الاعتلال الدماغي بارتفاع ضغط الدم

الاعتلال الدماغي بارتفاع ضغط الدم (بالإنجليزية: Hypertensive encephalopathy)‏ هو اختلال عصبي ناتج عن فرط ضغط الدم الخبيث. أول من استخدم تسمية الاعتلال الدماغي بارتفاع ضغط الدم لوصف هذا النوع من الاعتلال الدماغي كانا أوبنهايمر وفيشبرغ عام 1928.[1] يعبر هذا المرض عن ارتفاع حاد مفاجئ ومستمر في ضغط الدم. يحدث الاعتلال الدماغي بارتفاع ضغط الدم في حالات الارتعاج والتهاب الكلى الحاد وأزمات فرط ضغط الدم الأساسي.

الاعتلال الدماغي بارتفاع ضغط الدم
معلومات عامة
الاختصاص طب القلب  
من أنواع فرط الضغط داخل الجمجمة  ،  والتهاب الدماغ والنخاع الشوكي  

من أعراض هذا المرض صداع وعدم راحة وغثيان واختلاج ونزف شبكي ووذمة حليمة العصب البصري. الأضرار العصبية من الممكن أن تصل إلى مرحلة الغيبوبة. يمكن علاج هذا المرض بالإدوية الخافضة لضغط الدم.

العَلاماتُ و الأَعْراضُ

غالبا ما يصيب الاعْتِلاَلٌ الدِماغِيٌّ بارْتِفاعِ ضَغْطِ الدَّم صغيري و متوسطي السنّ الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم.[2][3][4] لكن، إجمالاً، المرض نفسه نادرٌ حتّى عند مرضى ارتفاع ضغط الدم. مختلف الأطباء أفادوا أنّ نسبة الذين يتطوّر عندهم هذا النوع من الاعتلال الدماغيّ من مرضى ارتفاع ضغط الدّم الخبيث تقع ضمن مدىً يتراوح بين 0.5 و 15%.[5][6][7][8] مع نشوء و تطوّر وسائل كشْف و معالجة ارتفاع ضغط الدّم، أصبح الاعْتِلاَلٌ الدِماغِيٌّ بارْتِفاعِ ضَغْطِ الدَّم أكثرَ نُدرَةً. تبدأ أعراضُ هذا المرضِ بالظهورِ بعد 12-24 ساعة من حدوث ارتفاعٍ مفاجئٍ و مستدامٍ في ضغط الدم. ألم الرأس هو أوّل هذه الأعراض، الذي يصيب أكثر من 75% من المرضى.[5] يصبح المريض قلقاً أو ضيّق الصدر. قد يتبع ذلك، بعد عدّة ساعاتٍ، اضطراباتٌ و تغيّراتٌ في الوعي و الإدراك، و التي تشمَلُ ضعفاً في المقدرة على اتخاذ قراراتٍ جيّدةٍ، و اضطراباتٌ في الذاكرةِ، و ارتباكاً، و نعاساً، و تخدّراً. إذا لم تعالج هذه الحالة، قد تسوء هذه الأعراض العصبيّة و، في النهايةِ، تتحوّل إلى غيبوبةٍ. من الأعراض الأخرى التي قد تظهر؛ التّهيُّج و التقيّؤ و ازدواجيّة الرّؤية و النّوباتٌ المرضيّة و الارتعاش و الرَمَع العضليّ في الأطراف. التغيّراتُ و التَّبدّلاتُ في الرؤية شائعة (مثل الرؤية الضبابيّة و العيوب في المجال البصريّ و عمى الألوان و العمَى القِشْرِيّ)، و تحدُثُ في كل 4 من 11 حالةً (حسب ما أقّرته دراسةٌ أجراها جيلينيك و آخرون، عام 1964). قد يصاب المريض بالخَزَلٌ الشِقِّيّ و النزيف المخّيّ و الحُبْسَة (فقدان القدرة على الكلام)، لكنّها أقلُّ شيوعاً. فحص تخطيط كهربائيّة الدماغ يكشف غياب موجات ألفا، دلالةً على الاضطرابات في الوعيّ. يكشف الفحص أيضاً موجاتٍ بطيئةٍ في المناطق الخلفيّة من الدّماغ.

