خاطرة

تعدّ الخاطرة فنا أدبيا كغيرها من الفنون الأدبية [1] متشابهة مع القصة والرسالة في مضمونها، والأسلوب الناجح لكتابتها بشكل جيد متقارب إلى حد كبير مع أساليب القصة والرسالة والقصيدة النثرية.

تعريف الخاطرة في اللغة العربية

الخاطرة هي مؤنث كلمة الخَاطِرُ وهذه تعريفاتها : - الخاطر : النفْس أو القلب اضطرب خاطره لما سمع من أنباء / مرّ بالخاطر أي جال بالنفس أوالقلب /عن طيب خاطر براحة البال / هو سريع الخاطر أي سريع البديهة. وأيضاً هو ما يمرّ بالذهن من الأمور والآراء . - الخاطِرُ : الهاجِسُ . - الخاطِرُ : ما يَخْطُرُ في القلب من تدبير أَو أَمْرٍ . والجمع الخواطر وقد خَطَرَ بباله وعليه يَخْطِرُ ويَخْطُرُ بالضم الأَخيرة عن ابن جني، خُطُوراً إِذا ذكره بعد نسيان . وأَخْطَرَ الله بباله أَمْرَ كذا، وما وَجَدَ له ذِكْراً إِلاَّ خَطْرَةً ويقال : خَطَر ببالي وعلى بالي كذا وكذا يَخْطُر خُطُوراً إذا وقع ذلك في بالك ووَهْمِك .

تعريفها أدبياً

نثر أدبي صيغت فيه الكلمات ببلاغة ويمتاز بكثرة المحسنات البديعية من صور واستعارات وتشبيه.أو " هي كلمة موجزة قصيرة يلقيها المتكلم خطيباً أو واعظاً من أجل التنبيه على قضية أو مسألة محددة خطرت بباله، أو أعدها مسبقاً في زمن قصير دون استطراد أو إطالة أومداخلة" . وهي كفن أدبي كغيرها من الفنون الأدبية متشابهة إلى حد كبير مع أساليب القصة والرسالة الأدبية والقصيدة النثرية إلا أنها تتميز الخاطرة بأنها غير محددة "برتم" أو وزن موسيقي معين أو قافية وتخلو من التفصيلات فهي تعبير عما يجول بخاطر الكاتب أي تعبر عن حالة شعورية خاصة بالكاتب في قالب أدبي بليغ ويكثر فيها استخدام المحسنات البديعية والتصوير والكلمات القوية أي أنها انفعال وجداني وتدفق عاطفي ومن اسمها (خاطرة) هي خطر على البال مرّ أو ذكر بعد النسيان ويكون وليد اللحظة أو الحين ومدته قصيرة فهي تكتب لحظة حدوث الشيء أو بعده ولا تحتاج لاعداد مسبق ولا تحتاج لأدلة أو براهين وقد تتعدد اشكالها ما بين قصر وطول كالتالي :

  • خاطرة قـصــيرة: تحتوي في الغالب على كلمات سهلة وبسيطة ومفهومة .
  • خاطرة متوسطة : وهي الأكثر جمالاً لوجود التماسك الفكري القوي وانحصار المعنى .
  • خاطرة طــويلــة : تكون المعاني فيها كثيرة وتكون مبالغة .

