علي القاضي

علي القاضي الطباطبائي (1285- 1366 هجرية / 1868 - 1946 ميلادي)، هو عارف وفيلسوف ومفسّر ومرجع شيعي أصله من تبريز، عاش أغلب حياته في النجف، وكان أستاذاً للأخلاق والسير والسلوك، تتلمذ على يديه العديد من العلماء والمراجع، ومنهم محمد البهاري وأحمد الكربلائي، وغيرهما. عمل بالتدريس في الحوزة العلمية. توفي في النجف ودفن فيها في مقبرة وادي السلام.

في هذه المقالة ألفاظ تعظيم تمدح موضوع المقالة، وهذا مخالف لأسلوب الكتابة الموسوعية. فضلاً، أَزِل ألفاظ التفخيم واكتفِ بعرض الحقائق بصورة موضوعية ومجردة ودون انحياز. (نقاش) (مايو 2015)
علي القاضي الطباطبائي

معلومات شخصية
الميلاد 27 مارس 1869(1869-03-27)ـ
 إيران، تبريز
الوفاة 27 يونيو 1947 (78 سنة) ـ
 العراق، النجف
مكان الدفن النجف - وادي السلام
الإقامة إيران، عراق
الجنسية إيراني
الديانة إسلام شيعي
الحياة العملية
العصر القرن العشرون
المهنة عالم مسلم
مجال العمل عرفان، فقه، أصول، تفسير، فلسفة
تأثر بـ أحمد الكربلائي وحسين القاضي
أثر في أبو القاسم الخوئي
محمد حسين الحسيني الطهراني
هاشم الحداد
محمد حسين الطباطبائي
محمد تقي آملي[1]
عباس هاتف القوجاني
محمد تقي بهجت الفومني
السيد عبد الأعلى السبزواري
عبد الحسين دستغيب
علي القاضي في شبابه

نشأته

  • الميرزا علي بن حسين بن أحمد بن رحيم القاضي الطباطبائي التبريزي، [2] الملقب بـ القاضي الطباطبائي.

ولد سنة 1285 هـ في مدينة تبريز.[2]

دراسته وحياته في النجف

  1. درس المقدّمات في تبريز ؛ فدرس العلوم العربية (الصرف والنحو والبلاغة) عند الشاعر محمد تقي التبريزي (ت: 1324هـ).[3]
  2. درس عند والده حسين القاضي (ت: 1314هـ) التفسير، فدرس عنده تفسير الكشاف للزمخشري.
  3. درس السطوح عند موسى التبريزي (صاحب الحاشية على الرسائل)، وعند محمد علي قره جه داغي (صاحب الحاشية على شرح اللمعة).[4]
  4. في عام 1313 هـ هاجر إلى النجف، وحضر درس كل من الفاضل الشرابياني، والشيخ محمد حسن المامقاني، وشيخ الشريعة الأصفهاني، والشيخ محمد كاظم الخراساني (صاحب الكفاية)، والميرزا حسين خليلي.[5]