آليّةُ المَرض

الاعتلالُ الدماغيّ بارتفاعِ ضغطِ الدّم يُسببه ارتفاعٌ في ضغط الدّم. اختلالاتٌ متعدّدةٌ قد تتسبّبُ بارتفاع ضغط الدّم: التهابُ الكليَةِ الحادّ، الارْتِعاج، الأزمات في ارتفاع ضغط الدّم المزمن، و التوقّف عن تناول أدوية علاج ارتفاع ضغط الدّم بشكلٍ مفاجئٍ. بالإضافة إلى ذلك، قد يحدث عند مرضى وَرَمِ القَواتِم و فرط نشاط قشر الكظر (متلازمة كوشينغ) و تخثّر الشّريان الكلويّ. الاختلال في تدفّق الدم إلى المخ الذي يكمنُ وراء الاعتلال الدماغيّ بارتفاع ضغط الدم لا يزال مثيراً للجدلِ. في الوضع الطبيعيّ، يحافَظُ على تدفّق ضغط الدّم إلى المخ بآلية تنظيمٍ ذاتيٍّ تسبّب توسّعَ الشرايين الدقيقةِ استجابةً لانخفاض ضغط الدم، و تسبّب تضيّقها استجابةً لارتفاعه. تفشل هذه الآليّة في حالة ارتفاع ضغط الدّم بشكلٍ مفرط. وفق مفهوم الفرط في التنظيم، تضيّق الأوعية الدمويّة الموجودة في الدماغ، استجابة لارتفاع ضغط الدم الحادّ، يؤدّي إلى نقص التّروية الدّماغيّة و الوذمة السامّة للخلايا.[9][10] وفق مفهوم التنظيم الذاتيّ، الشرينات الدماغية سوف تتوسّع، مما يؤدّي إلى الوذمة وعائيّة المنشأ.[7] قد تكون الوذمة الدماغيّة منتشرةً أو مركزيّة. و تكون البطينات الدماغيّة مضغوطةً، و التلافيف القشريّة مسطّحة.

التَّشْخيص

الوسائل المستخدَمَةُ في تشخيص الاعتلال الدماغيّ بارتفاع ضغط الدم تشمل الفحص الجسدّيّ، و قياس ضغط الدّم، و أخذ عينات دم، و تخطيط كهربائيّة القلب، و تخطيط كهربائيّة الدّماغ، و تصوير الصّدر بالأشعّة السينيّة، و تحليل البوْل، و تحليل غازات الدّم الشريانيّ، و التَصْوير الدماغيّ المَقْطِعِيّ المِحْوَرِيّ المُحَوسَب و التصوير بالرّنين المغناطيسيّ. و بما أنّ التّقليلَ من ضغط الدّم ضروريّ، تعطى الأدوية الخافِضَة لضغط الدّم من دونِ انتظار نتائج الفحوصات المخبريّة.

العِلاج

الهدفُ الأوّليّ من علاج الاعتلال الدماغيّ بارتفاع ضغط الدّم هو تقليل ضغط الدّم الانبساطيّ إلى 100-105 مم زئبقيّ، و يجب تحقيق هذا الهدف في غضون 2-6 ساعاتٍ، بحيث لا يزيد الانخفاض الأوّليّ في ضغط الدم عن 25% من القيمة الأوّلية للضغط، على الأكثر.[11][12] و بهذا يُضمن الشفاء التدريجيّ لآفات التهاب الأوعيّة الدمويّة. العلاج الأقوى من ذلك غير ضروريّ و من الممكن أن يخفّض ضغط الدم إلى قيمة تقع تحت المدى التنظيميّ، مما قد يؤديّ إلى أحداثٍ إقفاريّة (مثل السكتة الدماغيّة أو مرض الشريان التّاجيّ).[13][14] بمجرّد أن يصبح ضغط الدّم متحكّماً به، يجب أن ينتقل المريض إلى العلاج بالدّواء الذي يُعطى عن طريق الفم، حيث ينخفض ضغط الدّم الانبساطيّ تدريجيّاً إلى 85-90 مم زئبقيّ خلال مدة شهرين إلى ثلاثة أشهر. بالعادة يرافق الانخفاض الأوّلي في الضغط الانبسطايّ إلى قيمة 100 مم زئبقيّ تدهور بسيط في وظائف الكلى، لكنّ هذا التغيّر عادةً ما يكون سريع الزّوال عندما يبْرأ الاختلال في الأوعية الدمويّة و تتحسّن التروية الكلويّة خلال مدة شهر إلى ثلاثة أشهر.[15] يجب ألّا يتوقف المريض عن تناول الدّواء خلال هذه المدّة إلّا إن انخفض ضغط الدّم بشكل مفرط. لكن، يوصى بتغيير الدّواء إن كان التدهور في وظائف الكلى مرتبطاً بشكلٍ مؤقتٍ باستخدام الدواء المثبط للإنزيم المحوّل للأنجيوتنسين أو مُحْصِر مستقبل الأنجيوتنسين II، اللذان بإمكانهما أن يؤثّرا على التنظيم الكلويّ الذاتيّ و يسببا فشلاً كلوّيّاً حادّاً عند مرضى تضيّق الشريان الكلويّ في كِلا الكليتين. هناك العديد من الأدوية الخافضة لضغط الدّم المرتفع المُعطاة بالحقن التي عادة ما تستخدم في العلاج الأوّليّ لارتفاع ضغط الدّم الخبيث:[11][12]

