دالي (إلهة)
دالي (أو دال أو دايل، بالجورجية: დალი)، هي إلهة ظهرت في أساطير الشعب الجورجي في إقليم القوقاز. تظهر دالي ظهورًا بارزًا في قصص المجموعة العرقية الفرعية السفانية في شمال غرب جورجيا. أما المجموعات الأخرى في غرب جورجيا فلها شخصيات أخرى تعد مكافئة لدالي، منها الإلهة المرغلانية تكاشي مابا (باللغة الجورجية: ტყაში-მაფა). ودالي إلهة صيد، ووظيفتها رئاسة حيوانات الجبال البرية كالوعل والغزال. يضمن الصيّادون الذين ينتهون عن منهياتها العديدة النجاح في الصيد، فإذا ارتكب أحدهم منهيًّا منها، عاقبته عقابًا شديدًا.
توصَف دالي عادةً بأنها امراة عارية جميلة لها شعر ذهبي وجلد متورّد، ولو أنها أحيانًا تتجسّد في شكل أحد حيواناتها المفضلة، ويكون مع هذا عادةً إشارة خاصة تفرقها عن بقية القطيع. يقال إنها تقطن في مغارة عالية في الجبال، وهنالك لا تزال تراقب ذوات الحوافر من طرائد الحيوانات، اللاتي تسكن على الجروف. اتّصفت دالي بمجموعة متنوعة من الصفات المحلية، وهو ما يدل على تعدد أدوارها وارتباطاتها.
تروي قصص الشعب السفاني أن الإلهة دالي تأخذ العشّاق من البشر وتقتلهم غيرةً، وتلد أبناءً، منهم البطل الحضاري أميراني، ومؤخرًا حاربت منافسها القديس جورج. تروي أساطير أخرى أنها تعمل مع بقية آلهة الغابة، ويرافقها أحيانًا كلب الصيد الأسطوري قورشا. بعد صعود المسيحية في جورجيا، تضاءلت أهمية دالي بوصفها إلهة، وهو ما دلت عليه التغيرات في القصص المروية عنها. قُدّم القديس جورج بوصفه قادرًا على إلغاء حكمها، وبدأت تختلط بها روح طبيعية خبيثة تسمى الآلي.
وصف كثير من المؤلفين متوازيات بين قصة دالي وقصص أخرى في أساطير أخرى. قورنت مع أرتميس في الأساطير الإغريقية، من جهة أنها رئيسة مرتبطة بذوات الحوافر من الوحوش، وقورنت بساحرة أسكتلندية اسمها الغلايستيغ، وبالعذراء التي روضت أحادي القرن. أدى ارتباطها بالذهب والغواية ونجم الصبح إلى أن يرسم العلماء روابط بينها وبين إلهات أخرى مثل أفروديت وعشتار، إذ كان لهم صفات أسطورية مشابهة.
لم تزل قصة دالي جزءًا مهمًّا في الوعي الثقافي الجوري، ويشار إليها عادة بمسميات وإشارات أدبي. ومع أن الشباب يعاملونها على أنها شخصية من الأساطير، فإن الصيادين الأكبر عمرًا لم يزالوا يعدّونها شخصية حقيقية قد يقابلها المرء في أعماق الغابات.
الأصول
تظهر دالي ظهورها الأساسي في الأجزاء الباقية من الفلكلور السفاني: أساطيره وأغانيه الشعبية والأغاني التي يتراقص عليها الناس في حلقات.[1] يرى عالم الأنثروبولوجيا اللغوية كيفن تويت أن النصوص الباقية متشظية، ولا تمثل إلا «مقدارًا ضئيلًا من النصوص التي يمكن أن تكون شائعة بين الشعب السفاني من قرونٍ عديدة». ولاحظ أيضًا أن معظم هذه الأجزاء الباقية مكتوبة ومؤداة على يد رجال، وهو ما يترك المنظور الأنثوي لدالي غير واضح.[2]
تظهر دالي أيضًا في التراثات الشفهية التي سجلها الحقل الأكاديمي الحديث على يد العلماء الجورجيين أمثال فيرا باردافيلدايز في ثلاثينيات القرن العشرين وإيلين فيرسالادز في العقد السادس والسابع والثامن من القرن العشرين. وحسب فيرسالادز، فإن الثقافة الجورجية تظهر درجة استثنائية من الذاكرة الحية للفلكلور والتراثات القديمة، التي ربما عاد تاريخها إلى 3300 عامًا من اليوم.[3]
وقيل إن دالي هي وكثير من الآلهة الأخرى في الأساطير الجورجية، تعود أصولها إلى دين الشعوب الكارتفيلية المفقود اليوم. دعم المؤرخون الجورجيون تنويعات من هذه الفكرة، منهم المؤرخ نيكولاي مار وإيفان جافاخيشفيلي، وكلاهما نظّر باستقلال لتشابهات في الفلكلور بين مجموعات جورجية إثنية متنوعة، وهو ما يدل على وجود أصل ديني مشترك. أما تحديد تاريخ هذا الدين، ومن ثم تاريخ الإلهة دالي نفسها، فهو مستحيل بسبب انعدام الآثار المكتوبة الباقية. ولكن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقال بيقين، هو أن هذه المعتقدات سبقت وصول المسيحية إلى جورجيا، وقد وصلت في القرن الثالث الميلادي تقريبًا.[4]
