الديانة الإتروسكانية

تتألف الديانة الإتروسكانية من مجموعة من القصص والمعتقدات والممارسات الدينية للحضارة الإتروسكانية، التي نشأت في القرن السابع قبل الميلاد من عصر الحضارة الفيلانوفية في العصر الحديدي السابق، والتي تأثرت بشدة بأساطير اليونان القديمة وفينيقيا، وتتقاسم التشابهات مع الأساطير الرومانية المتزامنة والدين. عندما تم دمج الحضارة الإتروسكانية في الجمهورية الرومانية في القرن الرابع قبل الميلاد، تم دمج الدين والأساطير الإتروسكانية جزئيًا في الثقافة الرومانية الكلاسيكية، في أعقاب الميل الروماني لاستيعاب بعض الآلهة والعادات المحلية للأراضي التي تم فتحها.

جدارية إتروسكانية لتايفوس، من تاركينيا

معتقداتها

يقوم نظام الإيمان الإتروسكاني على تعددية الآلهة؛ فتُعتبر كل الظواهر المرئية تجلّيًا لقوة إلهية، وهذه القوى متجسدة في آلهة تعمل في الكون بشكل مستمر لكن يمكن للفانين نصحها وإقناعها.

بعد وقت طويل من دمج الحضارة الإتروسكانية في الرومانية، قال سينيكا الأصغر عن الفرق بين الروم والإتروسكانيين:[1]

«بينما نؤمن نحن أن البرق يُطلق نتيجةً لتصادم الغيوم، هم يؤمنون أن الغيوم تتصادم من أجل إطلاق البرق: لأنهم يَعزون كل شيء لإله، يقودهم ذلك إلى عدم تصديق أن الأشياء تحمل معنىً بقدر حدوثها، بل يحبذون تصديق أنها تحدث لأنها يجب أن تحمل معنى».

الأرواح والآلهة

المقالات الرئيسية: لائحة بالشخصيات الإتروسكانية الأسطورية ولائحة بالأسماء الإتروسكانية للآلهة الإغريقية

حول الـ mun أو muni، وتعني الأضرحة، كانت تحوم الـ man أو mani (باللاتينية Manes) وهي أرواح الأسلاف.[2] في دراسة الأيقونات بعد القرن الخامس ق.م، ظهر الموتى بصورة مُرتحلين إلى العالم السفليّ. في عدة حالات من الفن الإتروسكاني، كما في ضريح فرانسوا في فولتشي، تُعرّف روح الميت بالمصطلح hinthial، ومعناه الحرفيّ «الشخص الذي في الأسفل».

أحد الآلهة كان يدعى ais (دُعي لاحقًا eis)، وجمعه aisar. كان بيت الإله مكانًا مقدسًا يدعى fanu أو luth، مماثلًا للـ favi، ويعني قبرًا أو معبدًا. هناك يجب على الزائر أن يقدم fler (جمعها flerchva) وتعني «قُربانًا».

صُوّرت ثلاث طبقات من الآلهة في الفن الإتروسكاني. واحدةٌ منها تبدو أقلّ ألوهيةً وذات منشأ محلّي وهي: كاثا وأوسيل، الشمس؛ تيفر، القمر؛ سيلفانس، إله متمدّن؛ توران، ربة الحب؛ لاران، إله الحرب؛ لينث، ربة الموت؛ ماريس، ثالنا، تورمس والإله فولفونس، الذي يرتبط اسمه بطريقة غير معروفة بمدينة بوبولونيا وشعار (populus Romanus) الذي يعني شعب روما.

تحكمهم آلهة أعظم منهم ويبدو أنهم انعكاس للنظام الهندو أوروبي وهم: تين أو تينيا؛ السماء، وزوجته أوني (جونو)، وسيل؛ ربة الأرض.

تبنى النظام الإتروسكاني الآلهة الإغريقية بصفة طبقةٍ ثالثة خلال فترة التوجيه الإتروسكانية ما بين 750/ 700 - 600 ق.م.[3] والأمثلة على ذلك أريتيمي (أرتميس)، مينرفا (مينيرفا؛ يقابلها باللاتينية أثينا)، وباخا (باخوس؛ ويقابله باللاتينية ديونيسوس)، ومع الوقت أصبحت الثالوث الأساسي تينيا، أوني ومينرفا.

العرّافون والعَرافة

يؤمن الإتروسكانيون أن ديانتهم لُقنت لهم بواسطة عرافين،[4] والاثنين الأساسيَّين هما تاغِس؛ شخصيةٌ طفولية وُلدَ من أرضٍ محروثة ومُنحت هبةَ البصيرةَ، وفيغويا؛ شخصية أنثوية.

