مدجنون

المُدَجّنُون جمع مدجّن وهو مصطلح مشتق من دجن[1]؛ أي: قام خاضعًا ، تحولت بمرور الزمن عند مسيحيي الأندلس في القرون الوسطى إلى موديخاريس (بالإسبانية: mudéjares)‏،[2] هم المورو المسلمون الذين بقوا في المناطق المسيحية التي استولى المسيحيون عليها، أو ممن وفدوا إلى مناطق مسيحية واستقروا بها إما باعتبارهم أسرى حرب، وإما بصفتهم مهاجرين وفدوا من جنوب شبه الجزيرة، بسبب الاضطرابات السياسية العميقة هناك، أو هرباً من ويلات الحروب الأهلية، أو نتيجة للظروف الاقتصادية القاسية. أقام المدجنون في المناطق المسيحية في نطاق تجمعات مختلفة وفق تنظيم خاص بهم، تحكمهم سلطاتهم وقانونهم الخاص. ومر المدجنون على مر العصور بظروف تعرضوا فيها لعمليات اضطهاد متصاعدة استهدفت أحد أمرين إما الاندماج وإما الرحيل.

قصر في إشبيلية مبني بأسلوب المدجنين

والمدجنون هم أول نواة مهمة من السكان المقيمين في مناطق لا تحكمها سلطة سياسية مسلمة، وهذا يضفي اهتماماً خاصا على أساليب تنظيمهم، وطرق معيشتهم داخل التجمعات الخاصة بهم. وقد قاموا ببعض المهام التي كانت تمارسها السلطة السياسية في المناطق الإسلامية، مثل المحافظة على العادات والقوانين، والسهر في سبيل الحفاظ على العقيدة، والالتزام بتنفيذ التعاليم الدينية، وكذلك العمل على نقل المعارف. والمدجنون هم أول جماعة مهمة، باستثناء صقلية، عاشت في منطقة غير إسلامية. لذلك اصطدمت بمشاكل تمس وضعها الإسلامي.[3]

لم يتنصروا في البداية؛ ولكنهم أجبروا على ذلك في أواسط القرن السادس عشر، ثم طُرد من أبى التنصير منهم سنة 1630م. بقيت ثقافة المدجنين وأسلوب عيشهم واضحاً بيناً في العمارة والفن وسواههم.

تاريخ


قصر الحمراء التي بناها المسلمون في غرناطة قبل سقوطها بيد الاسبان

بعد سقوط قواعد ومدن المسلمين في الأندلس واحدة تلو الأخرى في يد الممالك النصرانية – قشتالة وأخواتها – أصبح الكثير من المسلمين رعايا يعيشون في ظل الحكام الجدد، صاروا يدفعون الضرائب والجزية بعدما كانوا أصحاب الأرض وحكامها،

وبرغم أن المساجد تحولت فور دخول القشتاليين لكنائس، إلا أن المسلمين احتفظوا بدينهم وكامل شعائرهم ولكن في ظل ظروف قاسية كونهم مواطنين من الدرجة الثالثة، فقد تبدل الحال تمامًا وبرغم ذلك رفض معظمهم الهجرة لبلاد المغرب أو إلى غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، مفضلين البقاء في منازلهم خاضعين لسيطرة القشتاليين والبرتغاليين، وقد هاجرت بعض العائلات العريقة إلى المناطق الساحلية الجنوبية.