تهذيب النفس ودراسته للأخلاق

ينقل محمد حسين الحسيني الطهراني عن الشيخ عباس هاتف القوجاني، عن علي القاضي ان أستاذه الأول في السير والسلوك هو والده حسين القاضي، وهو تلميذ قلي نخجواني الذي هو تلميذ قريش القزويني، واستمر ذلك إلى سنة 1313 هـ وهي السنة التي هاجر فيها إلى النجف، وقد توفي والده بعد عام من هجرته إلى النجف.[6] بعد وفاة والده صحب علمين من أعلام النجف، الأول: أحمد الكربلائي الطهراني، والثاني: مرتضى الكشميري، ولكن ذلك لم يكن على نحو التتلمذ بحسب نقل عباس هاتف القوجاني، بل عنوان الصحبة والمرافقة في الطريق، وكان علي القاضي يرتضي طريقة عرفان وتوحيد أحمد الكربلائي ودستوراته التي كان يرويها وتتطابق مع منهج أستاذه حسين قلي همداني، وكان يعطيها لتلامذته أيضاً.[7] وكان يرى أن مرتضى الكشميري لم يصل إلى مقام توحيد الحق والعرفان المحض للذات الأحدية، وأن كمالاته كانت تدور في فلك عوالم الكرامات والمجاهدة مع النفس وأمثال ذلك.[8] وينقل الطهراني عن أستاذه محمد حسين الطباطبائي [9] بأن سلسلة أساتذة في السير والسلوك هي بالنحو التالي: علي القاضي والذي تتلمذ على يد أحمد الكربلائي، والذي تتلمذ على يد حسين قلي الهمداني، والذي تتلمذ على يد علي الشوشتري.[10] وكخلاصة فإن علي القاضي أخذ العرفان عن سلسلتين من الأساتذة واحدة تبدأ بوالده، والأخرى تبدأ بأحمد الكربلائي.

وضعه الاجتماعي

كان علي متزوجاً من عدة نساء وله أولاد كثيرون، وكان وضعه المادي فقير جداً، ومع ذلك فلم يكن يبدو عليه أي قلق لذلك، ولم تاخذ الحاجة المادية حيزاً في تفكيره وهمه، بل كان تفكيره وهمه في عبادة الله فقط، وكان يقول: الأفضل لي ان أبقى فقيراً لأن في ذلك تحسن حالتي الروحية والمعنوية، بينما تنقلب الحالة عند بعض آخر كأستاذي محمد البهاري فإن تحسن حالته الروحية مرتبط بتحسن حالته المادية، فكان يعمل بمهنة الصياغة ووضعه المالي جيد جداً.

وكان فقره المدقع موضع تعجب أصدقائه والمقربين اليه، ومن صور فقره أنه لم يكن يمتلك في داره غير حصير من الخوص، وكان مع عياله يقضون أكثر أوقاتهم في الليل في ظلام دامس لأنه لم يكن يمتلك مالا يشتري به نفطاً قليلاً يضعه في الفانوس.

ومن قصص فقره ماحكي عن الطباطبائي صاحب تفسير الميزان يقول: اشتدت حاجتي إلى المال حاجة شديدة فقررت الذهاب إلى أستاذي علي القاضي لكي أقترض منه مبلغاً يسيراً ريثما يرسلون لي المال من إيران، وعندما جلست عنده جاء أحد أولاده من الكوفة وقال له: إن أمي قد وضعت مولودها ونحن بحاجة إلى شيء من المال، فمد القاضي يده في جيبه فلم يجد شيئاً فقال لولده: ليس عندي شيء من المال كما ترى، فقال ولده: أعطني عدة سجائر لكي نعطيها كإكرامية للقابلة على الأقل، فقال القاضي: وليس عندي شيء من ذلك أيضاً. يقول الطباطبائي: ومع ذلك فقد قضى القاضي حياته بكل هدوء وطمأنينة بنحو يثير الدهشة والاستغراب. ومن صور فقره أن صاحب الدار التي كان يستأجرها، رمى بأثاثه مرة في الشارع لانه لم يكن قادراً على دفع الإيجار، فأخذ عائلته وسكن في إحدى غرف مسجد الكوفة المعدة لاستقبال الزوار.

عبادته

كان علي القاضي يتخفى بعبادته عن الأعين إلا في أداء الفرائض التي كان يأتي بها جماعةٌ مع صفوة تلاميذه البالغين من السبعة إلى عشرة أشخاص في منزله أو في إحدى غرف المدارس الدينية ما تهيأ له ذلك، وأما أعماله التعبديةُ الأخرى فقد كانت له غرفة في مسجد الكوفة يتعبد فيها، أو يذهب إلى مسجد السهلة، وكانت له علاقة شديدة بهذين المسجدين، كما كانت له غرفة صغيرة في مدرسة قوام يتعبد فيها بعد الساعة الثانية عشر ليلاً حينما تهدأ العيون ويغط الطلبة الساكنون في النوم، فيبدأ القاضي مناجاته ودعاءه واذكاره وصلواته.

