شد الرحال
يؤمن معظم المسلمون بأن شد الرحال للمساجد الثلاثة، الحرام، والنبوي، والأقصى، مما جاءت النصوص الإسلامية بذكره وبيان حكمه، وذلك تعظيماً لشأن هذه المساجد وتشريفاً لها, ممّا احتاج إلى ذكر بيان ما ورد في فضل هذه المساجد من آيات قرآنية وأحاديث من السنة النبوية، مع بيان توضيحي عن آراء العلماء عن شد الرحال لغيرها.
جزء من سلسلة مقالات حول |
الإسلام |
---|
مصادر التشريع |
تاريخ إسلامي
|
أعياد ومناسبات
|
انظر أيضاً |
بوابة إسلام |
مفهوم شد الرحال عند المسلمين
الرِّحال: جمع رحل، والرحل هُنَا: اسمٌ لما يوضع على البعير من قتبه وكُوره ويربط ذلك من حبال.[1] وشد الرحال هو كناية عن السير والنفر، وكني به لأنه لازمه، ويستوي في هذا المعنى: الرحال والخيل والبغال والحمير والسيارات والطائرات والمشي على الأقدام.[2]
شد الرحال في النصوص الإسلامية
شد الرحال بحسب العقيدة الإسلامية، فإنه يشرع السفر وشد الرحال إلى ثلاثة مساجد، وهي المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي. ففي صحيح البخاري[3]
روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال:
لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا |
.
وذكر بدر الدين العيني في شرحه للبخاري[4] أن قوله "لا تشد الرحال" على صيغة المجهول بلفظ النفي بمعنى النهي أي بمعنى لا تشدوا الرحال، ويدل على ذلك أن مسلم في صحيحه[5] رواه بصيغة النهي، كما جاء من حديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى)).[6]
فيكون معنى لا تشد الرحال أي: لا يقصد موضع من المواضع بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى إلاَّ إلى هذه الأماكن الثلاثة تعظيماً لشأنها وتشريفاً، كما بين ذلك ابن الأثير في جامع الأصول.[7] قال ابن تيمية: "وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه، والسفر إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه فهو مستحب".[8] ويستفاد من الحديث فضيلة شد الرحال لهذه المساجد، لكونها مساجد الأنبياء، ولفضل الصلاة فيها، وأن الله جعل فيها من الخير والبركة الشيء العظيم[9]، وأن السفر لهذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف من الأعمال الصالحة[10]، ولذلك حث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على زيارة هذه المساجد ورغب فيها، وبين فضل الصلاة في هذه المساجد، جاء في صحيح البخاري[11] ومسلم[12] عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام)). وجاء عند ابن ماجه[13] وصححه الألباني[14] عن جابر (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه)). ومن المساجد التي جاءت الشريعة بذكرها فضلها؛ مسجد قباء، فللمسلم أن يقصده من داخل المدينة، من دون شد الرحل إليه، ويدل على هذا: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة)). أخرجه ابن ماجه من حديث سهل بن حنيف.[15] فقوله(صلى الله عليه وسلم) من تطهر: فيه تنبيه على أن الذهاب إلى المسجد ليس إلا لمن كان قريب الدار منه بحيث يمكن أن يتطهر في بيته ويصلي فيه بتلك الطهارة كأهل المدينة وأهل قباء لا يحتاج إلى شد الرحال إذ ليس ذاك لغير المساجد الثلاثة، كما بين ذلك السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه.[16]
ولا يشمل عند أئمة المسلمين النهي الوارد في الحديث:" لا تشدوا الرحال" السفر لقصد الصلاة في المسجد النبوي ثم زيارة قبر الرسول وصاحبيه أبي بكر وعمر وزيارة مقبرة البقيع والشهداء في أحد، لأنه لم يشد الرحال لزيارة القبور إنما أنشأها لزيارة المسجد النبوي، فدخلت زيارة القبور تبعاً، ويجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.[17] ولا يدخل في النهي شد الرحال للسفر لأعمال يتقرب بها إلى الله، كصلة الأرحام، أو طلب العلم، أو الجهاد ، لأنه ليس سفراً لذات المكان والبقعة يريد تعظيمها ويتقرب بها، بل إلى من في ذلك المكان لتحصيل غرضٍ عليها، كما بين ذلك ابن حجر في فتح الباري.[18]
آراء علماء المسلمين عن شد الرحال للمواضع الفاضلة (غير المساجد الثلاثة)
نشأ الخلاف في هذه المسألة في القرون المتأخرة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم، كالسفر لقبور الصالحين، وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك، وأصبح الخلاف منعقد بينهم بين الإباحة والتحريم، ولم يقل أحد من علماء المسلمين بالاستحباب مطلقاً.[19] فممَّن يجوِّز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين والمشاهد: أبو حامد الغزالي[20]، وأبو محمد المقدسي[21]، وإمام الحرمين الجويني[22] وغيرهم.[23]
أدلة القائلين بإباحة السفر للمواضع الفاضلة (غير المساجد الثلاثة)
ومن أدلتهم في ذلك أن السفر غير محرم لعموم حديث: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها))[24]، ويحتج بعضهم بالأحاديث المروية في ذلك كحديث: ((من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)[25])، ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)).[26][27]
وذهب جمع كبير من العلماء المتقدمين إلى القول بتحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة. فمن المالكية: الإمام مالك (ت:179هـ)[28]، والقاضي عياض (ت:544هـ)[28]، ومن الشافعية: أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين (438هـ)[29]، وابن الأثير صاحب جامع الأصول[30] (ت:606هـ). ومن الحنابلة: ابن بطة العكبري (ت:387هـ)[31]، وابن عقيل (ت:513هـ)[32] وقال بذلك بعض الحنفية[33]، واستظهر هذه الفتوى ابن تيمية المتوفى: 728هـ[34]، وقد أيده علماء بغداد على ذلك.[35] وممن أفتى من المتأخرين بالتحريم محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت:1182هـ) كما في سبل السلام[36]، والمباركفوري الهندي في تحفة الأحوذي[37]، ونعمان بن محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (ت:1317هـ) كما في جلاء العينين.[38]
أدلة القائلين بتحريم السفر للمواضع الفاضلة (غير المساجد الثلاثة)
أن حديث ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى)) لايختص بعدم شد الرحال لغير المساجد الثلاثة، بل يشمل عدم السفر وشد الرحال إلى كل مكان يقصد التقرب إلى الله فيه كالأماكن المعظمة والقبور، وهذا مافهمه الصحابة رضي الله عنهم.