أما من بقي في مناطق سيطرة الإسبان، كان يتشبث بأمل عودة الجيوش الإسلامية، فظل بجوار أرضه ومزروعاته وتجارته، وكان الأغلب ممن لم يهاجروا من الفقراء والضعفاء، فعدم قدرتهم على الرحيل والهجرة جعلتهم عرضة لإغراءات نبلاء الإسبان، فخدموا في الضياع والقصور، وقد أطلق على هؤلاء اسم المدجنين Losmadejares – – وقد ظلوا يحتفظون بدينهم وثقافتهم العربية الإسلامية ويعيشون في المجتمع المسيحي في أحياء خصصت لهم كمواطنين أقل درجة من المستوطنين الجدد الذين تم جلبهم من شتى بقاع أوروبا لتوطينهم في ديار المسلمين.[4]

و هم أول جماعة مهمة، باستثناء صقلية، عاشت في منطقة غير إسلامية. لذلك اصطدمت بمشاكل تمس وضعها الإسلامي، الأمر الذي أدى إلى إصدار مجموعة من الفتاوى والرؤى القانونية، امتد العمل ببعضها بناءً على طلب بعض الجماعات. على سبيل المثال: هل يجوز أن يظل المرء مسلماً وهو يعيش في بلاد الكفار، أي دار الحرب؟ لقد عادت مثل تلك الفتاوى تحظى باهتمام غير مألوف تجاه ظاهرة الإسلام الأوروبي الجديد الذي يرى في المدجنين مثلاً.

قسَّم الفقيه ابن ربيع، وهو أحد فقهاء القرن الرابع عشر الميلادي، المدجنين إلى ثلاث فئات: أقلية مبعثرة استقرت في بلد مسيحي، وفئة ثانية تركزت رغم أقليتها في تجمعات داخل أحياء خاصة بها “في معزل عن الكفار”، أما الفئة الثالثة فهي أغلبية أقامت في بلد يسيطر المسيحيون على حصونه للتحكم عسكرياً في البلاد.. ويرى الفقيه المذكور أن أسوأ هذه الفئات الثلاث هي الفئة الأولى )وأنه كان يتعين على من يعيش في هذه الظروف أن يهاجر مهما كلفه الأمر(، وأن أفضلها حالاً الفئة الثالثة. وسوف يتبين لنا وجود الفئات الثلاث في مختلف المناطق التي عاش فيها المدجنون، كما سيتضح أن خيوط الهجرة لم تنقطع طوال تلك الفترة، وخاصة في أواخر العصور الوسطى.

خلت وثائق العصور الوسطى من كلمة مدجن Mudéjar، حتى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، فكلمة Mudéjar بالإسبانية تقابلها Mudeixar بلغة قطالونية أو Mudéjar، وهي مشتقة من الكلمة مُدَجَّن، أي » الخاضع « ، وهذا هو المعنى الوارد في المصادر العربية. والمدجنون هو مصطلح مشتق من دجن؛ أي: قام خاضعًا، غير أنه تحرف على ألسنة الإسبان في بعض الأحيان إلى «دجل» و«دجر»، وصار الموصوف به يُسمى «مدجلًا» أو« مدجرًا»، فقيل موديخار [1]Mudejar. وقد شاع استعمال لفظ الدجن والمدجنين في الكتابات العربية، واحتلت حالة المدجنين حيزًا لا بأس به من اهتمام كتب النوازل وعلى رأسها «المعيار» للونشريسي[1].

من الصعب الإلمام بمجمل قضية المدجنين. فهم لم يتطوروا بمرور الزمن فحسب، بل إنهم اكتسبوا خصائص متنوعة للغاية، طبقاً لظروف الممالك التي عاشوا فيها، بسبب اختلاف ظروف العمليات العسكرية، وخاصة بسبب التباين التشريعي في العصور الوسطى، أو على ضوء خصوصية مختلف المزايا المحلية، أو نتيجة للامتيازات التي تمنحها مختلف المدن. إن الاختلافات كبيرة أيضاً في مختلف المناطق، في نواح عدة تبدأ من الاختلافات الديمغرافية، وحتى مستوى الإلمام بمستوى الثقافة العربية الإسلامية لدى المدجنين في المناطق المختلفة. فعلى سبيل المثال لم تتجاوز نسبة المدجنين في قشتالة خمسة بالمائة من إجمالي السكان في نهاية العصور الوسطى، وكانت في أراغون 20 بالمائة. أيضاً أخذ استخدام اللغة العربية يتراجع في كل من قشتالة وأراغون، إذ اقتصر الاستخدام في البداية على الجوانب القانونية والدينية، ثم انحصر في نطاق محدود للغاية، حتى حلت اللغة الألخميادو أو الأعجمية Aljamia  )كتابة اللغة الإسبانية بحرف عربية( فيما بعد محل العربية، وفي الوقت نفسه ظل استخدام العربية قائماً في غرناطة وفالنسيا، تحريريا وشفويا، إلى طرد الموريسكيين خلال الفترة من عام 1610 حتى عام 1614.

