استعمار استيطاني
الاستعمار الاستيطاني هو أخطر وأقسى ألوان الاستعمار، فالاستعمار العادي الذي مارسته كثير من الإمبراطوريات الاستعمارية قديما وحديثا يحتل الأرض لينهب خيراتها وليجعلها قاعدة لأمن "المركز" الذي جاءت منه جيوشه وليستغل شعوب البلاد المحتلة.[1]
أما الاستعمار الاستيطاني هو الاستيلاء على الأرض واستغلال سكانها واقتلاعهم من أراضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير، فهو يحول البلاد التي يستعمرها إلى "أرض بلا شعب" ليجعلها أرضا خالصة له من دون أهلها!. فالاستيطان هو أن يقوم غرباء باستيطان أرض لا تخصهم بتأييد من دول أوروبا الاستعمارية، فقد تم نقْلُ سكان من أوروبا إلى المناطق المكتشفة في العالم والخالية من الحضارة الأوروبية، كأميركا وأستراليا. وحصل المستوطنون على الأرض وأبادوا أو عزلوا سكانها الأصليين. وتنبثق الطبيعة العنصرية للاستعمار الاستيطاني من إيمان المستوطنين بتفوقهم الحضاري واحتقارهم للسكان الأصليين، وشعورهم بالتفوق عليهم وتمدينهم بالقوة.
ركّز المستوطنون على احتلال الأرض من السكان الأصليين واستعمارها وجعلها خالية منهم، وترحيل السكان الأصليين خارج الحدود إلى الدول المجاورة.[2] فالمستوطنون غرباء جاؤوا من وراء البحار واستقروا في أراض ليست لهم وهدفهم زيادة الهجرة وزيادة الأراضي المغتصبة وكسر إرادة السكان الأصليين بالقوة والإرهاب والإبادة والعنصرية. ويعمل الكيان الاستيطاني على تشجيع الهجرة، هجرة البيض، وازدواجية الجنسية. ويترافق تشجيع الهجرة مع عملية تهجير (ترحيل) السكان الأصليين وحصر ملكية الأرض بالأوروبيين، فملكية الأرض تنتقل من السكان الأصليين إلى المستوطنين.
وتدّعي النظم الاستيطانية بأنها نظم ديمقراطية، وهي في الحقيقة ديمقراطية للمستوطنين فقط ونظم إرهابية وعنصرية تجاه السكان الأصليين. وتتجلى عنصرية المستوطنين وإغراقهم في التمييز العنصري والإبادة باستخفافهم بحقوق وحياة وكرامة السكان الأصليين، فارتكاب المجازر حدث طبيعي في سلوكهم وممارساتهم وثبت بجلاء التحالف الاستراتيجي بين أنظمة الاستعمار الاستيطاني والدول الاستعمارية.
وتحتل عملية الاستيلاء على الأرض مكان الصدارة في الصراع بين المستوطنين وسكان البلاد الأصليين، تماماً كما فعلت فرنسا في الجزائر والنظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا وروديسيا. وشكل الاستعمار الاستيطاني جزءاً لا يتجزأ من الاستعمار التقليدي في كينيا والجزائر وأنجولا.
يتعارض الاستعمار الاستيطاني مع مبادئ القانون الدولي المعاصر التي تؤكد على ضرورة إنهاء الاستعمار بكافة أشكاله، وفي مقدمتها الاستعمار الاستيطاني الذي يشكل أبشع وأخطر أنواع الاستعمار. فأنظمة الاستعمار الاستيطاني بحكم نشأتها الاستعمارية، وطبيعتها العنصرية، وممارساتها الوحشية تنتهك أحكام ومبادئ القانون الدولي وأهم العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية، وتخالف قرارات الأمم المتحدة ولا تلتزم بتنفيذها، وبشكل خاص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في عام 1960 حول "منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة وتصفية الاستعمار". ويعترف القانون الدولي والأمم المتحدة بشرعية كفاح الشعوب الرازحة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية، وبشرعية الكفاح بكافة الوسائل بما فيها المقاومة والكفاح المسلح لنيل الاستقلال وحق تقرير المصير وكنس الاستعمار بشكليه التقليدي والاستيطاني.
