التبشير والتعليم والطباعة في المشرق العربي في النصف الثاني من القرن 19

عرف المشرق العربي خلال القرن 19 وخُصُوصًا خلال النصف الثاني العديد من التحولات الهامة التي ساهمت فيها مجموعة من الأطراف الداخلية والخارجية وإن رجحت الكفة للطرف الأخير والذي ساهم من خلال ما قام به من أعمال تبشيرية ونشر للتعليم والطباعة في ضخ دماء جديدة في جسد النهضة العربية لتنفتح بذلك صفحة جديدة في تاريخ النهضة خصُوصًا وتاريخ العرب عُمُومًا.

يفتقر محتوى هذه المقالة إلى الاستشهاد بمصادر. فضلاً، ساهم في تطوير هذه المقالة من خلال إضافة مصادر موثوقة. أي معلومات غير موثقة يمكن التشكيك بها وإزالتها. (فبراير 2016)

فما هي أهم النشاطات التبشيرية؟ من هي أهم الأطراف المُساهمة في نشر التعليم؟ من هي أهم الأطراف المُساهمة في نشر الطباعة؟

أهم النشاطات التبشيرية

تعريف التبشير

يُرجحُ وجود البعثات التبشيرية في المشرق العربي إلى مطلع القرن 17 ولقد كان دورها يقتصر على نشر الكتاب المقدس وتقديم بعض الخدمات للطوائف المسيحية، ولقد توقف عمل هذه البعثات أواخر القرن 18 م نظرًا للمصاعب الكبيرة التي كانت توجهها ولكن التسامح الذي ميز حُكم إبراهيم باشا أبن مُحمد علي والذي حكم بين 1832 وسنة 1840 وتجاوز حُكمُهُ مصر إلى الشام في فترة معينة الباب واسعًا أمام البعثات التبشيرية لتعاود نشاطها ونقصد هنا البعثات التبشيرية الكاثُوليكية وفي منافسة كبيرة مع البعثة التبشيرية البروتستانتية الأمريكية. فماهي النشاطات التبشيرية التي قامت بها كل بعثة؟

النشاطات التبشيرية للبعثة التبشيرية الكاثوليكية

يمكن اعتبار البعثة التبشيرية الكاثوليكية الأقدم في النشاط التبشيري في منطقة المشرق العربي إذ يعود نشاطها إلى مطلع القرن 17 وإن تميز هذا النشاط بالتقطع نظرا الأحداث التاريخية والصعوبات التي تواجهها في بعض الأحيان فإن هذا النشاط ظل مستمرا إلى اليوم.

ولعل أهم مذهب في هذه البعثة هم اليسوعيون والتي هي رهبنة كاثوليكية أسسها إناطيوس لويلا سنة 1540 ويعرف عضو هذه الجماعة باليسوعي نسبة إلى يسوع المسيح وتنتشر مراكز اليسوعيين اليوم في 112 بلد ولهم مراكز مهمة في عدة دول عربية أبرزها لبنان وسوريا ومصر، ولعل هذا التواجد المكثف في المنطقة العربية يفسر تاريخيا من خلال ما قام به اليسوعيون وأصحاب المذاهب الكاثوليكية الأخرى من نشاطات تبشيرية في القرن 19 ،نشاطات ظهرت خصوصا في دمشق و حلب و لبنان كما قاموا بدور فاعل في نشر التعليم إلا أن جهدهم الأكبر كان منصبا على نشر الثقافة الدينية.

لقد عرفة البعثة التبشيرية الكاثوليكية خلال مسيرتها العديد من التحولات ولعل أهمها على الإطلاق هو إعلان الكنائس الكاثوليكية بما فيها المارونية الاستقلال عن روما دينيا ليصير لها بطاركة من العرب ولتصبح اللغة المعتمدة في العبادات اللغة العربية. إن هذه التحولات ما كانت لتحدث لولا المنافسة التي قامت بين البعثة الكاثوليكية الفرنسية والبعثة البروتستانتية الأمريكية والتي لعبت دور جد هام في المجال التبشيري.