أخذ  وضع المدجنين في التدهور في أنحاء البلاد جميعها، وبلغ التدهور ذروته على أثر صدور مراسيم ملكية تقضي بالتحول الإجباري إلى المسيحية. وبالتالي أصبح المدجنون مسيحيين رسمياً وإن كان قطاع كبير منهم كان يتظاهر بهذا التحول، وأطلق عليهم عندئذ اسم الموريسكيين أي أن الاختلاف بين المدجنين والموريسكيين إنما هو اختلاف قانوني سنه المسيحيون، وكان له تأثير جوهري على مدى تقدير الجهات الرسمية لديانة المورسكيين. وقد اختلفت تواريخ ذلك التحول الإجباري بين مملكة وأخرى: في المناطق التابعة لتاج قشتالة عام 1520، وفي نابارا عام 1512، وفي كل من أراغون وفالنسيا وقطالونيا عام 1526.[3]

أسباب إبقاء إسبانيا على المدجنين

كانت حروب الإستراد كما يسميها الغرب عبارة عن حملة صليبية تهدف لطمس أثر المسلمين من شبه جزيرة إيبريا، وليس إسقاط الكيان السياسي لدولة المسلمين في الأندلس فقط، ولكن كيف كان سيحدث ذلك في ظل وجود حكومات سياسية قوية في بعض المدن الأندلسية، مدن تحوي على نسيج واحد من الناس تجمعهم هوية واحدة ولغة واحدة، فكان من الصعب تهجير ذلك الكم الهائل من أهل البلاد، فإن رحلوا فالأغلب أنهم سيتجهون جنوبًا إلى غرناطة التي ستقوى بهذه الأعداد من الحرفيين والزراع وسيكون أغلبهم خط الدفاع الأول في هيئة جنود تحاول العودة واسترجاع مدنهم وحضارتهم.

لذا نستطيع أن نقول إن بقاء المدجنين في إسبانيا لمدة تصل إلى ثلاثة قرون كان نتيجة:

1- وجود كيان قوي ممثل في مملكة غرناطة، جعل قشتالة وحلفاءها يرجحون التمهل في مسألة الطرد والتنصير حتى يتم التخلص من تلك اليتيمة – غرناطة – خوفًا من تجييش جيوش غرناطة والمغرب.

2- الخوف من عدم ملء فراغ المسلمين في الحقول والأسواق، كما أنهم أعلم الناس بالأرض وفلاحتها ومنهم الحرفيين المهرة، فما وجه الاستفادة من مدن خاوية من أهلها؟

فبعد سقوط قرطبة لم يجد القشتاليون سوى المدجنين ليتم تعيينهم في بعض المناصب داخل المدن وتوليهم أمور العمارة والبناء والري.

3- محاولة الإبقاء على المدجنين والاهتمام بهم سيجعلهم ينصهرون مع المجتمع المسيحي باستخدام وسائل شتى، كالمصاهرة بين المدجنين والقشتاليين في بعض المناطق لتتحلل النزعة العصبية للإسلام، وتعليمهم اللغة القشتالية، فنجد بعد عدة قرون أن المدجنين بعد أن تحولوا لموريسكيين، استخدموا لغة الخميادو – Aljamiads – وتعني الأعجمية والتي تكتب بحروف عربية وتنطق بالقشتالية.

