الحملة البريطانية الثالثة على القواسم 1816
لم تتوقف نشاطات القواسم البحرية المناوئة للحركة التجارية وللسفن التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانيةولغيرها رغم الحملة العسكرية الثانية ضدهم مما اعتبر خرقا لاتفاقية عام 1814م ومن ثم جاء التفكير في ايفاد حملة بريطانية ثالثة في عام 1816م فقد وصلت إلى رئاسة الشركة البريطانية في بومباي معلومات بان القواسم مدوا نشاطهم حتى البحر الأحمر معترضين القوافل التجارية بين الهند ومخا كما وصلت إلى رئاسة الشركة شكوى من تجار سورات بان القواسم استولوا على ثلاثة سفن من سورات عليها بضايع تقدر بمئات الآلاف من الروبيات.
اشتباكات بين القواسم وسفن بريطانية وأمريكية وفرنسية
و في شهر فبراير عام 1816م اشتبكت دورية بحرية للقواسم مع الطراد البريطاني اورورا ذي الأربعة عشر مدفعا وكان هذا الطراد يقوم بحراسة سفينة عمانية ذكرت المصادر البريطانية انها كانت تحمل أموالا وبضايع للسيد سعيد بن سلطان حاكم مسقط لكن القواسم لم يتمكنوا من الاستيلاء على السفينة العمانية حيث واجهوا مقاومة عنيفة وخلال شهر مارس عام 1816م هاجم القواسم عددا من السفن البريطانية والأمريكية والفرنسية من بينها السفينتين البريطانيتين سنترا وماكولاي والسفينة الامركية فارس وسفينة فرنسية كانت قادمة من موريشيوس.
و قد أثارت تلك العمليات العسكرية البحرية التي قام بها القواسم غضب رئاسة الشركة البريطانية في بومباي واعتبرت ان قيام القواسم بخرق اتفاقية عام 1816م والتي انهت الحملة البريطانية الثانية وتشكل تحديا صارخا لنفوذ الشركة البريطانية في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي.
و تذكر الوثائق البريطانية في بومباي ان القواسم بثوا الرعب في المنطقة حتى ان المستر بروس المقيم البريطاني في بوشهر لم يجد قاربا لينقل إلى زعيم القواسم رسالة احتجاج على تلك الأعمال العسكرية البحرية.
استعداد للهجوم على راس الخيمة
حينئد بادرت الرئاسة في سبتمبر عام 1816م بارسال حملتها الثالثة ضد القواسم بقيادة الكابتن بريدجز قائد السفينة البريطانية تشالنجر ومعه الطرادين ميركوري وفيستال لمرافقة المستر بروس لاستعادة حمولة سفين تجار سورات التي استولى عليها القواسم في خليج عدن واعطيت تعليمات إلى الكابتن بريدجز بعدم اتخاذ أي موقف هجومي ضد القواسم قبل أن يتم تدعيم القوة المرافقة له لعدم قدرة القوة البحرية البريطانية الموجودة في الخليج في تلك الفترة على مواجهة اسطول القواسم. و وصل اسطول بريدجز إلى ميناء بوشهر في أوائل أكتوبر عام 1816م ثم ابحر في الثامن عشر من نوفمبر عام 1816م إلى شاطئ راس الخيمة معقل القواسم وبدات قيادة الحملة في السادس والعشرين من نوفمبر عام 1816م محاولة استعادة حمولة سفن سورات بالطرق السلمية بيد ان المحاولة باءت بالفشل ولاحظ قائد الحملة ان راس الخيمة قد اعيد تحصينها جيدا بعد حملة عام 1809م وعبر بيكنجهام الكاتب البريطاني المرافق للحملة عن دهشة لان القواسم الذين دمر اسطولهم خلال حملة عام 1809م استعادوا بسرعة مذهلة قوتهم البحرية العسكرية وغطوا بسفنهم البحار من مياه خلیج ا لفارسی وحتى مياه المحيط الهندي.
