عبد الله المأمون

أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس، ولد عام 170 هـ[2] 786 وتوفي غازياً في 19 رجب عام 218 هـ 10 أغسطس سنة 833 بطرسوس[3]، شهد عهده ازدهارًا بالنهضة العلمية والفكرية في العصر العباسي الأول، وذلك لأنه شارك فيها بنفسه.[4] توفي هارون الرشيد عام 809م في خراسان وأخذت البيعة لابنه الأمين وفقا لوصية والده التي نصت أيضًا أن يخلف المأمون أخاه الأمين، إلا أن الخليفة الجديد سريعًا ما خلع أخاه من ولاية العهد، وعين ابنه موسى الناطق بالحق وليًا للعهد، وكان المأمون آنذاك في خراسان، فلما علم بأن أخاه قد خلعه عن ولاية العهد أخذ البيعة من أهالي خراسان وتوجه بجيش لمحاربة أخيه، وقد استمرت الحروب بينهما أربع سنوات، إلى أن استطاع المأمون محاصرة بغداد والتغلب على الأمين وقتله عام 813م، ظافرًا بالخلافة.[5]

أبو العباس عبد الله المأمون
عبد الله بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب

معلومات شخصية
الميلاد 786 / 170 هـ
بغداد
الوفاة 833 (218 هـ) (47 سنة)
البدندون
مكان الدفن طرسوس
مواطنة الدولة العباسية
العراق [1] 
الكنية أبو العباس
اللقب المأمون
الديانة مسلم على المذهب السني في البداية ثم تحول لمذهب المعتزلة
الزوجة
أبناء
  • محمد
  • عبيد الله
  • العباس
  • أم الفضل
  • أم حبيب
الأب هارون الرشيد
الأم مراجل أم المأمون
إخوة وأخوات
عائلة بنو العباس  
منصب
الخليفة العباسي السابع
الحياة العملية
معلومات عامة
الفترة 20 سنة 813 - 833
(198 - 218 هـ)
التتويج 813 / 198 هـ
محمد الأمين
محمد المعتصم بالله
السلالة العباسيون
المهنة جغرافي  
دينار عباسي ضرب عام 196 هـ\811 م بالفسطاط (مصر) باسم الخليفة المأمون (إذ كتب على وجه الدينار: للخليفة الإمام) في عهد خلافة أخيه الأمين الرسمية، وذلك إثر انتصار جند المأمون على جند أخيه الأمين بمصر.

تفرد عهد المأمون بتشجيع مطلق للعلوم من فلسفة وطب ورياضيات وفلك واهتمام خاص بعلوم اليونان، وقد أسس الخليفة عام 830م جامعة بيت الحكمة في بغداد والتي كانت من كبريات جامعات عصرها، واخترع في عهده الاسطرلاب وعدد من الآلات التقنية الأخرى، وحاول العلماء قياس محيط الأرض ما يدل على الاعتراف بكرويتها من ناحية وتطور العلوم من ناحية ثانية؛ وقد تكون عمليات الترجمة التي رعاها هو وحاشيته وولاته، أبرز سمات عهده، إذ نقلت خلالها العلوم والآداب السريانية والفارسية واليونانية إلى العربية،[6] اكتسبت من خلاله اللغة العربية مكانة مرموقة إذ تحولت من لغة شعر وأدب فحسب إلى لغة علم وفلسفة. وكذلك فقد ساهمت عمليات الترجمة في إرساء منسوب ثقافي عال في الدولة، ثم عهد بولاية العهد قسطاً من الزمن لعلي الرضا وأخذ الشعار الأخضر بدلا من الشعار الأسود، ثم عاد إلى شعار بني العباس الأسود وعين أخاه وليا للعهد. وزار المأمون مصر ودمشق والجزيرة السورية وتوفي ودفن بطرسوس شمال بلاد الشام في 10 أغسطس سنة 833م، الموافق فيه 19 رجب سنة 218هـ وأخذت البيعة لأخيه محمد المعتصم بالله، واستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما افتتحها سلفه المأمون.[7]

شيوخه

كان أحد شيوخه هو المعتزلي أبو الهذيل العلاف[8]

قبل الخلافة

عبد الله المأمون بن هارون الرشيد ولد سنة 170 هـ 786 م في اليوم الذي ولي فيه والده الخلافة[9]، وكانت أمه فارسية اسمها مراجل وقد ماتت في نفاسها به.[2] ولاّه والده ولاية العهد وهو في الثالثة عشرة من عمره بعد أخيه الأمين، وضمّه إلى جعفر بن يحيى وولاّه خراسان وما يتصل بها إلى همذان، ومنحه بمقتضى الشروط التي عقدها استقلالاً يكاد يكون تاماً.[9]

كان هارون الرشيد قد عهد بولاية العهد للأمين وللمأمون من بعده، ففي سنة 186هـ، حج الرشيد ومعه أبنائه الأمين والمأمون، وهناك في البيت الحرام أخذ عليهما المواثيق المؤكدة بأن يخلص كل منهما لأخيه وأن يترك الأمين للمأمون كل ما عهد إليه من بلاد المشرق، ثغورها وكورها وجندها وخراجها وبيوت أموالها وصدقاتها وعشورها وبريدها، وسجل الرشيد هذه المواثيق على شكل مراسيم وعلقها في مبنى الكعبة لتزيد في قدسيتها، ويؤكد تنفيذها، كما كتب منشورًا عاما بهذا المعنى للآفاق. وبذلك ضمن العرب الخلافة للعربي النسب والعجم بزعامة البرامكة ضمنوا الشرق لرجل أخواله عجم.[10]