4- تلبية لمطالب نبلاء قشتالة وأراجون، ليس من باب الرفق والعطف وإنما حرصًا على مصالحهم وأعمالهم.[4]

سياسة – قشتالة وأخواتها – تجاه المدجنين

يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ … أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ

بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم … واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ

هكذا وصف الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي حال أهل الأندلس بعد سقوط القواعد الكبرى، فقد تمت معاملة المدجنين معاملة سيئة فكانت توكل لهم الأعمال الشاقة بمقابل زهيد وبلا مقابل في بعض الأحيان، تم تجميعهم في أحياء خاصة، حتى يتسنى نقل مستوطنين من أوروبا لديارهم في الأحياء القديمة، وقد تم إلزامهم بلباس خاص أو شارة تميزهم هم واليهود وكانت توضع دائرة صفراء على صدورهم لتميزهم، كما تم وضع بعض القوانين الخاصة بهم مثل:

1- لا يجوز لمسلم أن يستخدم مسيحيًّا في عمل ومن يخالف تصادر أملاكه ويسترق.

2- لا يسمح لدخول مسلم منزل مسيحي إلا إذا كان طبيبًا.

3- من يرحل عن الديار وأمسك به يعتبر أسيرًا وملكًا لمن يمسك به وتصادر أملاكه.

4- تحريم ركوب الخيل والتزين بالفضة والذهب نساءً ورجالًا.

5- عدم حمل السلاح واقتنائه.

6- من يعارض تنصير أو تعميد أحد أبنائه يحكم عليه بالسجن وغرامة فادحة.

كما تم إجبارهم على العمل في الكنائس وصنع التماثيل وتغيير معالم الآثار الإسلامية، ولا تزال الكثير من الآثار الإسلامية والمسيحية في إسبانيا تبرز براعة وفن المدجنين، وقد صدر بيان من اليونسكو بالحفاظ على التراث المدجن فهو فن فريد يجمع بين الأصالة الإسلامية والفن القوطي القديم والمسيحي الكاثوليكي، ويظهر جليًا في أبراج الكنائس وبعض القصور والمباني التي مازالت تحفظ آثار أنامل صانعيها.[4]

فن المدجنين

يطلق لفظ «المدجنين» على المسلمين الأندلسيين الذين سمح لهم بالبقاء في إسبانيا بعد زوال الحكم الإسلامي عنها، واستيلاء الملوك الكاثوليك تدريجياً عليها، وذلك لما تميز به هؤلاء المسلمون الأندلسيون من خبرات معمارية وفنية مختلفة كانت البلاد بحاجة ماسة إليها وإليهم لمتابعة مختلف الفعاليات، وعليه فإن فن المدجنين هو فن هؤلاء المسلمين.

برج جيرالدا من أثار المسلمين في إشبيلية و التي كانت في عهدهم مئذنة "للمسجد الكبير" ثم حولها الاسبان إلى كنيسة.

استمر هؤلاء المسلمون الأندلسيون متمسكين بعقيدتهم وعاداتهم، يتابعون فعالياتهم المعمارية والفنية، وذلك عقب اندلاع حرب الاسترداد وسقوط طليطلة عام 478هـ/1085م وقرطبة عام 634هـ/1236م وإشبيلية عام 646هـ/1248م وأخيراً غرناطة عام 898هـ/1492م، مما جعل كثيرين من سكانها المسلمين الأندلسيين الأشراف وأبناء الطبقات الراقية يهاجرون من الأندلس إلى الأقطار الإسلامية المجاورة. وبقي في الأندلس كثيرون من أولئك المسلمين الأندلسيين الذين تدجنوا وتآلفوا مع الواقع الجديد، فعرفوا باسم «المدجنين» mudéjares. وعرف فنهم باسم «فن المدجنين» الذي يمثّل حركة فنية تظهر هنا وهناك في القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر. استمر فنهم نحو 300 سنة بعد سقوط غرناطة وأفول نجم الحكم الإسلامي نهائياً عن الأندلس. ومع بداية عصر النهضة الأوربية وانتشار تذوق الطراز المعماري الكلاسي اليوناني والروماني بدأ أفول نجم طراز فن المدجنين المسلمين الذين أبدعوا روائعهم المتميزة في مختلف أنحاء إسبانيا. وأخيراً في عهد الملك فيليب الثالث في القرن السادس عشر تقرر القضاء نهائياً على وجود المسلمين الأندلسيين في إسبانيا.[5]


