كشف (تصوف)
الكشف لغة: رفعك للشي عما يواريه، وكشف الأمر: أظهره.[1] اصطلاحا: الاطلاع على ما وراء لحجاب من المعاني الغيبية، والأمور الحقيقية وجودا أو شهودا.[2] والمراد: انكشاف الغيب لبعض البشر ومشاهدة المغيبات. أكثر ما يكون الحديث عن الكشف في كتب التصوف، ولابد أن نعرف ان هناك فرق بين الكشف الذي يتكلم عنه أوائل المتصوفة وبين الكشف الذي تحدث عنه المتأخرين منهم، وأيضا فان الكشف من الأمور غير المنكرة لكن بصورتة الشرعية."فما كان من الخوارق من باب العلم فتارة بأن يسمع العبد مالا يسمعه غيره وتارة بأن يرى مالا يراه غيره يقظة ومناما وتارة بأن يعلم مالا يعلم غيره وحيا وإلهاما أو انزال علم ضرورى أو فراسة صادقة ويسمى كشفا ومشاهدات ومكاشفات ومخاطبات فالسماع مخاطبات والرؤية مشاهدات والعلم مكاشفة ويسمى ذلك كله كشفا ومكاشفة اى كشف له عنه".[3]
الجدل الإسلامي حول الكشف
احتل الحديث عن الكشف جدلا بين الطوائف الإسلامية. حيث يكثر في كتابات المتصوفة الأوائل، بل أصبح معلما على الصدق والصلاح والإيمان، عندما يقول أحدهم أن الغيب كشف له. يقول أبو علي الدوذباري: "المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر"[4] فبينما يرى عدد من أعلام الإسلام عن القول بأن الكشف عن علم الغيوب أنه من الكذب على الله، لكون الغيب أمر راجع لله وحده كما ذكر القرآن، إلا أنه يعتبر عند عدد من المتصوفة منقبة من المناقب وكرامة من الكرمات.[5] نقل الشعراني عن شيخه علي الخواص شروط يجب توافرها في الولي وذكر أولها وهو ان يكون عندة علم يكشف به الحقائق والدقائق.[6] وذكر عدد منهم من أنه لا يبلغ أحد مقام الإخلاص في الأعمال حتى يصير يعرف ما وراء الجدار وينظر ما يفعله الناس في قعور بيوتهم في بلاد أخَر فهناك يعرف يقينا بنور هذا الكشف أن عمله ليس هو له".[7] ولاهمية هذا الامر كان للكشف عند المتصوفة انواع كثيرة وسوف اورد هنا مثالا عن كل نوع يدل على التزام المتصوفة بهذة المصادر.
أنواع الكشف
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الغزالي: "حتى انهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم اصواتا ويقتبسون منهم فوائد".[8]
الخضر عليه السلام
يقول الإمام النووي " وحكاياتهم (اى المتصوفة) في رؤيتة والاجتماع به… أكثر من ان يحصر".[9] ويقول ابن عطاء السكندري الشاذلي: (ت / 709) في الاخذ عن الخضر: "واشتهر ذلك إلى ان بلغ حد التواتر.[10]
الإلهام
يعرفه الجرجاني بأنه ما وقع في القلب من علم وهو يدعو إلى العمل من غير استدلال بآية ولا نظر في حجة. وهو ليس بحجة عند العلماء الا عند الصوفين.[11] ويسمية ابن القيم العلم اللدني لأنة بلا سبب من العبد ولا استدلال".[12] قال أبو المواهب الشاذلي في رده على من أنكر (حدثني قلبي عن ربي): "لا إنكار، لان المراد أخبرني قلبي عن ربي من طريق الإلهام الذي هو وحي الأولياء".[13]
الفراسة
هي خاطر يهجم على القلب فينفي ما يضادة وله على القلب حكم. كلما كان اقوى ايمانا كان أحد فراسة.[14] ويقول عنه الإمام الغزالي: "وما حكى من تفرس بعض المشايخ وإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج عن الحصر".[15] ولاهمية الفراسة عند المتصوفة فقد افرد لها ابوابا مستقله في امهات الكتب كالتعرف للكلاباذي ورسالة القشيري والفتوحات المكية لابن عربي. وفائدتها: أن المريد يتنبه بواسطتها على الأمور الرديئة ولا يشترط ان يكون المنبه على هذا الرديء شيخه الذي يسلك على يديه، بل ربما ينبهه شخص آخر كما حصل لذي النون المصري، حيث يقول: "رأيت فتى عليه أطمار رثة فتقذرته نفسي وشهد له قلبي بالولاية، فبقيت بين نفسي وقلبي أتفكر! فاطلع الفتى على سري، فنظر إلي فقال: يا ذا النون لا تبصرني لكي ترى خلقي وإنما الدر داخل الصدف".[16]
الهواتف
لفظ منظم يقرع السمع لمن صفا قلبة في اليقظة.[17] وقد أفرد الكلاباذي بابا مستقلا للهواتف في كتابة التعرف لمذاهب أهل التصوف وهو الباب السابع والستين. وهي لا تخلو عنده من أن يكون ملكا / أو وليا / أو صالحا / أو الخضر / أو الله عز وجل/ أو إبليس.[18] وقد يكون تلقي الهاتف أما يقظة أو مناما أو بينهما ومن أمثلة الهواتف ما ذكر أبو يزيد البسطامي، قال: "قعدت ليلة في محرابي فمددت رجلي، فهتف لي هاتف من يجالس الملوك ينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب".[19]