واستدلوا على هذا بما أخرجه الطحاوي[39] عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: لقيت أبا بصرة صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من الطور حيث كلم الله موسى فقال له: لو لقيتك قبل أن تذهب لزجرتك، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي بالمدينة)). وعن قزعة، قال: سألت ابن عمر: آتي الطور؟ قال: ((دع الطور ولا تأتها))، وقال: ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)).[40]
فقالوا إن الحديث: يعم النهي عن السفر إلى المساجد والمشاهد، وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء مندرجة في العموم وأنه لا يجوز السفر إليها كما لا يجوز السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة.[41]
وقد أنكر علي بن الحسين زين العابدين على من يتردد على القبر مستدلاً عليه بحديث يرويه بسنده إلى جده سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم)، كما روى ذلك أبو يعلى في مسنده:[42] عن علي بن حسين، أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، فقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم)) فقد فهم راوي هذا الحديث وهو من آل البيت النبوي أن من اتخاذ قبره عليه السلام عيداً؛ التردد على القبر، ويدل نهيه وإنكاره على من تردد إلى القبر؛ أن عمل جمهور المسلمين في زمانه -وخاصة العلماء- هو عدم التردد إلى القبر.[43] قال ابن تيمية:[44] "وأما السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين فهذا لم يكن موجوداً في الإسلام في زمن مالك وإنما حدث هذا بعد القرون الثلاثة. قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم. فأما هذه القرون التي أثنى عليها رسول الله فلم يكن هذا ظاهراً فيها ولكن بعدها ظهر الإفك والشرك. ولهذا لما سُئل الإمام مالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: إن كان أراد المسجد فليأته وليصل فيه وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء: ((لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد))".[45]
وصلات خارجية
المصادر
- توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام 7/149.
- انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني7/252، التعليق على صحيح مسلم لمحمد فؤاد عبدالباقي 2/975، منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة ثامر متول، ص 527.
- أخرجه البخاري برقم (1995).
- عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني 7/252.
- أخرجه مسلم برقم (415).
- راجع: الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبدالهادي ص19 .
- جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير 9/283.
- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص145.
- راجع: شرح صحيح مسلم للقاضي عياض 4/ 516، شرح النووي على مسلم 9/ 106.
- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية 2/340.
- أخرجه البخاري برقم (1190).
- أخرجه مسلم برقم ( 505).
- سنن ابن ماجه برقم (1406).
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل برقم 4/ 146.
- سنن ابن ماجه برقم (1412) وقال محقق الكتاب: شعيب الأرنؤوط وآخرون: صحيح بشواهده، وهذا إسناد حسن.
- حاشية السندي على سنن ابن ماجه ص431، وراجع: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية2/ 342.
- انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبد الهادي 92، فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 6/126.
- فتح الباري لابن حجر 3/66.
- راجع الإخنائية لابن تيمية ص118، الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبدالهادي ص167.
- إحياء علوم الدين للغزالي 1/244.
- المغني لابن قدامة 2/195.
- النووي في شرحه على مسلم 9/106.
- راجع فتح الباري لابن حجر 3/ 66.
- أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (981).
- أخرجه ابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال برقم (1956).
- أخرجه الدار قطني في سننه برقم (2695) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (3826).
- راجع: إحياء علوم الدين 1/244،258، المغني لابن قدامة 2/195.
- شرح صحيح مسلم للقاضي عياض المسمى إكمال المعلم بفوائد المسلم 4/516.
- شرح النووي على مسلم 9/ 106.
- جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير 9/283.
- الإبانة الصغرى لابن بطة ص237.
- راجع: المغني لابن قدامه2/195، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص354.
- حجة الله البالغة لولي الله الدهلوي 1/ 325.
- راجع الرد على الإخنائية لابن تيمية.
- راجع الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبدالهادي ص15.
- سبل السلام للصنعاني 1/598.
- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري2/241.
- جلاء العينين في محاكمة الأحمدين لنعمان الألوسي ص588.
- شرح مشكل الآثار للطحاوي 2/57. وحسنه الألباني في كتابه في تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ص 85.
- أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 15544.
- راجع الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبدالهادي ص 257.
- مسند أبي يعلى الموصلي برقم (469).
- راجع: صحيح المقال في مسألة شد الرحال عبد العزيز بن عمر الربيعان ص 184.
- راجع: مجموع الفتاوى 27/385.
- الحديث أخرجه مالك في الموطأ برقم (105)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (1430).
- بوابة السعودية
- بوابة فلسطين
- بوابة تجمعات سكانية
- بوابة الإسلام