كان فن المدجنين قد ازدهر جنباً إلى جنب مع الفن الرومانسكي، ثم مع الفن القوطي اللذين أفادا كثيراً من الفن الإسلامي وتقنياته. وقد أدى التفاعل بين الفن الإسلامي من جهة والفن الرومانسكي ثم القوطي من جهة أخرى إلى إنجاز أعمال تتميز بالتناسق والتوازن والجمال.

وإذا كان الفن الأندلسي فناً إسلامياً، وكانت من منجزاته المدن الجديدة والمباني المعمارية الرائعة (كالجوامع والمساجد والقصور والجسور والحصون والقلاع والحمامات والمدافن الجنائزية وغيرها)، فإن فن المدجنين قد أبدع لغير المسلمين منجزاته المعمارية، ولاسيما الكنائس والأديرة والقصور المنتشرة في طليطلة وسرقسطة ومدريد وبرغش وقرطبة وإشبيلية ووادي الحجارة وشريش وشقوبية وغرناطة وغيرها. إضافة إلى فنونهم التطبيقية، ولاسيما الفخار والخزف والحلي والأسلحة والمصنوعات الجلدية وغيرها.

ويوصف فن المدجنين بكونه فناً خليطاً art mixte أو فناً مركباً art composite تعتمد تقنياته على الأشكال الإسلامية المغاربية والتقنيات المشرقية المختلفة المعتمدة على استخدام الآجر في المباني المعمارية والجص في الزخارف الفنية، إضافة إلى تقنيات السقوف وتقنيات الترصيع والتنزيل.

استمر فن المدجنين وتتابع في مناوبات متعاقبة، كانت فيها الأشكال والطرق الفنية المغربية تتألق أو تفقد ظهورها في أشكال وتقنيات الفن المسيحي. وتدين إليه منجزات الفن الشعبي، ولاسيما العديد من مباني الكنائس المهمة التي تشكل عمارتها مدارس معمارية مختلفة، وذلك حسب مناطقها وعصورها.

وكان فن المدجنين يبدع أعماله المعمارية (مثل فن عمارة القصور والبلاط الملكي)، فتبدو أكثر قرباً إلى الفن الإسلامي المعاصر له. وكانت هذه المنجزات المعمارية ذات مسحة فنية إسلامية واضحة في فترة عصر النهضة.

منذ نهاية القرن الثاني عشر وفي القرن الثالث عشر حتى زمن متقدِّم من العصر القوطي، شيّدت مبان من أولى مدارس فن المدجنين الشعبي في قشتالة ومنطقة ليون Leon وشيّد العديد من الكنائس بطراز معماري شبه إسلامي مغربي وشبه رومانسكي، اعتمد فيها على الآجر والزخارف المعمارية أو الزخارف الملونة. وكانت هذه المباني متشربة بعمق من الموضوعات ذات الأصول الإسلامية. فثمة في أراغون كاتدرائيات مثل: كاتدرائية سرقسطة Zaragoza وكنيسة طرجونة Tarragona وكنيسة تيرويل Teruel فيها أربعة أبراج مبنية في عرض الطريق تجتازها العربات من عقد في أسفل البرج. وهناك قصر الجعفرية في شرق سرقسطة من القرن الحادي عشر، وكان يعرف باسم «دار السرور»، والعديد من الكنائس التي كانت جدرانها وأبراج نواقيسها المربعة أو المضلعة ذات كسوة من الزخارف المتداخلة أو المتعددة الألوان. وفي جنوبي الأندلس هناك أجمل المباني المعمارية في قرطبة وغيرها. وإضافة إلى ذلك هناك كنائس القرى والمدن المعتمدة على الحجر أو الآجر، تميزت زخرفتها وكسوتها بطابع فن عصر الخلفاء وعصر الموحدين، في حين أن الأبواب والأقواس والواجهات كانت ذات أشكال قوطية.