جسم الخاطرة

يتكون من المقدمة - العرض أو العقدة – الخاتمة( ويكون للخاطرة المكتوبة عنوان ) . - هنا يجب أن تكون المقدمة صغيرة الحجم وأن لا تطغى على العرض أو العقدة وهي تكون نزعا من التقديم الأدبي للموضوع ولكن بصورة جمالية وليس سرداً. - في العقدة أو العرض يجب أن يحدد الكاتب ماذا يريد أن يكتب هل حزنا أم فرحا أم عشقا ... إلخ، وعندما يحدد الموضوع لابد أن يرسم في ذهنه أن الكلمات المنتقاة أو التصاوير وغيرها من المحسنات البديعية ستكون ضمن هذا الإطار فقبل الكتابة يجب تحديد الهدف بوضوح للتسلسل في عملية الكتابة . - - يجب على الكاتب أثناء إحياء الموقف في خاطرته اختيار عبارات ذات جمالية، وليس عبارات عادية، وهنا أضرب مثلا لذلك : نستطيع أن نقول " تفجرت دموعي حين رنيت حبيبتي تفارق الحياة " هنا بهذا التعبير العادي لا نحيي فينا ملامسة الفاجعة أو إحيائها بالعمق المطلوب، ولكننا نستطيع أن نقول مثلا بشكل أكثر عمقا : "رمقت بناظري هدية عمري حتى طفقت أمواج الحزن عيني وتمتمات الوجود تنعي وأصوات الكروان سكتت ولم تصدح بعد هذا اليوم فقد إنحنى سقف الأفق ليلامس الأرض من شدة الفاجعة "طبعا أنا هنا لا أستحضر الموقف الآن وباستطاعتنا عندما نمر بالموقف أن نكتب أجمل من ذلك . - الخاتمة تكون إيجازا خاتما للموقف في ذهن الكاتب وتكون عادةً قصيرة ومختصرة للموقف .

موقع الخاطرة في الأدب العربي

تصنف الخاطرة في موقع بين القصة القصيرة والشعر الحر .

ذكرسيد قطب قي كتابه النقد الأدبي أصوله ومناهجه: " هناك نوعان من العمل الأدبي نطلق عليهما لفظ المقالة وهما يتشابهان في الظاهر ويختلفان في الحقيقة، فأحدهما انفعالية وهي الخاطرة والأخرى تقريرية وهي المقالة، وتختلف الخاطرة عن المقالة من حيث الحجم بأن الخاطرة مختصرة جداً وعباراتها قليلة لكنها مركزة."

وذكرالدكتور عز الدين إسماعيل في كتابه الأدب وفنونه عن فن الخاطرة : "وهذا النوع الأدبي يحتاج في الكاتب إلى الذكاء، وقوة الملاحظة، ويقظة الوجدان" .

صور الخاطرة

للخاطرة صورتان رئيستان :

أ-الخاطرة الشفوية

وهي كلمة موجزة، قصيرة ؛ يلقيها المتكلم من أجل التنبيه على قضية، أومسألة محددة ؛ دون استطراد أو إطالة ؛ وإلا صارت درساً أو خطبة، وهذا النوع نراه عند أماكن تجمع الناس في المساجد أو المدارس أو الجنود وفي المؤتمرات والمخيمات، واستقبال الوفود في المناسبات ...الخ.

ب- الخاطرة الكتابية

وهي أسلوب أدبي سهل ممتع، جذاب يغلب عليه الجانب الوجداني، وإلا صارت مقالاً أو ترفاً فكرياً , وفيها توصف بعض الخواطر باللؤلؤ المنثور ؛ لروعة كلماتها ورقتها وجمالها، والجمال من قوة التعبير والتصوير والتماسك الفكري والرمز والتوجيه الشفاف...الخ.....

صفات الخاطرة

1- أنها ذهنية عارضة تحتاج إلى ذكاء ويقظة . 2- يغلب عليها الجانب الوجداني على الجانب الفكري بالإحساس الصادق والعواطف الجياشة . 3- ليس لها مجال أو موضوع محدد . 4- لا تحتاج إلى أدلة وبراهين عقلية أو نقلية . 5- أنها تلائم العصر الذي نعيش فيه . 6- سهولة التوجيه والفهم إلى مختلف النزعات والميول والثقافات . 7- لاتلتزم الخاطرة بأسلوب معين : فقد يكون الكاتب جاداً وموضوعـيا ً , وقد يكون ساخراً متهكـماً . وكثير من الناس يعتقد أن الخاطرة وثيقة تحمل بين طياتها الحزن والكآبة والألم وهذا غير صحيح , بل هي مساحة واسعة للخاطر والمشاعر الصادقة من فرح وحزن و حـب وشوق وفخر و عزة ...الخ.