الإسراءات والمعاريج
يقول الشعراني: "قد صرح المحققون بأن للأولياء الإسراء الروحاني إلى السماء وبمثابة المنام يراه الإنسان … ومنهم من ترتقي روحة إلى سدرة المنتهى إلى الكرسي إلى العرش".[20] ونفل ابن الجوزي عن أبى يزيد البسطامي من قولة: "لي معراج كما كان للنبي معراج".[21]
وقال القاضي عياض في معرض تعديدة للمكفرات وأسباب الردة: " من ادعى مجالسة الله والعروج إلية ومكالمته …… كقول بعض الصوفية ".[22] ولكن هل يحمل قولهم هذا على انه عروج الروح والبدن أم يقال أن قصدهم بهذا العروج الروحاني كما قال ابن عربي: " غير انهم ليست لهم قدم محسوسة في السماء وبهذا زاد على الجماعة رسول الله صلى اله علية وسلم. فمعارج الأولياء معارج أرواح".[18]
وإن ما ورد عنهم في ذلك يحمل على المعراج الروحي خاصة وان بعض أهل العلم- مع ضعف قولهم - ذهب إلى أن الإسراء والمعراج للنبي علية الصلاة والسلام كان روحيا[23]، ومما ينبغي التنبيه عليه: أن الناظر في كتب المعراج الصوفية كمعراج ابن عربي المسمى (الإسراء إلى المقام الأسرى) وإسراء عبد الكريم الجيلي في كتابه (الإنسان الكامل)[24]، وإسراء ابن قضيب اللبان، يجد الإمعان في تقليد إسراء النبي صلى الله علية وسلم.[25]
الكشف الحسي
هو الكشف عما وراء الحجب الحسية العلوية والسفلية والاطلاع على حقائق الموجودات إما بالبصر أوالبصيرة. ويظهر أن مرادهم بالكشف عن الأطلاق هو هذا النوع، خاصة إذا قرن به غيرة كقولهم الكشف الإلهام.
الكشف في كتب المتصوفة
يقول أبو عبد الرحمن السلمي: "وأما أحوال الحقائق في المكاشفة: فمنهم من يكشف له عن حاله ومنهم من يكشف له عن مراده ومنهم من يكشف له عن عموم الأحوال ولا يؤذن له في الإخبار عنها ومنهم في يكشف له عند مراد الحق فيهم، ومنهم من يكون مكشوفا مأذونا في الإخبار عما كشف له من المراقب التي حض بها وخص بها سائر الأولياء وهذا دخل في محل الأمانة، الأمناء من الأولياء هم النهاية في الولاية. ثم يصح بعد ذلك حال المشاهدة، والمشاهدة أن يشهد الغيوب …وبشاهد فعل الله".[26] وأما القاشاني: (730هـ) فيقول: " شهود الأعيان ومافيها من الأحوال في عين الحق فهو التحقيق الصحيح بمطالعة تجليات الأسماء الإلهية وصورته في البدايات الإيمان بحقائق الإسماء الإلهية. ودرجتها في النهايات شهود أحدية الذات في صور الصفات ثم مقام البقاء بعد الفناء".[27] ويقول الغزالي: "وكذلك قد تهب رياح الألطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلوب فينجلي فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ.[28] ويظهر أن أبي حامد الغزالي كان يعارض حول موضوع الكشف من جماعة من علماء الحنابلة، لما تحمله المعاني الكشفية من غلو في الوصول للمغيبات، فيقول: "وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال كله وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي، لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أولوه. فأما من يأخذ معرفة هذه الأمور من السمع المجرد فلا يستقر له فيها قدم".[29] ويقول عبد الكريم الجيلي أحد أقطاب التصوف: "وقد أسست كتابي هذا [أي كتاب: الإنسان الكامل] على الكشف الصريح. فأمرني الحق بإبرازه بين تصريحه وإلغازه".[30] د / الرؤى المنامية ودليل عنايتهم بها هو إفرادهم لها أبوابا في مصنفاتهم كالقشيري في رسالته، والكلاباذي في التعرف، وقد ذكر الكلاباذي العادة التي قد تجري لمحمد الكتاني أنه كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة اثنين وخميس فيسأله مسائل فيجيبه عنها.[31]
الكشف ومراعاة نصوص الشريعة
