عنف رمزي

عنف رمزي (Symbolic Violation) مفهـوم سوسـيولوجي معاصـر[1] يعني أن يفرض المسيطرون طريقتهم في التفكير والتعبير والتصور الذي يكون أكثر ملائمة لمصالحهم، ويتجلى في ممارسات قيمية ووجدانية وأخلاقية وثقافية تعتمد على الرموز كأدوات في السيطرة والهيمنة مثل اللغة، والصورة، والإشارات، والدلالات، والمعاني. فهو عنف نائم خفي هادئ، غير مرئي وغير محسوس حتى بالنسبة لضحاياه.[2] ويعد مفهوم العنف الرمزي واحداً من المفاهيم المهمة التي تصدرت طروحات بيير بورديو المبكرة عام 1972 .[3]

يجب وقف العنف بجميع أشكاله وصوره ؛ لإنه انتهاك لحقوق الإنسان

تعريف العنف الرمزي

يعرفه بيير بورديو : العنف الرمزي هو عبارة عن عنف لطيف، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم، وهو عنف يمارس عبر الطرائق والوسائل الرمزية الخالصة .أي: عبر التواصل، وتلقين المعرفة، وعلى وجه الخصوص عبر عملية التعرف والاعتراف .[4] و"هو أيضاً صنوف من التصرفات والأقوال والأفعال والحركات والكتابات، التي من شأنها أن تـُلحق الأذى بالاتزان النفسي أو الجسدي لشخص ما، وأن تـُعرّض عمله وحياته للخطر، وأن تتسبّب بتعكير مناخ العمل وتسميمه".[5] ويمكن تعريفه : هو نوع من العنف الثقافي الذي يؤدي وظائف اجتماعية كبرى، ويمكن تلمسه في وضعية الهيمنة التي يمارسها أصحاب النفوذ على أتباعهم بصورة مقنّعة وخادعة، إذ يقومون بفرض مرجعياتهم الأخلاقية والفكرية على الآخرين من أتباعهم، ويولدون لديهم إحساسا عميقا بالدونية والعطالة والشعور بالنقص .[6]

الفرق بين العنف الرمزي والعنف النفسي

"وفي إطار تحديد هوية العنف الرمزي، ينبغي الفصل بين صور العنف الرمزي وممارسات العنف الأخرى التي درست تحت طائلة الدراسات السيكولوجية، فالعنف بشكل عام يتضمن أشكال الانتهاك الجسدي كما يتضمن العنف المعنوي الذي يتوجه ضد الآخر مثل : الاستهزاء. اما العنف الرمزي فهو عنف غامض مستتر، يتماهى، ويتوارى خلف الكثير من السلوكات اليومية المقبولة اجتماعياً وثقافياً وإيديولوجياً، ودينياً، وتكون نتائجه خطرة وكارثية لأنه يُطَبع الشخصية على العنف ويناوب الأدوار بين الجلاد والضحية ويؤسس ويثقف بشكل مستتر للعنف الصريح ( الجسدي والمعنوي)".[7] فالعنف الرمزي مقارنة بأي شكل آخر من أشكال العنف يكون غامضاً مستتراً خفياً ناعماً، ولكن نتائجه قد تكون كارثية فيما يتعلق بتوجهات الحياة الاجتماعية بمساراتها الفكرية والأيديولوجية. ويضاف إلى ذلك أن العنف الرمزي عنف إشكالي وظيفي، يحمل في ذاته طابعاً أيديولوجياً، وهو يثير كثيراً من الجدل بين الباحثين والمفكرين.[6]

خصائص العنف الرمزي

العنف الرمزي ربما يكون أحطر من العنف الفيزيائي أو الجسدي

ويشترك العنف الرمزي مع سائر أنواع العنف في الهدف متمثلاً في إلحاق الأذى والضرر بالأخرين، ويختلف عنها من حيث أداؤه لأنه خفي وغير واضح تماما، ومن خصائصه :

  1. العنف الرمزي ذو قوة، وله تأثير كبير استنادا إلى طريقته وإلى جملة الرموز والمعاني التي يحملها.
  2. العنف الرمزي يتخذ عدة أشكال وعدة خصائص وأهمها الترميز .
  3. العنف الرمزي يهدف إلى فرض السلطة والنفوذ بطريقة تعسفية واستبدادية.[2]