خصائص اللغة والأسلوب في الخاطرة

1- العنوان المشوق والجناس الرشيق وقد يكون ثابتاً , ويفضل أن يكون مقتبس من سياق الخاطرة، قوي التعبير، عميق المعنى ومؤثر في النفوس . 2- التكامل الفني من بدء وعرض وخاتمة ويسمى العرض بالعقدة أوالمغزى أو الهدف وهو المعنى والروح الحركية التي تشد القارئ وتجذب الانتباه وتحقق خاصية التشويق . 3- الفكرة الواضحة والتوازن في الجمل والألفاظ المترادفة، فمن شروط النجاح أن يكون الأسلوب واضحاً , و مصدر هذا هو عقلي والاستعانة بعناصر بلاغية موضحة للمعنى، وكذلك استخدام الكلمات المتضادة لتقريب الفكرة، ويتحقق الوضوح أيضا في التناسب والتلاؤم لمستوى إدراك القارئ ؛ فيجب أن تكون التراكيب شفافة وسهلة بعيدة عن التعقيد والجفاف. 4- حسن اختيار الألفاظ المناسبة للمعنى والمراد . 5- القدرة على كسب الانسجام والإبداع مع الموضوع والقـرَّاء و الزمان . 6- التلاؤم ورشاقة الإيحاء والتصوير الجميل وإحياء المواقف، فعندما تحوي الخاطرة موقف معين يجب على الكاتب أن يجعل في ذهنه تحويل هذا الموقف عبر مرآة الحروف إلى مشهد يجعلنا نشاهده بأعيننا وذلك باستخدام الوصف الدقيق والموجز . 7- الحس الفني الرفيع والصنعة المطبوعة وإسباغ الخيال والتصوير ؛ فالتشبيهات المجازية تجعل للخاطرة رونق ونكهة محببة . 8-الاختصار البارع والبعد عن الإطالة والإسهاب . 9-التوقيع بالجرس الموسيقي وحس المسؤولية .

أنواع الخاطرة إرتباطاً بنوع الموضوع

تتنوع الخاطرة حسب نوع موضوعها واتجاه كاتبها، وتشارك الخاطرة المقالة في نسيجها وبنائها المحكم، ووضوح شخصية كاتبها، وتبتعد عنها في كونها عبارة عن فكرة عابرة غير مكتملة استدعتها العفوية، وأسلوب العصر، ومن أبرز أنواعها :

ا-الخاطرة الرومانسية

وتعني بما يمر به الإنسان في مواقف الحب لقاء – فراق - خيانة - عتاب - اشتياق ..إلخ .

ب- الخاطرةالإنسانية

وتعني بالقيم الإنسانية الجميلة الصداقة - الأخلاق الفاضلة - التضحية – الوطنية ..إلخ .

ج- الخاطرة الوجدانية

تعني بوصف الحالة الداخلية للكاتب أو نظرته لشئ ما، وقد تشطح في الخيال كثيرا ً كسريالية .

د- الخاطرة الاجتماعية

هي وصف أو نقل لما يمر من مواقف في محيط الكاتب ؛ تختص بمعاني الأسرة – المجتمع -الدولة...إلخ.

أنواع الخاطرة ارتباطاً بالموقف وأحاسيس الكاتب

1- الخاطرة المركبة

وتعني بنقل الموقف مع أحاسيس الكاتب . كالخاطرة الرومانسية .

مكونات الخاطرة المركبة

- الوضوح والترابط بين الجمل والمعاني . - تأخذ في بعض الأحيان بعضا من أسلوب القصة القصيرة . - تقل فيها المحسنات البديعية، والصور البلاغية. - التنوع في المفردات بين لغة الواقع، وعالم الأحاسيس والخيال.

2- الخاطرة المجردة

تعني بنقل أحاسيس الكاتب فقط دون ذكر الموقف مثل الخاطرة الوجدانية.

مكونات الخاطرةالمجردة

- الإبهام والغموض وعدم وضوح المعاني في كثير من مقاطعها. - تكثر فيها المحسنات البديعية.

