عصر قبل كولومبي

يضم العصر ما قبل الكولومبي جميع التقسيمات الفرعية للفترة في تاريخ الأمريكتين قبل ظهور التأثيرات الأوروبية المهمة في القارة الأمريكية، والتي تمتد خلال فترة الاستيطان الأصلي في العصر الحجري القديم العلوي إلى الاستعمار الأوروبي خلال الفترة الحديثة المبكرة.

المساحات الثقافية للثقافات المختلفة في أمريكا الشمالية

في حين أن عبارة «عصر ما قبل الكولومبي» تشير حرفيًا فقط إلى الفترة التي سبقت رحلات كريستوفر كولومبوس عام 1492، أما عمليًا تُستخدم هذه العبارة عادةً لتدل على تاريخ الثقافات الأمريكية الأصلية بالكامل حتى إخماد تلك الثقافات أو تلاشيها أو تغييرها من قبل الأوربيين على نطاق واسع، حتى لو حدث هذا بعد فترة طويلة من اكتشاف «كولومبوس» وتستخدم المصطلحات البديلة «ما قبل الأميركتين» أو «ما قبل الاستعمار» أو «الأميركتان قبل التاريخ»؛ بينما في أمريكا اللاتينية المصطلح المتداول هو ما قبل الإسبان.

تميزت العديد من حضارات العصر ما قبل الكولومبي بالمستوطنات الدائمة، والمدن، والزراعة، والهندسة المدنية والأثرية، وأعمال الحفر الكبرى، والتسلسلات الهرمية المجتمعية المعقدة. لقد تلاشت بعض هذه الحضارات منذ زمن المستعمرات الأوروبية الدائمة الأولى ووصول الأفارقة المستعبدين (أواخر القرن السادس عشر - أوائل القرن السابع عشر)،[1] ولا يُعرف عنها إلا من خلال التحقيقات الأثرية والتاريخ الشفهي. حضارات أخرى كانت معاصرة مع الفترة الاستعمارية ووُصفت في الروايات التاريخية الأوروبية في ذلك الوقت. حضارات قليلة كان لها سجلات مكتوبة خاصة بها، مثل حضارة المايا. لأن الكثير من الأوروبيين المسيحيين في ذلك الوقت نظروا إلى هذه النصوص على أنها وثنية، فقد أحرقها رجال مثل دييجو دي لاندا، حتى أثناء سعيهم للحفاظ على تاريخهم الأصلي. لم يتبق سوى عددًا قليلًا من الوثائق المخفية بلغاتهم الأصلية، بينما نُسخت أو أُمليت وثائق أخرى باللغة الإسبانية، ما أعطى المؤرخين الحديثين لمحة عن الثقافة والمعرفة القديمة.

ويواصل العديد من الشعوب الأمريكية الأصلية الممارسات التقليدية أثناء التطور والتكيف مع العالم الحديث.

التأريخ

قبل تطور علم الآثار في القرن التاسع عشر، فسّر المؤرخون في العصر ما قبل الكولومبي سجلات الفاتحين الأوروبيين وحسابات المسافرين الأوروبيين والآثار القديمة. لم يكن العمل الذي قام به رجال مثل جون لويد ستيفنز، أو إدوارد سيلر أو ألفريد مودسلاي ومؤسسات مثل متحف بيبودي لعلم الآثار وعلم الأجناس بجامعة هارفارد حتى القرن التاسع عشر ليقود إلى إعادة النظر والنقد للمصادر الأوروبية. الآن، تعتمد الدراسة العلمية لثقافات العصر ما قبل الكولومبي في معظم الأحيان على المنهجيات العلمية والمتعددة التخصصات.[2]