  • نِتْروبْروسيد: موّسع للشرايين و الأوْردة، يُعطى بالتسريب الوريديّ. الجرعة الأوّليّة: 0.25 - 0.5 ميكروغرام/كيلوغرام في الدقيقة. الجرعة القصوى: 8-10 ميكروغرام/ كيلوغرام لكلّ دقيقة. يبدأ تأثير نِتْروبْروسيد خلال ثوانٍ و يستمر لمدّة 2-5 دقائق. لذلك يمكن عكس انخفاض ضغط الدّم -إن نتج- بسهولة عند التوقف بشكلٍ مؤقتٍ عن التسريب الوريديّ، مما يعطيه ميّزة على الأدوية الموجودة أدناه. لكنّ احتمال سمّيّة السيانايد يحدّ من الاستخدام المطوّل، خصوصاً عند مرضى القصور الكلويّ.[11][12]
  • نيكارديبين: موّسعٌ للشّريّنات، يُعطى بالتسريب الوريديّ. الجرعة الأوّليّة: 5 ملغ/ساعة. الجرعة القصوى: 15 ملغ/ساعة.[16]
  • كليفيدَبِن: جزيء ديهيدروبيريدين، مُحْصِر لقنوات الكالسيوم، قصير المفعول. يقلّل من ضغط الدم دون التأثير في ضغط امتلاء القلب و دون أن يسبّب تسارعاً عكسيّاً في نبضات القلب. الجرعة الأوّليّة: 1ملغ/ساعة. الجرعة القصوى: 21 ملغ/ساعة.[11][12]
  • لَابِيتالول: مُحْصِرُ المُسْتَقْبِلاتِ الألفاويّة و البيتاويّة، يُعطى كبُلْعَة وريديّة أو بالتسريب الوريديّ. البُلْعَة: في البداية؛ 20ملغ، متبوعةً ب 20-80 ملغ كل 10 دقائق إلى أن يصل المجموع إلى 300 ملغ. التسريب: 0.5-2 ملغ/دقيقة.[11][12]
  • فينولدوبام: ناهض لمستقبلات دوبامين-1 الطرفيّة، يُعطى بالتسريب الوريديّ. الحقنة الأوّليّة: 0.1 ميكروغرام/كغ لكل دقيقة، تعاير الجرعة على فترات مدّتها 15 دقيقة، و ذلك يتوقّف على استجابة ضغط الدم.[11][12]

الأدوية الفمويّة: أبطأ من ناحية بدء التأثير و غير قادرة على التحكم بدرجة تخفيض ضغط الدّم، ممّا قلّل من استخدامها في علاج أزمة ارتفاع ضغط الدم. لكن من الممكن أن تكون مفيدةً عند عدم توّفر الأدوية التي تعطى بالحقن، الموجودة أعلاه. قد يقوم كلٌّ من نيفيديبين تحت اللّسان (10ملغ) و كابتوبرل تحت اللّسان (25ملغ) بخفض ضغط الدّم بصورة ملحوظة خلال 10-30 دقيقة عند الكثير من المرضى.[17] تكون الاستجابة أسرع إذا تناول المريض نيفيديبين سائلاً. الخطر الأكبر في استخدام هذه الأدوية هو أعراض نقص التروية (مثل: الذبحة الصدريّة، احْتِشاءُ عَضَل القلب، السكتة الدماغيّة.) نتيجةً للانخفاض المفرط غير المتحكّمٍ به في ضغط الدّم.[18] لذلك، يجب تجنّب استخدامها في حال تواجد أدوية يمكن التحكم بها أكثر.