كتابة الخاطرة

أ‌- متى تكتب الخاطرة

تكتب الخاطرة : عندما يتعرض الإنسان لموقف عاطفي ؛ فتتحرك أحاسيسه، ويبقى هاجس الموقف يلهب خياله، فيكتب أحاسيسه تجاه الموقف . تكتب الخاطرة : معظم الأحيان عند حدوث الموقف، وقد تكتب بعد فترة عندما تستيقظ أحاسيس القلب نظرا لإثارة مشابهة أو موقف مشابه يمر به الكاتب .

ب‌- كيفية كتابة الخاطرة

1-أن تأنس في نفسك الملكة الأدبية، وهي موهبة من الله يختص بها من يشاء من عباده . وحاول توفير جو من الهدوء حولك ؛ لأنك حينها تستحضر أفكارك بطريقة أفضل . 2- أن تملك وتجمع علماً , وثقافة عامة، وخبرة , وتجربة حول الموضوع الذي خطرت لك الكتابة فيه . 3-اعلم أن القوة الأدبية البارعة تختلف بين الكتَّاب اختلافاً نسبياً كلٍّ حسب تحصيله وقراءته في مجال الفن الأدبي . 4- اقرأ للذين يكتبون نتيجة ضغط نفسي شديد، إذ الكتابة نوع من أنواع التفريغ والارتياح عند كثير من المنتسبين للأدب خاصة عندما يتمكنون من آلته وأدواته وأساليبه . 5- عدم الإطالة في المقدمة . 6- التركيز في موضوعك الأساسي ( زبدة الموضوع أو العقدة ) . 7- عدم تشتيت الذهن ( تجعل القارئ لا يركز في الموضوع ) 8- عدم المبالغة في الخاطرة لحد بعيد عن حقيقة المشاعر .

مثال لجزءٍ من خاطرة: الصخور " بيني وبين الصخور مودة لا أستطيع تفسيرها، ولا تحديد الزمان الذي نشأت فيه، ولكن أحسها عميقة ووثيقة، بعيدة الغور والقرار، فلعلها تعود إلى يوم كنت طينة في يد الله . وكأن النسمة التي جعلت من الطينة إنسانا ما كانت لتزيد تلك المودة غير تأصل وجمال ونقاوة، حتى أنها تبلغ بي في بعض الأحيان درجة الهيام" . ميخائيل نعيمة .

  • * مدة الخاطرة الأدبية :- تتراوح ما بين 5 إلى 10 دقائق كقراءةٍ متأنية عند إلقائها، والحد الأقصى من 10 إلى 15 دقيقة وهي عادة أقصر قليلاً من المقالة الأدبية، وما دون ذلك يطلق عليه اليوم : نبضات الخاطر أو خلجات الخاطر أو غير ذلك من التسميات المتعددة والتي توحي بقصر الخاطرة عن ما دون الخمس دقائق وذلك كقراءة متأنية عند إلقائها .

ج- متى تكون الخواطر ترف فكري

في العادة تأتي الخواطر نتيجة الضغط النفسي الشديد لكن هناك من يجيد كتابتها دون ذلك، هنا تصبح الخاطرة نوعاً من الترف الفكري (مبتذلة)؛ فتتسم بالطول وتعدد المعاني وتشعب الأفكار فتصبح بذلك أقرب إلى المقال منها إلى الخاطرة .