في العالم القديم
الإغريق
حين دخلت القبائل الدُورية البلاد اليونانية هاجر كل من يستطيع أن يهاجر من أصحابها هاربًا إلى آسيا الصغرى شرق بحر إيجة، حيث استوطنوا شمالها وجنوبها ووسطها، لما لقوه من قتل وتعذيب من قبل الدُوريين، ولصعوبة العيش في ظل وجودهم، وبعد أن امتزجت القبائل الدُورية مع من بقي من سُكان البلاد اليونانية مدة قرنين ومع ازدياد العدد السكاني أصبح العيش شبه مستحيلاً في الأرض اليونانية مما أدى إلى خروج الكثير من السُكان الممزوجين ما بين اليونان الأصليين والدُوريين إلى بلدان أخرى يستوطنوها بحثًا عن حياة سياسية واقتصادية واجتماعية أفضل، فالوضع أصبح لا يُطاق بالنسية لهم إذ تغيرت أشياء كثيرة في حياتهم وانتفلوا من حال إلى حال آخر، فمن الناحية السياسية تغير الحُكم من النظام الملكي إلى النظام الأرستقراطي الأمر الذي جعل الحُكم في أيدي كبار الأسر دون سواهم، والذي تسبب في جعل فجوة طبقية بين عامة الشعب الفقراء وبين هؤلاء المُتحكمين الأغنياء من الناحية الاجتماعية ما جعل هنالك إحساس لدى هؤلاء الفقراء من عامة الشعب بأنهم أقل بكثير من هؤلاء الأرستقراطيين، كما أنهُ بعد استيلاء هؤلاء الأرستقراطيين على الأراضي الزراعية من الناحية الاقتصادية أبعدوا العُمال الأحرار الذين كانوا يعملوا بهذه الأراضي بأجر واستبدلوهم بعبيد كانت أجورهم أقل بكثير منهم، وبالتالي أصبحوا عاطلين بلا عمل، كما أن صغر الأرض اليونانية كما ذكرنا وضيقها كان لهُ أثره في الهجرة إذ بعد دخول الدُوريين ازداد العدد وأصبحت الأرض صغيرة على كليهم ما ساهم في محاولتهم الاستيطان، وتوزعت هذه المستوطنات ما بين بلاد العالم القديم، مصر، وجزيرة قبرص، وجنوب إيطاليا، وجزيرة صقلية.[3]
الاستعمار الاستيطاني في فلسطين:
تمهيد:
للاستيطان الصهيوني أهمية بالغة في الفكر الصهيوني، وقد هدفت إسرائيل من وراء هذا الاستيطان على وضع حقائق على الأرض تفرض نفسها في أي مفاوضات مع أي طرف في النزاع العربي الإسرائيلي إضافة إلى الدوافع الاقتصادية، والمائية والأمنية، كانت الدوافع التاريخية والدينية المزعومة هدفا لإقامة المستوطنات.
تميزت ظاهرة الاستيطان الصهيوني في فلسـطين عن غيرها من التجارب الاستيطانية القديمة والحديثة من خلال ارتباط هذه الظاهرة بالعنف والاستيلاء على أراض مملوكة لأصحابها الشـرعيين بالقوة، مع التخطيط المسـبق لطرد هؤلاء السكان واستئصال حضارتهم والقضاء على وجودهم" ، فالاستعمار الاستيطاني اليهودي قام على أسس استعمارية وعنصرية تخالف مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والاتفاقات الدولية.
في بادئ الأمر قامت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة ببناء القاعدة الديمغرافية اليهودية في فلسطين العربية، واتصف سلوك المستوطنين تجاه سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين بالإرهاب والعنصرية من أجل ترحيلهم والقضاء عليهم ودفعهم إلى الرحيل من وطنهم فلسطين إلى البلدان العربية المجاورة، حيث شكل الاستيطان عنصراً رئيسياً من عناصر إقامة دولة اليهود في فلسطين العربية، باعتباره وسيلة عملية تهدف إلى تهويد فلسطين وإقامة الكيان الاستيطاني فيها وتزويده باستمرار بالعنصر البشري لتقوية طاقاته العسكرية والاقتصادية والبشرية.
