عمارة سلجوقية

تتألف العمارة السلجوقية من تقاليد البناء التي استخدمتها سلالة السلاجقة ، عندما حكمت معظم الشرق الأوسط والأناضول خلال القرنين الحادي عشر والثالث عشر. بعد القرن الحادي عشر، خرج سلاجقة الروم من الإمبراطورية السلجوقية الكبرى لتطوير الهندسة المعمارية الخاصة بهم، على الرغم من تأثرهم واستلهامهم التقاليد المعمارية الفارسية والأرمينية والبيزنطية .

ضريح خالد وليد في وسط باكستان يتميز بالعناصر المعمارية السلجوقية التي أدخلت إلى المنطقة. [1]

العمارة السلجوقية العظيمة

يمكن العثور على العناصر المعمارية السلجوقية في منطقة شاسعة تمتد من هندوكوش إلى شرق الأناضول ومن آسيا الوسطى إلى الخليج العربي. كانت تركمانستان وإيران موطن تقليد البناء هذا، حيث تم تشييد أول صروح سلجوقية دائمة. ومع ذلك، دمرت الغزوات المغولية والزلازل معظم هذه المباني ولم يبق منها سوى القليل. في عام 1063 تم إنشاء مدينة أصفهان كعاصمة للإمبراطورية السلجوقية الكبرى تحت حكم ألب أرسلان .

المدارس السلجوقية

قام السلاجقة بتجديد الحياة الفنية؛ فأحدثوا المدرسة لتكون مؤسَّسةً ثقافيَّةً وتعليميَّة، شُيِّد مبناها وفق هندسةٍ معماريَّةٍ مقتبسةٍ من العمارة في إيران والعراق، وتعتمد على الإيوانات المطلَّة على باحةٍ سماويَّة، وفي الجهة الجنوبيَّة المصلَّى، وهناك غرف سكن الطلاب في طبقتي المبنى، وكانت المدرسة بمنزلة "حصن الفقه"، ومن أهمِّ هذه المدارس:

- مدرسة نيسابور.

- المدرسة النظامية.

إنَّ كثرة المدارس النظامية التي أسَّسها الوزير نظام الملك وأنفق عليها بسخاء، جعلت الخصوم والواشين يُثيرون السلطان ملكشاه ضدَّه، زاعمين أنَّ هذه الأموال التي يُنفقها على المدارس كافيةً لإعداد جيشٍ كبيرٍ يرفع راياته فوق أسوار القسطنطينيَّة، فدافع الوزير السلجوقي عن سياسته، ويُلاحظ أنَّ معظم المباني السلجوقية تضمُّ المسجد والمدرسة والضريح، وكثيرًا ما يُعرف المبنى باسم المدرسة؛ كالمدرسة المستنصرية في بغداد التي بناها الخليفة المستنصر عام (1232م=629هـ) لتدريس المذاهب الأربعة في إيواناتها.

كان التغيير الأكثر أهمية الذي تم إجراؤه في أوائل القرن الثاني عشر هو تحويل مخطط المسجد إلى مخطط بأربع إيوانات. كما تم إدخال نوع آخر من المساجد في هذا الوقت وهو مسجد الكشك، ويتألف من مساحة مقببة بثلاثة جوانب مفتوحة وجدار يحتوي على محراب على جانب القبلة. تميزت الهندسة المعمارية في هذه الفترة أيضًا بالمقابر التذكارية التي كانت عادةً هياكل مثمنة الأضلاع ذات أسقف مقببة تسمى جونباد أو تُربه . ومن المرجَّح أنَّ عمارة الأضرحة من ابتكار السلاجقة؛ لرأيهم أنَّ مبنى الضريح مهمٌّ ومقدَّس، ولمباني الأضرحة شكل برجٍ أو شكلٌ تعلوه قبَّة، ومن أهمِّ المباني الجنائزية مبنى قبر سنجر (1117-1158م= 510-553هـ) آخر سلاطين سلاجقة خراسان في مرو،[2] حيث تبلغ مساحة الضريح 27 متر (89 قدم) مع قبة مزدوجة ضخمة ترتكز على زوايا ومقرنصات. كما تتألَّف مباني الأضرحة من قاعة مربعة الشكل تعلوها قبَّة من الآجر قادرة على الصمود عند حدوث الهزات الأرضية، وغدت القبة العنصر المعماري المهم.