آمن الإتروسكانيون بالتواصل الوثيق مع اللاهوت.[5] كانوا يستشيرون الآلهة بشكل لائق وينتظرون إشاراتٍ منها قبل الإقدام على أي شيء.[6] وقد تبنّى الرومان هذه الممارسات بمجملها.

إيتروسكا ديسيبلينا

كانت النصوص المقدسة الإتروسكانية عبارةً عن مدونة نصوص تُدعى إيتروسكا ديسيبلينا. يظهر هذا الاسم في مؤلفات فاليريوس ماكسيموس،[7] ويشير ماركوسرتولّيُس سيسيرو إلى ديسيبلينا في مؤلفاته عن الموضوع.

يلخص ماسّيمو بالّوتينو النصوص المقدسة المعروفة (لكن غير الموجودة) تحت عناوين ليبري هاروسبيسيني، الحاوية على نظرية وقواعد العرافة باستخدام أحشاء الحيوانات؛ الطرق الصحيحة لإنشاء المدن والأضرحة، تصريف الحقول، صياغة القوانين والأنظمة، قياس الفضاء وتقسيم الوقت، ليبري أشيرونتيسي؛ يتكلم عن الحياة الآخرة، وليبري أوستينتاريا؛ الحاوي على قواعد تفسير المعاجز. نُشر وحي النبي تاغِس في ليبري تاغيتيكي، الذي احتوى على ليبري هاروسبيسيني وأشيرونتيسي، ووحي النبية فيغويا في ليبري فيغويسي، الذي احتوى على ليبري فولغورالِس وجزء من ليبري ريتوالِس.[8]

لم تقدم هذه الأعمال نبوءات أو نصوصًا مقدسة بالمعنى المألوف: لم يتنبأ إيتروسكا ديسيبلينا بشيء بحد ذاته. يبدو أن الإتروسكانيين لم يحظوا بأي أخلاقيات ممنهجة أو ديانة أو رؤى عظيمة. بل ركزوا بدلًا من ذلك على مشكلة مشيئة الآلهة متسائلين: إذا كانت الآلهة قد خلقت الكون والإنسانية ولديها مشيئة وخطة لكل شخص وكل شيء فيه، لماذا لم تبدع نظامًا لنقل تلك المشيئة بأسلوب واضح؟

تقبل الإتروسكانيون غموض مشيئة آلهتهم. ولم يحاولوا عَقلَنة أو شرح الأفعال الإلهية أو صوغ أي تعاليم حول نوايا الآلهة. ولحل مشكلة التحقق من المشيئة الإلهية، طوروا نظامًا مدروسًا للعرافة؛ وهو أن الآلهة تقدم دفقًا سرمديًا من الإشارات في ظواهر الحياة اليومية، التي إذا قُرأت بشكل صحيح يمكنها توجيه شؤون البشرية. قد تكون هذه الإيحاءات غير مفهومة بطريقة أو بأخرى وقد لا تكون سلسةً أو سهلة، ولكن الشك فيها خطير.

بالتالي، كان إيتروسكا ديسيبلينا مجموعةً أساسيةً من قواعد تدبير جميع أنواع العرافة؛ يدعوها بالّوتينو «دستورًا» دينيًّا وسياسيًّا: إن ماهية القوانين التي يجب وضعها والكيفية التي يجب على البشر أن يتصرفوا بها ليست أمرًا مفروضًا، بل قواعد مدروسة لسؤال الآلهة هذه الأسئلة وتلقّي أجوبةً.

قال شيشيرو:

«التقبّل الطائش للرأي الخاطئ أمر شائن في جميع الحالات، خصوصًا في الاستعلام حول مقدار الأهمية التي يجب منحها للطالع، للطقوس المقدسة، وللعبادات الدينية؛ ولكننا نتحمل خطر ارتكاب جريمة بحق الآلهة إذا نبذناها، أو الانخراط بخرافات النساء العجائز إذا وافقناها.[9]

ثم قال ممازحًا، ممثلًا العرافة بغناء الضفادع:

من يمكنه افتراض أن الضفادع تمتلك هذه البصيرة؟ ومع ذلك هي تمتلك بالفطرة بعض مَلَكة الحدس، واضحة جدًا بالنسبة لها، وغامضة جدًا بالنسبة للفهم البشري.

الكهنة والمسؤولون

طبقًا للنظام، كان الكهنة الذين دعاهم الروم بـ haruspices  أو sacerdotes  يتولون الاستفسارات العَرافية؛ كان لدى تاركويني كلية تحتوي على 60 كاهنًا.[8] استخدم الإتروسكانيون عدة كلمات كما تثبت نقوشهم: كابِن (باللغة السابية cupencus)، مارو (باللغة الأمبرية maron-eisnev ، hatrencu  (كاهنات). وقد سمو فن هاروسبيسي بـ ziχ neθsrac.