وإن لم يذهب جميع المتصوفة إلى نتائج الكشف أو القول به، إلا أن هناك جدل ثار قديما حول نتائج أقوال بعض المتصوفة من انكشاف الغيوب لهم، وتم تصنيف ذلك على أنه من الغلو في الدين. " فان من هؤلاء من يظن ان من الأولياء من يسوغ له الخروج عن الشريعة النبوية كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى وانه قد يكون للولى في المكاشفة والمخاطبة ما يستغنى به عن متابعة الرسول في عموم احواله أو بعضها.[32] تقديم الكشف والذوق على ما يخالف عدد من النصوص يوجب أن لا يستدل بكلام الله ورسوله على شيء من المسائل العلمية ولا يصدق بشيء من أخبار الرسول لكون الرسول أخبر به ولا يستفاد من أخبار الله ورسوله هدى ولا معرفة بشيء من الحقائق بل ذلك مستلزم لعدم الإيمان بالله ورسوله وذلك متضمن للكفر والنفاق والزندقة والإلحاد وهو معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام كما أنه في نفسه قول فاسد متناقض".[33] (احتمال الكشف للخطأ) قال الله تعالى (وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم). فقد ضمن الله للرسول وللنبي أن ينسخ ما يلقي الشيطان في أمنيته ولم يضمن ذلك للمحدث فإن نسخ ما ألقى الشيطان ليس إلا للأنبياء والمرسلين إذ هم معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى أن يستقر فيه شيء من إلقاء الشيطان وغيرهم لا تجب عصمته من ذلك. وأيضا: فإن سند المحدثين والمخاطبين الملهمين من هذه الأمة هو عمر ابن الخطاب وقد كانت تقع له وقائع فيردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صديقه التابع له الآخذ عنه الذي هو أكمل من المحدث الذي يحدثه قلبه عن ربه.[34]
(إنكار المتصوفة الأوائل الكشف المخالف للشرع) كان ابن القيم من المدرسة السلفية التي عنيت بالتصوف وكتبه. ولكنه أنكر كثيرا من الشطح الذي كان يقول به المنتسبين إلى الزهد. وعندما تكلم عن الكشف دافع عن أئمة التصوف الأوائل وأنهم لم يشطحوا في هذا الباب، وقال معتذرا لهم: "والمقصود أن مراد القوم [الأوائل] بالكشف في هذا الباب أمر وراء ذلك وأفضله وأجله أن يكشف للسالك عن طريق سلوكه ليستقيم عليها وعن عيوب نفسه ليصلحها وعن ذنوبه ليتوب منها".[35] وقال: "فإنك تجد في كلام بعضهم تجلي الذات يقتضي كذا وكذا وتجلي الصفات يقتضي كذا وكذا وتجلي الأفعال يقتضي كذا وكذا والقوم عنايتهم بالألفاظ فيتوهم المتوهم أنهم يريدون تجلي حقيقة الذات والصفات والأفعال للعيان فيقع من يقع منهم في الشطحات والطامات والصادقون العارفون برآء من ذلك وإنما يشيرون إلى كمال المعرفة وارتفاع حجب الغفلة والشك".[36]
مراجع
- لسان العرب: مادة: كشف (بتصرف)
- التعريفات للجرجاني 184
- مجموع الفتاوى، ابن تيمية 11/313 وانظر 4/53، 11/ 65، 318
- طبقات الصوفية للسلمي صـ 272.
- الرفاعية، عبد الرحمن دمشقية صـ 70.
- لطائف المنن والأخلاق للصيادي 462 – 463
- الأنوار القدسية: 97.
- المنقذ من الضلال: 140.
- شرح صحيح مسلم 15/135 ط. احياء التراث، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/178 ط. الفكر.
- لطائف المنن 151، وانظر نحو هذا في الاحياء للغزالي 3/25.
- التعريفات: 34.
- مدارج السالكين 3/431.
- طبقات الشعراني: 2/68 نفلا عن المصادر العامة للتلقى: 268.
- الرسالة القشيرية 2/480.
- إحياء علوم الدين 3/25
- التعرف لمذهب أهل التصوف: 152
- إحياء علوم الدين 2/293.
- الفتوحات المكية 3/342-343.
- طبقات الصوفية للسلمي: 69.
- كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان: 52.
- تلبيس إبليس ص: 207.
- الشفا (مع شرحه: نسيم الرياض للخفاجي): 4/501 ط. الفكر.
- زاد المعاد 3/40، شرح الطحاوية 1/270 ط.الرسالة.
- الإنسان الكامل 2/ 63-73.
- المصادر العامة للتلقى عند الصوفية: 295، وقد ذكر عدة نماذج تبين ذلك.
- مسألة درجات الصادقين (ظمن كتاب: تسعة كتب في اصول التصوف) لأبي عبد الرحمن السلمي: 407، تحقيق/سليمان إبراهيم آتش.
- اصطلاحات الصوفية 201، الناشر: الحكمة، سوريا.
- إحياء علوم الدين 3/19.
- إحياء علوم الدين 1/104.
- الإنسان الكامل صـ 5.
- التعرف 153.
- مجموع فتاوى ابن تيمية 11/422.
- درء التعارض ج: 5 ص: 320، وانظر: 5/349.
- دقائق التفسير 2 / 222 بتصرف.
- مدارج السالكين 3/ 228، وانظر: 81-82.
- مدارج السالكين 3/ 110-111.
مصادر
- لسان العرب: مادة: كشف
- بوابة تصوف