وتبحث هذه الدراسة في موضوع الاستيطان الصهيوني والذي يعتبر ركنا أساسيا في السياسة الصهيونية والإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، فقد بذلت الحركة الصهيونية جهودا حثيثة لتطوير وزيادة الاستيطان الصهيوني قبل عام 1948 وبعده، وقد أقيمت نقاط ومراكز استيطانية على أجزاء من الأراضي التي استولت عليها المنظمات الصهيونية بمساعدة سلطات الانتداب، وقد كانت هذه المستوطنات بمثابة مواقع عسكرية وكيانات إرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين قبل وأثناء حرب1948، وبالرغم من أن المقاومة الفلسطينية لهذا الاستيطان استمرت بعدة طرق وأساليب وعلى أكثر من جهة، إلا أنها لم تستطع كبح الهجرة اليهودية أو وقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية والتي كان هدفها التأسيس لإقامة دولة الكيان الصهيوني.
بداية الاستيطان اليهودي في فلسطين:
بدأت فكرة الاستيطان في فلسطين، تلوح في الأفق، بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر في أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد بترويج فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري الغربي، وإنما هم شعب الله المختار، وطنهم المقدس فلسطين، يجب أن يعودوا إليه، وكانت أولى الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما قام به التاجر الدنماركي أوليغربولي عام 1695، الذي أعد خطة لتوطين اليهود في فلسطين، وقام بتسليمها إلى ملوك أوروبا في ذلك الوقت، وفي عام 1799، وكان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت أول زعيم دولة يقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين أثناء حملته الشهيرة على مصر وسوريا .
واشتدت حملة الدعوات للمشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين في القرن التاسع عشر، حيث انطلقت هذه الدعوات من أوروبا مستغلة المناخ السياسي السائد حول الأطماع الاستعمارية الأوروبية في تقسيم ممتلكات الرجل المريض"الدولة العثمانية" والتي عرفت حينئذ بالمسألة الشرقية، وقد تولى أمر هذه الدعوات عدد من زعماء اليهود وغيرهم، أمثال:اللورد شاتسبوري، الذي دعا إلى حل المسالة الشرقيـة عن طريق استعمـار اليهـود لفلسطيـن، بدعم من الدول العظمى ساعده في ذلك اللورد بالمرستون"1856-1784"، الذي شغل عدة مناصب منها، وزير خارجية بريطانيا، ثم رئيس مجلس وزرائها حيث قام بتعيين أول قنصل بريطاني في القدس عام 1838وتكليفه بمنح الحماية الرسمية لليهود في فلسطين، كما طلب من السفير البريطاني في القسطنطينية بالتدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين .
وبعد ظهور الحركة الصهيونية كحركة سياسية عملية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سعت هذه الحركة إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورنس أوليفانت 1888-1820 والذي كان عضواً في البرلمان الإنجليزي، وعمل أيضاً في السلك الدبلوماسي الإنجليزي، اعتقد بضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدره على جمع الأموال، ومن أجل ذلك قام في عام 1880م بنشر كتاب بعنوان أرض جلعاد اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستعمرات جديدة ومساعدة القائم منها .
وبالإضافة إلى أوليفانت حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين، ومن بين هؤلاء مونتفيوري (1784-1885) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاماً مقابل 10%-20% من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحاكم المصري لبلاد الشام آنذاك، ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء عدد من قطع الأراضي بالقرب من القدس ويافا، واسكن فيها مجموعة من العائلات اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضاً تحت تحفظ السلطات العثمانية لمشاريع الاستيطان في فلسطين، كما بذل وليم هشلر جهوداً في جمع تبرعات مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت الحماية البريطانية" .