الخلاف بين الأمين والمأمون

بدأ النزاع على شكل مراسلات وسفارات متبادلة بين الأخوين حول مشكلة العهد المعلق في الكعبة، فالمأمون يرى التمسك بنصوص هذا العهد الذي يقضي بالاستقلال بشؤون خراسان خلال حكم أخيه الأمين، أما الأمين فيرى نفسه خليفة للمسلمين ويستطيع التصرف في أمور خراسان كما تقضي بذلك المصلحة العامة وأن النص على ولاية المأمون لخراسان لا يعني استقطاع هذه الولاية من الخلافة نهائيًا، بل ينبغي أن يكون للخليفة شيء من النفوذ وذلك بأن يضع على خراسان بريدًا، لهذا طالب الأمين بوضع نظام للبريد تابع له في خراسان لكن المأمون رفض.[11]

ولا شك أن مطامع رجال الحاشية في بلاط كل من الأمين والمأمون كانت من العوامل التي زادت في اتساع الخلاف بين الأخوين، فالفضل بن الربيع ينصح الأمين بأن يستدعي أخاه المأمون إلى بغداد حتى يظفر به كرهينة ويفصل بينه وبين جنده، والفضل بن سهل يوعز إلى المأمون بالاعتذار عن الذهاب إلى بغداد بحجة أن أمور خراسان تستدعي البقاء فيها، وهنا طلب الأمين من المأمون أن يتنازل له عن بعض كور خراسان بحجة أن مال خراسان يكفيها، أما مال العراق فلا يكفيها، إلا أن المأمون رفض ذلك الطلب. وغضب الأمين من رفض المأمون لمطالبه وأرسل إليه رسالة يخيره فيها بين الإذعان لشروطه أو التعرض لنار لا قبل له بها، ولكن المأمون لم يأبه لهذا التهديد ورد عليه بأنه لا يخشى في الحق لومة لائم.[12]

توليه الخلافة

السفير البيزنطي البطريرك يوحنا الرابع القسطنطيني «النحوي» يقف بين إمبراطور الروم «ثيوفيلوس» (يمين) والخليفة العباسي المأمون (يسار) في سنة 829.

فشلت المفاوضات السلمية التي كانت قائمة بين الأمين والمأمون، مما جعل الطرفين يلجئان للحرب، ففي أوائل سنة 195 هـ أمر الأمين بوقف الدعاء للمأمون وأعلن البيعة لابنه موسى ولقبه بالناطق بالحق، ونقش اسمه على السكة وكان هذا بمثابة خلع المأمون، ثم بعث من سرق الكتابين بالكعبة وحرقهما، وأمام هذا الإعلان رأى المأمون أن يستعد للحرب فجهز جيشًا كبيرًا وحشده على حدود خراسان في منطقة الري، وولّى عليه قائدين من أتباعه المخلصين وهما طاهر بن الحسين، وهرثمة بن أعين الذي يرجع إليهما الفضل في إعداد جيش المأمون إعدادًا قويًا، أما الأمين فقد اختار علي بن عيسى بن ماهان أحد كبار رجال الدولة الذي كان واليًا على خراسان في عهد الرشيد، تقدم بن ماهان نحو الري لقتال طاهر بن الحسين دون أن يستعد له استعدادًا كافيًا وذلك لأنه كان يستهين بشأن طاهر لحداثته، وانتهت المعركة بانتصار جيش طاهر بن الحسين ومقتل علي بن عيسى بن ماهان سنة 195 هـ، أرسل الأمين جيوشًا أخرى عديدة إلى الري ولكن مصيرها كان الهزيمة وقد استنفذت هذه الجيوش موارد الأمين فلم يستطع تحريك جيوش أخرى وهنا تحولت الحرب من مداخل خراسان إلى مداخل العراق.[13]

حصار بغداد

تقدم الجيش الخراساني نحو بغداد، حيث اتفق طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين على أن يقوم الأول بمهاجمة بغداد من الغرب بينما يهاجمها الثاني من ناحية الشرق، وتقدم الجيشان حتى بلغا أرباض بغداد حيث حدثت معارك مختلفة بين قوات الأمين وقوات المأمون، ولم يكن جيش الأمين قويًا، كما لم يكن قواده في حالة معنوية عالية، وحدث أن استمالت قوات المأمون بعض قادة جيش الأمين بالهدايا والهبات فانضموا إليه واحدًا بعد الآخر.[14]

غير أن الذين أبلوا في هذا الحصار هم أهل بغداد وبالأخص "جماعة العيارين" أو الفتيان وهي مجموعة من مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية المختلفة ومن الأغنياء والفقراء، إلا أن الغالبية العظمى كانوا من الطبقة الكادحة الفقيرة. ولقد دافع العيارون عن بغداد ببسالة نادرة وضربوا أمثلة رائعة في الصمود والشجاعة، وعلى الرغم من مقاومة هذه المجموعة، فقد استطاعت جيوش المأمون أن تضرب حصاراً حول بغداد، فاشتد الجوع بالأهالي لدرجة أن الأمين صرف كل ما لديه من أموال على جنوده واضطر إلى طلب الأمان والتسليم.[15] وفضل الأمين أن يسلم نفسه للقائد هرثمة لكبر سنه من جهة ولقسوة طاهر بن الحسين من جهة أخرى، وخرج الأمين وأتباعه عابرين نهر دجلة في سفينة صغيرة لم تلبث بفعل الزحام أو بفعل طاهر بن الحسين أن انقلبت واستطاع الأمين أن يسبح إلى الشاطيء وهناك أسره الجنود الخراسانيون وقتلوه بأمر من طاهر وبذلك تنتهي خلافة الأمين، وتولى المأمون الخلافة.[16][17]