توقعاتُ سيْر المَرض

مرضى الاعتلال الدماغيّ بارتفاع ضغط الدّم الذين يُعالجون في الحال بالعادة يستعيدون العافية من غير أيّ عجز. لكن، إن لم يتلقّوا العلاج، قد يؤدي المرض إلى الموت.[1]

تاريخ المرض

تعود أوّل الأوصاف لهذا المرض إلى أوائل القرن التاسع عشر. في عام 1914، ميّز فولهارد و فار بين اعتلالٍ عصبيّ يسبّبه ارتفاع ضغط الدّم الحادّ و حالة يُوريميّة.[19] و وصف هذه الحالة ب"اليوريميا الكاذبة". استُخدم المصطلح" "hypertensive encephalopathy من قبل أوبنهايمر وفيشبيرغ في عام 1928م لوصف حالة مريضٍ يعاني من التهاب كلويٍّ حادٍّ، و ارتفاع حادّ في ضغط الدّم و أعراض دماغيّة.[1] في الماضي، المصطلح "hypertensive encephalopathy" كان يُستعمل لوصف عددٍ من المشاكل الدماغيّة التي تحدث عند مرضى ارتفاع ضغط الدّم، مثل وجع الرّأس، و الدُّوَار، و النّزيف الدماغيّ و هجمات نقص التّروية المؤقّتة. لكن حاليّاً ضُيّق مجال استعمال هذا المصطلح لوصف الحالة التي تنتج من ارتفاع ضغط الدّم و التي يمكن أن تنعكس بتقليله.[2][20][21]

المصادر

  1. Oppenheimer, B S, and Fishberg, A M, Archives of Internal Medicine, 1928, 41, 264.
  2. Dinsdale HB (1983) Hypertensive encephalopathy. Neurol Clin 1: 3-16.
  3. Moyer JH, Miller SI, Tashner AB, Snyder H, Bowman RO(1953) Malignant hypertension and hypertensive encephalopathy. Am J Med 14: 175-183
  4. Chester EM, Agamanolis DP, Banker BQ, Victor M (1978) Hypertensive encephalopathy: a clinicopathologic study of 20 cases. Neurology 28: 928-939.
  5. Clarke E, Murphy EA (1956) Neurological manifestations of malignant hypertension. Br Med J 2: 1319-1326.
  6. Ziegler DK, Zosa A, Zileli T (1965) Hypertensive encephalopathy Arch Neurol 12: 472-478.
  7. Healton EB, Brust JC, Feinfeld DA, Thomson GE (1982) Hypertensive encephalopathy and the neurological manifestations of malignant hypertension. Neurology 32: 127-132.
  8. Perera GA (1955) Hypertensive vascular disease; description and natural history. J Chronic Dis 1: 33-42.
  9. Strandgaard S, Paulson OB (1989) Cerebral blood flow and its pathophysiology in hypertension. Am J Hypertens 2: 486-492.
  10. Tamaki K, Sadoshima S, Baumbach GL, Iadecola C, Reis DJ, Heistad DD (1984) Evidence that disruption of the blood–brain barrier precedes reduction in cerebral blood flow in hypertensive encephalopathy. Hypertension 6: I75-81.
  11. Kaplan, NM. Hypertensive crises. In: Kaplan's Clinical Hypertension, 9th ed, Neal, W (Ed), Lippincott, Williams and Wilkins, Baltimore 2006. p.311.
  12. Vaughan CJ, Delanty N. Hypertensive emergencies. Lancet 2000; 356:411.
  13. Ledingham JG, Rajagopalan B. Cerebral complications in the treatment of accelerated hypertension. Q J Med 1979; 48:25.
  14. Haas DC, Streeten DH, Kim RC, et al. Death from cerebral hypoperfusion during nitroprusside treatment of acute angiotensin-dependent hypertension. Am J Med 1983; 75:1071.
  15. Woods JW, Blythe WB. Management of malignant hypertension complicated by renal insufficiency. N Engl J Med 1967; 277:57.
  16. Neutel JM, Smith DH, Wallin D, et al. A comparison of intravenous nicardipine and sodium nitroprusside in the immediate treatment of severe hypertension. Am J Hypertens 1994; 7:623.
  17. Angeli P, Chiesa M, Caregaro L, et al. Comparison of sublingual captopril and nifedipine in immediate treatment of hypertensive emergencies. A randomized, single-blind clinical trial. Arch Intern Med 1991; 151:678.
  18. Grossman E, Messerli FH, Grodzicki T, Kowey P. Should a moratorium be placed on sublingual nifedipine capsules given for hypertensive emergencies and pseudoemergencies? JAMA 1996; 276:1328.
  19. Volhard F, Fahr T (1914) Die Brittische Nierenkrankheit, Vol. 2 (German). Berlin, Springer 232-265.
  20. Finnerty FA Jr (1972) Hypertensive encephalopathy. Am J Med 52:672-678.
  21. Ram CVS (1978) Hypertensive encephalopathy: recognition and management. Arch Int Med 138: 1851-1853.
    • بوابة طب
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.