ويقول الطباطبائي صاحب تفسير الميزان: كانت هناك أيام يختفي فيها عن الأنظار، ولم تكن عائلته أيضاً تعلم بمحل إقامته، ومهما بحث عنه تلاميذه في البيت أو المساجد لا يجدون له أثراً، إلى أن يأتي فجأة ويزاول نشاطه التوجيهي والإرشادي بنحو طبيعي. وكان برنامجه في شهر رمضان في العشرة الأولى والثانية هو إقامة مجالس التعليم والإرشاد لتلاميذه بعد أربع ساعات من الغروب، ويستمر هذا المجلس لمدة ساعتين، ثم يتفرغ للعبادة إلى الصباح، وأما في العشرة الثالثة فإنه كان يختفي عن الأنظار، ويتفرغ للعبادة في مكان لا يعلم به الا الله، وقد استمر على هذا البرنامج إلى حين وفاته. كان يتجنب الحضور في الاجتماعات العامة، وكان كثير الصمت، يحيي ليله بالتهجد والعبادة ونهاره بالتفكير والمطالعة، وكان يزور مرقد علي بن أبي طالب بعد الساعة الثانية من الظهر حيث يهرع الناس إلى بيوتهم بسبب الحر الشديد ويبقى الحرم خالياً إلا من عدد قليل من الزوار. وكانت له سجدات طويلة في كل يوم لا يشغله عن الإتيان بها شاغل، يقول عبد الكريم الكشميري: كنت أزور أستاذنا القاضي في داره بين الفينة والأخرى فأجده ساجداً، فانتظر طويلا لعله يرفع رأسه من السجود ولكن دون جدوى، فأخرج من الدار وهو لا يزال في سجوده. وكان يواظب أيضا على قراءة سور المسبحات قبل النوم، وهي السور التي تبتدأ بـ(سبح) و(يسبح) وهي خمسة: الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن. وكان يواظب أيضاً على زيارة مقبرة وادي السلام يومياً بين الطلوعين وكانت زيارته تستغرق ساعتين إلى أربع ساعات حيث يجلس صامتا في زاوية من الزوايا، وكان يصحبه أحيانا بعض التلاميذ الذين سرعان ما ينتابهم الضجر من هذا الصمت المحير فيتركونه وحده ويذهبون.

