فاشية جديدة

الفاشية الجديدة أو النيوفاشية هي إيديولوجية ظهرت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تتضمن عناصرًا أساسية من الفاشية. تتضمن الفاشية الجديدة عادةً العصبية القومية والتفوق العرقي والشعبوية والأوتوقراطية والأهلانية ورُهاب الأجانب ومعارضة الهجرة إضافة لمعارضة الديمقراطية الليبرالية والتمثيل البرلماني والرأسمالية والليبرالية[1][2] والماركسية والشيوعية والاشتراكية.[3]

قد يصبح اتهام مجموعة ما بأنها نيوفاشية متنازعًا عليه بشدة لا سيما إن استُخدم المصطلح كنعت سياسي. وُصفت بعض أنظمة ما بعد الحرب العالمية الثانية كأنظمة فاشية جديدة بسبب طبيعتها الأوتوقراطية وأحيانًا بسبب افتتانها وتعاطفها مع الطقوس والأيديولوجية الفاشية.[4][5]

طُبق مصطلح ما بعد الفاشية على عدة أحزاب سياسية أوروبية التي تتبنى شكلًا معتدلًا من الفاشية وتشارك في السياسة الدستورية.[6][7]

خلفية تاريخية

وفقًا ليان إيفيس كامو ونيكولاس ليبورغ، ظهرت الأيديولوجية الفاشية الجديدة عام 1942، بعدما أطلق الرايخ الثالث حملة غزو اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية وقرر إعادة توجيه بروباغندته على أرض أوروبية.[8] أصبحت أوروبا بعد ذلك بمثابة الخرافة واليوتوبيا للنيوفاشيين الذين تخلوا عن النظريات السابقة للتفاوت العرقي داخل العرق الأبيض حتى يتشاركوا موقفًا أوروبيًا قوميًا بعد الحرب العالمية الثانية، تجسدت أوروبا في سياسة أوزفالد موسلي كأمة.[9] بالتالي يمكن رسم التسلسل الزمني التالي: حمل أيديولوجي قبل عام 1919 والتجربة التاريخية للفاشية بين 1919 و1942 المتكشفة في عدة مراحل وأخيرًا الفاشية الجديدة من 1942 فصاعدًا.[8]

بعد أخذ الإلهام من الجمهورية الإيطالية الاشتراكية (1943-1945)، أخذت الفاشية الجديدة المؤسساتية شكل الحركة الإيطالية الاجتماعية (1946-1995). أصبحت تلك الحركة إحدى النقاط المرجعية الأساسية لليمين الأوروبي المتطرف حتى نهاية ثمانينيات القرن العشرين[10] و«كانت المثال الأفضل (والوحيد) لحزب فاشي جديد» بكلمات عالم السياسة كاس مودي.[11] بعد إطلاق الحركة الاجتماعية الإيطالية، أسِست الحركة الاجتماعية الأوروبية عام 1951 كمنظمة في عموم أوروبا بعقلية المجموعات والشخصيات الفاشية الجديدة مثل كتائب فرانكو وموريس بارديشيه وبير إنغدال وأوزفالد موسلي.[12] دعت منظمات أخرى مثل أمة الشباب في نهاية خمسينيات القرن العشرين إلى تمرد خارج البرلمان يمتد إلى استراتيجيات ما قبل الحرب المتبقية.[13] كانت القوة الدافعة الأساسية للحركات الفاشية الجديدة ما رأوه دفاعًا عن الحضارة الغربية من تصاعد كل من الشيوعية والعالم الثالث وفي بعض الحالات خسارة الإمبراطورية الاستعمارية.[14]

في عام 1961، أعاد بارديشيه تعريف الفاشية في كتاب اعتُبر مؤثرًا على اليمين المتطرف جدًا بعنوان ما الفاشية؟ حاجج في الكتاب أن الفاشيين السابقين ارتكبوا خطأين أساسيين: ركزوا جهودهم على الطرق بدلًا من الفكرة الأصلية؛ واعتقدوا بصورة خاطئة أن المجتمع الفاشي يمكن الوصول له من خلال الدولة-الأمة كمعارضة لتركيب أوروبا. وفقًا له، كان يمكن للفاشية أن تبقى في القرن العشرين في ستار ميتاسياسي لو نجح منظروها في بناء طرق ابتكارية متوافقة مع التغير في عصرهم: كانت النية هي ترويج جوهر المشروع الفاشي السياسي الثقافي بدلًا من المحاولات الفارغة لإعادة إحياء أنظمة محكوم عليها بالفشل:[15]

