مدرسة عثمان باشا

مدرسة عثمان باشا الساقزلي وتعرف أيضاً (بخلوة الشيخ عمر الجنزوري) وهو من كبار علماء ليبيا وأحد أهم من درّسوا بها مؤخرا، تأسست المدرسة سنة 1064 هجري / 1654 م. وتقع بزنقة درغوت باشا بحي باب البحر في المدينة القديمة بالعاصمة الليبية طرابلس، وسميت باسم عثمان باشا الساقزلي الذي قام ببنائها، وهو والي طرابلس الغرب آنذاك أثناء فترة الخلافة العثمانية حيث كانت ليبيا منضوية تحتها.و يعتبر تأسيس هذ المدرسة في العهد العثماني الأول تجديدا واستمرارا لتدريس العلوم الإسلامية في طرابلس بعد تدمير الأسبان وفرسان القديس يوحنا لكافة المرافق الحيوية للمدينة بما في ذلك المدارس الشرعية العتيقة مثل المدرسة المستنصرية التي كان أسسها ابن أبي الدنيا في العصر الحفصي، والتي كانت بدورها استمرارا لتدريس العلوم الإسلامية منذ أدخل علي بن زياد الطرابلسي (تلميذ الإمام مالك) كتاب الموطأ إلى المغرب الإسلامي من خلال طرابلس، ثم القيروان حيث كان علي بن زياد أستاذا للإمام سحنون بن سعيد التنوخي صاحب المدونة.

جزء من حي باب البحر في المدينة القديمة حيث تظهر قباب مدرسة عثمان باشا في أسفل الصورة ويبدو جامع درغوث في يمين الصورة (الصورة من عشرينيات القرن العشرين).

أهميتها

حافظت مدرسة عثمان باشا حتى وقت قريب على التعليم الديني وفق نظام الحلقات في مختلف العلوم الإسلامية بشكل منتظم، كما أن المدرسين الذين تعاقبوا على التدريس فيها، كانوا من أهم علماء ليبيا الذين تخرجوا على الرعيل الأول، مما أضفى عليها طابع العراقة، ومن أبرز هؤلاء العلماء: محمد كامل بن مصطفى، عمر الجنزوري وعبد السلام البزنطي الذي واصل تدريس الفقه المالكي وعقيدة أهل السنة والجماعة، وعلى الرغم من صغر المدرسة إلا أنها استطاعت أن تحافظ على الموروث العلمي والثقافي الإسلامي لطرابلس، وأن تنقله عبر الأجيال بنكهة طرابلس المغاربية، بكل ما يعنيه ذلك من أصالة تاريخ المدينة وعلو قدر علمائها، لهذا لم يكن مستغربًا اختيار طرابلس الغرب في سنة 2007 عاصمةً للثقافة الإسلامية.[1]

المنهج

يتلخص منهج المدرسة في تدريس معالم الدين الإسلامي بأبعاده الثلاثة: الإيمان (علم العقيدة)، الإسلام (علم الفقه)، الإحسان (علم التزكية) حسب منهجية ومشرب أهل السنة والجماعة الأشاعرة المالكية الجنيدية، ويشارك علماء المدرسة الشيخ عبد الواحد بن عاشر في منهجيته الملخصة في متنه الشهير: "في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد سالك". ويجمع منهج المدرسة بين علمي الرواية والدراية بتدريس الحديث النبوي والفقه المالكي الأصيل مع علوم اللغة والآلة من نحو وصرف وعروض وبلاغة ومنطق وآداب البحث والمناظرة. وكان تدريس هذه العلوم على طريقة التلقين وتحمل العلم الشرعي المعنعن في حلق الدرس والذكر بالسند العلمي المتصل. ومع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، فإن التدريس في المدرسة بهذه الطريقة تواصل بشكل منتظم في مجال الفقه المالكي وعقيدة أهل السنة والجماعة على يد الشيخ عبد السلام البزنطي.

أسانيد المدرسة

تجتمع في مدرسة عثمان باشا أسانيد الأمة الإسلامية قاطبة من أسانيد مصرية (أزهرية) وتونسية(زيتونية) ومغربية وشنقيطية ويمنية وحجازية وهندية وتركية، حيث اعتنى علماء طرابلس بالرواية المعنعنة منذ القدم، وأقرب هذه الأسانيد - مثلا - الأسانيد التي اجتمعت من خلال العلامة مجدد المدرسة في العصر الحديث الشيخ محمد كامل بن مصطفى (مفتي طرابلس الغرب)والذي قام بتدريس العلوم الشرعية مطلع القرن العشرين بمروياته عن أكابر مشائخ الأمة في عصره ومنهم الشيخ أحمد عبد الرحيم الطهطاوي، والشيخ محمد عليش، والشيخ محمد الأشموني، والشيخ حسن العدوي، والشيخ محمد المهدي بن سوده، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ عبد الهادي الأبياري، والشيخ عبد القادر الريماوي المقدسي الحنفي، والشيخ إبراهيم بن محمد السياني التونسي التوزري، والشيخ مختار شويخ، والشيخ محمد الطاهر الغدامسي، والشيخ أبو القاسم العيساوي. كما جمعت المدرسة بين أسانيد المناطق الليبية المحيطة بطرابلس مثل أسانيد الشيخ محمد الأمين العالم من شط الهنشير، وأسانيد الشيخ علي الغرياني من تاجوراء، وأسانيد الشيخ أحمد أبو طبل من بني وليد، وأسانيد الشيخ محمد ظافر المدني من مصراتة (والتي تتصل بأسانيد الشيخ أحمد زروق).

