الفكر الجماعي

مذهب التكاتف المجتمعي أو الجماعانية هي فلسفة تؤكد على الترابط بين الفرد والمجتمع. يقوم جوهر فلسفتها على الاعتقاد أن هوية الشخص الاجتماعية وشخصيته تقولبها العلاقات المجتمعية إلى حد كبير، مع درجة أقل من النمو المرتكز على الفردية. ورغم أن المجتمع قد يكون عائلة، تُفهم الجماعانية عادة بمعنى فلسفي أوسع بأنها مجموعة من التفاعلات بين أفراد مجتمع من الناس في مكان معين (منطقة جغرافية) أو ضمن مجتمع يشترك باهتمام ما أو بتاريخ ما،[1] وتقابل الجماعانية عادة الفردية المتطرفة وتختلف مع سياسة عدم التدخل التي تهمل استقرار الجميع.

مصطلحات

نشأت فلسفة الجماعانية في القرن العشرين لكن مصطلح «المجتمعية» طرحه جون جودوين بارمبي عام 1841، وهو قائد حركة الميثاقية البريطانية، واستخدمه للإشارة إلى الاشتراكيين الطوباويين وغيرهم من المثاليين الذين اختبروا أنماط الحياة الشيوعية. ولكن لم يكن للمصطلح أن ينتشر حتى الثمانينيات من خلال الارتباط مع عمل مجموعة صغيرة من فلاسفة السياسة. وكان تطبيقهم لكلمة «مجتمعي» مثيرًا للجدل حتى بين المجتمعيين، لأن المصطلح في الغرب يثير ترابطات مع أيديولوجيات الاشتراكية والجماعية، لذا فإن القادة الشعبيين -وبعض الأكاديميين الذين ناصروا هذه المدرسة الفكرية- تجنبوا عادة مصطلح «المجتمعي»، مع استمرار تأييدهم ودفعهم لأفكار الجماعانية.

يستخدم المصطلح بشكل أساسي بمعنيين:

  • تعتبر الجماعانية الفلسفية الليبرالية الكلاسيكية أنها غير متمكاسكة وجوديًا ومعرفيًا، وتعارضها على هذا الأساس. على عكس الليبرالية الكلاسيكية التي تفسر المجتمعات بأنها نشأت من الأفعال الطوعية لأفراد ما قبل المجتمع، فهي تؤكد على دور المجتمع في تحديد وتشكيل الأفراد. يؤمن الجماعانيون بأن قيمة المجتمع لا يُعترف بها بشكل كاف في النظريات الليبرالية للعدالة.
  • تُوصف الجماعانية الأيديولوجية بأنها أيديولوجية وسطية راديكالية تتميز أحيانًا بأنها يسارية في القضايا الاقتصادية ومحافظة أو وسطية في القضايا الاجتماعية. وقد طرح هذا المعنى حديثًا، وعندما يكون الحرف الأول من المصطلح كبيرًا فإنه يشير إلى الحركة الجماعانية المستجيبة للفيلسوف أميتاي إيتزيوني وغيره من الفلاسفة.

وسع الفلاسفة التشيكيون والسلوفاكيون، مثل ماريك هروبيك[2] ولوكاس بيرني[3] ولوبوس بلاها،[4] مصطلح الجماعانية ليشمل المشاريع الاجتماعية المرتبطة بالقيم وأهمية المجتمع والجماعية وليشمل أنواع مختلفة من الاشتراكية والشيوعية (مسيحية، طوباوية، علمية) ومن الأمثلة:

  • الجذور التاريخية للمشاريع الاشتراكية من أفلاطون، عبر بابوف وبرودهن وباكونين وتشارلز فورييه وروبرت أوين حتى كارل ماركس.
  • الجماعانية النظرية المعاصرة (ميشيل ج. صاندل وميشيل والزر وألسداير ماكلنتاير) نشأت في الثمانينيات
    • الموالون لليبرالية والموالون للتعدد الثقافي (والزير، تايلور)
    • المناهضون لليبرالية والموالون للوطنية (صاندل، ماكلنتاير)
  • رؤية المجتمعات العملية وذاتية الاستدامة كما وصفها توماس مور (المدينة الفاضلة) وتوماسو كامبانيلا (مدينة الشمس) وكما مارسها المسيحيون الطوباويون (الاختزال اليسوعي) أو الطوباويون الاشتراكيون مثل تشارلز فورييه (قائمة بروابط فورييه في الولايات المتحدة) وروبرت أوين (قائمة بالمجتمعات الأوينية في الولايات المتحدة). يتضمن هذا الاتجاه أشكالًا متنوعة من المؤسسات التعاونية وذاتية المساعدة، أو المجتمعات (مجتمعات الهوسيت والحفارين والهابان والهوتيريت والأميش والكيبوتز الإسرائيلية، والمجتمع السلافي؛ أمثلة: القبائل الاثنتا عشرة، تاميرا (البرتغال) وماريناليدا (إسبانيا) ودولة جبل آثوز الرهبانية.[5]