أما المبشرون الأمريكيون فقد ساهموا في عودة اليهود إلي فلسطين ففي عام 1814 وقف القس جون ماكدونالد راعي الكنيسة المسيحية داعيا إلي أن اليهود يجب أن يعودا إلي أرض صهيون، ولقد تبعه العشرات من المبشرين الذين دعوا إلي نفس الفكرة ففي النصف الأول من القرن التاسع قام أحد قادة البروتستانت بالهجرة إلي فلسطين وأنشأ هناك مستوطنة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين اليهود علي الزراعة، وكذلك قامت السيدة كلواندا مانيور زوجة أحد كبار التجار وهي من البروتستانت مجموعة من رجال الدين المسيحي للهجرة إلي فلسطين عام 1850 وملكت مساحات شاسعة من الأراضي وهبتها لإقامة المستوطنات اليهودية وهكذا ساعد البروتستانت اليهود في دخول فلسطين، وقام الاتحاد الإسرائيلي العالمي (الاليانس) الذي تأسس عام 1860 باستئجار 2600 دونم لمدة 99 عاماً، أقيمت عليها مدرسة زراعية بدعم من البارون روتشيلد لتدريب اليهود المهاجرين على الزراعة.
وفى عام 1870 تم تأسـيس مسـتوطنة (مكفا إسرائيل) وتعنى أمل إسرائيل في لواء القدس والتي أنشأت مدرسه كانت تهدف إلى تزويد المستوطنين اليهود بالخبرة الزراعية وتقـديم التسهيلات لهم. هذا ويعتبرها المؤرخون اليهود أول مستوطنه زراعية يهودية في فلسطين.
في عام 1878 قامت مجموعة من اليهود بشراء 3375 دونم من أراضى قرية ملبس وتم تسجيلها باسم النمساوي سلومون، واستمرت المحاولات اليهودية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى عام 1881 الذي يعتبره المؤرخ اليهودي والترلاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة من 1882-1884 ، وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار لمدة طويلة، وقد لعبت المؤسسات اليهودية التي أنشئت لهذا الغرض ومن بينها:منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897، والصندوق القومي اليهودي "الكيرن كايمت" وصندوق التأسيس اليهودي"الكيرن هايسود" والشركة الإنجليزية الفلسطينية. وبالرغم من إن المستوطنات لم تظهر بشكل منتظم خلال القرن التاسع عشر إلا في عام 1878،عندما تمكن مجموعة من يهود القدس من تأسيس مستوطنة بتاح تكفا، وفي عام 1882 ثم إنشاء ثلاث مستوطنات، هي مستوطنة ريشون ليتسيون وزخرون يعقوب وروش يبنا، ثم مستوطنتي يسود همعليه وعفرون عام 1883، ومستوطنة جديرا عام 1884، وفي عام 1890 أقيمت مستوطنات رحوبوت ومشمار هيارون وبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الثاني عام 1898 أقر قانون المنظمة الصهيونية العالمية التي أخذت على عاتقها كافة الشؤون المتعلقة بالاستيطان بعد أن وصل عدد المستوطنات الإسرائيلية الزراعية إلى"22" مستوطنة، سيطرت على 200 ألف دونم ارتفعت إلى 418 ألف دونم .
وساهم تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بزعامة هرتسل سنة 1897، بوضع حجر الأساس للمشروع الصهيوني، حيث كان الأساس الأيديولوجي الذي اعتمدته الحركة الصهيونية، منذ بـدء نشاطها أواخر القرن التاسع عشر- مقولة إن المشروع الصهيوني هو عودة شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب" .