نصائح عند كتابة الخاطرة

1- اختيار العنوان الموفق للخاطرة، بحيث يعكس موضوعها . 2- تقسيم الخاطرة : ضع خاطرتك على شكل فقرات أو وقفات متسلسلة، مثال المقدمة – العرض أو العقدة- الخاتمة . 3-وضوح الهدف: إذا كانت الخاطرة تحمل هدف معين، فيجب أن يتضح الهدف سواء في المقدمة أو الخاتمة , وأن لا تشذ أحداث الخاطرة ومفرداتها عن خدمة الهدف المرجو منها . 4-لغة الخطاب :عندما تكون الخاطرة بلسان الكاتب عليه مراعاة ضمير المتكلم، وعندما تكون تعبيرا عن الغير يراعى استخدام ضمير الغائب وهكذا. 5- حاول التنويع في مواضيعك، مثل الصداقة، العلاقات الاجتماعية، المواضيع الإسلامية وغيرها. 6- الإيجاز فن يتقنه القليل من الناس، فتعلم الإيجاز، لأن الخاطرة هي فن الإيجاز لا التطويل الممل والاستطراد . 7- تذكر الفرق بين الخاطرة والشعر الحر، وتجنب النزوح للقصيدة النثرية في خاطرتك، أو إلى باقي الأصناف الأدبية. 8- الإسقاط الفني: إنزال مجموعة من الرموز داخل النص لتعطي الدلالة على أشياء من الواقع ؛ تجد الكاتب يستغني عن التصريح بالتلميح، ويكتفي بالإشارة عن العبارة . 9- أنت ممييز معناه : نسيج وحدك، اكتب بنفسك، عن نفسك، ولاتقلد فتخسر، لأن ذلك يجعل الخاطرة نسخة مشوهة عن الآخرين .

لكتابة الخاطرة في نسق أدبي صحيح علينا مراعاة ما يأتي

أ‌- الرمـوز

هناك العديد من الرموز التي تعطي النص ( الخاطرة) المتانة والقوة منه على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ما يلي :- - مثلا الفراشـة/ هي رمز الحلم أينما وجدت ... مثال ذلك فراشات تحترق أي أحلام تحترق . - مثال آخر الحمامـة / باعتبارها رمز السلام / إلا أنها تأتي رمزاً للمرأة الجميلة النقية مثال ذلك قول الشاعر النبطي : وأنا شاقني بالحيل منظر حمام شهار *** صلاة العصر يوم انحدر باسفل الوادي هنا استخدم الشاعر الحمام في الجمع للدلالة على مجموعة من الفتيات . - مثال آخر الزهـور/ تختلف الزهور في الاسقاط الوظيفي داخل الخاطرة باختلاف الألوان التي تتسم بها، فهناك الأحمر دليل للحب والأصفر دليل على الغيرة والأبيض دليل النقاء أو الشفاء من المحن والأمراض .

ب- الإسـقاط الفني

هو إنزال مجموعة الرموز داخل النص لتعطي الدلالة على أشياء من الواقع من الصعب على القارئ العادي تفسيرها إن لم يكن يعرف دلالة الرمز من الأساس ولكي نفهم النص يجب أن نعرف الرمز والدلالة ومن ثم حذف الرمز وإسقاط الدالة بمكانه وهنا سوف يكون المعنى غاية في الوضوح التام .

ج- التنقـيط

هناك من يستخدم النقطتين التابعتين لنهاية الجملة وهناك من يستخدم ثلاث نقاط أيضاً في نهاية الجملة وفي كلتا الحالتين هي تجاوز المعنى القريب إلى المعنى البعيد لكلام محذوف، فوجوده يعيق الوزن ويخلخل موسيقى الجملة والعكس صحيح .

د - انتقاء الكلـمات

في السابق تحدثنا أن الخاطرة تكون قوية إذا اتسم صاحبها بقوة أدبية بارعة ؛ تعكس قوة القراءة وتخزين المفردات الكلامية لديه ؛ لذا الحرص على انتقاء الكلمات القوية ذات الدلالة التصويرية شيء مهم ومطلوب لكي تكون الخاطرة أكثر تعبيراً وليس أكثر جمالاً لأن الجمال يأتي بطبيعة الحال بعد قوة التعبير والتصوير و ليس قبل ذلك .