أخلاقه

لقد كان إنساناً تحرر من شهواته الحيوانية وصار موجودا ملكوتياً يعاين عالم الملكوت وتنكشف له حقائق الوقائع والأحداث ويرى حقيقة الأشخاص، وكان يشتري حاجياته بنفسه ويحملها إلى داره، فكان يشتري الخضار والفواكه التي لا يرغب فيها أحد ويحملها بطرف رداءه ويجتاز بها الأسواق ذاهبا بها إلى بيته، وعندما سئل عن سبب رغبته في شراء مايزهد به الآخرون قال: ان البائع الفلاني مثلا فقير، وقد اشترى الناس منه الخضار والفاكهة الجيدة، وبقيت هذه لا مشتري لها وأنا اعلم أنه سيرميها قبيل الظهر في المزبلة، وأنا اود مساعدته من غير ان يذهب ماء وجهه أو يتعلم على تناول الصدقة من الناس ويترك الكسب الحلال فأشتريها منه، وفي نفس الوقت فان هذه الخضار والفاكهة تؤدي نفس اثر الخضار والفاكهة الطازجة. ومن قصص تواضعه مانقله عبد الكريم الكشميري يقول: كنت في زيارته أحد الأيام فقدم لي تمرا، وقد طلب مني عدة مرات تناول شيئا منه ولكني لم افعل لعدم رغبتي في تناول هذا النوع من التمر، ثم عرف السيد اني احب التمر (الديري)، وعند خروجي من داره ذهب مسرعا إلى السوق ولحق بي أمام دارنا وهو يصيح بي، ثم اخرج بكفيه مقدارا من التمر الديري وأعطانيه. وينقل نجله محمد حسن القاضي عن والده يقول: كنت اذهب مع والدي في صغري عند ذهابه للسوق، وكان له صديق يبيع الفحم يزوره في الشهر مرة على الأقل، فكان والدي يجلس معه داخل الدكان ويأمرنا ان نبقى خارجا خوفا من اتساخ ثيابنا بالفحم، وكانا يتحدثان ساعة يقوم في أثناءها صاحب الفحم فيبيع للناس مايحتاجونه ثم يرجع إلى الجلوس إلى والدي، فيتناثر غبار الفحم على ثيابه، وعند خروج والدي تكون ملابسه البيضاء التي قد اعتاد ارتدائها قد اتسخت بالبقع السوداء، ومع ذلك كان يجوب بها الأسواق والشوارع والأزقة، وعند وصوله إلى دار زوجته أم حسين كانت تصرخ في وجهه على ذلك فيأخذ بتهدئتها وتسكينها ويعدها بمعاونتها في غسلها وتنظيفها. و يقول الشيخ محسن الملايري: كان والدي صديقا للسيد القاضي في النجف وملازما له، وعند وفاة والدي ذهبت إلى النجف الأشرف فجاءني السيد القاضي وقال لي: ان والدك كان صديقا لي وكان احدنا يحمل غذاءه للآخر ويغسل ثيابه، ولازال هذا الحق باق في ذمتي، وما دمت في النجف فإني اهيء لك طعام الغداء يوميا واتيك به، فكان يأتي بالطعام ونتناوله سوية، وياخذ ثيابي ويغسلها في داره ثم يأتيني بها نظيفة.

من كرامات علي القاضي

طي الأرض للقاضي

يقول الطهراني كان القاضي الطباطبائي يملك منزلة طي الأرض منذ زمن بعيد مبكر من حياته العرفانية، وقبل أن يشتهر كأستاذ للعرفان في الأوساط العلمية في النجف. أما ماهي حقيقة طي الأرض؟ يقول الطباطبائي حقيقة طي الأرض هي دوران الأرض تحت خطوات الماشي، ويقول الطباطبائي أيضاً: كان القاضي يواظب على زيارة كربلاء ولم يره أحد أنه كان يركب سيارة من النجف إلى كربلاء، ولم يطلع على هذا السر أحد إلا شخص من كسبة سوق الساعة «السوق الكبير»، ففي زيارته إلى مشهد الإمام الرضا في خراسان رأى السيد القاضي هناك وطلب منه إصلاح جوازه فأصلحه له، وعندما رجع هذا الشخص إلى النجف أشاع خبر رؤية السيد القاضي في مدينة مشهد، فانزعج السيد القاضي كثيراً من ذلك وقال إن المجتمع يعلمون أني في النجف لم أسافر، وكان السفر آنذاك يستغرق وقتاً طويلاً يستمر شهراً على الأقل، وكتب الطهراني في الهامش معلقاً على مانقله العلامة الطباطبائي: ولقد سمعت هذه القصة أيضاً من صديقي جناب محمد الخلخالي دامت بركاته نزيل النجف حالياً، وقد نقل لي تتمة القصة أيضاً، وعندما رجع ذلك الرجل إلى النجف حدّث أصدقاءه: لقد حدثت في جوازي مشكلة ولم أستطع حلها عند الشرطة فتوسلت بالسيد القاضي وأعطيته الجواز لحل المشكلة فقال: اذهب غداً إلى الشرطة واستلم جوازك هذا من هناك، فذهبت صباحاً إلى الشرطة فأصلحوا أمر جوازي فأخذته ورجعت إلى النجف. فقال له أصدقاؤه :إن السيد القاضي كان موجوداً في النجف أثناء هذه الفترة ولم يسافر، فذهب هذا الرجل بنفسه إلى السيد القاضي وشرح له القصة بتمامها، فأنكر السيد القاضي وقال: إن جميع أهالي النجف يعلمون بأني لم أسافر، فذهب ذلك الرجل إلى علماء النجف في ذلك الوقت كمحمد تقي الآملي وعلي محمد البروجردي وعلي الخلخالي ونظائرهم، وشرح لهم ماحدث له في مشهد الإمام الرضا فجاؤوا بجمعهم إلى السيد القاضي وطلبوا منه بيان حقيقة المسألة فأنكر ذلك، ثم طلبوا منه درساً في الأخلاق وألحوا عليه فقبل ذلك ومن هذا الوقت بدأ السيد القاضي بتدريس الأخلاق. وكان السيد القاضي آنذاك مجهولاً تماماً ولم يطلع أحد على حالاته الروحية.