خلافته

اتسمت سياسة المأمون بأنها جمعت بين المواقف المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها، فكان يميل إلى الفرس تارة ثم إلى العلويين تارة أخرى ثم يميل إلى أهل السنة والجماعة تارة ثالثة، فاستطاع بتلك السياسة المرنة أن يجمع بين المواقف المتناقضة وأن يرضي جميع الأحزاب ويتغلب على معظم الصعاب. بويع بالخلافة أثناء وجوده في خراسان ولهذا لم ينتقل إلى بغداد مقر الخلافة العباسية، بل ظل مقيمًا في مدينة مرو بخراسان مدة ست سنوات تقريبًا، انتقل بعدها إلى بغداد سنة 204 هـ، ويقال أن سبب ذلك هو أن المأمون كان يخشى أهل بغداد أنصار أخيه، وقيل كذلك أن وزيره الفضل بن سهل هو الذي أقنعه بذلك كي يكون مركز الدولة بين الفرس في خراسان[18] أما من جهة سياسة المأمون نحو العلويين فكانت تتسم بالعطف والتسامح وكأنه أراد بذلك أن يتلافى مغبة السياسة القاسية التي سلكها آباؤه العباسيون نحوهم من قبل، ويلاحظ أن ميل المأمون إلى العلويين يتفق مع ميوله الفارسية، إذ كانت أمه وزوجته فارسيتين وكان الفرس يعتقدون أن العلويين هم وحدهم أحق بالخلافة بسبب صلة النسب التي تربطهم بآل علي منذ أن تزوج الحسين بن علي ابنة يزدجرد الثالث ملك الفرس الساساني. لقد قام المأمون في هذا السبيل بحركة سياسية غريبة احتار المؤرخون في تفسيرها، وهي أنه في سنة 201 هـ أتى بأمير علوي وهو الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهو الإمام الثامن عند الإمامية الإثني عشرية وبايعه بولاية العهد، ولقبه بالرضا من آل محمد، وزوّجه ابنته أم الحبيب وأمر جنوده بطرح السواد شعار العباسيين ولبس الثياب الخضراء شعار العلويين، وكتب بذلك إلى سائر أنحاء المملكة.[19] وأغلب الظن أن المأمون حينما جعل عليًا الرضا خليفة من بعده واتخذ رايات العلويين الخضر شعارًا بدلًا من رايات العباسيين السود، إنما كان مدفوعًا في ذلك بشعور ديني وسياسي يرمي إلى كسب رضاء العلويين والخراسانيين على السواء، إلا أنه يبدو مع ذلك أن المأمون لم يكن مخلصًا تمامًا في تحويل الخلافة إلى العلويين، بدليل أنه تراجع عن كل هذه الإجراءات حينما دعت الضرورة إلى ذلك.[20] ويروي المؤرخون العراقيون أن العراقيين حينما بلغهم الخبر هاجوا وثاروا ورفضوا مبايعة علي الرضا، وقالوا لا تخرج الخلافة من ولد العباس وخلعوا المأمون وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي خليفة عليهم ولقبوه بلقب المبارك. وتضيف الرواية إلى أن أخبار هذه الفتنة في العراق لم تصل إلى المأمون، وأن الفضل ابن سهل كان يتعمد اخفاءها عنه، وأن القائد هرثمة بن أعين حاول أن يصل إلى المأمون بمرو ليطلعه على حقيقة الأحوال بالعراق، ولكن الفضل بن سهل دبر له من قتله. والشخص الوحيد الذي تجرأ على إخبار المأمون بأخبار هذه الفتن، هو علي الرضا ولي عهده، عندئذ انتبه المأمون للخطر المحدق به وخرج من مرو إلى مدينة طوس ليستمد القوة بالصلاة على ضريح والده هارون الرشيد، وفي خلال الطريق قتل وزيره الفضل بن سهل وهو في الحمام بمدينة سرخس وحينما بلغ مدينة طوس توفي صهره علي الرضا مسمومًا، وهناك في طوس دفن علي الرضا في جوار الرشيد - ولم تلبث أن قامت حول مقامه مدينة جديدة وهي مدينة مشهد التي حلّت محل مدينة طوس القديمة وهي تعتبر اليوم من أهم الأماكن الشيعية المقدسة بعد كربلاء.[20] وقرر المأمون بعد ذلك العودة إلى بغداد بعد أن زالت الأسباب التي دعت إلى غضب أهلها فوصلها سنة 204 هـ حيث أقبل الناس على مبايعته والترحيب به، وعفا المأمون عن عمه إبراهيم بن المهدي ثم عزل الحسن بن سهل من ولاية العراق بعد مدة قصيرة وأمر الناس بلبس السواد مرة ثانية وبذلك قطع صلته بابن سهل، وبالرغم من تخلص المأمون من بني سهل إلا أنه اعتمد على أسرة فارسية أخرى وهي أسرة طاهر بن الحسين الذي ولاّه المأمون على خراسان سنة 205 هـ واستمر الحكم في أبنائه من بعده فقامت بذلك في خراسان أول إمارة شبه مستقلة عن الدولة العباسية وهي الدولة الطاهرية.[21]

