فتنة القرامطة

فتنة القرامطة هي تلك الجرائم البشعة التي أرتكبها القرامطة عام (317هـ - 908م) حينما أغاروا على المسجد الحرام وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر الأسود وغيبوه 22 سنة، ورُدّ إلى موضعه سنة 339هـ.[1] ففي تلك العام وتحديدا يوم التروية، قام أبو طاهر القرمطي، ملك البحرين وزعيم القرامطة، بغارة على مكة والناس محرمون، واقتلع الحجر الأسود،[2] وأرسله إلى هَجَر وقتل عددا كبيرا من الحجاج، وحاولوا أيضا سرقة مقام إبراهيم ولكن أخفاه السدنة. وفي 318 هـ تقريبا سنّ الحج إلى الجش بالقطيف بعدما وضع الحجر الأسود في بيت كبير، وأمر القرامطة سكان منطقة القطيف بالحج إلى ذلك المكان، ولكن الأهالي رفضوا تلك الأوامر، فقتل القرامطة أناساً كثيرين من أهل القطيف، قيل: بلغ قتلاه في مكة ثلاثين ألفاً.[3][4][5]

صورة قديمة مرسوم بها الحجر الأسود

الأحداث

استغل القرامطة ضعف الدولة العباسية وتفككها لدويلات، وانشغالها بحرب مع ثورة الزنوج، فعاثوا في الأرض فساداً وسيطروا على بعض مناطق الجزيرة العربية، وارتكبوا مجازر كبرى خاصة في طريق الحجاج، فألغى أهل الشام والعراق الحج لشدة الرعب منهم، وقاموا بالهجوم على البصرة وقاموا بمجزرة كبرى استمرت 17 يوما، واستباحوا الأموال واغتصبوا النساء، ثم هاجموا أطراف الشام، وكانوا كلما مروا بقرية سلبوا الأموال وقتلوا الرجال واغتصبوا النساء، ثم يحرقون القرية بما فيها ومن فيها أطفال وعجائز.

قالو عنها

وقد ذكر ابن كثير في أحداث سنة 317 هـ، أن أبو طاهر القرمطي أمر:

«أن يقلع الحجر الأسود، فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه، كما سنذكره في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولما رجع القرمطي إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وتبعه أمير مكة هو وأهل بيته وجنده، وسأله وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال فلم يلتفت إليه، فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي وقتل أكثر أهل بيته وأهل مكة وجنده، واستمر ذاهبا إلى بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج.»

[2]

وجاء في «تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد» لأبي بكر الجراعي أنه قيل:

«إنهم باعوه [أي القرامطة] من الخليفة المقتدر بثلاثين ألف دينار. ولما أرادوا تسليمه، أشهدوا عليهم ألا تسلّموا الحجر الأسود، وقاله لهم بعد الشهادة: يا من لا عقل لهم، من علم منكم أن هذا هو الحجر الأسود ولعلنا أحضرنا حجرا أسودا من هذه البرية عوضة، فسكت الناس، وكان فيهم عبد الله بن عكيم المحدث، فقال لنا في الحجر الأسود علامة، فإن كانت موجودة : فهو هو، وإن كانت معدومة، فليس هو، ثم رفع حديثا غريبا أن الحجر الأسود يطفو على وجه الماء ولا يسخن بالنار إذا أوقدت عليه، فأحضر القرمطي طستا فيه ماء ووضع الحجر فيه فطفى على الماء، ثم أوقدت عليه النار فلم يحس بها فمد عبد الله المحدث يده وأخذ الحجر وقبله وقال: أشهد أنه الحجر الأسود، فتعجب القرمطي من ذلك، وقال: هذا دين مضبوط بالنقل. وأرسل الحجر إلى مكة.»

غير أن ابن دحية قال: «عبد الله بن عكيم هذا لا يعرف، والحجر الأسود جلمد لا تخلل فيه. والذي يطفو على الماء يكون فيه بعض التخلل كالخفاف وشبهه.»[6]

كما ذكر ابن كثير في أحداث سنة 339 هـ، ذكر خبر رجوع الحجر وقال:

«في هذه السنة المباركة في ذي القعدة منها رد الحجر الأسود المكي إلى مكانه في البيت...وكان ملكهم إذ ذاك أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسين الجنابي، ولما وقع هذا أعظم المسلمون ذلك، وقد بذل لهم الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار على أن يردوه إلى موضعه فلم يفعلوا، وقالوا: نحن أخذناه بأمر فلا نرده إلا بأمر من أخذناه بأمره. فلما كان في هذا العام حملوه إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من جامعها ليراه الناس، وكتب أخو أبي طاهر كتابا فيه: إنا أخذنا هذا الحجر بأمر وقد رددناه بأمر من أمرنا بأخذه ليتم حج الناس ومناسكهم.»