الامتناع عن الكلام والحديث الفارغ

يقول محمد الحسيني الهمداني صاحب تفسير «أنوار درخشان» أي الأنوار الساطعة كنت أسكن في مدرسة قوام في النجف، وكان للقاضي الطباطبائي غرفة صغيرة في زاوية المدرسة، فتعجبت من ذلك ثم علمت أنه اختار السكن في هذه الغرفة لضيق منزله وكثرة عياله وأولاده ليجد الهدوء والخلوة للتهجد والعبادة، وخلال وجودي في مدرسة قوام لم أرى القاضي قضى ليلة نائماً، وكان يحيي الليل بالنوح والبكاء وقد رأيت في أثناء هذه الفترة القصيرة التي قضيتها معه حالات فريدة لم أرها من أحد غيره سوى النائيني والكمباني، فكان يختلف عن جميع الأساتذة والطلاب الذين عرفتهم في حوزة النجف في تمام سلوكه وأخلاقه الاجتماعية والعائلية والدراسية، فهو دائم السكوت ولا يتكلم إلا نادراً وكان يبادر أحياناً إلى الحديث من غير سؤال، وكنت أشعر أنه يعاني أحياناً من صعوبة كبيرة في الجواب حتى اطلعت صدفة على شيء جلب انتباهي وهي وجود غدة زرقاء في باطن فم السيد القاضي، فسألته عن ذلك فامتنع عن جوابي، فأصررت عليه وبينت له أن قصدي هو مجرد التعلم ولا شيء آخر فلم يجبني أيضاً، إلى أن خلوت معه في جلسة مرة فبادرني قائلاً: يا سيد محمد يجب أن تتحمل مصاعب جمة من أجل طي المسافة الطويلة في السير والسلوك ويجب عليك أيضاً أن تترك أموراً كثيرة، فقد أردت في أيام شبابي وفي ابتداء سلوكي في هذا الطريق، أن ألجم لساني وأسيطر عليه، فوضعت حصاة في فمي مدة 26 عاماً لكي أمتنع عن الكلام والحديث الفارغ وهذه الغدة الزرقاء التي تراها في باطن فمي هي من آثار تلك المرحلة. ويقول عبد الكريم الكشميري: لقد كان السيد القاضي كله مكاشفة، فقد صار في آخر عمره بمجرد أن يرى الماء يتذكر مصيبة عطش الإمام الحسين ويشرع في البكاء.