الثورات في عهده

يذكر أن أُولى الثورات بدأت منذ بدايات عهد المأمون، أثناء إقامته في مرو بخراسان، ذلك أن تحيزه للفرس أثار غضب أهل العراق من بني هاشم ووجوه العرب؛ فأشاعوا بأن بني سهل قد حجبوا الخليفة واستبدوا بالرأي دونه، لهذا كانت أول ثورة قامت ضد المأمون كانت ثورة عربية تزعمها قائد عربي اسمه أبو السرايا السري بن منصور الشيباني، وكان مركزها مدينة الكوفة بالعراق وقد انضم إلى هذه الثورة عدد كبير من العلويين الناقمين على بني العباس ونجح أبو السرايا في بداية الأمر حيث انتصر على الجيوش التي أرسلها إليه والي العراق واستولى على البصرة والقادسية، وضرب نقودًا باسمه، فسار إليه القائد هرثمة بن أعين بطلب من الوالي واستطاع أن يقضي على الثورة وقتل قائدها وشرد أتباعها سنة 201 هـ.[22]

ثورة الأقاليم

دينار عباسي ضرب عام 208 هـ\823 م بالفسطاط (مصر) في عهد الخليفة المأمون. كتب على وجه الدينار: للخليفة المأمون، وكتب على ظهره: عبيد الله بن السري، وهو والي مصر في ذلك العصر.

ضعفت السلطة المركزية في بغداد نتيجة الفتن والحروب التي تخللت عصر الأمين وأوائل عصر المأمون مما أدى إلى انتقال عدواها إلى الأقاليم الإسلامية الأخرى، كما شجعت بعض الولاة على التهاون بمصالح الناس وإرهاقهم بكثرة الضرائب والأعباء المالية المختلفة مما أدى إلى جنوحهم للثورة والعصيان. كان أخطر هذه الثورات جميعا ثورة مصر، ذلك أن الأحوال في مصر كانت مضطربة، إذ انتقلت إليها عدوى الخلافات بين الأمين والمأمون ففريق كان يؤيد الأمين وفريق آخر كان يؤيد المأمون وفريق ثالث بزعامة السري بن الحكم وأولاده يعمل لحسابه الخاص ويضرب فريقًا باخر بغية الاستقلال بمصر[21]، وتصادف في ذلك الوقت أن قامت ثورة في الأندلس ضد أميرها الحكم الأول الأموي وقد عاقبهم الأمير بهدم ديارهم وحرق حيهم ونفيهم من الأندلس؛ فعبر بعضهم إلى المغرب أما البعض الآخر فقد واصلوا سيرهم في البحر شرقًا حتى وصلوا شواطئ الإسكندرية، فنزلوا في أوائل عصر المأمون وكانت الأحوال في مصر مضطربة وانتهز الأندلسيون المهاجرون فرصة هذه الفتن واستولوا على مدينة الإسكندرية بمعاونة أعراب البحيرة، وأسسوا فيها إمارة أندلسية مستقلة عن الخلافة العباسية دامت أكثر من عشر سنوات، وعندما استتب الأمر للخليفة المأمون أرسل قائده عبد الله بن طاهر بن الحسين إلى مصر لإعادة الأمور إلى نصابها سنة 828م فأرسل إلى هؤلاء الأندلسيين يهددهم بالحرب إن لم يدخلوا الطاعة، فأجابوه إلى طلبه حقنًا للدماء، ثم اتجهوا في مراكبهم إلى جزيرة كريت وكانت تابعة للدولة البيزنطية فاستولوا عليها وهناك أسسوا قاعدة بحرية إسلامية ضد الدولة البيزنطية.[23]

غير أن الأوضاع بمصر لم تستقر بعد حملة عبد الله بن طاهر بن الحسين بسبب تعسف الولاة وفداحة الجزية وكثرة الأعباء الملقاة على كاهل المصريين، ففي سنة 216 هـ قام الأقباط بثورة خطيرة عمّت الساحل المصري كله واستمرت الثورة ثمانية أشهر حتى اضطر الخليفة المأمون وكان في الشام وقتئذ أن يذهب إلى مصر بنفسه لتهدئة الحالة، وغضب الخليفة على والي مصر وقتئذ وأنَّبَه بقوله " لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عُمّالك حملتم الناس ما لا يطيقون، وكتمتوني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطربت البلاد" ثم أمر بعزله، وحاول المأمون في بادئ الأمر أخذ الثوار باللين فوسط بينه وبين أسقف عرف باسم دنيس ولكن الوساطة لم تأت بالنتيجة المرجوة، فاضطر إلى استعمال الشدة والعنف لإخماد تلك الثورة.[24]

كذلك قامت القبائل والعشائر العربية في الشام والجزيرة بثورات مختلفة بقيادة زعيم عربي اسمه نصر بن شبث وكانت هذه الثورات موجهة ضد النفوذ الفارسي لميل المأمون إلى جانب الخراسانيين، وقد استطاع القائد عبد الله بن طاهر بن الحسين تهدئة القبائل الثائرة بالحزم والشدة تارة، وبالاستصلاح تارة أخرى، إذ رفع عنهم الكثير من الضرائب.[24]