فعملت المؤتمرات الصهيونية العالمية بدءاً من المؤتمر الأول على تنفيذ برامجها التي تمحورت حول برنامج المؤتمر الأول عام 1897،" ويدعو هذا البرنامج إلى العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس مناسبة، وتغذية وتقوية المشاعر اليهودية والوعي القومي اليهودي، واتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية، فقد سعت الحركة الصهيونية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى امتلاك أكبر مساحة ممكنة من الأراضي باعتبار ذلك إحدى الركائز الضرورية لإقامة دوله يهودية على أنقاض فلسطين العربية، ولقد ساعد نظام ملكية الأراضي الذي كان سائداً في فلسطين ومناطق أخرى من الإمبراطورية العثمانية آنذاك الصهاينة على تحقيق بعض مخططاتهم في امتلاك الأراضي الفلسطينية وتهويدها.[4]
مراحل الاستيطان الصهيوني في فلسطين:
نشأ الاستيطان الصهيوني في فلسطين قبل عام 1948، على عدة مراحل كان لكل مرحلة منها هدف مختلف عن المرحلة التي سبقتها، كما كان لكل مرحلة منها الطابع الخاص بها، والمميز لها، ويمكن تقسيم الاستيطان الصهيوني في فلسطين إلى عام 1948م إلى مراحل تمت في العهد العثماني، في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، ومراحل أخرى تمت بعد إعلان قيام الكيان الإسرائيلي في 15/5/1948م، ومستمرة حتى الآن يمكن إجمالها في المراحل التالية:
المرحلة الأولى: مرحلة الدولة العثمانية وتحديدا منذ انعقاد مؤتمر لندن عام 1840 بعد هزيمة محمد علي، واستمرت حتى عام 1882، وخلال هذه الفترة البدايات الأولى للنشاط الاستيطاني اليهودي، إلا أن مشاريع هذه المرحلة لم تلق النجاح المطلوب بسبب عزوف اليهود أنفسهم عن الهجرة إلى فلسطين، والتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الانخراط في مجتمعاتهم، ومن أبرز نشطاء هذه المرحلة اللورد شافتسبوري، واللورد بالمرستون، ومونتفيوري واستمرت هذه المرحلة حتى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920.
المرحلة الثانية: مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى قيام دولة إسرائيل:- وفي هذه المرحلة بدأ الاستيطان الفعلي في فلسطين حيث تم تكثيف عمليات استملاك اليهود للأراضي الفلسطينية، وتدفق الهجرة اليهودية ، حيث شهدت هذه المرحلة الموجات الثالثة والرابعة والخامسة من الهجرات اليهودية.
المرحلة الثالثة: وبدأت منذ إعلان قيام دولة إسرائيل وحتى عام 1967، وفيها تمكنت إسرائيل من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاستمرار في مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات لاستقبال الهاجرين الجدد باستمرار.
المرحلة الرابعة:هي مرحلة التسوية السياسية وتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993، حيث نشطت حركة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية واستمرت أعمال تسمين المستوطنات توسيعها وصولا إلى إقامة جدار الفصل العنصري الذي سيطرت من خلاله إسرائيل علي أكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية.[5]
الجزائر قبل الاستعمار:
كان للجزائر قبل الاستعمار أسطول قوي، ومع مرور الزمن تقادم الأسطول حتى تحطّم كليا في معركة نافرين في 1827 عندما ساعدت الجزائر الدولة العثمانية ولم يبقَ منه سوى خمس سفن، فاغتنمت فرنسا الفرصة لتنفيد مشروعها الاستعماري في الجزائر. كانت الجزائر في القرن التاسع عشر من الدول العربية التي تتبع للدولة العثمانية. بدأ يدبّ الوهن في الدولة العثمانية ( الرجل المريض) و تزايد طمع الدول الأوروبية الاستعمارية عليها وعلى أقاليمها حيث وقعت كلها تحت الاحتلال الأوروبي بمختلف أشكاله ( وصاية . حماية . انتداب . استعمار مباشر كما هو الحال ).
الجزائرخلال فترة الاستعمار:[6]
الاحتلال الفرنسي للجزائر يعد واحداً من أطول الاحتلالات وأكثرها بشاعة في التاريخ الحديث، وخلال أكثر من 132 عاماً (منذ العام 1830 حتى العام 1962) قدم أبناء الجزائر أرواحهم فداءً لتحرير وطنهم، الذي صار اسمه الجديد "بلد المليون شهيد".
الاحتلال الفرنسي للجزائر وحادثة ضرب القنصل
بدأت قصة الشعب الجزائري مع المعاناة في عام 1827، عندما وقعت معركة نافارين، التي دارت بين الأسطول العثماني ومعه الجزائري والمصري، وبين الأساطيل البريطانية والفرنسية والروسية من جهة أخرى.