الأصول

في حين أن مصطلح الجماعانية قد طرح في أواسط القرن التاسع عشر، فقد ظهرت الأفكار الجماعانية في طبيعتها بوقت أسبق. فهي موجودة في بعض التعاليم الكلاسيكية الاشتراكية (كالكتابات عن الشيوعية المبكرة وتضامن العمال)، ورجوعًا بالزمن إلى العهد الجديد، ويمكن تتبع الجماعانية رجوعًا حتى الرهبانية المبكرة، لكنها بدأت تُصاغ في القرن العشرين على شكل فلسفة على يد دوروثي دي وحركة العامل الكاثوليكي. وفي مقال مبكر، أوضح «العامل الكاثوليكي» عقيدة الجسد الروحي للمسيح أنه أساس لجماعانية الحركة. ترتبط الجماعانية أيضًا بفلسفة الشخصانية لإيمانويل ماونير.

كان لعدد من علماء الاجتماع المبكرين عناصر جماعانية في أعمالهم كفرديناند تونيس في مقارنته للجيمنتشاف «النسيج الاجتماعي الشخصي» (مجتمعات قمعية لكنها تحتضن) والجيزيلشافت (مجتمعات حرة لكنها لا تتأثر بالشعور الشخصي)؛ واهتمامات إيميلي دوركهايم عن الدور الرئيسي للقيم الاجتماعية والعلاقات بين الفرد والمجتمع. حذر كلا المؤلفين من أخطار الشذوذ (اللامعيارية) والاغتراب في المجتمعات الحديثة المكونة من أفراد فسيفسائيين حصلوا على حريتهم لكنهم خسروا أمانهم الاجتماعي. رأى علماء الاجتماع الحديثون ارتفاع مجتمع جماهيري وانخفاض الروابط الشيوعية واحترام القيم التقليدية والسلطة في الولايات المتحدة كما كان في الستينيات، وكان من بين الذين أثاروا هذه المسألة روبرت نيسبت (غروب شمس السلطة) وروبرت إن بيلا (عادات القلب)، وألان إهرينهالت (المدينة الضائعة: الفضائل المنسية للمجتمع في أمريكا).[6] وثق روبرت بوتنام في كتابه أتقدم وحيدًا (2000) تدهور «رأس المال الاجتماعي» وشدد على أهمية «جسر رأس المال الاجتماعي»،[7] الذي تُشكل فيه روابط الاتصال بين المجموعات المجتمعية المتنوعة.[8]

واستجابة للنقد القائل إن مصطلح «المجتمع» غامض جدًا أو لا يمكن تعريفه، أشار أميتاي إيتزيوني، وهو أحد قادة حركة الجماعانية الأمريكية، إلى أن المجتمعات يمكن أن تعرف بدقة معقولة أن له ميزتين: الأولى؛ علاقات مليئة بالتأثير بين مجموعات من الأفراد، علاقات تتقاطع مع بعضها ويعزز بعضها بعضًا (كنقيض للعلاقة «واحد مقابل واحد» أو العلاقة «الفردية الشبيهة بالسلسلة»)، والثانية؛ هي مقياس للالتزام بمجموعة من القيم المشتركة والعادات والمعاني والتاريخ المشترك والهوية، باختصار، ثقافة معينة. وأكثر من ذلك، قال المؤلف ديفيد إي بيرسون إنه «لاكتساب لقب «مجتمع»، يبدو لي أنه يجب على الجماعات أن تكون قادرة على القيام بالضغط الأخلاقي وأن تستخلص مقياسًا للامتثال من خلال أفرادها. وبالتالي فالمجتمعات بالضرورة الفعلية وبالتعريف إكراهية إلى جانب كونها أخلاقية، تهدد أفرادها بعصا العقوبات إذا ضلوا، وتقدم لهم جزرة اليقين والاستقرار إن لم يحيدوا».[9]

أما ما عُني بالتحديد بكلمة «مجتمع» في سياق الجماعانية فيمكن أن يختلف كثيرًا بين المؤلفين والفترات الزمنية. تاريخيًا، كانت المجتمعات صغيرة ومتوطنة، وعندما وصل تمدد القوى الاقتصادية والتكنولوجيا، أصبحت المجتمعات المتوسعة ضرورية لتقديم الإرشاد السياسي والمعياري لهذه القوى، وهو ما بعث على صعود المجتمعات الوطنية في أوروبا في القرن السابع عشر. منذ نهاية القرن العشرين، نما الاعتراف بأن مجال هذه المجتمعات محدود جدًا أيضًا بسبب العديد من التحديات التي يواجهها الفرد اليوم، كالتهديد بالحرب النووية والتدهور البيئي العالمي والأزمات الاقتصادية، التي لا يمكن معالجتها على المستوى الوطني. وهذا أدى إلى السعي إلى مجتمعات أكثر استيعابًا، كالاتحاد الأوربي. أما فيما إذا كانت المجتمعات فوق الوطنية قادرة على التقدم بحق، فما زال هذا غير واضح.