استيطان الأمريكتين

يُعتقد أن الرُحًل الآسيويين دخلوا الأمريكيتين عبر جسر بيرينغ لاند (بيرينجيا)، والآن وعلى كل حال فمضيق بيرينغ يمتد بطول الساحل. تدعم الأدلة الوراثية الموجودة في الحمض النووي للميتوكوندريا الموروثة للأمريكيين الهنود (mtDNA) نظرية المجموعات الوراثية المتعددة المهاجرة من آسيا. على مدى آلاف السنين، انتشر أسلاف الهنود في جميع أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية. ويُعد الموعد المُحدد لهجرة الشعوب الأولى إلى الأمريكتين موضعًا للعديد من المناقشات. كانت ثقافة كلوفيس واحدة من أوائل الثقافات التي حُددت، إذ يرجع تاريخ المواقع إلى حوالي 13000 سنة ماضية.[3] ومع ذلك، فقد تمت المطالبة بالمواقع القديمة التي يرجع تاريخها إلى ما قبل 20000 عامًا. تقدر بعض الدراسات الجينية أن استعمار الأمريكتين يعود تاريخه إلى ما بين 40000 و 13000 سنة مضت.[4] ينقسم التسلسل الزمني لنماذج الترحيل حاليًا إلى نهجين عامين. الأول هو نظرية التسلسل الزمني القصيرة مع أول حركة تتجاوز ولاية ألاسكا إلى الأمريكتين قبل 14000-17000 سنة، تليها موجات متعاقبة من المهاجرين. الاعتقاد الثاني هو نظرية التسلسل الزمني الطويل، التي تفترض أن المجموعة الأولى من الناس دخلت نصف الكرة الأرضية في وقت مبكر للغاية، ربما قبل 50000 إلى 40000 سنة أو قبل ذلك. [5][6][7][8]

عُثر على القطع الأثرية في كل من أمريكا الشمالية والجنوبية والتي يرجع تاريخها إلى 14000 عام مضت،[9] وبناءً على ذلك، فمن المُقترح وصول البشر إلى كايب هورن في الطرف الجنوبي من أمريكا الجنوبية بحلول هذا الوقت. في هذه الحالة، كانت شعوب "الإسكيمو" قد وصلت بشكل منفصل وفي تاريخ لاحق، ربما لا يزيد عن 2000 عامًا ماضية، وانتقلت عبر الجليد من سيبيريا إلى ألاسكا.

أمريكا الشمالية

العصر العتيق

كان مناخ أمريكا الشمالية غير مستقرًا مع تراجع العصر الجليدي. واستقر أخيرًا قبل حوالي 10000 عام؛ كانت الظروف المناخية تشبه إلى حد بعيد الظروف الحالية. ضِمن هذا الإطار الزمني، والذي يرتبط تقريبًا بالفترة الأثرية، حُددت العديد من الثقافات الأثرية.[10]

أدى المناخ غير المستقر إلى هجرة واسعة النطاق، مع انتشار أسلاف الهنود القدماء في وقت قريب في جميع أنحاء الأمريكتين، ليؤدي ذلك إلى الانقسام إلى مئات القبائل المتميزة ثقافيًا. اشتغل أسلاف الهنود بالصيد والجمع، وعلى الأرجح كانوا متميزين بعيشهم في جماعات صغيرة متنقلة تتألف من حوالي 20 إلى 50 فردًا من عائلة ممتدة. انتقلت هذه المجموعات من مكان إلى آخر بسبب استنزاف الموارد المفضلة والحاجة إلى إمدادات جديدة.[11] في فترات عديدة من العصر الهندي القديم، يُعتقد أن العصابات قد عاشت في المقام الأول معتمدة على صيد الحيوانات البرية العملاقة المنقرضة الآن مثل المستودون والبيسون العتيق. حملت مجموعات أسلاف الهنود مجموعة متنوعة من الأدوات، بما في ذلك المقذوفات والسكاكين المميزة، فضلاً عن أدوات الذبح والسلخ الأقل تميزًا.[12]

أدى اتساع قارة أمريكا الشمالية، وتنوع مناخاتها، والبيئة، والغطاء النباتي، والمجموعة الحيوانية، والأشكال الأرضية، إلى تكتل الشعوب القديمة إلى العديد من المجموعات اللغوية والثقافية المتميزة. ينعكس هذا في التاريخ الشفوي للشعوب الأصلية، الذي وصفته مجموعة واسعة من قصص الخلق التقليدية التي تقول غالبًا أن شخصًا ما يعيش في إقليم معين منذ إنشاء العالم.[13]

على مدار آلاف السنين، مارس السكان الهنود القدماء التدجين وتربية الماشية وزراعة عدد من الأنواع النباتية، بما في ذلك المحاصيل التي تشكل الآن 50-60% من الزراعة في جميع أنحاء العالم. بشكل عام، استمرت الشعوب القطبية الشمالية والجنوبية والساحلية في العيش على الصيد والجمع، بينما اُعتمدَت الزراعة في المناطق الأكثر اعتدالًا وإيوائيةً، ما سمح بارتفاع كبير في عدد السكان. [10]