التفواض مع القواسم
و تجدر الإشارة إلى أن زعيم القواسم الشيخ حسن بن رحمة قد رد على طلبات القادة البريطانيين بردود غير مرضية لهم حيث اكد حسن بن رحمة بانه لم يخرق اتفاقية عام 1814م ولكنه لا يعترف بالهنود كتابعين للبريطانيين وبالتالي لا يمكن اعتبار السفن الهندية كالبريطانية اما عن بضائع سفن سورات الثلاث فلا يمكن اعادتها لانها قسمت منذ وقت طويل.
انسحاب البريطانيين ورجوعهم وبدء الهجوم
و بينما كان قائد الحملة الكابتن بريدجز والمقيم البريطاني في بوشهر المستر بروس يناقشان رد زعيم القواسم هبت من الشمال الغربي عاصفة قوية أجبرت الاسطول البريطاني على الخروج إلى وسط البحر بالقرب من جزيرة قشم ولم يتمكن الاسطول البريطاني من العودة إلى راس الخيمة الا في الثلاثين من نوفمبر عام 1816م واعيد طلب التعويض من الشيخ حسن بن رحمة ولكنه رفض مرة أخرى وراى المستر بروس ان يعبر عن استياء حكومته فاتفق مع الكابتن بريدجز الذي الذي تجاهل التعليمات التي لديه بعدم اتخاذ أي موقف هجومي على إطلاق النار على سفن القواسم الراسية في الميناء ورد القواسم بالمثل وكانت نيران القواسم أكثر دقة ومن ثم فلم يكن امام بريدجز سوى التوقف عن إطلاق النار والعودة بعيدا عن ساحل راس الخيمة.
و قد أدت مخالفة قيادة الحملة البريطانية الثالثة للتعليمات الصادرة إليها والاشتباك مع القواسم وفشلها في تحقيق أهدافها إلى نتيجة عكسية إذ استهان القواسم بالقوة البريطانية وزال ترددهم في مهاجمة سفن الشركة البريطانية ولعل من أهم نتائج هذه الحملة زيادة ثقة القواسم في انفسهم واعتقادهم ان البريطانيين - رغم تفوقهم من ناحية السفن والتسليح عاجزون عن مقاومتهم.
ما بعد الحملة البريطانية الثالثة
و ما ان رحلت الحملة البريطانية الثالثة عن رأس الخيمة حتى بدأت مرحلة جديدة من نشاط القواسم استمرت حتى عام 1819م وفي هذه المرحلة وصلت قوة القواسم إلى أقصى مدى لها. و هكذا أصبح من المحتم على مجلس رئاسة الشركة البريطانية في بومباي القيام بعمل عسكري كبير يكسر هيبة القواسم ويعمل على ترسيخ الوجود البريطاني في الخلیج العربي. و قد ساعدت الظروف التاريخية في الهند الشركة البريطانية على اتخاد تلك الخطوة إذ صارت للشركة في عام 1818م السلطة العليا في شبه القارة الهندية وأصبحت تمتلك بصفة مباشرة وادى الكنج حتى دلهي وموطن الماراثا بأقاليم الدكن والمنطقة الساحلية المطلة على المحيط الهندي والمناطق الساحلية الممتدة من البنغال إلى الجنوب وأصبح مركز الشركة البريطانية قويا ولاسبيل إلى زحزحته وتمكنت بذلك من اظهار قوتها في منطقة المحيط الهندي.
و لاول مرة منذ عام 1818م وحتى قبيل قيام ثورة الاستقلال الهندية في عام 1857م أصبح لدى رئاسة الشركة البريطانية في الهند قوات متوفرة للعمل في خارج شبه القارة الهندية دفاعا عن مصالحها ومصالح أتباعها من التجار الهنود وعندما قامت قوات محمد علي باشا في مصربالقضاء على الوهابيين -حلفاء القواسم- في عقر دارهم في الدرعية في عام 1818م رأت رئاسة الشركة البريطانية في بومباي توجيه حملة عسكرية بحرية قوية رابعة للقضاء على خطر القواسم نهائيا دون خوف من التورط في حرب مع القوات الوهابية في البر.
- بوابة الإمارات العربية المتحدة