وهناك صروح معمارية أخرى من فن المدجنين تميزت منذ القرن الحادي عشر وفي القرن الرابع عشر بخصائص أقل شعبية، وباستلهامها مباشرة من المباني الإسلامية. ونجد أمثلة ذلك في برغش، وقرطبة، وإشبيلية وطليطلة وشقوبية وشلمنقة وغيرها.

ففي مشارف برغش هناك دير أخوية لاس هويلغاس monastère de Las Huelgas يبدو أثر فن المدجنين في مبانيه وزخارفه وعقوده العربية، وفي سقف أحد أروقته الداخلية، إضافة إلى كتابات كأنها رسوم تجميلية. والجدير بالذكر أن هذا المبنى كان حصناً من القرن الثاني عشر بني مصيفاً لملوك قشتالة، ثم جعل ديراً يضم الضريح الملكي.

وفي قرطبة هناك المصلّى الملكي الذي تعود زخارفه إلى القرن الثالث عشر، شيّد في مبنى جامع قرطبة الكبير الذي حوِّل إلى كاتدرائية.

وفي طليطلة كنيسة ذات قاعة كبيرة لها مدخل، زيّن سقفها بنقوش وزخارف المدجنين. وهناك قصور عديدة شيدت في الوقت نفسه لكبار الشخصيات البارزة في بلاط قشتالة. ومن أهم عمارات المدجنين في طليطلة مبنى كنيس شيده صموئيل هاليفي Samuel Halevi عام 1357، وقد تحول هذا المبنى بعدئذ إلى كنيسة اسمها نوتردام دي ترانزيتو Notre Dame de Transit.

والجدير بالذكر أنه في القرن الرابع عشر شيد أيضاً مبنى كنيس في طليطلة تحول إلى كنيسة اسمها كنيسة القديسة ماري البيضاء Sainte- Marie- La- Blanche. يمثل المبنى أحد المنجزات المعمارية الأكثر جمالاً وكمالاً لفن المدجنين، مستوحى مباشرة من الفن الإسلامي الموحدي.

وفي شقوبية ـ التي تعدّ من أعرق مدن مملكة قشتالة ـ قصر ملكي، له في قاعة العرش سقف عربي، تزينه زخارف من المقرنصات ونقوش من فن المدجنين.

وفي إشبيلية هناك قسم من مبنى القصر «الكازار» الذي شيده الملك بطرس الجبار Pierre le Cruel جانب القسم الذي كان مشيداً من قبل ألفونسو العالِم (أو الحكيم)[ر] Alfonso the Wise بطراز قوطي. كما شيد في إشبيليا، في عصر النهضة، بطراز فن المدجنين الأكثر صفاء ونقاء، عدد من المباني مثل :

- قصور أمراء الطريف Tarifa ودوق آلبا، ولاسيما دار بيلاتوس Casa de Pilatos ودار لاس دوينَس Casa de las Duenas.

- الجناح الصغير الذي شيد للملك شارلكان في حدائق القصر «الكازار» وذلك من قبل خوان هرنانديز Juan Hernandez عام 1543.

- باحة دار بيلاتوس التي تشبه باحات قصور قرطبة وغرناطة، وهي ذات عقود عربية، وتتوسطها نافورة مرمرية، وكُسيت جدرانها بألواح بلاطات القيشاني بنقوشه وألوانه، إضافة إلى الكتابات العربية مثل (الملك الدايم لله، العز القائم لله).

