تنكر

التنكر أو المحاكاة (بالإنجليزية: Mimicry)‏ في علم الأحياء التطوري مبحث لدراسة مدى تشبه كائن ما بكائن آخر سواء في الظهور البصري أوالسلوك أو الرائحة أو الصوت و حتى الموقع لغرض حماية أحدهما أو كلاهما.[1][2][3] حيث أن الكائن المتنكر أو المتشاكل عادة ما يوجد في نفس المنطقة التي يعيش فيها نموذجه.الهدف من التشكل يكون غالبا للحماية من الصيد أو الحيوانات الاخرى الاعلى مكانا في السلسة الغذائية.

تشاكل فراشة مونارش (يسار) وفراشة نائب الملك (يمين).

قد تكون المحاكاة مفيدة للكائنات الحية التي تشترك في التشابه، وفي هذه الحالة يكون شكلًا من أشكال تبادل المنفعة؛ وقد يمثل ضررًا لأحد هذه الكائنات، مما يجعلها تطفلية أو تنافسية..

تتطور المحاكاة إذا كان المفترس يدرك التشابه بين المقلد ( الكائن الذي يحاكي أو يقلد) والنموذج (الكائن الذي يتم تقليده) ونتيجة لذلك يغير سلوكه بطريقة تمكنه من انتقاء المقلد بدلًا من النموذج. قد تكون التشابهات التي تحدث في التقليد بصرية أو صوتية أو كيميائية أو عن طريق اللمس أو كهربائية أو مجموعات من هذه الطرق الحسية. على سبيل المثال، تستخدم الطيور البصر لتحديد الحشرات الطيبة التي يمكن أكلها، ولتتجنب الحشرات الضارة؛ وبمرور الوقت، قد تتطور الحشرات الطيبة لكي تشبه وتحاكي تلك الحشرات الضارة.[4][5]

تضم المحاكاة عدة أنواع مثل محاكاة باتسيان، وفيها تقلد الكائنات الأنواع الأخرى الخطرة التي لها القدرة على مواجهة الأعداء، في حين ان محاكاة مولريان تمثل قدرة تلك الأنواع الخطرة القادرة على مواجهة الأعداء في تقليد بعضها البعض.

يمكن أن يؤدي التقليد إلى سباق تسلح تطوري إذا كانت المحاكاة تؤثر سلبًا على النموذج، ويمكن أن يتطور النموذج بمظهر مختلف عن المقلد. كما يجب عدم الخلط بين المحاكاة والأشكال الأخرى للتطور المتقارب التي تحدث عندما تصبح الأنواع مشابهة لبعضها البعض بسبب محاولاتهم للتكيف على أنماط الحياة المماثلة. قد يكون للمحاكاة نماذج مختلفة لمراحل مختلفة من دورة الحياة، حيث يقلد أفراد مختلفون نماذج مختلفة كما هو الحال في فراشات هلكونيوس. قد تحتوي النماذج نفسها على أكثر من مقلد، على الرغم من الاختار المعتمد على التردد يفضل المحاكاة عندما يكون عدد النماذج أكثر من عدد المقلدين.[6]

قد تكون النباتات والفطريات أيضًا مقلدة، على الرغم من إجراء أبحاث أقل في هذا المجال.[7]

التصنيف

وُصفت العديد من أنواع المحاكاة، وألقيت نظرة عامة على كل منها، كما سُلط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين أشكالها المختلفة. قد تنتمي بعض الحالات إلى أكثر من فئة واحدة، حيث يصف أحدها علاقة الأنواع بين النموذج والمقلد، فين حين يصف الآخر الغرض من المحاكاة مثل الحصول على الطعام.[8]

الدفاعية

تحدث المحاكاة الدفاعية أو الوقائية عندما تكون الكائنات الحية قادرة على تجنب المواجهات الضارة عن طريق خداع الأعداء في أن يعاملوها كشيء آخر. هناك ثلاثة أنواع تمت مناقشتها حيث تناقش خاصية الحيوانات في التحذير اللوني كشكل من أشكال الحماية:[9]

  1. محاكاة باتس: وفيها يتظاهر المقلد غير الضار بكونه ضارًا.
  2. محاكاة مولر: وفيها يشير نوعان أو أكثر من الأنواع الضارة عن طبيعتهما المؤذية.
  3. محاكاة ميرتنس: وفيها يظهر المقلد المميت بكونه نموذجًا أقل ضررًا ولكنه يعمل على تلقين الدرس للأعداء.

هناك نوع آخر يحدث في النباتات يسمى محاكاة فافيلوفيان.

محاكاة باتس

سميت هذه المحاكاة على اسم هنري والتر باتس، وهو عالم الطبيعة الإنجليزي الذي كان يعمل على الفراشات في غابات الأمازون المطيرة، وكان رائدًا في دراسة هذا المجال.