يعتبر عالم الفلكلور ميخيل تشيكوفاني أن كأس ترياليتي، وهي قطعة فنية يدوية جورجية تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد تقريبًا، تصور رقصة حلقية أو شعيرة مكرسة لإلهة صيد يمكن مقارنتها بدالي. وربط تشيكوفاني أشكال الحيوانات على الجزء السفلي من الكأس بالحيوانات ذوات الحوافر التي كانت دالي حامية لهم. واقترح عالم الفلكلور ديفي هنت أيضًا أن الكأس قد يكون تصوريًا لسيدة أنثى للوحوش.[5]
التأثيل والأسماء
ليس واضحًا تمامًا تأثيل اسم دالي. فمع أن كثيرًا من الشخصيات في الأساطير الجورجية لها أصول في شخصيات الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية القديمة، فإن دالي ليست من هؤلاء. وقد اقتُرح أن اسمها مشتق من الكلمة الجورجية ديلا، وتعني «الصباح»، أو الكلمة الأوسيتية دايليمون، وتعني «الشيطان»، ولكن هذين الربطين محل جدل.[6] ربط تويت اسم دالي بكلمات عديدة تدل على «الإله» في اللغات الناخية، وهي مجموعة من اللغات التي تنتمي إلى أسرة اللغات القوقازية الشمالية الشرقية: «Chechen dēla, Ingush dǣlə, Bats dalě». هذه الكلمات قد تدل على الله حصرًا، ولكنها قد تكون مستعملة على أنها كلمات عامة للآلهة التي كانت موجودة قبل الإسلام في المنطقة. وكان من صفات الثقافات القوقازية المتوسطة أن تبدل الكلمات المقدسة ببدائل، وكان هذا التبديل المعجمي مدفوعًا بالمحرمات ضد استعمال الكلمات الحقيقية. يعتقد تويت أن دالي قد يكون لها في الأصل اسم سفاني حلّ محلّه تدريجيًّا الاسم الناخي الدال على «الإله»، نتيجة لهذه العملية.[7]
عُرفت دالي ومكافئاتها أيضًا بأسماء عديدة، تعكس المناظير المحلية لدور الإلهة وارتباطاتها. فأحيانًا كانت تسمى ببساطة: «المضيئة» دلالة على جمالها الخلّاب. وعند التركيز على ارتباطها بليلة رأس السنة، كان يشار إليها عادة باسم Dæl Ešxwamiš، أي «دالي صاحبة ليلة رأس السنة». يسميها السفانيون «الملكة دالي». ولأنه قد روي أنها تعيش عاليًا في الجبال، فإنها تسمى أحيانًا «دالي ذات الصخور». في منطقة راتشا وكاخيتي تسمى دالي «سيدة الوحوش»، و«ملاك الجروف». أما اسمها تكاشي مابا، الذي كان يستعمله المرغلانيون، فيترجم إلى «ملكة الغابات»، أو «سيدة الغابة».[8]
تصويرها
حسب التقاليد، تسكن دالي في مغارة عالية في الجبال، بعيدًا عن المستوطنات البشرية. خصصت بعض التقاليد مسكنها وجعلته في جبل أوشبا ذي القمتين المعروف، الذي يسمى أحيانًا وجهه الجنوبي المغطى بالثلوج داليس بانجارا، أي نافذة دالي (بالجورجية: დალის პანჯარა). يتنوع مكان الكهف الدقيق، فقد يكون إلى جانب مثلجة، أو على قمة الجبل. أحيانًا يكون مدخل بيتها مخفيا بباب صخري تفتحه وتغلقه دالي لتخفي مسكنها. ونادرًا، تسكن دالي مع قطيعها داخل شجرة جميلة ضخمة جوفاء. ولا تدخل دالي الأماكن المتحضرة أبدًا مثل القرى إلا في مناسبات نادرة، مثل جنازات محبيها من البشر.[9][10]
وُصفت دالي عادة بأنها امرأة شابة جميلة لها شعر مجدول طويل. وكانت تصور معظم الأحيان بهيئة عارية، وأحيانًا تلبس مجوهرات ذهبية. فإذا لبست ثيابًا، فثيابها بيضاء. وبشرتها ناصعة البيضاء، فهي مشعّة حرفيًّا. وكان جمالها استثنائيًّا: «فظيعًا ولا يُقاوم في آن واحد»، وقد يصاب الرجل بالجنون من مجرد الحديث معها.
المراجع
- Tuite 2006، صفحة 3.
- Tuite 2006، صفحة 21.
- Virsaladze 2017، صفحة 13-14.
- Rapp 2007، صفحة 137-138.
- Hunt 2003، صفحة 82.
- Tuite 2006، صفحة 2.
- Tuite 2006، صفحة 12.
- Khidasheli 1982، صفحة 128.
- Virsaladze 2017، صفحة 106.
- Camuri, Fossati & Mathpal 1993، صفحة 123.
- بوابة المرأة
- بوابة علم الأساطير