كان قاض خاص يدعى بالـ cechase  يعتني بالـ cecha أو rath، وهي أشياء مقدسة. على كلٍ، كل رجل كانت عليه مجموعة من المسؤوليات الدينية، والتي كانت تتجلى في alumnathe أو slecaches، وهو مجتمع مقدس. لم يكن يجري أي حدث عام دون حضور الـ netsvis، الـ haruspex، أو معادلته من الناحية الأنثوية. والـ nethsra، التي كانت تقرأ الحدبات على كبد خروف مضحىً به على نحو لائق. هناك نموذج كبد مصنوع من البرونز، لا تزال أهميته الدينية مسألة جدال حامٍ، مقسم إلى قطاعات ربما قُصد بها شرح ما يعنيه وجود حدبة في كل قطاع.

المراجع

  1. Seneca the Younger. "II.32.2". Naturales Quaestiones. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  2. Krauskopf, I. 2006. "The Grave and Beyond." The Religion of the Etruscans. edited by N. de Grummond and E. Simon. Austin: University of Texas Press. pp. 73–75.
  3. Dates from De Grummond & Simon (2006), p. vii.
  4. Cary, M.; Scullard, H. H. (1979). A History of Rome (الطبعة 3rd). صفحة 24. ISBN 0-312-38395-9. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. The religiosity of the Etruscans most clearly manifested itself in the so-called 'discipline', that complex of rules regulating relations between men and gods. Its main basis was the scrupulous search for the divine will by all available means; ... the reading and interpretation of animal entrails, especially the liver ... and the interpretation of lightning. (Pallottino 1975, p. 143)
  6. Livius, Titus. "V.1". History of Rome. ...a people more than any others dedicated to religion, the more as they excelled in practicing it. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  7. Maximus, Valerius. "1.1". Factorum et Dictorum Memorabilia. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  8. Pallottino 1975، صفحة 154
  9. De Divinatione, section 4.

    المصادر

    • Bonfante, Giuliano; Bonfante, Larissa (2002). The Etruscan Language: an Introduction. Manchester: University of Manchester Press. ISBN 0-7190-5540-7. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • Bonnefoy, Yves (1992). Roman and European Mythologies. University of Chicago Press. ISBN 0-226-06455-7. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة) Translated by Wendy Doniger, Gerald Honigsblum.
    • De Grummond; Nancy Thomson (2006). Etruscan Mythology, Sacred History and Legend: An Introduction. University of Pennsylvania Museum of Archaeology. ISBN 1-931707-86-3. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • De Grummond; Simon, Erika, المحررون (2006). The Religion of the Etruscans. Austin: University of Texas Press. ISBN 0-292-70687-1. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • Dennis, George (1848). The Cities and Cemeteries of Etruria. London: John Murray. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة) Available in the Gazetteer of Bill Thayer's Website at
    • Pallottino, M. (1975). Ridgway, David (المحرر). The Etruscans (الطبعة Revised and Enlarged). Bloomington & London: Indiana University Press. ISBN 0-253-32080-1. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)CS1 maint: ref=harv (link)
    • Richardson, Emeline Hill (1976) [1964]. The Etruscans: Their Art and Civilization. شيكاغو: دار نشر جامعة شيكاغو. ISBN 0-226-71234-6. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • Rykwert, Joseph (1988). The Idea of a Town: the Anthropology of Urban Form in Rome, Italy and the Ancient World. MIT Press. ISBN 0-262-68056-4. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • Swaddling, Judith; Bonfante, Larissa (2006). Etruscan Myths. University of Texas Press. ISBN 0-292-70606-5. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • Thulin, Carl (1906). Die Götter des Martianus Capella und der Bronzeleber von Piacenza (باللغة الألمانية). Alfred Töpelmann. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)

    روابط خارجية

    • Cicero, Marcus Tullius (1923) [44 BC]. W.A. Falconer (المحرر). Cicero on Divination. XX. Harvard University Press. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • William P. Thayer (2008). "Cicero on Divination". Lacus Curtius. University of Chicago. اطلع عليه بتاريخ 25 يونيو 2009. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • Cicero, Marcus Tullius (2009) [44 BC]. "De Divinatione". The Latin Library (باللغة اللاتينية). مؤرشف من الأصل في 30 مارس 2019. اطلع عليه بتاريخ 25 يونيو 2009. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • بوابة إيطاليا
    • بوابة علم الأساطير
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.