في هذه المحاكاة يطلق المقلد نفس الهيئة التي يطلقها النموذج الأصلي ليبعد الأعداء، ولكنها تكون غير مجدية للحيوانات المفترسة؛ بمعنى آخر، تشير محاكاة باتسيان لغنم يرتدي ملابس ذئاب. لا يمكن أن تستمر محاكاة باتسيان إلا إذا كان الضرر الناتج الذي سيصيب الحيوان المفترس عند تناوله للنموذج الأصلي يفوق النفع الناتج عند تناوله للمقلد؛ حيث يتم تقييم طبيعة التعلم لصالح المحاكاة، لأن المفترس الذي يتمتع بتجربة أولى سيئة مع نموذج يميل إلى تجنب أي شيء يشبهه لفترة طويلة، ولا يعيد اختباره بعد فترة قصيرة لمعرفة ما إذا كانت التجربة الأولى سلبية كاذبة. ومع ذلك، إذا أصبح المقلدين أكثر وفرة من النماذج الأصلية، فإن احتمال وجود حيوان مفترس يتمتع بتجربة أولى مع مقلد بدلًا من النموذج الأصلي يزداد. لذلك من المرجح أن تكون هذه الأنظمة مستقرة عندما يتواجد كلا من المقلد والنموذج، ولكن بشرط أن يكون النموذج موجود بشكل أكثر وفرة من المقلد.[10][11]

هناك العديد من الأمثلة على محاكاة باتسيان مثل الأخطبوط من جنس thaumoctopus (الأخطبوط المقلد)، وهو أخطبوط قادر على تغيير شكل جسمه وتلوينه عن قصد ليشبه ثعابين البحر الخطرة. تحدث محاكاة باتسيان أيضًا في النبات، مثل كرمة الحرباء التي تعمل على تغيير شكل ولون أوراقها لتتناسب مع شكل النبات الذي تتسلقه. وبالتالي، تبدو أوراقها الصالحة للأكل كأوراق أخرى لايرغب بها المضيف.[12]

محاكاة مولر

سميت هذه المحاكاة على اسم عالم الطبيعة الألماني فريتز مولر، وهي تعبر عن حالة يكون فيها نوعان أو أكثر لهما إشارات تحذيرية متشابهة، وكلاهما يشتركان في سمات أصلية لمواجهة الافتراس.

في البداية، لم يستطيع بيتس شرح سبب ذلك- إذا كان كلاهما ضارًا لماذا يحتاج أحدهم إلى محاكاة الآخر؟ طرح مولر التفسير الأول لهذه الظاهرة: إذا كان المفترس المشترك يحتار بين نوعين، فمن المرجح مقدرة كلا النوعين على النجاة والبقاء على قيد الحياة.[13][14]

هذه النوع من المحاكاة فريد في عدة جوانب. أولًا، يستفيد كل من المقلد والنموذج الأصلي من التفاعل، ولهذا يمكن تصنيفه على أنه تبادل منفعة، كما أنه يحظى بميزة خداع المفترس بشأن هوية الأنواع، لأنه يتجنب المواجهات الضارة المحتملة.[15][16]

محاكاة ميرتنس

تصف هذه المحاكاة الحالة غير العادية حيث تحاكي فيها الفريسة القاتلة الأنواع الأقل خطورة.[17]

المحاكاة العدوانية

توجد المحاكاة العدوانية في الحيوانات المفترسة أو الطفيليات التي تشترك في بعض خصائص الأنواع غير الضارة، مما يتيح لها تجنب اكتشافها من قبل فريستها أو مضيفها؛ بمعنى آخر، يمكن وصفها بقصة الذئب في ملابس الخراف. إحدى هذه الحالات هي العناكب، ومن بينها المحاكاة العدوانية أمر شائع للغاية سواء لجذب الفريسة أو التنكر لخداع الحيوانات المفترسة التي تقترب من التسلل. من الأمثلة الموجودة عنكبوت الموز، والذي ينسج شبكة ذهبية ملونة واضحة في مناطق مضاءة جيدًا. تُظهر التجارب أن النحل قادر على ربط الشبكات بوجود خطر عندما لاتكون الصبغة الصفراء موجودة، وهذا يحدث في المناطق الأقل إضاءة حيث يصعب رؤية الشبكة. بالرغم من قدرة النحل على تعلم الألوان وتجنبها، يبدو أنه أقل قدرة على ربط الشبكات ذات الصبغة الصفراء باحتمالية وجود الخطر، ربما لأن الأصفر هو لون العديد من الزهور الحاملة للرحيق، لذلك لا يكون تجنب اللون الأصفر مجديًا. تغير العناكب الشبكة الخاصة بعم يومًا بعد يوم، ويمكن تفسير هذا بأن النحل له القدرة على تذكر أنماط وشكل الشبكات، مما يعني أن العنكبوت يجب عليه أن يغير من نمط وشكل الشبكة بانتظام أو يعاني من تناقص في التقاط الفرائس.[18]