ه - الخلـط الفكري

هناك من يخلط بين أنواع كثيرة من الأدب مثل الرسائل، والمقال، والخاطرة، والقصيدة ( من فئة التفعيلة) أو النثرية، وبين القصة، والرواية والخلط في العادة يأخذ مسمى فصيلة غير الفصيلة المطروحة وهنا قد لا يستطيع القارئ العادي أن يفسر الاختلاف الأدبي مالم يكن ملماً بكل تفاصيل وخصائص الأنواع الأدبية المختلفة. وقد نجد من يكتب بعض القصص القصيرة على أنها خاطـرة والعكس بالمثل في بقية الفصائل الأدبية الأخرى . ففي القصة والمقال والرسائل تنعدم الرمزيات بينما هي من سمات الخواطر ؛ بينما يكثر التوجيه في المقال وينعدم في القصة والمقال، ونجد أن هناك رسالة داخل المقال يجب أن تصل إلى القارئ ؛ بينما نجد مجموعة من الأهداف في القصة يجب أن تصل إلى القارئ، أما الرسائل الأدبية فتأخذ طابع الدعوة والإرشاد والموعظة والنصيحة إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص، وأقرب شيء إلى هذا النوع الأدبي هي الخطابة - كموضوع - إلا إنها تختلف لكونها في العادة تحتاج إلى منبر وشكل جماهيري لتوصيلها إلى الجمهور .

و - الشكل التعبيري (التصوير)

تلبس الخواطر في الغالب ثوب الحزن أو العشق أو الفرح وهذا ما يجعل القارئ يتفاعل معها بشكل عاطفي خاصة إذا كانت ذات كلمات قوية ومعبرة وحزينة أو فرحة .

أخطاء وأفعال يمكن تجنبها عند كتابة الخاطرة

1- أن تتكلف الأحاسيس فلا تتجمل بالتكلف الزائف، كن نفسك ....تجد نفسك...فيحب أن يقرأ لك الآخرون. 2- التكرار في الكلمات والصور المتشابهة يخدش لك النص ويشوهه . 3- السرد العادي جدا للمفردات والحديث بأسلوب الكلام العادي أو اليومي . 4-نقل خواطر أخرى أو أجزاء من أكثر من خاطرة، ونسبها إليك، فهي بالإضافة لكونها تعدي على الملكية الفكرية، لا تضيف لك شيئا يفيدك مستقبلاً . 5- الإطالة المملة، فالبلاغة هي في الإيجاز والاختزال . 6- استخدام الكلمات الغريبة الصعبة الفهم: استخدم العبارات البليغة السهلة الجامعة التي ترسخ في الذاكرة. 7-التسرع بنشر الخاطرة بمجرد كتابتها، راجع الخاطرة وتأكد من سلامتها لغويا ونحويا وبلاغيا وفنيا . 8- تغطية عدة مواضيع في الخاطرة، فيتشتت القارئ ولا يستطيع التركيز . 9- التعدي على المتعارف عليه من الأخلاق تحت مسمى حرية الأدب فهو خطأ شائع، يعمد إليه من يريد الشهرة بأي وسيلة وإن كان ذلك على حساب العامة ( ثقافتهم أو أخلاقهم أو غير ذلك ).

إشكالية التمييز بين (قصيدة النثر/الخاطرة، وقصيدة التفعيلة)

أحبُّ الشعر الحقيقي، ولا يهمني إنْ كان قصيدة عمودية أو تفعيلة أو قصيدة نثر، المهم أن يكون شعراً، فطالما أنَّ الشاعر استطاع أن يَلتحم بجسد النَّص ليخرج لنا مرآةً تعكس مكنونات نفسه أو تعبِّر عن حالةٍ وجدانيةٍ ما، حينها يستحق هذا الشَّاعر أنْ يُصبح فناناً لأنَّهُ استطاع أن يلمَسني ببراعةِ استخدامهِ للحرف وبقدرتهِ على قيادةِ المفردات. ولا نطالبهُ إلاَّ أنْ يسكبَ مشاعره البيضاء ثلجاً يذوب على أوردةِ السطر فتندى أحرفهُ بالألق.

برغمِ إيماني بكلامي السَّابق، إلاَّ أنَّني أكره أنْ يكتبَ الشَّاعر ما يجهلهُ، صحيح أنَّني لا أهتم بنوعية الكتابة طالما أنَّها قادرة على لمسِ شغفي، ولكنِّي أكره الخلط بين الأصناف الشعرية عن جهل، مما يسبب إرباكاً للقارئ والمتلقي، الناتج عن ارتباكِ الكاتب نفسه!!

