورية القديمة، مع ملكها شمشي - حدد الأول، علاقات دبلوماسية وتجارية وثيقة مع ملك قَطْنا أشخي حدد في بداية القرن الثامن عشر قبل الميلاد.

عصر البرونز الحديث

(1600/1550-1200 ق.م) كانت قَطْنا عبارة عن مملكة محلية على مناطق حدودية يتنافس عليها النفوذ العسكري والسياسي المصري والميتاني والحيثي. وتعد هذه الفترة من تاريخ المدينة، أفضل فترة معروفة من الناحية الأثرية حتى اليوم.

تم بناء منطقة كبيرة لصناعة الخزف على قمة الرابية المتوسطة من أكروبول المدينة. وعند قاعدة تلك الرابية يوجد القصر الملكي (الحقول G-H) وهو ثاني أضخم قصر في سورية بعد قصر مدينة ماري، ومنطقة سكنية كبيرة بارزة. وإلى الشمال من المدينة أظهرت عمليات التنقيب الأثري قصرًا آخر هو قصر المدينة المنخفضة.

عصر الحديد الثاني

(900-600 ق.م) يبدو أن تحولًا جوهريًا جرى في طبيعة هذا الموقع ودوره في أعقاب حدوث فجوة في إشغال ذاك الجزء من الموقع (قصر المدينة المنخفضة) وتبرز عدة عوامل تشير إلى أن موقع المشرفة خلال القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد كان على نحو افتراضي المركز الإداري والسياسي الإقليمي الرئيسي في الجزء الجنوبي الشرقي من أراضي مملكة حماة الآرامية، وهذه العوامل هي:

  • وجود مبنى إداري في أكروبول المدينة (مبنى يتحكم بمجالين ضخمين متخصصين بصناعة النسيج المصبوغ، وتخزين الغلال الزراعية وتحويلها إلى أغذية على نطاق غير محلي)
  • الامتداد العام للموقع (الذي غطى مساحة مأهولة تعادل 70 هكتارًا بالحد الأدنى)
  • مكان الموقع الذي يتوسط نظام الاستيطان المحلي المكون من قرى ريفية تنتشر في الضواحي ضمن فسحات منتظمة.

تم هجر الموقع بعد عصر الحديد الثاني وبقي خاليًا من السكان حتى أواسط القرن التاسع عشر حيث بُنيت قرية حديثة ضمن الأسوار الضخمة للمدينة القديمة. أشهر واغنى عائلاتها القطنانيون.

انظر أيضًا

مصادر

  1. إسماعيل، فاروق: 1996، قطنا في وثائق العهد البابلي، الحوليات الأثرية السورية، م42، دمشق، ص97.
  2. لمقدسي، ميشيل: 2010، المشرفة ( قطنا)، الوقائع الأثرية في سورية، المديرية العامة للآثار والمتاحف، العدد 4، دمشق، ص 31-43
  3. لمقدسي، ميشيل: 2009، الكونت روبير دوميسنيل دوبويسون، كنوز سورية القديمة اكتشاف مملكة قطنا، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 99-100.
  4. AL-MAQDISSI M; 1996, Reprise des fouilles a Mashirfeh en 1994, AKKADICA, N 99-100. PP. 1-14.
  5. الفريق السوري برئاسة د. ميشيل المقدسي، والفريق الإيطالي برئاسة د. دانييله بوناكوسي، والألماني برئاسة د. بيتر بفيلتسنر.
  6. بوناكوسي، دانييله: 2009، الاستيطان الأول في قطنا، كنوز سورية القديمة، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 24.
  7. المقدسي، ميشيل: 2010، ص 32.
  8. كارين إي. لانغ: 2012، "ولائم الأموات في سوريا"، مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية، عدد شهر أبريل 2012، ص68 إلى 74.
  9. المقدسي، ميشيل: 2009، دور قطنا في سورية الوسطى، كنوز سورية القديمة، ترجمة: محمود كبيبو، دمشق، ص 119- 120.

    وصلات خارجية

    • بوابة آسيا
    • بوابة الشرق الأوسط القديم
    • بوابة تجمعات سكانية
    • بوابة سوريا
    • بوابة علم الآثار
    • بوابة مصر القديمة
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.