من أعلام المدرسة

تسلسل العلم الشرعي المعنعن في المدرسة من خلال تلاميذ الشيخ محمد كامل بن مصطفى من أمثال العلماء المشائخ: إبراهيم مصطفى باكير (مفتي طرابلس)، أحمد البكباك، أحمد الشارف، أحمد شقرون، أحمد بن عبد السلام، أحمد بن عبد العال، أحمد الفقيه حسن (الجد)، أحمد بن محمود، سالم بن المبروك الورشفاني، عبد الرحمن البوصيري (مفتي طرابلس)، عبد الله أبو قرين، علي عياد، قدور أفندي، محمد البوصيري، محمد الزمرلي، محمد سعيد المسعودي، محمد الضاوي، محمد الطاهر الزاوي، محمد العالم الكراتي، محمد فرحات الزاوي، محمد الفقيه حسن، مختار الشكشوكي، مصطفى الخازمي، مصطفى بن زكري، مصطفى الهوني، ثم من خلال تلاميذ تلاميذه من أمثال العلماء المشائخ: علي الغرياني، وعلي المسلاتي، ومحمود المسلاتي، ومحمد خليل القماطي، والمهدي أبو شعالة، وعمر الجنزوري، وسالم بوكر، وغيرهم.

مشائخ المدرسة حاليا

مكتبة المدرسة

أوقف عثمان باشا الساقزلي كتبا كثيرة وقيمة على مدرسته منذ تأسيسها، نجت منها بعض المجلدات والمخطوطات محفوظة الآن بشعبة الوثائق والمخطوطات بمركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، بعد أن كانت نقلت من المدرسة إلى مكتبة الأوقاف عند تأسيس تلك المكتبة. وتم تجديد المكتبة وتزويدها بمراجع ومصادر هامة في العلوم الإسلامية وخاصة كتب الفقه المالكي وأصوله[3] تحمل اسمها.

معمار المدرسة

عند الدخول إلى المدرسة يقابل الداخل صحن المدرسة وهو ساحة مربعة الشكل تفتح عليها أبواب 14 حجرة (خلوة)كل منها تزدان بعمودين من الرخام الزاهي اللون يعلوهما قوس نصف دائري. كما يحيط بالساحة رواق منتظم محمول على أعمدة رخامية متعددة المصادر تعلوها تيجان حفصية وعثمانية (مما يعزز فرضية أن المدرسة بنيت على أنقاض المدرسة المستنصرية العتيقة). وتعلو المدرسة قبتين عثمانيتين مميزتي الشكل، وتفتح الساحة على منطقة منفصلة بها مرافق المدرسة وميضأة تحمل نقوشا بديعة مزودة بحنفيات عثمانية، كما تفتح الساحة من الناحية المقابلة على مقبرة قديمة حولت إلى حديقة زهور ومكان لمحو ألواح التحفيظ. بالمدرسة مسجد للأوقات يستخدم أيضا للتدريس، وبها أيضا مكتبة، وحجرة واسعة تستخدم الآن ككتّاب لتحفيظ القرآن بعد أن كانت دار الفتوى على زمن المفتي محمد كامل بن مصطفى، وفي وسط ساحة المدرسة حوض رخامي يزدان بشجيرات وزهور تتوسطها شجرة حناء.[4]

من تاريخ المدرسة

مساهماتها في الإفتاء

كانت المدرسة تقوم بدور (دار الإفتاء) أو (مقر المفتي) في العهد العثماني الأول، ويعتبر الشيخ محمد كامل بن مصطفى الذي كان مفتياً لطرابلس الغرب من أهم مشائخ المدرسة في العصر الحديث، إذ تخرج على يديه في هذه المدرسة أهم علماء ليبيا ممن سبق ذكرهم.

الحزب القرآني

ومن أعلام المدرسة الشيخ عمر الميساوي والشيخ عبد السلام الزنتاني والشيخ محمد المصراتي الذي ساهم في تأسيس قراءة الحزب القرآني في مدينة طرابلس، ويعتبر الحزب القرآني بالوقف الهبطي الذي يقرأ كل يوم عقب صلاة المغرب من النشاطات المميزة ذات الطابع العريق للمدرسة، ولم ينقطع هذا الحزب اليومي منذ أكثر من نصف قرن.

جريدة المرصاد

كما كان للمدرسة مساهمات مهمة في الحياة الثقافية في طرابلس منها تحرير وإصدار جريدة المرصاد من إحدى حجراتها(خلوة)بين سنتي 1910 و1911 من قبل أحمد بن محمد الفساطوي الطرابلسي.

مقالات ذات صلة

وصلات خارجية

مصادر

  1. موقع الشيخ المستاوي :صور من التواصل الثقافي التونسي الليبي. [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 6 يونيو 2015 على موقع واي باك مشين.
  2. المختارون من أسماء وأعلام طرابلس الغرب/ سالم سالم شلابي.
  3. تاريخ أهم المكتبات في طرابلس 1 / أ. أسماء الأسطى - جيل ليبيا - تاريخ النشر 1 أغسطس-2008 - تاريخ الوصول 8 مايو-2009 نسخة محفوظة 22 يناير 2018 على موقع واي باك مشين.
  4. حاضرة المدارس الإسلامية الطرابلسية - الهيئة العامة للسياحة والصناعات التقليدية - تاريخ الوصول 8 مايو-2009 [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
    • بوابة مساجد
    • بوابة ليبيا
    • بوابة الإسلام
    • بوابة عمارة
    • بوابة طرابلس
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.