أساليب العنف الرمزي

للعنف الرمزي مظاهر وأسالیب عدیدة، من أبرزها عند بوردیو :

  1. التبخیس : سلوك یتسم بالتعالي والتمییز، وتقلیل قیمة وشأن الأفراد الآخرین أو ممن هم أقل مكانة، والازدراء والتصغیر والإبعاد الاجتماعي والمهني." ويمكن تصنيف تسميات: بلدان العالم الثالث، البلدان النامية، بلدان الجنوب، البلدان المتخلفة، تحت هذا العنوان التبخيسي للهوية. ومما لا شك فيه أن هذه التسميات وغيرها، التي أطلقت على الشعوب المغلوبة، تمثل أحكاما قيمية غامضة تبخيسية بذاتها، وترمز إلى تقدم المجتمعات الغربية وتفوقها."[6]
  2. الإنكار القیمي : یتمثل بإنكار قدرات ومهارات الأفراد ؛ وذلك من أجل السیطرة علیهم وتحدید قدراتهم وكبت طاقاتهم ومواهبهم التي یتمتعون بها.
  3. الاستلاب النفسي : یتمثل في استلاب حقوق الأفراد وما یتمتعون به من امتیازات اجتماعیة ومهنیة مشروعة، فضلا عن حرمانهم من فرصة التعبیر عن أفكارهم وآرائهم واتجاهاتهم الخاصة.
  4. التعبیر العدائي المعلن : یتمثل في استخدام الرموز والإشارات اللفظیة والتعبیرات الجسمیة التي تدل على قوة المعتدي ورفضه وفرض هیمنته الوظیفیة والاجتماعیة على الآخرین .[8]

عوامل تساعد على تنامي العنف الرمزي

  • الطبقات الاجتماعية والأعراق والمذاهب: العنف الرمزي يتنامى وتتعاظم مشروعيته في المجتمعات التي تتألف من طبقات اجتماعية وأعراق وديانات ومذاهب مختلفة وبخاصة في المراحل الانتقالية الناتجة عن المتغيرات الاقتصادية والسياسية، حيث تستقطب صور العنف الرمزي وتتمترس بقوة مزدوجة (داخلية وخارجية) باتجاه العرق أو الدين والمذهب.[3]
  • الاستعمار الخارجي:لقد دأبت السياسات الاستعمارية على توظيف التبخيس والتدمير الثقافي للهوية ضد الشعوب المستعمرَة، وذلك تحت ذريعة التنوير والتبشير والديمقراطية. ويمكن تصنيف تسميات: بلدان العالم الثالث، البلدان النامية، بلدان الجنوب، البلدان المتخلفة، تحت هذا العنوان التبخيسي للهوية.[6]

مجالات العنف الرمزي

في مجال الإعلام

في مجال الإعلام ركز بيير بورديو على التلفزيون باعتباره أداة إعلامية خطيرة تمارس العنف ضد المواطنين، إذ تقدم لهم ما تشتهيه السلطة المهيمنة التي تستغل وسائل الإعلام لتحقيق مصالحها وأهدافها وأرباحها. ومن ثم، يتلاعب التلفزيون بعقول الناس، وينشر بينهم إيديولوجية الدولة المهيمنة، وأفكار الطبقة الحاكمة. وهذا يهدد – فعلا- الثقافة والفن والديمقراطية الحقيقية.[9] وينطبق هذا الحكم نفسه على الصحافة التي صارت من الوسائل الخطيرة التي تشارك الفئات الحاكمة في ممارسة العنف الرمزي ضد الآخرين.