انهزم العثمانيون في خليج نافارين جنوب غرب اليونان، وكانت هذه بداية النهاية والانهيار البحري للأسطول العثماني، وسقوط الجزائر بعدها بأعوام تحت الاستعمار الفرنسي، ونقطة محورية في انفصال اليونان عن الحكم العثماني.
انتهزت فرنسا في هذا الوقت ضعف الدولة العثمانية والجزائر، خصوصاً أن أسطول الجزائر البحري قد انهار، وأصبحت المياه الإقليمية الجزائرية مفتوحة أمام القوات الفرنسية، التي كانت تخطط لاحتلالها قبل أعوام، وكان لذلك أسباب وعوامل مختلفة، كموقع الجزائر على البحر المتوسط، والاستفادة من خيرات هذا البلد ومن الكوادر البشرية فيه، واستعادة هيبتها كقوة استعمارية.
في عام 1827، اتخذت فرنسا من الحادثة المشهورة باسم "مروحة الداي" ذريعة لها لاحتلال الجزائر، والحادثة باختصار هي أن الداي حسين حاكم الجزائر في تلك الفترة، ضرب قنصل فرنسا على وجهه بمروحة يده ثلاث مرات، عندما لم يُجب القنصل عن سؤال الداي بشأن ديون فرنسا للجزائر، فاعتبرت فرنسا أن هذه إهانة كبيرة لها، ففرضت حصاراً على البلاد لمدة 3 أعوام، كما ورد في الكتاب التاريخي "كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الأمير عبد القادر تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى لعلي محمد محمد الصلابي".
الاحتلال الفرنسي للجزائر بدأ بشن باريس هجماتها على ميناء طولون، بمشاركة 37 ألف جندي، ومع حلول 14 يونيو/حزيران 1830، تمكَّنت الحملة الفرنسية من الوصول لمنطقة سيدي فرج، وأحكمت قبضتها على البلاد، وفي 5 يوليو/تموز من العام ذاته، سلم الداي حسين مدينته للقوات الفرنسية ليبدأ الاحتلال الفرنسي للبلاد، الذي بدأ مباشرة بمحاولاته لتجهيل الشعب الجزائري والتلاعب بثقافته، بل وحاول تغيير دينه.
جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر ومحاولات طمس الهوية
اتخذت فرنسا منذ بداية احتلالها للجزائر سياسة واضحة، وهي محو ثقافة البلاد وتحويلها إلى ثقافة تبعية، تتبع فرنسا بشكل كامل، تفكك فيها أوصال المجتمع الجزائري الأصيلة، واتخذت في ذلك عدة خطوات، أولها سياسة ارتكاب الجرائم والإبادة الجماعية، لتغيير ديموغرافية البلاد، والقضاء على مقاومة الشعب الجزائري من البداية.
وهذه كانت رؤية الجنرال الفرنسي بيجو، الذي حل بالجزائر سنة 1841، ويقول مؤلفو كتاب "جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر"، على لسان أحد الضباط الفرنسيين: "لقد كانت حملتنا تدميراً منظماً أكثر منها عملاً عسكرياً، نمضي أوقاتنا في حرق القرى والأكواخ"، ويقول: "آه أيتها الحرب كم من نساء وأطفال تجمعوا في جبال الأطلس العالية المكسوة بالثلوج فماتوا هناك من البرد والجوع".
وثاني خطوات الاحتلال الفرنسي وأكثرها خطورة هي محاربة اللغة العربية، وإجبار الأهالي على استعمال الفرنسية، والتي جعلوها هي اللغة الرسمية وحدها، في الروضة والمدرسة والجامعة، وقامت فرنسا بإنشاء إدارة جديدة مفرنسة، وعملت على شطب الأسماء العربية للمدن والشوارع والمعالم، واستبدلتها بأسماء فرنسية.