النشاطات التبشيرية للبعثة البروتستانتية

دخل المذهب البروتستانتي بلاد الشام في بداية القرن 19، والبروتستانتية هو أحد مذاهب الدين المسيحي، نشأت على يد المصلح الديني مارتن لوثر في ألمانيا وقد انشقت الكنيسة البروتستانتية عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن 16، والبروتستانت هي معناها الاحتجاج، ولعل أهم ما يميز هذه الطائفة عن الطوائف الأخرى هو الإيمان بأن الكتاب المقدس فقط وليس الباباوات هو مصدر المسيحية، لا يؤمنون بسلطة البابا و حق الغفران كما يوجبون زواج القس. إذن من هنا نفهم حرص البروتستانت الأوائل الذين دخلوا بلاد الشام سنة 1820 تحت أشراف المجلس الأمريكي لمراقبة البعثات التبشيرية على تطبيق تلك البادئ في بلاد الشام أي الحرص على تخليص مسيحي الشرق من سيطرت البابا خصوصا بعد تأسيس مركز قار لهم في بيروت.

كل هذا جعل هذه البعثة تواجه صعوبات متعددة خاصة من رجال الدين الكاثوليك الذين لم يقبلوا أن يحول أتباعهم عن مذهبهم إلى البروتستانتية ليولد بذلك عداء شديد بين الطائفتين لم يحل دون تقدم البعثة الأمريكية واكتسابها "لأتباع جدد".

وفي نفس الإطار أي محاولة البروتستانت اكتساب الأتباع قاموا بتعويض استعمال اللغات القديمة في العبادات باللغة العربية فكثفوا من نشاطهم مستعملين لغة أهل البلاد فتعلموا العربية وترجموا الإنجيل إليها وصنفوا بها العديد من المصنفات العلمية، ولعل أبرز هؤلاء المبشرين الأمريكي كرنيليوس فانديك عاش بين سنة 1818 وسنة 1895، جاء إلى لبنان سنة 1840 وقضى ببلاد الشام 55 سنة. لئن أحيا التناحر بين المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي النعرات الدينية فإنه ساعد على إنعاش اللغة العربية وبالتالي الحيات الفكرية وهو ما سيتجلى في مجال التعليم والطباعة.

الأطراف المساهمة في نشر التعليم

دور النظام الرسمي والمجموعات المحلية في نشر التعليم

كان المستوى الفكري العام في منطقة المشرق العربي أوائل القرن 19 منخفضا فالمدارس الموجودة حينئذ مدارس ابتدائية يقتصر التعليم فيها مسيحية كانت أو إسلامية على الدروس الدينية، يقول هنري جيسب Henry Harris Jessup : "إننا إذا استثنينا القرآن (الكريم) وكتب الدين كالتفسير والفقه بين المسلمين وكتب اللاهوت بين النصارى لم يكن ثمة في البلاد العربية كتب"، ورغم أن هذه الشهادة فيها الكثير من المبالغة إلا أنها تعبر عن جانب من حقيقة ذلك الواقع الذي بدأ يتغير نحو الأفضل بظهور المدرسة الابتدائية الرسمية والتي ظهرت في مصر بجهود محمد علي وخلفائه، ثم بدأت الدولة العثمانية في تأسيس المدارس الابتدائية تحت اسم المكاتب الرشيدية والتي تهدف إلى تخريج كبار الموظفين والعسكريين كمعهد"قالاتا سراي" الثانوي الذي تأسس سنة 1868 برعاية فرنسية.

وأمام خوف الأهالي من تجنيد أبنائهم في الخدمة العسكرية ومنذ حكم إبراهيم باشا قاموا بإنشاء مدارس خاصة كالمدرسة الداودية ببيروت سنة 1861، وتعتبر هذه المدارس محدودة عدديا أمام ما قام بإنشائه الأهالي المسيحيين من مدارس كمدرسة الحكمة التي أنشأها المطران يوسف الدبس سنة 1876، وداخل الطائفة المسيحية نفسها كانت المدارس طائفية أي لكل طائفة مدارسها الخاصة بها فللروم الكاثوليك "المدرسة البطريركية"، وللروم الأرثوذكس "مدرسة الثلاثة أقمار" والتي تم إنشاؤها سنة 1866. رغم ما قامت به هذه الأطراف المحلية من مجهودات للارتقاء بالتعليم في المشرق العربي إلا أن تأثيرها بقي محدودا مقارنة بم قامت به البعثات التبشيرية في هذا المجال.