يلاحظ الباحثون أن السقوف الخشبية كان يعهد بها في كل مكان إلى الصناع الفنيين المسلمين المدجنين الذين تأكدت خبرتهم وبراعتهم المعمارية والفنية، ولاسيما في الميادين الآتية:

- بناء السقوف والقباب والأقواس بأنواعها (الحدوية، والمفصصة، والمتداخلة).

- الباحات الداخلية وبحيرات المياه والنوافير.

- الزخارف بالمقرنصات.

- الإفريز والأشرطة الكتابية الزخرفية.

ويتجلى نبوغ الصناع المدجنين في أشغال الخشب وصناعة الفخار والقيشاني والمنسوجات الحريرية وغيرها، ويؤكد باحثون أنه ليس هناك في أوروبا كلها ما يضاهي السقوف الإسبانية المغطاة والمسماة Artesonado، ولاتزال المصطلحات الفنية للنجارة في إسبانيا عربية. وهذه الأنواع المختلفة من تربيعات القيشاني في كل من إسبانيا والبرتغال هي من آثار المسلمين. وتتجلى عبقرية المدجنين في أسمى مراتبها في الفخار والخزف المشهور باسم «ذي البريق المعدني» الذي اشتهرت به مالقة ومانيسيس في مملكة بلانسية. وكان هذا الفخار والخزف العربي يصنع للباباوات والكرادلة ولكبار العائلات الإسبانية والبرتغالية والإيطالية والفرنسية. وقد أشار الكاردينال خيمينيز Ximénez إلى هؤلاء الصناع المدجنين الموهوبين قائلاً: «إنهم فقراء إلى ما لدينا من إيمان، ونحن فقراء إلى ما لديهم من صناعة فنية». واشتهرت قرطبة بالجلد وقد أبدع مجلدو الكتب المدجنون أعمالهم المتميزة بالدقة والإتقان والجمال. كما تألقت شهرة المدجنين في صناعة السيوف والحلي المتميزة بالجمال، إضافة إلى صناعة الأشياء المختلفة، كمفاتيح الحديد التي كانت تشكّل أسنانها أحياناً أشكال الحروف المتداخلة والكلمات المكتوبة بالكوفية المربعة.

أسهم فن المدجنين في ظهور الفن القوطي ومهّد لظهور فن الباروك.

إن المدجنين المسلمين هم الذين أسهموا في إغناء الطراز الفني القومي الإسباني. ويعدّ فن المدجنين ركناً من أركان الحضارة الإسلامية والإسبانية التي نقلها فاتحو القارة الجديدة الأمريكية معهم إلى قارة العالم الجديد.

حياة المدجنين

حاول البعض التأقلم مع تلك الأوضاع السيئة انتظارًا لانفراج الأمور والتي تضاءلت حتى صاروا يلتمسون ما يلقيه عليهم النبلاء من نِعم، وقد نجد أن مدجني أراغون كانوا أفضل حالًا من مدجني قشتالة والبرتغال، فقد حافظوا على هويتهم ودينهم في القرى وبعض مدن الشرق الأندلسي كبلنسية ودانية ومرسية وشاطبة وكان منهم حرس خاص للملك – بيدرو القاسي – الذي كان وزيره يهوديًّا أيضًا خلافًا لكل ملوك الكاثوليك الإسبان، أما مسلمو قشتالة فكانوا يتعرضون لأقصى درجات التنكيل فهرب الكثير منهم باتجاه غرناطة ومن بقي اندمج وكثر الزواج مع الإسبان ومع مضي الزمن وتعاقب الأجيال فقدوا دينهم ولغتهم وأصولهم العربية.

ومع ظهور اللوثرية سخّرت قشتالة كل قواها لحماية الكاثوليكية من أعدائها – المسلمين والبروتستانت – وبدأت مرحلة جديدة بالتنكيل والقتل والتشريد لكل من له أصل عربي مسلم، لتبقى ممالك إسبانيا هي المهيمنة والقوى العظمى للمسيحيين في أوروبا.