يمكن للمجتمعات الأكثر حداثة أن تأخذ عدة أشكال، لكنها غالبًا محدودة بالنطاق والوصول. فمثلًا، إن أفراد تجمع سكني معين غالبًا ما يكونون أفرادًا في مجتمعات أخرى، كمجتمعات العمل أو الإثنية أو الدينية. وكنتيجة لذلك، فإن أفراد المجتمعات الحديثة لهم مصادر ارتباطات متعددة، وإذا ظهر تهديد من أحدها بالسيطرة الكاملة، سينسحب الأفراد غالبًا ويتحولون إلى مجتمع آخر من ارتباطاتهم. وهكذا، فإن الجماعانية عبارة عن رد فعل بعض المفكرين على مشاكل المجتمع الغربي، وهي محاولة لإيجاد أشكال مرنة من التوازن بين الفرد والمجتمع، ذاتية الفرد ومصالح المجتمع، بين الصالح العام والحرية، وبين الحقوق والواجبات.

الفلسفة الجماعانية

في الفلسفة الأخلاقية والسياسية، يُعرف الجماعيون بنقدهم لليبرالية جون راؤول السياسية، التي فصلها باستفاضة في كتابه نظرية للعدالة، إذ ينتقد الجماعيون الصورة التي يقدمها راؤول عن البشر بأنهم أفراد فسيفسائيون، ويشدد على أن الأفراد المندمجين جدًا في المجتمعات أكثر قدرة على التفكير والعمل بطرق مسؤولة مقارنة بالأفراد المعزولين، لكنه يضيف أن الضغط الاجتماعي للتوافق مع الصعود إلى مستويات عالية سيزعزع الذات الفردية. يؤيد الجماعانيون أهمية المحيط الاجتماعي، والمجتمعات بالتحديد، ويختلفون في المدى الذي تهتم به مفاهيمهم بالحرية وحقوق الأفراد. وحتى مع هذه التشابهات العامة، فالجماعانيون كما غيرهم من أتباع مدارس الفكر الأخرى يختلفون بشكل كبير عن بعضهم البعض، وهناك عدة مدارس مختلفة تمامًا في الفكر الجماعاني (وقد تكون أحيانًا متباعدة).

للمؤلفين المذكورين تاليًا ميول جماعانية في المعنى الفلسفي، لكنهم جميعًا جاهدوا لإبعاد أنفسهم عن الأيديولوجيا السياسية المعروفة بالجماعانية:

  • ألاسداير ماكلينتاير (بعد الفضيلة)
  • ميشيل صاندل (الليبرالية وحدود العدالة)
  • تشارلز تايلور (مصادر الذات)
  • ميشيل والزر (فضاءات العدالة)

مراجع

  1. Avineri, S.and de-Shalit, Avner. (1992) Communitarianism and Individualism, Oxford: Oxford University Press.
  2. HRUBEC, M. Úvod. In: COHEN, G. A. (2006):Iluze liberální spravedlnosti. Praha: Filosofia, (ردمك 8070072342)
  3. PERNÝ, Lukáš. Vybrané kapitoly zo súčasnej anglo-americkej sociálnej filozofie: Liberalizmus, komunitarizmus, neomarxizmus.. [s.l.]: Vydavateľstvo Prešovskej univerzity v Prešove 160 s. Dostupné online. (ردمك 9788055520452). (slovensky) Google-Books-ID: lSp1DwAAQBAJ.
  4. BLAHA, L. (2018): Antiglobalista. Bratislava: VEDA, (ردمك 978-80-224-1628-3).
  5. PERNÝ, Lukáš. Lukáš Perný: Komunitarizmus ako alternatíva individualizmu. DAV DVA - kultúrno-politický magazín
  6. Nisbet, Robert, Twilight of Authority. Indianapolis: LibertyFund, 1975.
  7. Ehrenhalt Ehrenhalt, Alan, The Lost City: The Forgotten Virtues Of Community In America. New York:BasicBooks, 1995.
  8. Putman, Robert D., Bowling Alone: The Collapse and Revival of AmericanCommunity. New York:Simon & Schuster, 2000.
  9. Beckert, Jen. "Communitarianism." International Encyclopedia of Economic Sociology. London:Routledge, 2006. 81.
    • بوابة السياسة
    • بوابة فلسفة
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.