سياسته الخارجية

رسم لخريطة العالم عام 820 م وتظهر حدود الدولة العباسية واضحة في عهد المأمون

كانت سياسة المأمون نحو الإمبراطورية الرومانية المقدسة استمرارا لسياسة والده الرشيد التي تقوم على مصادقة هذه الدولة الأوروبية الغربية، وعلى الرغم من أن وفاة شارلمان حدثت في العام التالي من خلافة المأمون سنة 814 إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار سياسة التفاهم مع ولده لويس التقي، إذ تشير المصادر الأوروبية إلى أن الإمبراطور لويس أرسل سفارة إلى البلاط العباسي في بغداد في عهد المأمون سنة 831.[25]

أما عن علاقة المأمون بالإمبراطورية البيزنطية فكانت سياسة عدائية على غرار سياسة آبائه من قبل، ويشير المؤرخون أن المأمون استغل فرصة الفتنة الداخلية التي تزعمها توماس الصقلبي ضد الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثاني 821 وأخذ يمده بالسلاح والمال كي يعينه على فتح القسطنطينية والاستيلاء على الحكم كما أوعز إلى بطريارك القسطنطينية أن يتوج هذا الثائر إمبراطورًا، ليصبغ حركته بصبغة شرعية لكن الدولة البيزنطية كشفت أخبار هذه الاتصالات وانتهي الأمر بهزيمة توماس الصقلبي وقتله على أبواب القسطنطينية سنة 823. ولم يتردد المأمون في السنوات الأخيرة من حياته من قيادة جيوشه بنفسه والتوغل في أراضي الدولة البيزنطية.[25]، إذ قاد حملة من بغداد وسار إلى منبج ثم إلى طرسوس ومنها دخل أراضي الإمبراطورية البيزنطية، في تموز من عام 830 ففتح حصن قرة عنوة وأمر بهدمه واشترى السبي بستة وخمسين ألف دينار، ثم خلى سبيلهم وأعطاهم دينارًا دينارًا، ثم توجه المأمون إلى الشام وهناك ورده أن الإمبراطور البيزنطي قتل عددًا من سكان طرسوس والمصيصة، فأعاد المأمون الكَرَّة على أراضي الروم فسار حتى وصل أنطيفوا فخرج أهلها على الصلح، ثم توجه إلى مدينة هرقلة فخرج أهلها على صلح أيضا خوفًا من قوات المأمون، ثم وجه عدة حملات داخل الأراضي البيزنطية وتم فتح ثلاثين حصنا بقيادة أحد إخوته، أعاد المأمون التوغل في أراضي الروم مرة ثالثة وأغار على مدينة لؤلؤة مدة مائة يوم ثم رحل عنها، واستخلف عليها قائده عجيف بن عنبسة، لكن أهل المدينة خدعوه وأسروه فأرسل المأمون كتيبة لإنقاذه فتم إخلاء سبيله عبر تفاوض مع الإمبراطور تيوفيل.[26] حاول المأمون غزو البيزنطيين عام 833 فدخل أراضيهم بجيشه عن طريق طرسوس غير أن الوفاة أدركته هناك إثر إصابته بالحمى ودفن بطرسوس.[27]

فتح جزيرة صقلية

كانت علاقة المأمون بدولة الأغالبة في أفريقية أو المغرب استمرارًا لسياسة والده التي تقوم على الاعتراف بحكم هذه الأسرة على أساس الاستقلال الذاتي، مع التبعية للخلافة العباسية، وكان يحكم دولة الأغالبة زيادة الله الأول بن إبراهيم بن الأغلب، الذي بقي حليفًا وتابعًا مخلصًا للمأمون، وقد تم في عهده الاستيلاء على جزيرة صقلية التابعة للبيزنطيين.[28] ففي سنة 212 هـ/ 827 أمر زيادة الله بغزوها وأسند قيادة الحملة إلى قاضي القيروان أسد بن الفرات بن سنان، وكان الجيش الفاتح يتكون من عشرة آلاف فارس، معظمهم من الفرس الخراسانيين والبقية من الأفارقة والأندلسيين المقيمين في أفريقية، وأبحروا من ميناء سوسة في أسطول من مائة مركب إلى جنوب جزيرة صقلية، حيث نزلوا في مدينة مازرة وغيرها من النواحي المواجهة للساحل التونسي جنوبًا، ودارت معركة شديدة بين الجيش الإسلامي والبيزنطي انتهت بانتصار الجيش الإسلامي واستشهد أسد بن الفرات بعد أن وطد الحكم الإسلامي في بعض نواحيها، وكتب زيادة الله إلى الخليفة المأمون يبشره بفتح صقلية.[29]

النهضة العلمية في عهد المأمون

إحدى مخطوطات بيت الحكمة المترجمة إلى العربية.