وبعد صدور قرار التنصير الإجباري عام 1502 م بأمر من إيزابيلا وفرناندو انتهى عصر المدجنين ليتحولوا رغمًا عنهم إلى موريسكيين، ليفرض عليهم اسم جديد كسابقه، وليبدأ فصل جديد من المعاناة، ولم تنتهِ بالطرد فقد بقي الموريسكيون قرونًا يخفون إسلامهم وشعائرهم عن الحكومات الإسبانية المتتالية التي كانت تتعامل بصرامة مع كل ما يمت للإسلام بصلة.[4]

ثورة المدجنين في بلنسية

ثورة المدجنين (1264-1266)، هي الثورة التي قام بها المسلمون الذين آثروا البقاء في الأندلس ومرسية وتاج قشتالة وكانت منطقة بلنسية تابعة لمملكة أرغون وليون ويحكمها ملك يدعى "جقوم" (جايميش)[6]، وعاشوا في ظل حكمها المسيحي، وكانت بلنسية مثوى لكثير من هؤلاء وتجمع فيها ما يقرب ثلاثين ألفا، ورأوا أن يقوموا بثورة لاكتساب بعض الحقوق الإنسانية، كحرية العقيدة، واستطاعوا احتلال بعض الحصون وتقدموا نحو بلنسية بعد أن كونوا جيشا، واستمروا في التقدم، وأصيب حاكمهم (جقوم) بهم وغم أديا إلى وفاته، وجاء ابنه (بطره) الذي تتصل بالمسلمين وفاوضهم، وعقد هدنة أمان معهم، ورفع عنهم الظلم، حتى إذا تفرقوا، نقض العقود والمواثيق وضربهم، قبل أن يتجمعوا، وأسر المسلمين جميعا[7].

انظر أيضًا

مراجع

  1. "عبد اللطيف مشرف: التاريخ الخفي.. الفرق بين مصطلحي المدجنين والموريسكيين في التاريخ الحديث". ساسة بوست. مؤرشف من الأصل في 26 سبتمبر 2020. اطلع عليه بتاريخ 27 فبراير 2021. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  2. mudéjar - Definición - WordReference.com نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  3. "من المدجنين إلى المورسكيين". مؤرشف من الأصل في 27 فبراير 2021. اطلع عليه بتاريخ 27 فبراير 2021. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  4. "إبراهيم أحمد عيسى: المدجنون .. فصل من فصول الأندلس المنسية". ساسة بوست. مؤرشف من الأصل في 27 فبراير 2021. اطلع عليه بتاريخ 27 فبراير 2021. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. "الموسوعة العربية | المدجنين الأندلسيين (فن-)". arab-ency.com.sy. مؤرشف من الأصل في 27 يناير 2020. اطلع عليه بتاريخ 27 فبراير 2021. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. "مدجنون". www.kachaf.com. مؤرشف من الأصل في 27 فبراير 2021. اطلع عليه بتاريخ 27 فبراير 2021. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  7. "ثورات المسلمين بعد سقوط الأندلس.. البشرات والمدجنين الأبرز". اليوم السابع. 2020-10-09. مؤرشف من الأصل في 27 فبراير 2021. اطلع عليه بتاريخ 27 فبراير 2021. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)

    3. http://www.andalusite.ma/?p=927

    4. https://www.sasapost.com/opinion/madjanon/

    5. https://www.sasapost.com/opinion/the-hidden-history/

    6. http://arab-ency.com.sy/detail/10453

    7. https://www.kachaf.com/wiki.php?n=5ed58a5d6ae14360a867e445

    8. https://www.youm7.com/story/2020/10/9/%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2/5013383

    • بوابة المسيحية
    • بوابة الإسلام
    • بوابة إسبانيا
    • بوابة الأندلس
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.