لذا، لنبدأ بالتفريق بين الأصناف الشعرية المتداولة، لأنَّن أعتقد بوجود أصنافٍ أخرى ذات مسميَّاتٍ مختلفة، ولكنَّها تبقى ضمن هذهِ التصنيفات الأربعة الآتية:

القصيدة العمودية

تعتمد نظام البيت الشعري المؤلف من صدر وعجز وقافية وروي، موزونة ومؤلفة من تفعيلاتٍ محدَّدة والتي تكوِّن البحور الخليلية.

قصيدة التفعيلة

الشعر الحر، طريقة استخدام جديدة للبحور الخليلية، لا تخرج عن التفاعيل العشرة، فكان التطوير في الشكل الخارجي بحيث أنَّها لم تعد تعتمد على نظام البيت، وإنَّما اعتمادها على نظام السطر الشعري، فيتم تكرار التفعيلة بأي عدد في السطر الواحد، لذا هي قصيدة موزونة، ولكن لا يُشترط التزامها القافية (مُرسل).

قصيدة النثر

جنس أدبي يُمكن أن نطلق عليه شعراً منثوراً أو حراً، لا تتقيَّد بوزنٍ أوقافية ولكنَّها تعتمد إيقاعاً داخلياً وصوراً شعرية مكثَّفة ومُبتكرة، نص سردي في الغالب، ويتكون من جملٍ قصيرة تُكوِّن فقرة أو فقرتين، وتبتعد عن المحسنَّات البديعية.

النثر/الخاطرة

الخاطرة، الحقيقة لم أقرأ ما يؤصلها في كتب الأولين، ولكنَّنا نجد لها تعريفات اجتهد بعض الكتاب بوضعها، يمكن البحث عنها واستلهام خصائصها، شُبِّهت بالمقال، لذا أصنِّفها ضمن النصوص النثرية التي لا تلتزم بوزنٍ أو قافية، تجري عفوية، تبتعد عن الإسهاب وتعبِّر عن فكرةٍ أو إحساسٍ معين يجول بخاطرِ كاتبها،-ربَّما- يمكن اعتماد بعض المحسنات البديعية في هذا النوع من الكتابة، فقد يكون مسجَّعاً، وبهذا تكون الخاطرة جمعت بين الشعر والنثر.

ألمِّحُ إلى نقطةٍ مهمة، وهي طريقة الكتابة، فمن الكتَّاب من يقوم بكتابة نصِّهِ النثري أو الخاطرة، تماماً كما يكتب قصيدة التفعيلة، أي موزَّعة على أسطر تطول وتقصر بحسب التداعي الشعوري، وأنا أرى ما تراه نازك الملائكة، من وجوب كتابة النَّص النثري بملءِ السطر، لا تقليداً للشِّعر الحر والتي تُكتب بتلكَ الطريقة الموزَّعة بناءً على تكرارِ التفعيلات.

إذن يتضح أنَّ محاولة صنع القافية أو استدراجها، يدل على موهبةٍ شعرية، ولكن يغيب عن أذهان بعض الشعراء أنَّ القافية لا تأتي إلاَّ مع القصائد الموزونة، سواءً التفعيلة منها أو العمودي، ولا تأتي أبداً مع قصائد النثر، وهذا ليس كلاماً عابراً يُمكننا التغاضي عنهُ، وليس جديداً، فلو قرأنا (نقد الشعر لابن قدامة، وعيار الشعر لابن طباطبا، والعمدة لابن رشيق القيرواني، ودلائل الاعجاز وأسرار البلاغة للجرجاني،..إلخ) لاتضح لنا أنَّ القافية موجبة للوزن، فمثلاً من كتاب "العمدة"، يحدد ابن رشيق الشعر، بأنَّهُ يقوم بعد النية من أربعةِ أشياء، هي:اللفظ، الوزن، المعنى، والقافية. وعن الوزن بالذات يقول …

"…….، مع أنَّ "الوزن أعظم أركان حدِّ الشعر، وأولاها بهِ خصوصية، وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة" إلاَّ أنَّهُ وحده، لا يخلق شعراً". بمعنى أنَّ الإصرار على القافية يشترط الوزن، أمَّا مسألة الشعرية فموضوع آخر.