مأذنة مدرسة إنسي الإسلامية في قونية

شهدت بلاد الشام في عهود السلاجقة -أتسز بن أوق، وتتش بن ألب أرسلان وابنيه رضوان ودقاق، وطغتكين، وعماد الدين، ونور الدين- نهضةً معماريَّة وفنيَّة تدلُّ عليها المباني التاريخيَّة والآثار الفنيَّة. ففي سوريا والعراق ، تم تمثيل الآثار الباقية بالمدارس والمقابر، وتم بناء المدارس مثل المستنصرية في بغداد أو الموريستان في دمشق على مخطط من أربعة إيوانات، بينما تميزت المدافن بقباب مقرنصات مخروطية. يتميز ضريح خالد وليد في جنوب باكستان بالعناصر المعمارية السلجوقية التي تم إدخالها إلى المنطقة عبر آسيا الوسطى . [1]

وأبدع النجَّارون أجمل المنابر والمحاريب وكراسي المصحف، واستخدموا مختلف التقنيَّات وبخاصَّةٍ تنزيل العظم والعاج، وتشكيل تكوينات هندسية ونباتية وكتابية، والجدير بالذكر أنَّ فنَّاني حلب أبدعوا المنبر الخشبي الذي أهداه السلطان صلاح الدين إلى الجامع الأقصى بعد تحرير القدس، وفي المتحف الوطني بدمشق ضريح خشبي للأميرة السلجوقية بختي خاتون.

بعض الأمثلة على فن العمارة السلجوقية تشمل:

بفضل السلاجقة ازدهرت صناعة البسط الشعبية والسجاد، واشتهرت المدن الفارسية بروائعها بطريقة العقد، وتدين مدن شيراز وتبريز وغيرها بشهرتها إلى روائع سجَّادها، واشتهرت الموصل ودمشق وحلب بمصنوعاتها النسيجية التي عُرفت بأسمائها، وخاصة الدامسكو والموصلين.وقد زيَّن الفنَّانون مقامات الحريري، وكليلة ودمنة، والمخطوطات العلميَّة المختلفة بروائع التصوير، التي تُمثِّل كائنات بشريَّة وحيوانيَّة، وتقصد إلى الزينة والزخرفة والتوضيح، وقد تميَّزت بدقَّة رسمها وغنى ألوانها، واستخدام الذهب والفضة فيها، وعدم الاهتمام بالمنظور.[2]

العمارة السلجوقية الأناضولية

شيفتي ميناريلي ميدريس نصب تذكاري معماري في أرضروم ، تركيا

اعتنى السلاجقة بِعمارة المُدن التي افتتحوها في آسيا الصُغرى عنايةً بارزة، فحصَّنوها وابتنوا فيها الجوامع والأضرحة الضخمة ذات السُقُوف المخروطيَّة، ممَّا غيَّر الطابع الثقافي لِلمُدن الروميَّة بِمُرور الوقت. وبعد استقرار دعائم دولتهم، حوَّل السلاطين والأُمراء أنظارهم إلى بناء المرافق العلميَّة والخيريَّة والصحيَّة، فأكثروا من بناء المدارس والمعاهد والمياتم ودُور العجزة والبيمارستانات. وعلى الرُغم من اشتباكهم مع أعدائهم في حُرُوبٍ مُستمرَّة، فقد كان لديهم مُتَّسعٌ من الوقت لِرعاية وإنشاء الكثير من المُؤسَّسات الخيريَّة، فشيِّدوا مدرسةً لِدراسة الطب ومُستشفى مُلحقٌ بها في مدينة قيصريَّة، وسُميت هذه بِـ«مدينة الشفاء»، ومدرسةٌ ثانية على غرارها في مدينة سيواس، عُرفت بـ«گوك مدرسة»، أي المدرسة الزرقاء، وثالثة في قونية عُرفت بِـ«مدرسة إينجه مناره‌لي» أي مدرسة المنارة النحيلة. وقد شكَّلت هذه المدارس نماذج معماريَّة احتذت بها الدولة العُثمانيَّة فيما بعد.[3] وعمَّر السلاجقة طُرق القوافل، وبنوا الجُسُور، وشبكةٍ من الخانات لِينزل بها المُسافرون، واشتهر من هذه الخانات: «سُلطان خان» في طريق قونية وآق سراي، وخان قراطاي بين قيصريَّة وملطية. وكانت بعض الخانات فاخرة البناء ذات أسوارٍ عالية، فيها أبراجٌ لِلدفاع عنها، جُدرانها من الحجر، وفيها زخارف ونُقُوشٌ مُتشابكة ومُعقَّدة تُحيطُ بِأبوابها. وصُمِّم داخل الخان بِحيثُ يُلائم جميع احتياجات المُسافرين، فكان يضمُّ جامعًا وبركة ماء وإسطبلات ومقهى وحمَّام ومعمل لِإصلاح لوازم القافلة.[3]

مسجد السُلطان علاء الدين كيقُباد في مدينة قونية.