دور البعثات التبشيرية

  • البعثة الكاثوليكية: قامت البعثة الكاثوليكية بدور هام في نشر التعليم فأساس العمل التبشيري يقوم على نشر المدارس ولقد كان اليسوعيون أكثر هذه البعثات عزيمة في ميدان تعليم الذكور فبعد أن أعادوا افتتاح مدارسهم سنة 1834 كما أنشؤوا مدارس أخرى في بيروت وغزير ثم وسعوا مجال نشاطهم نحو دمشق سنة 1872 وحلب سنة 1873 ليتوجوا مجهوداتهم بافتتاح جامعة "القديس يُوسف" سنة 1875 والتي تخرج هنها العديد من الشخصيات السياسية والأدبية والعلمية كميخائيل نعيمة ورياض الصلح وأمين الريحاني. كما قام اللعازريون بإعادة افتتاح كليتهم في "عين طورة" سنة 1834 وافتتاح مدارس في دمشق. لئن كان التنافس على أشده بين الكاثوليك والبروتستانت الأمريكان في المجال التبشيري فإنهُ كان كذلك في المجال التعليمي.
  • البعثة البروتستانتية قام المبشرون الأمريكان بعمل كبير في المجال التعليمي فحرصوا أولا على تعلم اللغة العربية، وحاولوا إحيائها من خلال دراسة التراث الأدبي فقد علموا أن التواصل مع المجتمع المحلي لا يكون إلا من خلال نظام تعليمي يناسب تراثهم، ولعل أبرز الرواد في هذا المجال المبشر الأمريكي أيلي سميث الذي قام بمساعدة زوجته بتأسيس مدرسة للبنات في بيروت في بناء خاص بها.

كما عهد الأمريكان إلى العالمين ناصيف اليازجي وبطرس البستاني بتأليف كتب في علوم اللغة العربية أي النحو و المنطق و البلاغة و العروض لتطبع وتوزع في كامل أنحاء البلاد ولتسد بذلك نقصًا كبيرًا في هذا المجال. بالإضافة إلى كل هذا أفتتح البروتستانت العديد من المدارس في مناطق مختلفة من الشام افتتحوا بين سنة 1820 تاريخ قدومهم إلى المنطقة وسنة 1860 ما لايقل عن 30 مدرسة، وكانت أولى مدارسهم ببيروت و جبل لبنان ثم حولوا "مدرسة عبية" إلى كلية لإعداد المعلمين وتدريبهم، ولم تحل سنة 1860 إلا وكانت المدارس التي أسسوها تضم نحو 1000 تلميذ خُمُسهُم من البنات. وأخيرا وكنتيجة لتطور المراحل التعليمية من ابتدائي ثانوي وأمام الحاجة لتعليم عالي أنشؤا الكلية السورية البروتستانتية في بيروت لتفتح أبوابها في أكتوبر 1866 برئاسة دانيال بليس والتي حافظة على وجودها رغم كل الصعوبات إلى اليوم.

إذن ومما سبق يمكن أن تتبين الدور الكبير الذي قام به المبشرون في المجال التعليمي وعلى رأسهم أساتذة الجامعتين اليسوعية والإنجيلية وخاصة الأساتذة الأمريكيين الذين درسوا العلوم العصرية بما في ذلك الطب و الفيزياء و الرياضيات بالغة العربية إلى غاية 1882 حيث تقرر تعويضها بالإنكليزية. إن انتشار التعليم ما كان ليتم لولا توفر وسائل العمل أي المدارس والمعلمين وبالخصوص الكتب والتي كانت نادرة في بدايات القرن 19، وهو ما جعل النظام الرسمي ومسايرة للتطور الحاصل في أوروبا يقوم بالعمل على نشر الطباعة، وبصفة موازية حرص المبشرون على إنشاء المطابع لتزويد مدارسهم بالكتب اللازمة للتدريس.

انتشار الطباعة

دور النظام الرسمي والجماعات المحلية

ظهرت الطباعة في أوروبا بعد أن ظهرت ملامحها الأولى في الصين، وبدأت كعملية تجارية على يد الطابع الألماني "جو تنبرج" سنة 1420، ولعل أقدم مطبعة ظهرت في الشرق هي مطبعة دير مار قزحيا سنة 1610 أما أول مطبعة بالحرف العربي فظهرت في حلب سنة 1702 لدى البطريك "أثناسيوس الرابع".

ولقد بقيت الكتب العربية تطبع في أوروبا إلى حوالي سنة 1816 بعد أن أفتى شيخ الإسلام بجواز الطباعة، فكانت أول مطبعة عربية هي "المطبعة الأهلية" في مصر المشهورة باسم مطبعة بولاق سنة 1821 في عهد محمد علي باشا سلطان مصر، وليزداد إنتاج هذه المطبعة بصفة تصاعدية من 50 كتابا في سنة عام 1830 إلى 300 كتاب في السنة عام 1850،وكانت تطبع كتبا بالغة العربية والتركية والفارسية.