العصر العتيق الأوسط

بعد الهجرة أو الهجرات التي حدثت، مرت آلاف السنين قبل ظهور أول مجتمعات معقدة، وهي أقدم المجتمعات التي نشأت منذ حوالي سبعة إلى ثمانية آلاف سنة. في وقت مبكر من عام 6500 قبل الميلاد، بني الناس في وادي المسيسيبي السفلي في موقع مونتي سانو أكواخًا ترابية معقدة، ربما لأغراض دينية. هذا هو أقدم مؤرخ للعديد من المجمعات الترابية الموجودة في لويزيانا الحالية، وميسيسبي وفلوريدا. منذ أواخر القرن العشرين، استكشف علماء الآثار هذه المواقع وتاريخها. وجدوا أن من بنى هذه الأكواخ هم مجتمعات الصيد وجمع الثمار، التي احتل سكانها المواقع بصورة موسمية، والذين لم قد طوروا  صناعة الخزف بعد. بُني مبنى واستون بريك، وهو عبارة عن مجمع كبير مكون من أحد عشر رابية منبسطة، بدءًا من عام 3400 قبل الميلاد وإلى أكثر من 500 عام. لقد غير هذا من الافتراضات السابقة بأن البناء المعقد لم ينشأ إلا بعد أن تبنت المجتمعات الزراعة، وأصبحت مستقرة، ذات تسلسل هرمي طبقي، وعادة ما كانت قائمة على صناعة الخزف. كان هؤلاء الأشخاص القدامى قد نظموا لبناء مشاريع الروابي المنبسطة المعقدة تحت هيكل اجتماعي مختلف.

المصادر

  1. "Early European Settlements in North America". Tripline. مؤرشف من الأصل في 25 مايو 2017. اطلع عليه بتاريخ 06 مايو 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  2. Bernal, Ignition (1980). A History of Mexican Archaeology: The Vanished Civilizations of Middle America. Thames & Hudson. ISBN 978-0-5007-8008-4. مؤرشف من الأصل في 15 ديسمبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. "Study confirms Bering land bridge flooded later than previously believed". Cyberwest. July 31, 1996. مؤرشف من الأصل في 27 أكتوبر 2014. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  4. Wells, Spencer; Read, Mark (2002). The Journey of Man - A Genetic Odyssey. Random House. صفحات 138–140. ISBN 0-8129-7146-9. مؤرشف من الأصل في 25 أبريل 2015. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. "Atlas of the Human Journey". National Geographic. مؤرشف من الأصل في 01 مايو 2011. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. "Journey of mankind". BradShaw Foundation. مؤرشف من الأصل في 15 نوفمبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  7. Marder, William (2005). Indians in the Americas: The Untold Story. Book Tree. صفحة 11. ISBN 978-1-58509-104-1. مؤرشف من الأصل في 25 يناير 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  8. Bryant, Vaughn M., Jr. (1998). "Pre-Clovis". In Gibbon, Guy E. (المحرر). Archaeology of Prehistoric Native America: An Encyclopedia. Taylor & Francis. صفحات 682–683. ISBN 978-0-8153-0725-9. مؤرشف من الأصل في 8 أبريل 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  9. Wilford, John Noble (April 4, 2008). "Evidence Supports Earlier Date for People in North America". نيويورك تايمز. مؤرشف من الأصل في 2 أبريل 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. Imbrie, John; Imbrie, Katherine Palmer (1979). Ice Ages: Solving the Mystery. Harvard University Press. ISBN 978-0-674-44075-3. مؤرشف من الأصل في 6 فبراير 2016. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  11. Kelly, Robert L.; Todd, Lawrence C. (1988). "Coming into the Country: Early Paleo-Indian Hunting and Mobility". American Antiquity. 53 (2): 231–244. doi:10.2307/281017. JSTOR 281017. مؤرشف من الأصل في 10 ديسمبر 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  12. Breitburg, Emanual; Broster, John B.; Reesman, Arthur L.; Stearns, Richard G. (1996). "Coats-Hines Site: Tennessee's First Paleo-Indian Mastodon Association". Current Research in the Pleistocene. 13: 6–8. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  13. Fagan, Dr. Brian; Durrani, Nadia (2016). People of the Earth: An Introduction to World Prehistory (الطبعة fourteenth). Routledge. ISBN 978-1-317-34682-1. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)[بحاجة لرقم الصفحة]

    وصلات خارجية

    • بوابة كندا
    • بوابة حضارات قديمة
    • بوابة تاريخ أمريكا الشمالية
    • بوابة التاريخ
    • بوابة الولايات المتحدة
    • بوابة علم الآثار
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.