كما عملت على إصدار عدة مراسيم لـ"فرنسة التعليم"، ومنها مرسوم عام 1904، والذي يقضي بمنع أي معلم من فتح مدرسة قرآنية إلا بترخيص وشروط كثيرة جداً، بعد التزامه بجملة من الشروط التعجيزية، ثم أصدرت قانون عام 1938، الذي قضى بحظر استعمال اللغة العربية، بل واعتبارها لغة أجنبية، كما تم العمل بشكل منهجي على تدريس جغرافيا وتاريخ فرنسا على أنهما جغرافيا وتاريخ الجزائر، وتشويه التاريخ الإسلامي.
وكان التنصير من خطوات الفرنسيين في الجزائر، حيث تم تحويل أغلب من المساجد إلى كنائس وثكنات وإسطبلات، وتم تشجيع البعثات التبشيرية للانتشار في البلاد لتنصير الشعب، ومحاولة لإنهاء الإسلام لديهم، وتمت مصادرة الأوقاف الإسلامية، وجعلها تحت تصرف المبشرين، وكان الكاردينال لافجري من أشد المتحمسين للتنصير، الذي قال: "علينا أن نجعل من أرض الجزائريين مهداً لدولة مسيحية… تلك هي رسالتنا"، وسيطر الفرنسيون أيضاً على الطرق الصوفية لتنشر الخرافات التي تضر بمفاهيم الإسلام.
وبطبيعة الحال قام الفرنسيون بعمليات إفقار للشعب الجزائري، من خلال اغتصاب وسلب الأراضي الزراعية الخصبة، وإعطائها للمعمرين من فرنسيين أو من المتفرنسنين، الذين تم جلبهم من دول أوروبية عدة، وبعد تجريد الشعب الجزائري من ممتلكاته أخضعته لقوانين قاسية، ومنها قانون الأهالي عام 1871، والذي فرض عليه حمل رخصة تجيز له التنقل من مكان لآخر داخل وطنه، فإذا لم تكن بحوزته يعاقب، وقد أصاب الجزائريين نتيجة هذه السياسة فقر مدقع.
كل هذه العوامل كانت تصب في فكرة الدمج التي كانت تعمل عليها فرنسا، في سبيل اقتلاع الجزائر من محيطها العربي والإسلامي، وتذويبها في الكيان الفرنسي بشكل قانوني، بعد إصدار مرسوم عام 1834، الذي اعتبر الجزائر أرضاً فرنسية، وفي عام 1912 أصدرت قانون التجنيد الإجباري على الجزائريين في الجيش الفرنسي باعتبارهم رعايا فرنسيين.
لكن أهل الجزائر استمروا في المقاومة حتى آخر يوم .على الرغم من سياسة فرنسا الممنهجة والشرسة ضد الشعب الجزائري، فإن الشعب الجزائري قاوم قوات المحتل الفرنسي وقراراته منذ أولى سنوات الاحتلال، وخاض ثورات كثيرة ضد المحتل بقيادة علمائه وشخصياته البارزة، وكانت أولها ثورة عبد القادر بن محيي الدين عام 1832، وكان بينه وبين الفرنسيين صولات وجولات أزعج فيها القوات الفرنسية، ولكنه سقط في الأسر عام 1847.
وقد تبعته عدة حركات لمقاومة المحتل والثورة عليه، كمقاومة أحمد باي في منطقة قسنطينة عام 1837، وثورة محمد بومعزة عام 1854، ومقاومة الخليفة أحمد بن سالم في الأغواط، وثورة الزعاطشة عام 1848، والكثير من الثورات التي استمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر، وكانت تسبب الإزعاج للمحتل، ولكن كانت تواجه بكل شراسة من الفرنسيين، وفقاً لكتاب الصلابي.
الوعي الثقافي الجزائري في مواجهة فرنسا
تقول دراسة جزائرية اسمها "بوادر الوعي الفكري والثقافي وسط الجزائريين (1900-1930)"، إن بداية القرن العشرين تعتبر مرحلة ضعف المقاومات المسلحة، ولكنها شهدت قيام الجزائريين برفع مطالبهم ورفضهم للالتحاق بالجيش الفرنسي والهجرة، وذلك بالتزامن مع ظهور نخب مثقفة.