أبدى المأمون اهتمامه بجمع تراث الحضارات القديمة وخاصة الحضارة اليونانية، أرسل بعثات من العلماء إلى القسطنطينية وقبرص للبحث عن نفائس الكتب اليونانية ونقلها إلى بيت الحكمة في بغداد، كان بيت الحكمة معهد علمي يضم مكتبة لنسخ الكتب ودارًا لترجمتها للعربية، وكان له مدير ومساعدون ومترجمون ومجلدون للكتب، وبحسب ما ذكر ابن النديم في كتاب الفهرست؛ فقد بلغ من شغف المأمون بالثقافة الإغريقية أن أرسطو ظهر له في المنام مؤكدًا له أنه لا يوجد تعارض بين العقل والدين[4][30]، كذلك شجع المأمون المناظرات الكلامية والبحث العقلي في المسائل الدينية كوسيلة لنشر العلم وإزالة الخلاف بين العلماء، مما أدى إلى قوة نفوذ العلماء في الدولة وكان من أشهرهم أبو عثمان الجاحظ[25]

أصدر المأمون برنامجًا منهجيًا للدراسات الفلكية في أول المراصد الفلكية التخصصية المقامة ببغداد ودمشق، وأرسل أول بعثة موسعة مكرسة لإجراء التجارب العلمية، وكشفت هذه المساعي عن طريقة العلماء العرب في فهم المتون الكلاسيكية واستيعابها لا كغاية بحد ذاتها، بل كنقطة انطلاق لإجراء أبحاثهم ودراساتهم الخاصة وكانت هذه المشروعات بداية السيرة المهنية لبعض من أهم العلماء والمفكرين الأوائل في الإسلام.[31]

أظهر المأمون فضولًا صحيًا لمعرفة العالم من حوله وميلًا إلى البحث والمنهج العلمي؛ فخلال زيارة له إلى مصر سنة 832 م حاول تعلم الهيروغليفية القديمة لكنه تمكن من دخول هرم الجيزة الأكبر ليجد القبر الملكي فارغًا قد نهبه اللصوص. وقد اهتم المأمون اهتمامًا عميقًا لعمل العلماء ببيت الحكمة؛ فكان يتردد إليه بانتظام للتباحث مباشرة مع الخبراء والمستشارين في آخر ما انتهت إليه البحوث وفي مسائل التمويل وسوى ذلك من مسائل ذات صلة، وشدد على الاستزادة من دراسة الرياضيات وعلم الفلك من عمل.[31]

بعثة المأمون في قياس محيط الأرض

محمد بن موسى الخوارزمي وضع نسخة مختصرة عن زيج السند هند بطلب من المأمون والذي بقي يستخدم قرونا في العالم الإسلامي وأوروبا.

بالرغم من كتيبة العلماء الكبار الذين كانوا تحت تصرف المأمون، لم يكن يحصل الخليفة دومًا على الأجوبة التي يريدها، ويروي حبش الحاسب أحد أرفع علماء الفلك لدى الخليفة عنه أنه "عندئذ سأل التراجمة عن معنى كلمة (Stades) وهي وحدات طول يونانية، أعطوه ترجمات مختلفة". ولما أعيت خبراؤه الإجابة، قرر المأمون إيجاد طول الدرجة الواحدة من الدائرة الكبرى للأرض بالقياس واضعًا خطة مفصلة لتجربة علمية لحل المعضلة، ففي توسعة لتجربة الرياضي اليوناني القديم اراتوسينس أرسل المأمون فريقين من علماء الفلك والمساحين وصانعي الآلات إلى سهل سنجار الصحراوي، بالقرب من الموصل حيث أخذوا القراءات لارتفاع الشمس قبل أن ينقسموا فريقين، فريق اتجه إلى صوب الشمال وفريق آخر صوب الجنوب الأصلي ومع تحركهم كانوا يسجلون بدقة ما قطعوا من مسافة واضعين في الأرض علامات خاصة على الدرب، وعندما كانت مجموعة ثانية من القراءات الشمسية تشير أنهم قطعوا درجة على دائرة خط الطول يتوقفون ويعودون أدراجهم للتثبت من المسافة التي قطعوها، ثم تحلل المجموعتان المستقلتان النتائج وتقارن الواحدة بالأخرى لتعطيا رقمًا نهائيًا دقيقًا إلى حد لافت. كان حساب بحّاثة المأمون قريبا جدًا مما يعرف اليوم.[32]

الرياضيات وعلم الفلك

عندما كان يحصل خطأ ما، كان المأمون يسارع إلى التدخل وقد استغل ذات مرة زيارة له إلى دمشق، زمن الحرب لقيادة بعثة لتقصي الحقائق بعدما تبين له أن نتائج المحاولات الأولى لتتبع منازل الشمس والقمر في السماء من مرصد بغداد لم تكن دقيقة، طلب الخليفة من مستشاريه إيجاد فلكي مؤهل لتحسين نتائج بغداد، يقول حبش الحاسب: "أمره المأمون بتجهيز أصح ما يمكن من آلات ومراقبة الأجرام السماوية طوال العام" ثم جمعت الحصيلة الضخمة للقياسات الفلكية ورتبت بأمر من المأمون ونشرت لمن يرغب في تعلم ذلك العلم.[32]