«لا تُعد أشياء مثل الحزب الواحد والشرطة السرية والاستعراضات الشعبية للقيصرية وحتى ظهور الفوهرر من سمات الفاشية بالضرورة. ]...[ تخضع الطرق الفاشية المشهورة للتنقيح وستستمر بخصوعها للتنقيح. إن الفكرة التي خلقتها الفاشية لنفسها حول الإنسان والحرية أهم من الآلية. ]...[ باسم آخر وقوة أخرى ودون شيء يخون إسقاط الماضي وبشكل طفل لا نميزه وبرأس ميندوزا شابة سيُولد نظام أسبرطة من جديد: وللمفارقة سيكون، دون شك، الحصن الأخير للحرية وحلاوة العيش».[16] موريس بارديشيه: ما الفاشية. ص ص 175-176.

في روح استراتيجية بارديشيه للتمويه من خلال منصة التغيير، طورت الحركة الاجتماعية الإيطالية سياسة الإدراج أو الدخولية التي ترتكز على كسب قبول سياسي من خلال التعاون مع الأحزاب الأخرى داخل النظام الديمقراطي. في السياق السياسي للحرب الباردة، بدأت مناهضة الشيوعية تحل محل مناهضة الفاشية كاتجاه مسيطر في الديمقراطيات الليبرالية. في إيطاليا، أصبحت الحركة الاجتماعية الإيطالية مجموعة داعمة في البرلمان للحكومة المسيحية الديمقراطية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات ولكنها أجبرت على التراجع إلى غيتو سياسي بعد مظاهرات مناهضة للفاشية وصدامات عنيفة في الشارع حدثت بين المجموعات الراديكالية ما أدى إلى زوال حكومة تامبروني ذات الفترة القصيرة التي دعمتها الفاشية في يوليو 1960.[17]

الأسباب والتوصيف

أشار عدد من المؤرخين وعلماء السياسة إلى أن الأوضاع في عدد من الدول الأوروبية في الثمانينيات والتسعينيات - لا سيما فرنسا وألمانيا وإيطاليا - كانت من بعض النواحي المهمة مماثلة للظروف في أوروبا في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية التي أدت إلى ظهور الفاشية بأشكالها القومية المتعددة. كانت الأزمات الاقتصادية المستمرة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة وعودة ظهور القومية وزيادة الصراعات العرقية والضعف الجيوسياسي للأنظمة القومية، كلها موجودة، ورغم عدم وجود تطابق دقيق بين الإثنين، إلا أن الظروف كانت متشابهة بما يكفي لتعزيز بداية حركة فاشية جديدة هي الفاشية الجديدة. لأن القومية الشديدة هي دائمًا جزء من الفاشية الجديدة، فإن الأحزاب التي تتكون منها هذه الحركة ليست لعموم أوروبا، ولكنها خاصة بكل بلد ينشأ فيها؛ بخلاف ذلك، تشترك الأحزاب الفاشية الجديدة والجماعات الأخرى في العديد من السمات الأيديولوجية.[18]

من المؤكد أنها فاشية بطبيعتها، يزعم البعض أن هناك اختلافات بين الفاشية الجديدة وما يمكن تسميته بالفاشية التاريخية، أو نوع الفاشية الجديدة الذي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة. يدعي بعض المؤرخين أن الأحزاب الفاشية الجديدة المعاصرة ليست مناهضة للديمقراطية، لأنها تعمل في إطار النظام السياسي لبلدها. يشك علماء آخرون في ما إذا كان هذا فرقًا مهمًا بين الفاشية الجديدة والفاشية التاريخية، إذ أشاروا إلى أن هتلر عمل ضمن النظام السياسي الموجود لجمهورية فايمار للحصول على السلطة، رغم أن التعيين الرئاسي تطلب عملية دستورية معادية للديمقراطية لكنها دستورية بدلًا من الانتخاب من خلال الرايخستاغ. يشير آخرون إلى أن النيوفاشيين الحاليين ليسوا أوتوقراطيين بطبيعتهم، ولكن يبدو أن تنظيم أحزابهم على غرار حزب مبدأ الفوهرر يشير إلى غير ذلك. يزعم المؤرخ ستانلي جي باين أن الاختلافات في الظروف الحالية مقارنة بسنوات ما بين الحربين العالميتين، وتعزيز الديمقراطية في الدول الأوروبية منذ نهاية الحرب يمنع عودة عامة للفاشية التاريخية، ويؤدي إلى ظهور مجموعات فاشية جديدة حقيقية تكون صغيرة وتبقى على الهامش. بالنسبة لباين، فإن مجموعات مثل الجبهة الوطنية في فرنسا ليست فاشية جديدة بطبيعتها، ولكنها مجرد أحزاب يمينية راديكالية ستعمل، بمرور الوقت، على تعديل مواقفها من أجل تحقيق نصر انتخابي.[19]