الإخبار عن المستقبل

يقول محمد شريعت نجل المرجع الديني شيخ الشريعة الأصفهاني: لم يكن يبقى لي ولد حي وكلما رزقت ولداً توفي بعد عدة أشهر، وكان شائعاً في أوساط العرب في النجف عادة هبة المولود الجديد إلى أحد من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يأخذونه منه، وكانوا يعتقدون أن هذا الإعطاء والأخذ سبب ليبقى هذا المولود على قيد الحياة، فاحتضنت ولدي وقصدت حرم أمير المؤمنين لأرى سيداً أهب له هذا المولود، فرأيت من باب الصدفة السيد القاضي خارجاً من الحرم فتقدمت إليه وسلمت عليه وعرضت عليه الموضوع، فأخذ السيد الطفل بكل أدب واحترام وقال: إني قبلت منك هذا الطفل ولكن إعلم أنه سيموت قطعاً ولم يبقى من عمره إلا أياماً معدودة، وهو ما حدث بالفعل حيث توفي الطفل بعد عدة أيام. كما أخبر القاضي بغصب نصف منزل السيد هاشم الحداد، يقول العلامة الطهراني: كان المنزل الذي يسكن فيه السيد هاشم ملكاً لزوجته، وكان والدها المدعو حسين أبو عمشة قد وهب هذا الدار لابنته إذ كانت له علاقة بذرية رسول صلى الله عليه وآله وخاصة بصهره السيد هاشم، حيث كان يحبه كثيراً، وكان للسيد هاشم أطفال كثيرة فقال: هذه الدار لهؤلاء السادة الصغار وكتب بذلك وصية خطية. ولكن بعد وفاته أنكر صهره الآخر الوصية مع أنه كان ثرياً ورفع شكوى إلى الحكومة ودفع الرشاوي حتى حكمت المحكمة بتقسيم الدار بينهما، وخرجت لجنة المحكمة وأمرت بوضع حائط بوسط الدار، وأصبحت هذه الدار الصغيرة غير قابلة للسكن وكان النصف الذي صار من حصة السيد هاشم لا باب له وليس فيه مرافق صحية، فكانت زوجته وأطفاله يضطرون إلى صعود سلم من الشارع ثم عبور الحائط والنزول إلى الدار، وكانت هذه الحادثة سبباً لمرض زوجته، وأخيراً انتقلت عائلته إلى مكان آخر ريثما يتم تعمير الدار وفتح باب لها وبناء مرافق صحية، وكان القاضي قد أخبر بكل ذلك.

الإيثار ونكران الذات

يقول أحدهم: كنت أحضر مجلس علي القاضي وكنت في ضائقة مالية شديدة، و هو شأن أكثر الطلبة في النجف، كنت أتعشى أكثر الليالي بالخبز والشاي فقط، وفي إحدي الليالي كانت لدي قطعة نقدية صغيرة تكفي لشراء قرص من الخبز وكان في نيتي أن أشتري بها الخبز عندما أعود من المجلس، وفي أثناء حديثه (وكان مجلسه في غرفة من غرف المدرسة الهندية) دخل علينا مسكين يستعطي، وفجأة مد القاضي يده نحوي وقال: هل لديك شيء تعطي هذا المسكين؟ فمددت يدي في جيبي وأخرجت القطعة النقدية الوحيدة ودفعتها له، فأخذها ودفعها للمسكين ثم واصل الحديث، فخرجت من عنده وودّعت أصحاب المجلس ولم أبدِ لأحد منهم شيئاً، وذهبت إلى غرفتي ولعدم وجود الخبز لم أصنع الشاي وقمت بتحضير دروسي حتى انتهيت وأردت أن أستلقي على فراشي للنوم وقد أخذ الجوع مني مأخذاً والوساوس الشيطانية تهجم على قلبي وتسول لي، وكنت أدفعها عن نفسي بالاستغفار والإنابة، وإذا بالباب يطرق فقمت وفتحت الباب وإذا بالقاضي، فرحبت به وجلس وأخرج من تحت ردائه إناء فيه طعام أرز مع الماش وقليل من اللحم والخبز وطلب مني مشاركته في الأكل، فأكلت حتى شبعت ثم قال وبصوت عال خلاف عادته: وأين الشاي؟ فقمت بسرعة وأحضرت الشاي فشرب كوباً صغيراً ونهض وودعني وخرج.