من أهم علماء الفلك الذين عاصروا المأمون هو محمد بن موسى الخوارزمي الذي وضع سنة 825 نسخة مختصرة من عمل السند هند بطلب من المأمون وجداول شهيرة للنجوم عرفت بزيج السند هند ظلت تستخدم قرونًا في العالم الإسلامي ثم في أوروربا المسيحية، ساعد نجاح وانتشار زيج الخوارزمي على تكريس جداول النجوم كعنصر أساس من الترسانة العلمية الإسلامية، يشهد بذلك شيوع استخدامه وطول بقائه الملفت، وقد وضع أكثر من 225 جدولًا من هذا النوع في العالم الإسلامي في ما بين القرنين الثامن والتاسع. كان هذا الزيج الدقيق يزود مستخدمه بكل ما يحتاج إليه من أدوات لتحديد منازل الشمس والقمر والكواكب المرئية الخمسة، وتعيين الوقت من النهار أو الليل استنادًا إلى الأرصاد النجمية أو الشمسية، وكانت مفيدة خاصة لضبط أوقات الصلوات الخمس في الإسلام، وتحري الهلال لتحديد بداية الشهر القمري عند المسلمين، كما كان في الإمكان استخدام الزيج مع بعض الآلات الفلكية غالبًا لحل المسائل المعقدة في الهندسة الكروية وتعيين الوقت.[33] كما أهدى الخوارزمي كتاب الجبر والمقابلة إلى المأمون الذي يتناول حلولًا رياضية للقضايا الدينية والعملية، حيث يقول الخوارزمي: «" وقد شجعني ما فضل الله به الامام المأمون على أن ألفت من حساب الجبر والمقابلة كتابا مختصرا حاصرا للطيف الحساب، وجليله لما يلزم الناس من الحاجة اليه موارثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجاراتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكري الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه"».[34]

تطور علم الجغرافيا

الاسطرلاب تم اختراعه في عهد المأمون[35]

كان المأمون مسؤولًا عن الصالح الديني لمجتمع المسلمين الواسع في إمبراطوريته، لجأ الخليفة إلى علماء بيت الحكمة طلبًا للعون على شؤون الدين والدنيا، طلب من هؤلاء الخبراء تحديد المكان الدقيق لبغداد ومكة لمعرفة القبلة الشرعية الصحيحة، كما أراد الخليفة صورة دقيقة لطول وعرض العالم الذي يحكمه عند فلكيي بيت الحكمة الآخرين، كان كل ذلك يؤول إلى حل مسائل أساسية في الهندسة الكروية، وكانوا قد حذقوا بالاستعانة بالقدماء لتحديد نظام الإحداثيات الجغرافية، أي استخدام خطوط الطول ودوائر العرض التخيلية التي تعطي كل نقطة منها موقعًا فريدًا يمكن تحديده بهذه الدوائر.

طبق العلماء العرب بسهولة الرياضيات الكروية على مسائل الجغرافيا من البداية، وكان هؤلاء العلماء قد تعلموا من بطليموس صاحب كتاب 'المجسطي' وكتاب 'جغرافيا'، كان المسح الجيوديزي الذي أمر بإجرائه المأمون في برية سنجار الصحراوية قد أعطى طول الدرجة الواحدة من محيط الأرض بوحدات قياس عربية، فكان 56 ميلًا، والميل العربي 4000 ذراع والذراع التي وضعها المأمون 120 اصبعًا حسب المسعودي في المروج، بينما قدمت تصحيحات المسلمين لجداول بطليموس التي تحدد الإحداثيات 8000 مدينة ومكان وما أضافوا إليه من بيانات جديدة أكثر دقة للفلكيين والجغرافيين على السواء.[36]

كانت المعلومات والتقنيات التي طورها خبراء المأمون وأمثالهم، تستطيع تحديد القبلة بدقة من خط الطول المحلي للدائرة الكبرى للكرة الأرضية، كانت الجغرافيا التي تعرف القبلة بأنها الخط المستقيم الذي يصل المؤمن بمكة، لكن فلكيي ورياضيي بيت الحكمة علموا أن الشكل الكروي للأرض يعني أن القبلة الفعلية كانت في الحقيقة خطًا مائلًا بزاوية محددة من نقطة الصلاة، لا تزال تعرف اليوم باسم السمت، ويستخدم هذا النظام في الحسابات الجغرافية المعاصرة للمسافة والاتجاه، وبذلك تم وضع أعظم إنجاز للمأمون وهي وضع خريطة للعالم وقد عثر على شاخصات تعود للعصر العباسي تبين المسافة من بغداد حتى فلسطين وجورجيا بالقوقاز، جمع المأمون فريقًا من عشرات العلماء لصنع خريطة للعالم صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره ومساكن الأمم والمدن، وهي أفضل مما يقدمه بطليموس ومارينوس، جاء في خريطة المأمون ومسحه وصف ل530 مدينة وبلدة مهمة وخمسة أبحر و290 نهرًا و200 جبل ومقدارها وما فيها من معادن وجواهر. كما صحح جغرافيو المأمون تمثيل بطليموس التقليدي للمحيط الهندي كبحر محاط باليابسة وأوضحوا لأول مرة أنه كتلة كروية من الماء تحيط بالعالم المسكون وهو ما فتح الطريق لما يعرف بعصر الاكتشافات الجغرافية بأوروبا.[37]

أخلاق المأمون

كان يقول: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أؤجر عليه، ولو عرف الناس مقدار محبتى للعفو؛ لتقربوا إلي بالذنوب! وقال: إذا أصلح الملك مجلسه، واختار من يجالسه؛ صلح ملكه كله.