والحقيقة أنَّهُ عندما تضع القافية على قصيدتك النثرية أو خاطرتك، فأنت الذي تضع شرط القافية وأنت غير ملزم بها، والسبب أنَّك لا تدركُ نوع الفن الذي تكتبه.

وأحبُّ أن أفرِّق بين مصطلحين، (السجع، القافية)، فكثيراً ما يدَّعي البعض أنَّهُ لم يتعمَّد القافية، وأنَّ القافية هي التي تتداعى من تلقاءِ نفسها، وهذا كلام لا يصح، وإن أمعنَّا بسؤالهِ، نجده يدَّعي أنَّ ما يكتبه لا يمثل قافية وإنَّما سجعاً، والحقيقة، أنَّ السجع هو: توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرفِ الأخير. أما القافية هي: المقاطع الصوتية التي تكون في أواخر أبيات القصيدة، أي المقاطع التي يلزم تكرار نوعها في كلِّ بيت.

والفاصلة في النثر، كالقافية في الشِّعر، وموطن السجع النثر، وموطن القافية هو الشعر الموزون. ولكن ما المقصود بالسجع هنا؟

الخطب، يمكن أخذها كمثال للنثر، وهناك المقامات ، وجميعها تستخدم السجع، وهو من المحسنات البديعية التي لا تستخدم إلاَّ في النثر، وقليلاً جداً ما يلجأ له الشاعر، كقول أبي تمام حبيب ابن أوس:

تدبير معتصم بالله منتقم

لله مرتقب في الله مرتغب

وهنا نلاحظ أنَّ السجع في البيت الشعري يتم بجعل كل من شطري البيت مسجوعاً سجعة تُخالف السجعة الّتي في الشطر الآخر، فالشطر الأوّل سجعته الميم والثاني الباء. والحقيقة لا أعرف إنْ كانَ هذا شرطاً لازماً أم لا.

أمَّا في النثر فمن المستحسن أن يكون مسجوعاً لاستمالة الأذن، مثل خطبة قس بن ساعدة الإيادي حين يقول: (أيُّها النَّاس، اسمعوا وعوا، إنَّهُ من عاشَ ماتَ، ومن ماتَ فاتَ، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج،..إلخ).

فنجد أنَّ السجع باتفاق آخر الجمل حيث يُعطي تأثيراً موسيقياً جميلاً، مع وجوب التزامه في كل جملتين أو أكثر. وذلكَ هو السجع المقصود في الكتابةِ النثرية، لا كما يقوم بهِ بعض كتَّاب النثر والخواطر، بتقليد أسلوب قصيدة التفعيلة في التقفية وفي الشكل، وأنا قد أقبل الشكل، ولا أقبل التقفية.

أخيراً، ليس عيباً أن تأتي بعض جمل أو أسطر النَّص منتهية بألفاظ تنتهي بنفس الأصوات أو بنفس الجرس الموسيقي، ولكن بشرط أنْ تكون المشاعر الحسية والعاطفة الفردية تفرضها فرضاً، فالعيب أن يكونَ الاستعمال من بابِ التكلُّفِ والتصنُّعِ الذي يفقد النَّص عفوية التعبير وصدق الوجدان، فيدخلهُ في متاهةِ ألفاظ تورثُ السآمة وثقل التعبير.

فهلاَّ كتبنا بطريقةٍ صحيحةٍ، بألاَّ نخلط بين الأصناف الشعريةِ، ونعطي كل صنفٍ خصائصهِ وشروطهِ التي تميِّزه عن آخر؟ أتمنَّى.!

المراجع

    • بوابة أدب
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.