[7][8]

استرجاع الحجر

بعد ان خرج القرامطة من مكّة حاملين معهم الحجر الأسود والأموال التي نهبوها من النّاس متوجّهين إلى هجر، تعقَّب "ابن محلب" أمير مكّة من قبل العبّاسيين القرامطة مع جمع من رجاله وطلب منهم ردّ الحجر الأسود إلى مكانه على أن يملّكهم جميع أموال رجاله. إلاّ أنَّ القرامطة رفضوا طلبه مما اضطرّه إلى محاربتهم حتّى قتل على أيديهم، وكانت هذه هي أول محاولة لإسترداد الحجر الأسود.

ظلّ الحجر الأسود بحوزة القرامطة مدّة (22) سنة في البحرين، ولم تجد كل المحاولات والمساعي التي بذلها العباسيون والفاطميون من أجل الضغط على القرامطة وإجبارهم على إعادة الحجر الأسود، وقد عرض الخلفاء على القرامطة مبلغاً قدره (50) ألف دينار مقابل إرجاعهم للحجر الأسود، لكنّ القرامطة ظلّوا يخوضون في عنادهم.

ويقول ابن سنان الذي كان معاصراً لتلك الأحداث: لقد عُرِضَت الكثير من الأموال على القرامطة كثمن لردّهم الحجر الأسود لكنّهم رفضوا كلّ تلك العروض، وكان السبب الحقيقي وراء امتثال القرامطة للأمر هو التهديد الذي وجّههُ المهدي العلوي الفاطمي إليهم ممّا أجبرهم على ردّ الحجر الأسود إلى مكّة ثانية، وعاد الحجر الأسود إلى مكّة سنة (339) وقد حمله رجل من القرامطة يُدعى سنبر والذي يحتمل أن يكون حمو أبوسعيد القرمطي ويُقال إن الحجر الأسود حمل إلى الكوفة قبل إرجاعه إلى مكّة ونصب في العمود السابع لمسجد الكوفة حتّى يتسنّى للنّاس رؤيته، وقد كتب شقيق أبو طاهر رسالة جاء فيها: أخذناه بقدرة الله ورددناهُ بمشيئة الله.

ولمّا رُدَّ الحجر الأسود إلى مكّة كان أمير مكّة حاضراً مع حشد من أهلها، وأرجع سنبر الحجر بيديه إلى مكانه، وقيل إن رجلا يُدعى حسن بن مزوّق البناء قام بنصب الحجر عند جدار الكعبة وأحكم مكانه بالجصّ54، هذا وقد ورد ذكر أسماء آخرين ممّن أسهموا في ذلك.[9]

المصادر

  1. الحجر الأسود، إسلام ويب نسخة محفوظة 08 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  2. البداية والنهاية/الجزء الحادي عشر/ثم دخلت سنة سبع عشرة وثلاثمائة - ويكي مصدر نسخة محفوظة 10 يونيو 2015 على موقع واي باك مشين.
  3. الزركلي, خير الدين (أيار 2002 م). الأعلام - ج 3 (الطبعة الخامسة عشر). بيروت: دار العلم للملايين. صفحة 123. مؤرشف من الأصل في 10 ديسمبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  4. تاريخ ابن خلدون نسخة محفوظة 08 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  5. kingkhalid.org.sa :تاريخ ملوك آل سعود - سعود بن هذلول (1405هـ) قاعدة معلومات الملك خالد-مؤلفات نسخة محفوظة 8 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  6. الجراعي الصالحي الحنبلي, أبي بكر بن زيد (1425 هـ / 2004 م). اعتنى به النهام والمطيري والعنزي والعلي (المحرر). تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد (الطبعة الأولى). الكويت: المراقبة الثقافية. صفحة 88. مؤرشف من الأصل في 17 ديسمبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  7. البداية والنهاية/الجزء الحادي عشر/ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة - ويكي مصدر نسخة محفوظة 10 يونيو 2015 على موقع واي باك مشين.
  8. المضواحي, عمر (9 ذو الحجـة 1424 هـ 1 فبراير 2004). "الحجر الأسود فقدته الكعبة 22 عاما في القرن الرابع الهجري: يمين الله في الأرض.. ومن استلمه كأنما بايع النبي محمد عليه السلام". جريدة الشرق الأوسط العدد 9196. =. مؤرشف من الأصل في 3 ديسمبر 2013. اطلع عليه بتاريخ تشرين 2013 م. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); الوسيط |مؤلف= و |الأخير= تكرر أكثر من مرة (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول=, |تاريخ= (مساعدة)
  9. الدرر السنية - الموسوعة التاريخية - قضاء الخليفة العزيز بالله الفاطمي على فتنة القرامطة وأفتكين في الشام وتوطيده سلطان الفاطميين في سوريا نسخة محفوظة 04 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
    • بوابة الدولة العباسية
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.