تبع إنشاء مطبعة بولاق العديد من المطابع الخاصة "كالمطبعة العمومية" "ليوسف شلفون" سنة 1861، و"مطبعة المعارف" لبطرس البستاني و"مطبعة الجوائب" لأحمد فارس الشدياق في الأستانة و "مطبعة بيروت" لمحمد رشيد و"المطبعة الإنسية" لمحمد سليم الإنسي. ومما يعكس انتشار الطباعة وازدهارها في النصف الثاني من القرن19 هو ظهور العديد من دور النشر "كدار صادر" ببيروت سنة 1863 و"دار الكتب الوطنية" في دمشق سنة 1878 و"دار المعارف" بمصر سنة 1890.

أيضا يظهر هذا التطور في ظهور العديد من المجلات الثقافية كروضة المدارس سنة 1870 لرفاعة الطهطاوي و"الجنان" سنة 1870 لسليم البستاني والعروة الوثقى سنة 1884 "للأفغاني" ومحمد عبده و"المنار" لرشيد رضا. بصفة موازية للدور الذي قام به النظام الرسمي والمجموعات المحلية في نشر الطباعة قام المبشرون الأجانب بدور جد هام في هذا المجال.

دور البعثات التبشيرية

  • البعثة الكاثوليكية: رغم أن الكاثوليك وبالتحديد اليسوعيين بدؤا متأخرى ن في مجال الطباعة إذ لم يؤسسوا مطبعتهم إلا سنة 1847 ورغم أنها كانت مطبعة حجرية إنتاجها ضعيف فإن اليسوعيين قاموا بتطويرها تدريجيا فلم يتم افتتاح جامعة القديس يوسف سنة 1875 إلا وقد أصبح لديهم مطبعة كاملة حديثة حسب مواصفات العصر أخذت على عاتقها طباعة التراث العربي القديم مع ما كانت تطبعه من كتب مدرسية ودينية. وفي نفس الإطار أي أنشاء المطابع قام الأرثوذكس بإنشاء "مطبعة القديس جاجوريس" سنة 1847.
  • البعثة البروتستانتية: نظرًا لقرار البعثة البروتستانتية تطوير نشاطها في المشرق العربي قامت بنقل مطبعتها من مالطة إلى بيروت سنة 1883، وليتلوا ذلك جهود كبيرة في سبيل تطوير الطباعة فقد سافر المبشر إيلي سميث إلى القاهرة و القسطنطينية للبحث عن حروف عربية وبعدها سافر إلى "ليبزج" بسويسرا حيث أشرف على سبك نمط جديد من الحروف العربية أصبح يعرف باسم "الحروف الأمريكية"، لنصبح المطبعة الأمريكية بفضل كل هذا إضافة إلى طباعة الكتب المدرسية القيام بمشاريع كبرى في الطباعة كإخراج الترجمة الجديدة للتوراة وإعادة طباعة التراث الأدبي العربي.

الخاتمة

إن ما يمكن أن نستنتجه من خلال كل ما سبق أن العديد من الأطراف تدخلت في تحديد التحولات التي عرفها المشرق العربي خلا ل القرن19 عموما ونصفه الثاني خصوصا، كما نستنتج ضعف العامل المحلي مقارنة بالعامل الخارجي في هذه التحولات والذي وإن كانت غايته تبشيرية فإنه ساهم بقصد أو بغير قصد في إيجاد حركة فكرية ثقافية ستكون من أهم دعائم النهضة العربية وانبعاث الوعي القومي عند العرب.

المصادر والمراجع

  • أنطونيوس(جورج): يقظة العرب (1890-1939)، تعؤيب ناصر الدين الأسد وإ حسان عباس، دار العلم للملايين، بيروت 1972.
  • الخالدي (مصطفى): التبشير والاستعمار في البلاد العربية، بيروت 1953.
  • الخطيب (محمد كامل): تكوين النهضة العربية (1800-2000)، مطبعة اليازجي، دمشق 2001.
  • التيمومي (الهادي): في أصول الحركة القومية العربية (1839-1920)، دار محمد علي الحامي، صفاقس، تونس2002.
  • بوابة المسيحية
  • بوابة سوريا
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.