اعتنى السلاجقة عنايةً خاصَّةً بِبناء المساجد الفخمة، لكنَّ مساجدهم في آسيا الصُغرى اختلفت عن مساجد المُسلمين في الأقطار المُجاورة، من جهة أنَّ مُعظمها افتقد الصحن أي الساحة الخارجيَّة الواسعة، ومردُّ ذلك هو قسوة المُناخ في بلاد الأناضول سواء في الصيف أم في الشتاء، واستعاضوا عنها بِساحةٍ أُخرى داخليَّة. ومع هذا، يُلاحظ أنَّ السلاجقة حافظوا على شكل الجوامع المُربَّع أو المُستطيل في بداية عهدهم، وعندما بنوا الجامع الكبير في قيصريَّة سنة 530هـ المُوافقة لِسنة 1135م، والجامع الكبير في أرضروم سنة 524هـ المُوافقة لِسنة 1139م، تركوا فُسحةً غير مسقوفة في وسط الجامع لِيستعيدوا ذكرى الصحن الذي أُزيل من هذا الطراز، ثُمَّ أضافوا نافورة لِلوُضوء داخل الجامع تحت القبَّة المركزيَّة لِتكون بديلًا عن تلك التي كانت توجد في الصحن.[3] كان لِلمساجد الأولى التي بناها السلاجقة سقفٌ مُنبسطٌ من الخشب، مرشوشٌ بِالتُراب المدقوق، وقد استُعملت القُبَّة البيضويَّة عند بناء المسجد الجامع في قونية سنة 617هـ المُوافقة لِسنة 1219م، وكانت القباب تُزيَّن من داحلها بِالقاشاني أو بِالطابوق المُزجَّج. وكان الفن المعماري لِسلاجقة الروم في أوَّل عهده يُشبه الفن المعماري لِلسلاجقة العظام في إيران، وأهم عناصره المُلفتة لِلنظر هو الباب الوحيد لِلمبنى أيًّا كانت الغاية منه، فيجعلون لِحواشي هذه الأبواب إطارًا فيه مجموعة كبيرة من الأحجار المنحوتة والمُزخرفة، وتنتشر هذه الزخارف لِتشمل الواجهة بِأسرها وحول النوافذ المُرتفعة أيضًا.[3] ولعلَّ من أهم الأبنية السُلجُوقيَّة في بلاد الروم، والتي ما يزال الكثير منها قائمًا، هي الأضرحة المعروفة بِـ«التُرَب» (مُفردُها تُربَة)، وهي أشبه بِالأضرحة في آسيا الوُسطى أكثر من كونها إسلاميَّة، وتُقسم هذه التُرَب إلى قسمين: الأوَّل لهُ بُرجٌ أُسطواني أقصر وأعرض من الأبراج مُدبَّبة الرأس المُنتشرة في شمال إيران، وسقفهُ على شكل قبَّةٍ عريضةٍ واطئةٍ، وتُكسى القبَّة أحيانًا من الخارج بِالقاشاني الفيروزي. أمَّا القسم الآخر فهو دائري أو مُتعدِّد الأضلاع أو مُثمَّن الجوانب، يرتكز على قاعدةٍ مُربَّعةٍ ومسقوفٍ بِبُرجٍ مخروطيّ. وكان بعضُ هذه الأبراج يحملُ نُقُوشًا وكتاباتٍ عربيَّةٍ محفورةٍ بِطريقةٍ فنيَّة، وإن كان أغلبها يُترك دون زخرفة، فيبدو جمالها مُعتمدًا على نوعيَّة وتناسق فنَّها المعماري. وتكوَّنت أغلب الأضرحة من طابقين، يُستعمل الطابق الأرضي منها لِلدفن، بينما يُستعمل الطابق العُلُوي مُصلًّا.[3]

يوجد أكبر عدد من الآثار السلجوقية الباقية في الأناضول، وبنى سلاجقة الروم مبانٍ حجرية ضخمة ذات تصميم بسيطة وأنيقة، في معظمها سهل للغاية، ولكن مع رشقات من الزخارف المتقنة حول المداخل.