تعد مشكلة المهاجرين -الشرعيين وغير الشرعيين (أو غير النظاميين)- سواء أطلِق عليهم الأجانب أو العمال الأجانب أو اللاجئين الاقتصاديين أو الأقليات العرقية أو طالبي اللجوء أو الخارجيين، جوهر القضية الفاشية الجديدة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بمذهبهم الوطني والتطرف القومي وكراهية الأجانب، لكن التفاصيل تختلف إلى حد ما من بلد إلى آخر بسبب الظروف السائدة. بشكل عام، يكون الدافع المناهض للمهاجرين قويًا عندما يكون الاقتصاد ضعيفًا أو ترتفع معدلات البطالة، ويخشى الناس أن يأخذ الغرباء وظائفهم. لهذا السبب، تتمتع الأحزاب الفاشية الجديدة بقدر أكبر من الجاذبية الانتخابية خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة. مرة أخرى، تعكس هذه المشكلة الوضع في سنوات ما بين الحربين العالميتين، عندما عانت ألمانيا، على سبيل المثال، من تضخم مفرط لا يُصدق وأدى إلى هدر الكثير من الناس لمدخراتهم. في أوروبا المعاصرة، ترى الأحزاب السياسية السائدة الميزة الانتخابية التي تحصل عليها أحزاب الفاشية الجديدة واليمينية المتطرفة من تركيزها القوي على المشكلة المفترضة للغريب، ومن ثم تميل إلى استمالة القضية من خلال الانتقال إلى اليمين إلى حد ما في قضية المهاجرين، على أمل جذب بعض الناخبين من اليمين المتطرف. في ظل غياب حركة اشتراكية قوية في أوروبا ما بعد الحرب، فإن هذا يميل إلى تحريك المركز السياسي إلى اليمين بشكل عام.[20]

في حين أن كلا من الفاشية التاريخية والفاشية الجديدة المعاصرة تكرهان الأجانب والمسلمين وتعاديان المهاجرين، فإن قادة الفاشية الجديدة يحرصون على عدم تقديم هذه الآراء بطريقة قوية للغاية لرسم أوجه تشابه واضحة مع الأحداث التاريخية. وهكذا فإن كلًا من جان ماري لوبان من الجبهة الوطنية الفرنسية وحزب الحرية النمساوي بزعامة يورغ هايدر، على حد تعبير المؤرخ توني جودت، «كشفوا عن تحيزاتهم بشكل غير مباشر فقط». وبالتالي لن يُوبخ اليهود كمجموعة، ولكن سيُسمى شخص على وجه التحديد باعتباره خطرًا ويُصادف أنه يهودي.[21] يعد التقديم العلني لقادتهم أحد الاختلافات الرئيسية بين النيوفاشيين والفاشيين التاريخيين: فقد صُقلت برامجهم وحُدثت لجذب الناخبين، أيديولوجية يمينية متطرفة ذات قشرة ديمقراطية. لا يظهر النيوفاشيون في جزم وسترات بنية اللون، بل يرتدون البدلات وربطات العنق. الاختيار متعمد، إذ يعمل قادة المجموعات المختلفة على تمييز أنفسهم عن القادة المتوحشين للفاشية التاريخية، وأيضًا لإخفاء أي سلالات وعلاقات تربط القادة الحاليين بالحركات الفاشية التاريخية. عندما تُنشر، كما حدث في حالة هايدر، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهورها وسقوطها.[22][21]