في مجال التربية والتعليم

وفي مجال التربية والتعليم وطبقاً لبورديو تتضمن الأنشطة التربوية القائمة على تلقين المعلومات، موضوعياً نوعاً من العنف الرمزي، وذلك بوصفها فرضاً من قبل جهة عليا تسعى لتوطيد هيمنة رؤى الطبقة المسيطرة، وإعادة إنتاج موروث العنف الرمزي الاجتماعي الذي يرسخ الطبقية والتبعية للكثير من الآراء.وكذلك تمايز مستويات المدارس وفرص الطلبة في الانتساب إليها، لاعتبارات اقتصادية وطبقية اجتماعية يخضع الطلبة لامتحانات مركزية موحدة في بعض المراحل الدراسية، ونتيجة طبيعية ان تكون فرصة شريحة معينة من الطلبة في النجاح وتحصيل قدر أكبر من الدرجات أكثر من فرصة الطلبة في شرائح اجتماعية اخرى هذه النتائج تنطوي على عنف رمزي مشروع يعيشه الجميع دون ان يدركوا خطورته.[7]

إحصاءات حول العنف الرمزي

أظهرت استطلاعات أن أكثر من مليوني فرنسي وفرنسية، أي ما نسبته 9 بالمائة من الفرنسيين، يتعرضون للاعتداء المعنوي والعنف الرمزي في أماكن عملهم.[10]

انظر أيضاً

مراجع

  1. العنف الرمزي الممارس في مؤسسة الجامعة وعلاقته بمستويات الطموح لدى الطالب الجامعي دراسة ميدانية لعينة من طلبة السنة الثانية علوم اجتماعية بكلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بجامعة ورقلة، بحث منشور على الشبكة إعداد الطالبة: شاكو صفاء، ص 16
  2. العنف الرمزي عبر الشبكات الاجتماعية الافتراضية، عائشة لصلج،مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2016 م، ص 9
  3. العنف الرمزي (Symbolic Violation)، عبد الكريم سليم علي، (2016 م)، https://kitabat.com/2016/08/22/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D8%B2%D9%8A-symbolic-violation/ موقع كتابات
  4. العنـــف الرمـــزي عند بيير بورديو، جميل حمداوي، (Pierre Bourdieu, La domination masculine, p:88)،http://www.laghoo.com/2017/02
  5. في العنف الرمزي، زهدي الفاتح، http://www.al-jazirah.com/2012/20120706/ar1.htm صحيفة الجزيرة.
  6. الطاقة الاستلابية للعنف الرمزي، علي أسعد وطفة .http://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/m_abhath-10-05-12.htm
  7. العنف الرمزي، عبد الكريم سليم علي، تاريخ نشر المقال 22 آب/أغسطس 2016، https://kitabat.com/2016/08/22/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D8%B2%D9%8A-symbolic-violation/ موقع كتابات .
  8. علي أسعد وطفة، (2009) : من الرمز والعنف الى ممارسة العنف الرمزي قراءة في الوظیفیة البیداغوجیة للعنف الرمزي في التربیة المدرسیة، مجلة شؤون اجتماعیة،السنة 26،العدد104.
  9. (Pierre Bourdieu, Sur la télévision suivi de L’emprise du journalisme, Paris, Liber, coll. « Raisons d’agir », 1996, 95 p) نقلاً عن مقال بعنوان : العنـــف الرمـــزي عند بيير بورديو، جميل حمداوي، http://www.laghoo.com/2017/02/
  10. http://www.al-jazirah.com/2012/20120706/ar1.htm مقال بعنوان : في العنف الرمزي في صحيفة الجزيرة السعودية للكاتب زهدي الفاتح

    مصادر

    1. العنف الرمزي: بحث في أصول علم الاجتماع التربوي، بيير بورديو، ترجمة نظير جاهل، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1994، ط1
    2. العنف الرمزي وانتهاك حقوق الإنسان: استمرار النقد الاجتماعي للهيمنة، كلاوديو كولاجوري، المجلة الدولية لعلم الجريمة والنظرية الاجتماعية، المجلد 3، العدد 2 (2010)، ISSN: 1916-2782.
    3. العنف الرمزي المدرك وعلاقته بالعجز المتعلم لدى طلبة الجامعة (القادسية)،علي حسین عاید، كلیة الآداب/ جامعة القادسیة، مجلة مركز دراسات الكوفة، العدد 41 سنة 2016، https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=111784 .
    4. من الرمز والعنف إلى ممارسة العنف الرمزي، علي أسعد وطفة، مجلة شؤون اجتماعية مجلة علمية محكمة تصدر عن تصدر عن جمعية الاجتماعيين في الإمارات العربية المتحدة السنة 26العدد 104 –2009 ص 45- 101،http://watfa.net.

    وصلات خارجية

    • بوابة علم النفس
    • بوابة علم الاجتماع
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.