مكاشفة السيد الخوئي

مانقله الخوئي يقول: جمعني محمد تقي بهجت أحد تلاميذ القاضي مع أستاذه بسبب نقاش دار بيننا في مسالة علمية، وانجر إلى عقد اللقاء في صحن ابي الفضل العباس في كربلاء، واستغرق اللقاء ساعة ونصف، ثم توطدت العلاقة بينهما، فطلب الخوئي برنامجا للعمل من القاضي، فأعطاه ذكرا يواظب عليه أربعون يوما، يقول الخوئي: وبعد ختم الأربعين حصلت لي مكاشفة لحياتي المستقبلية إلى لحظات الموت، فرأيت نفسي على المنبر وانا اُدرّس الفقه والأصول، ثم رأيتني جالسا في الدار والناس يترددون علي ويستفتوني في المسائل الشرعية ورأيت نفسي بعدها اماما لصلاة الجماعة، وحالات كثيرة مختلفة كمرأة امامي حتى وصلت إلى مكان سمعت فيه صوتا من أعلى المنارة يقول: أنا لله وإنا اليه راجعون انتقل إلى جوار ربه الكريم السيد أبو القاسم الخوئي، ثم انتهت تلك المكاشفة ورجعت إلى وضعي العادي مولود العلامة الطباطبائي. يقول الحسيني الهمداني صاحب تفسير (انوار درخشان): دعاني الطباطبائي صاحب تفسير الميزان إلى وليمة مع مجموعة من الشخصيات منهم الخوئي والميلاني وصدر الدين الجزائري واخرون، بمناسبة ولادة ولد ذكر له، وكان الطباطبائي لايعيش له ولد ذكر، وقد ولدت له زوجته اثنين أو ثلاثة أولاد ماتوا بعد عدة أشهر من ولادتهم.

وقد تحدث الطباطبائي فقال: لقد زارنا قبل أيام علي القاضي ولم اكن حينها في الدار، فجلس قليلا ثم قال للعائلة عند خروجه: سيرزقكم الله في هذه الأيام ولدا ذكرا سموه (عبد الباقي) ليبقى على قيد الحياة ان شاء الله، وقد ولد لي هذا الولد واسميته عبد الباقي.

آثاره

من آثاره: قصائد في كتاب «صفحات من تاريخ الأعلام في النجف»، ورسائل كتبها إلى طلابه في السير والسلوك العرفاني، وتزكية النفس، ونظم الشعر بالعربية والفارسية.[11]

انظر أيضًا

المراجع

  1. رسالة لبّ اللباب، ص 10
  2. آيت الحق، ج1، ص 149.
  3. آيت الحق، ج1، ص 152.
  4. آيت الحق، ج1، ص149.
  5. آيت الحق ، ج1، ص 149، نقلاً عن الآغا بزرك الطهراني.
  6. مطلع أنوار، ج2، ص 40.
  7. مطلع أنوار، ج2، ص 45.
  8. مطلع أنوار ، ج2، ص 49.
  9. رسالة لبّ اللباب في سير وسلوك أولي الألباب، ص 155-156 .
  10. رسالة لب اللباب، ص 144.
  11. "قاضي الطباطبائي". معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين. مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. مؤرشف من الأصل في 4 مارس 2016. اطلع عليه بتاريخ آذار 2012. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة)
    1. صفحات من تاريخ الأعلام في النجف الأشرف، محمّد حسن القاضي.
    2. آيت الحق، سيد محمد حسن قاضي، ترجمه: سيد محمد علي قاضي نيا، نشر: انتشارات حكمت، 1428 هـ.
    3. مطلع أنوار، ج2، السيد محمد حسين الحسيني الطهراني، نشر: مكتب وحي، طهران، 1431 هـ.
    4. الروح المجرّد، السيد محمد حسين الحسيني الطهراني، دار المحجة البيضاء، 1417 هـ.

    وصلات خارجية

    1. الموقع الإلكتروني لمؤتمر تكريم الفقيه المتأله السيّد علي القاضي.
    2. موقع المتقين: موقع يعنى بنشر آثار العرفاء.
    • بوابة شيعة
    • بوابة أعلام
    • بوابة إيران
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.