وفي تلك الفترة ظهر العالم الإصلاحي الجليل عبد الحميد بن باديس، أحد أشهر علماء عصره المتفانين في نشر العلم والمعرفة، أيضاً مجاهداً سياسياً اتخذ طريق النشاط الإصلاحي، حيث قام بتأسيس مكتب للتعليم الابتدائي العربي عام 1926 انبثقت عنه في عام 1930 مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية، وهي الجمعية التي أصبح لها نحو 170 فرعاً في مختلف مناطق الجزائر.
جاهر حميد بن باديس بعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأحيا فكرة الوطن الجزائري بعد أن ظنّ كثيرون أن فرنسا نجحت في جعل الجزائر مقاطعة فرنسية، وكان من المساهمين في إفشال فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا التي خُدع بها كثير من الجزائريين، واستعمل الصحافة لنشر فكره الإصلاحي من خلال إصدار جريدة المنتقد عام 1925، التي تولى رئاسة تحريرها، ثم جريدة الشهاب في نفس السنة.
أسهم بمواقفه وآرائه في إثراء الفكر السياسي بالحديث عن قضايا الأمة، ففي عام 1936 دعا لعقد مؤتمر إسلامي بالجزائر لإفشال فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا، كما شارك ضمن وفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بباريس عام 1936، ودعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع حبال الأمل في الاتفاق مع الاستعمار، وأعلن رفضه مساعدة فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وكان لأفكاره الإصلاحية أثرها الكبير في قيام ثورة التحرير الجزائرية.
كما ساعدت التنظيمات السياسية على تطور إرادة الشعب إلى العمل المسلح العسكري، مثل حركة نجم شمال إفريقيا الذي ظهرت في سنة 1926 في باريس بقيادة مصالي الحاج، انتقل هذا التنظيم إلى الجزائر سنة 1933، وتحول إلى حزب الشعب الجزائري سنة 1937، ثم إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946.
ثم سنة 1947 أسست داخل الحركة المنظمة الخاصة وهي منظمة سرية عسكرية مكونة من بعض مناضلي الحزب الأشدّاء هدفها القيام بعمليات عسكرية وهي المهد الذي تولدت منه المجموعة التي فجّرت الثورة في سنة 1954، وحركات سياسية وثقافية أخرى استعرضها كتاب "دراسات في تاريخ المغرب العربي المعاصر لمحمد علي داهش".[7]
- د. محمد عمارة. "الاستعمار الاستيطاني". صحيفة المدينة. مؤرشف من الأصل في 09 ديسمبر 2019. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - سمير الاحمد/ عن الدكتور غازي حسين. "الاستعمار الاستيطاني". دنيا الرأي. مؤرشف من الأصل في 26 مايو 2013. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - جمال خالد الطريفي. وحضارة اليونان والرومان.aspx "تاريخ وحضارة اليونان والرومان" تحقق من قيمة
|مسار أرشيف=
(مساعدة). جامعة الملك سعود. مؤرشف من الأصل في 15 يناير 2018. الوسيط|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - "الاستيطان الصهيوني في فلسطين حتى عام 1948 - المركز الفلسطيني للإعلام". www.palinfo.com. مؤرشف من الأصل في 09 يونيو 2020. اطلع عليه بتاريخ 17 ديسمبر 2020. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - ابراهيم ابراش. الفلسطينيين والوحدة الوطنية منذ قيام الحركة القومية العربية حتى نكبة 1948 (باللغة العربيه). بيروت. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة)صيانة CS1: لغة غير مدعومة (link) - "أخبار". عربي بوست — ArabicPost.net. مؤرشف من الأصل في 17 ديسمبر 2020. اطلع عليه بتاريخ 17 ديسمبر 2020. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة) - د. عبدالمالك خلف التميمي. الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي. الوسيط
|CitationClass=
تم تجاهله (مساعدة); line feed character في|عنوان=
على وضع 18 (مساعدة)
مراجع
- بوابة السياسة
- بوابة القرن 19
- بوابة التاريخ