انظر أيضًا

مراجع

  1. Castelli Gattinara, Pietro. "The appeal of neo-fascism in times of crisis. The experience of CasaPound Italia". Journal of Comparative Fascist Studies. مؤرشف من الأصل في 18 نوفمبر 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); Cite journal requires |journal= (مساعدة)
  2. Andriola, Matteo Luca. La Nuova destra in Europa. Il populismo e il pensiero di Alain de Benoist. PaginaUno. مؤرشف من الأصل في 7 أكتوبر 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. Fritzsche, Peter (1 October 1989). "Terrorism in the Federal Republic of Germany and Italy: Legacy of the '68 Movement or 'Burden of Fascism'?". Terrorism and Political Violence. 1 (4): 466–481. doi:10.1080/09546558908427039. ISSN 0954-6553. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  4. Oosterling, Henk (1997). Fascism as the Looming Shadow of Democracy: A Critique of the Xenophobic Reason. Amsterdam/Atlanta: Rodopi. صفحات 235–252. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. Deutsch, Sandra McGee (2009). "Fascism, Neo-Fascism, or Post-Fascism? Chile, 1945–1988". Diálogos-Revista do Departamento de História e do Programa de Pós-Graduação Em História 13.1: 19–44. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. "Post-fascist - definition of post-fascist by The Free Dictionary". TheFreeDictionary.com. مؤرشف من الأصل في 3 مايو 2014. اطلع عليه بتاريخ 15 أغسطس 2013. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  7. Griffin, R. (2007) The 'post‐Fascism' of the Alleanza Nazionale: A case study in ideological morphology, Journal of Political Ideologies, 1/2: 123-145
  8. Camus, Jean-Yves; Lebourg, Nicolas (2017-03-20). Far-Right Politics in Europe (باللغة الإنجليزية). Harvard University Press. 9–10, p. 38. ISBN 9780674971530. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  9. Laqueur, Walter (1997). Fascism: Past, Present, Future (باللغة الإنجليزية). Oxford University Press. صفحات 93–94. ISBN 9780198025276. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. Ignazi, Piero (2003). Extreme Right Parties in Western Europe (باللغة الإنجليزية). Oxford University Press. صفحات 51. ISBN 9780198293255. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  11. Casadio, Massimiliano Capra (2014). "The New Right and Metapolitics in France and Italy". Journal for the Study of Radicalism. 8 (1): 45–86. doi:10.14321/jstudradi.8.1.0045. ISSN 1930-1189. JSTOR 10.14321/jstudradi.8.1.0045. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  12. Bosworth, R. J. B. (2009). The Oxford handbook of fascism. Oxford University Press. صفحة 592. ISBN 978-0-19-929131-1. مؤرشف من الأصل في 6 سبتمبر 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  13. Gautier, Jean-Paul (2017). Les extrêmes droites en France: De 1945 à nos jours (باللغة الفرنسية). Syllepse. صفحات 40–41. ISBN 9782849505700. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  14. Sedgwick, Mark (2019). Key Thinkers of the Radical Right: Behind the New Threat to Liberal Democracy (باللغة الإنجليزية). Oxford University Press. صفحة 79. ISBN 9780190877613. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  15. Bar-On, Tamir (2016). Where Have All The Fascists Gone? (باللغة الإنجليزية). Routledge. صفحات PT14. ISBN 9781351873130. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  16. Bardèche, Mauriche (1961). Qu'est-ce que le fascisme?. Paris: Les Sept Couleurs. pp. 175–176.
  17. Fella, Stefano; Ruzza, Carlo (2009). Re-inventing the Italian Right: Territorial Politics, Populism and 'post-fascism' (باللغة الإنجليزية). Routledge. 13–16. ISBN 9781134286348. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  18. Golsan, Richard J. "Introduction" in Golsan (1998), pp.2-6
  19. Golsan, Richard J. "Introduction" in Golsan (1998), pp. 6–7.
  20. Judt (2005), pp.736-46
  21. Judt (2005), pp. 742–746.
  22. Wolin, Richard. "Designer Fascism" in Golan (1998), p.49
    • بوابة إيطاليا
    • بوابة السياسة
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.