ويؤثر عنه أن أهل الكوفة رفعوا مظلمة يشكون فيها عاملًا؛ فوقَّع: عيني تراكم، وقلبي يرعاكم، وأنا معوّل عليكم ثقتي ورضاكم. وشغب الجند فرفع ذلك إليه، فوقع: لا يعطون على الشغب، ولا يحوجون إلى الطلب. ووقف أحمد بن عروة بين يديه، وقد صرفه على الأهواز، فقال له المأمون: أخربت البلاد، وأهلكت العباد فقال: يا أمير المؤمنين، ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفت بين يديه، وقد قرعك بذنوبك؟ فقال: العفو والصفح. قال: فافعل بغيرك ما تختار أن يفعل بك. قال: قد فعلت، أرجع إلى عملك، فوالٍ مستعطف خيرٌ من والٍ مستأنف. وكتب إلى علي بن هشام أحد عماله، وقد شكاه غريم له: ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا، وجارك طاويًا.

هكذا كان المأمون، حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بني العباس حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً، وقد سمع الحديث عن عدد كبير من المحدثين، وبرع في الفقه واللغة العربية والتاريخ، وكان حافظًا للقرآن الكريم.

من أقواله

  • أنه قال: الناس ثلاثة: فمنهم مثل الغذاء لا بد منه على كل حال، ومنهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض، ومنهم كالداء مكروه على كل حال.[2]

وفاته

بينما كان المأمون في أراضي الدولة البيزنطية في آخر غزواته وهو بالبدندون شمال طرسوس، أصابته حمى لم تمهله كثيرًا وفي 18 من رجب سنة 218 هجري، أدركته الوفاة فحمل إلى طرسوس ودفن بها ومازال ضريحه ظاهراً[38]، وتولى الخلافة بعده أخوه أبو إسحاق محمد المعتصم بالله.[39]

انظر

مراجع

  1. https://libris.kb.se/katalogisering/vs68b3jd2qs4z91 — تاريخ الاطلاع: 24 أغسطس 2018 — تاريخ النشر: 22 أكتوبر 2012
  2. الخلافة العباسية، عبد المنعم الهاشمي، ص325
  3. الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عيسى الحسن ص155 ISBN 978-6589-07-995-1
  4. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص108
  5. عبد الله المأمون، موقع أسرة آل باوزير، 24 شباط 2011. [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 5 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  6. الفكر السرياني وأثره على الفكر العربي، موقع كنيسة القديسة تريزا في حلب، 24 شباط 2011. نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين. [وصلة مكسورة]
  7. ثورة بابك الخرمي، الموسوعة العربية، 24 شباط 2011. نسخة محفوظة 18 فبراير 2018 على موقع واي باك مشين.
  8. Nawas, J. (1994). p 616
  9. الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عبسى الحسن ISBN 978-6589-07-995-1
  10. في التاريخ العباسي والأندلسي: أحمد مختار العبادي ص88
  11. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص96
  12. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص97
  13. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص97 - ص98
  14. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص98
  15. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص98-ص99
  16. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص100 - ص101
  17. الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عيسى الحسن ص149-ص150
  18. في التاريخ العباسي والأندلسي، أحمد مختار العبادي ص101 - 102
  19. في التاريخ العباسي والأندلسي، أحمد مختار العبادي ص103
  20. في التاريخ العباسي والأندلسي، أحمد مختار العبادي ص104
  21. في التاريخ العباسي والأندلسي، أحمد مختار العبادي ص105
  22. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص102
  23. في التاريخ العباسي والأندلسي، أحمد مختار العبادي ص106
  24. في التاريخ العباسي والأندلسي، أحمد مختار العبادي ص107
  25. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص112
  26. الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عيسى الحسن ص192 - ص193 ISBN 978-6589-07-995-1
  27. الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عيسى الحسن ص193، ص196 ISBN 978-6589-07-995-1
  28. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص113
  29. في التاريخ العباسي والأندلسي، الدكتور أحمد مختار العبادي ص114
  30. الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عيسى الحسن ص189 ISBN 978-6589-07-995-1
  31. بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب، جوناثان ليونز ص98
  32. بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب، جوناثان ليونز ص99
  33. بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب، جوناثان ليونز ص102، 101
  34. بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب، جوناثان ليونز ص103
  35. الفكر السرياني وأثره على الفكر العربي، موقع كنيسة القديسة تريزا في حلب، 24 شباط 2011.
  36. بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب، جوناثان ليونز ص118
  37. بيت الحكمة، كيف أسس العرب لحضارة الغرب، جوناثان ليونز ص120-121
  38. تاريخ الدولة العباسية ، د. فاروق عمر فوزي ، دار الشروق ، عمان 2010 ، ص 54
  39. الدولة العباسية، تكامل البناء الحضاري، عيسى الحسن ص196 ISBN 978-6589-07-995-1

    في السينما والتلفاز

    مصادر

    • Nawas, J. (1994). A Reexamination of Three Current Explanations for al-Mamun's Introduction of the Mihna. International Journal of Middle East Studies (26), 4 pp. 615–629

    وصلات خارجية


    قبلــه:
    محمد الأمين
    الخلافة العباسية
    813 – 833
    بعــده:
    محمد المعتصم بالله
    • بوابة العراق
    • بوابة أعلام
    • بوابة شتات عربي
    • بوابة الإسلام
    • بوابة الدولة العباسية
    • بوابة علوم عسكرية
    • بوابة التاريخ الإسلامي
    • بوابة تاريخ الشرق الأوسط
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.