توجد حالة أخرى حيث يتم إغراء الذكور نحو ما يبدو أنه دورة نزوية للأنثى. في بداية فترة الستينات، كشف تحقيق جيمس إي لويد عن اليراعات الإناث من جنس فوتوريس أنها تنبعث منها نفس الإشارات الضوئية التي تستخدمها الإناث من جنس فوتينوس كإشارة تزاوج؛ وأظهرت الأبحاث الإضافية أن اليراعات الذكورية من عدة أجناس مختلفة تنجذب نحو تلك اليراعات ذات الإشارات الكاذبة، فيتم أسرها وتناولها لاحقًا.[19]

مراجع

  1. Maynard Smith, John; Harper, David (2007). Animal Signals. Oxford University Press. صفحات 3–4, 86–87. ISBN 978-0-19-852685-8. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |year= / |date= mismatch (مساعدة)
  2. Martin Stevens (2005). "The role of eyespots as anti-predator mechanisms, principally demonstrated in the Lepidoptera". Biological Reviews. 80 (4): 573–588. doi:10.1017/S1464793105006810. PMID 16221330. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. Mimic Octopus, Thaumoctopus mimicus at MarineBio.org نسخة محفوظة 18 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
  4. Dalziell, Anastasia H.; Welbergen, Justin A. (27 April 2016). "Mimicry for all modalities". Ecology Letters. 19 (6): 609–619. doi:10.1111/ele.12602. PMID 27117779. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. Wickler, Wolfgang (1968). Mimicry in plants and animals. McGraw-Hill. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. Kikuchi, D. W.; Pfennig, D. W. (2013). "Imperfect Mimicry and the Limits of Natural Selection". Quarterly Review of Biology. 88 (4): 297–315. doi:10.1086/673758. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)صيانة CS1: أسماء متعددة: قائمة المؤلفون (link)
  7. Ruxton, Graeme D.; T. N. Sherratt; M. P. Speed (2004). Avoiding Attack: the Evolutionary Ecology of Crypsis, Warning Signals, and Mimicry. Oxford University Press. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  8. Douglas Harper (2007-10-06). "Online Etymology Dictionary". مؤرشف من الأصل في 02 يوليو 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |تاريخ أرشيف= (مساعدة)
  9. Endler, John A. (1981). "An overview of the relationships between mimicry and crypsis". Biological Journal of the Linnean Society. 16: 25–31. doi:10.1111/j.1095-8312.1981.tb01840.x. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. Bates, Henry W. (1863). The naturalist on the river Amazons. Murray. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  11. Bates, Henry W. (1861). "Contributions to an insect fauna of the Amazon valley. Lepidoptera: Heliconidae". Transactions of the Linnean Society. 23 (3): 495–566. doi:10.1111/j.1096-3642.1860.tb00146.x. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  12. Sterns & Hoekstra. Evolution: An Introduction (الطبعة 5th). صفحة 464. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  13. Müller, Fritz (1878). "Ueber die Vortheile der Mimicry bei Schmetterlingen". Zoologischer Anzeiger. 1: 54–55. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  14. Müller, F. (1879). "Ituna and Thyridia; a remarkable case of mimicry in butterflies (translated by Meldola, R.)". Proclamations of the Entomological Society of London. 1879: 20–29. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  15. Huheey, James E. (1976). "Studies in warning coloration and mimicry VII — Evolutionary consequences of a Batesian–Müllerian spectrum: A model for Müllerian mimicry". Evolution. 30 (1): 86–93. doi:10.2307/2407675. JSTOR 2407675. PMID 28565050. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  16. Benson, W. W. (1977). "On the Supposed Spectrum Between Batesian and Mullerian Mimicry". Evolution. 31 (2): 454–455. doi:10.2307/2407770. JSTOR 2407770. PMID 28563231. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  17. Grobman, Arnold B. (1978). "An Alternative Solution to the Coral Snake Mimic Problem (Reptilia, Serpentes, Elapidae)". Journal of Herpetology. 12 (1): 1–11. doi:10.2307/1563495. JSTOR 1563495. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  18. Craig, C. L. (1995). "Webs of Deceit". Natural History. 104 (3): 32–35. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  19. Lloyd, J. E. (1975). "Aggressive Mimicry in Photuris Fireflies: Signal Repertoires by Femmes Fatales". Science. 187 (4175): 452–453. Bibcode:1975Sci...187..452L. doi:10.1126/science.187.4175.452. PMID 17835312. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • بوابة علم الأحياء
    • بوابة علم الأحياء التطوري
    • بوابة علم البيئة
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.