ترجمة السلاجقة الروم عمارة السلاجقة الإيرانية من الطوب والجص في استخدام الحجر ويتمثل بنائها من الخانات و المدارس الإسلامية والمساجد.[4] من بين هؤلاء الخانات استخدم منها كمحطات، ومراكز تجارية ما بين القوافل، والتي تم بنائها من مائة مبنى خلال فترة سلاجقة الأناضول بشكلاً خاص. إلى جانب التأثيرات الفارسية، التي كان لها تأثير لا جدال فيه، [5] تأثرت العمارة السلجوقية أيضًا بالعمارة الأرمنية ، مثل وجود مهندسين معماريين مسلمين نشأوا من أرمينيا التاريخية، ومن خلال وجود مهندسين معماريين وبنائين أرمن.[6] [7] على هذا النحو، تمثل العمارة الأناضولية بعض المباني الأكثر تميزًا وإعجابًا في تاريخ العمارة الإسلامية. وفي وقت لاحق تم نقل هذه العمارة الأناضولية إلى سلطنة الهند . [8]

في قونية عاصمة السلاجقة الروم والمدن السلجوقية الكبرى مثل ألانيا، أرضروم و قيصري و سيفاس لها مباني سلجوقية مهمة، وشكل عام فأن الأعمال السلجوقية وفيرة في أي مدينة أو بلدة في الأناضول تقريبًا، ولا سيما في وسط وشرق الأناضول. كما امتدت سلطة السلاجقة (لفترة وجيزة) حتى ساحل بحر إيجة ، لذلك توجد قبور سلاجقة حتى - بشكل مناسب - في بلدة سلجوق، بجوار أفسس جنوب إزمير . وتعتبر الخانات العظيمة من بين أرقى المباني وأكثرها تميزًا في المباني السلجوقية حيث بُنيت خلال القرن الثالث عشر لتشجيع التجارة في جميع أنحاء الإمبراطورية، ولا يزال العشرات منهم في حالة جيدة.

انظر أيضًا

المراجع

  1. Mughal, Mohammad (2006). TURKEMINSTAN-UNESCO: APPRAISAL OF THE HISTORICAL CULTURAL VALUES AND DETERMINATION OF THE WAYS ON THE PROTECTION OF THE WORLD HERITAGE PROPERTIES: Abstracts of reports of the International Scientific Conference (PDF). Abstracts of reports of the International Scientific Conference. مؤرشف من الأصل (PDF) في 28 أبريل 2017. اطلع عليه بتاريخ 15 سبتمبر 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  2. "قصة الإسلام | العمارة والفنون التطبيقية عند السلاجقة". islamstory.com. مؤرشف من الأصل في 11 سبتمبر 2020. اطلع عليه بتاريخ 11 سبتمبر 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. يُوسُف، شريف (2020). المدخل التاريخي لتاريخ العمارة العربيَّة وتطوُّرها (الطبعة الأولى). القاهرة - مصر: وكالة الصحافة العربيَّة. صفحة 123 - 125. ISBN 9796500428611. مؤرشف من الأصل في 4 فبراير 2021. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
  4. West Asia:1000-1500, Sheila Blair and Jonathan Bloom, Atlas of World Art, ed. John Onians, (Laurence King Publishing, 2004), 130.
  5. Architecture(Muhammadan), H. Saladin, Encyclopaedia of Religion and Ethics, Vol.1, ed. James Hastings and John Alexander, (Charles Scribner's son, 1908), 753.
  6. Henri Stierlin, "Turkey From the Selcuks to the Ottomans", Taschen's World Architecture, 1998, p73-75
  7. Armenia during the Seljuk and Mongol Periods, Robert Bedrosian, The Armenian People From Ancient to Modern Times: The Dynastic Periods from Antiquity to the Fourteenth Century, Vol. I, ed. Richard Hovannisian, (St. Martin's Press, 1999), 250.
  8. Lost in Translation: Architecture, Taxonomy, and the "Eastern Turks", Finbarr Barry Flood, Muqarnas: History and Ideology: Architectural Heritage of the "Lands of Rum, ed. Gulru Necipoglu, (Brill, 2007), 96.

    روابط خارجية

    • بوابة عمارة
    • بوابة الدولة السلجوقية
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.