الإصلاح الاقتصادي الصيني

الإصلاح الاقتصادي الصيني (بالصينية المبسّطة: 改革开放 ; بالصينية التقليدية: 改革開放) مصطلح يشير إلى برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي يطلق عليه «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية» و«اقتصاد السوق الاشتراكي» في جمهورية الصين الشعبية، والذي أطلقه الإصلاحيون داخل الحزب الشيوعي الصيني - بقيادة دينج شياو بينج - في 18 ديسمبر 1978.

قبل الإصلاحات، كان الاقتصاد الصيني خاضعًا لهيمنة ملكية الدولة والتخطيط المركزي. من عام 1950 إلى عام 1973، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد الصيني بمعدل 2.9٪ سنويًا في المتوسط، وإن كان ذلك مع تقلبات كبيرة ناجمة عن حملة «القفزة العظيمة للأمام» والثورة الثقافية، الأمر وضع ترتيبها في منتصف الدول الآسيوية تقريبًا خلال نفس الفترة. تجاوزت معدّلات النمو في الدول الرأسمالية المجاورة لجمهورية الصين الشعبية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان بقيادة المنافس شيانج كاي شيك معدّل نمو جمهورية الصين الشعبين.[1] بدءًا من عام 1970، واجه الاقتصاد حالة من الركود، وذلك بعد وفاة ماو تسي تونغ، وأجرت قيادة الحزب الشيوعي عدة إصلاحات للتحول إلى اقتصاد السوق، في محاولةٍ لإنقاذ الاقتصاد المنهار.[2][3]

إصلاحات في قطاعات محددة

بعد ثلاثة عقود من الإصلاح، شهد اقتصاد الصين واحدة من كبرى طفرات الازدهار في العالم. خُصخصَ جزء كبير من الزراعة والصناعات الخفيفة، في حين ما تزال الدولة تسيطر على بعض الصناعات الثقيلة. على الرغم من هيمنة ملكية الدولة على قطاعات التمويل والاتصالات السلكية واللاسلكية والنفط وغيرها من القطاعات المهمة في الاقتصاد، ما يزال أصحاب المشاريع الخاصة وروّاد الأعمال يتوسعون في القطاعات التي كانت مخصصة سابقًا كمشاريع عامّة، كما أزيلت القيود عن الأسعار وأصبحت حرة.[4]

الزراعة

خلال فترة ما قبل الإصلاح، كان القطاع الزراعي الصيني ضعيفًا جدًا وكان نقص الغذاء أمرًا شائعًا. بعد أن طبّق دينج شياو بينج نظام المسؤولية الأسرية، نما الإنتاج الزراعي بنسبة 8.2% سنويًا، مقارنة ب2.7% خلال فترة ما قبل الإصلاح، وذلك رغم انخفاض مساحة الأراضي المستخدمة. انخفضت أسعار الغذاء بنسبة 50% تقريبًا، في حين ارتفعت الإيرادات الزراعية.[5]

تمثّل التحوّل الجوهريّ في تبنّي الاقتصاد المتزايد للمحاصيل النقدية بدلًا من زراعة الأرز والحبوب فقط. زاد إنتاج الخضروات واللحوم بشكل كبير وأصبح الإنتاج الزراعي الصيني يعادل ما ينتجه قطاع الخضروات في كاليفورنيا كلّ عامين. تباطأ النمو في القطاع بعد عام 1984، مع هبوط نسبة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 40٪ إلى 16٪؛ مع ذلك، سمحت الزيادات في الإنتاجية الزراعية بتحرير العمال وفتج المجال أمامهم للعمل في الصناعة والخدمات، مع زيادة الإنتاج الزراعي في نفس الوقت. أزيلت القيود عن التجارة في الزراعة وأصبحت الصين مصدّرةً للأغذية، وهو ما يغاير تاريخها المليء بالمجاعات والعجز.[6]

الصناعة

في فترة ما قبل الإصلاح، كانت القطاع الصناعي في حالة ركود شديدة ولم يقدم النظام الاشتراكي سوى حوافز قليلة لتحسين النوعية والإنتاجية. زادت الإنتاجية بشكل كبير في أوائل الثمانينيات مع تطبيق نظام الأسعار المزدوجة والمزيد من الاستقلال الذاتي لمدراء المؤسسات.[7]

تنافست الشركات الأجنبية والشركات البلديّة والقرويّة التي كانت قد تشكّلت حديثًا وتملكها الحكومة المحلية والشركات الخاصة بنجاح مع الشركات المملوكة للدولة. بحلول التسعينات، أدت عمليات الخصخصة الواسعة النطاق إلى تخفيض الحصة السوقية لكل من مؤسسات البلدات والقرى والمؤسسات المملوكة للدولة وزيادة حصة القطاع الخاص في السوق. انخفضت حصة القطاع الحكومي من الناتج الصناعي من 81% في عام 1980 إلى 15% في عام 2005. يسيطر رأس المال الأجنبي على جزء كبير من الصناعة الصينية ويلعب دورًا هامًا.[8]

الخدمات

في تسعينيات القرن العشرين، أزيلت القيود عن القطاع المالي. بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، أزيلت القيود أيضًا عن قطاع الخدمات إلى حد كبير وسمح بالاستثمار الأجنبي؛ انتهت القيود المفروضة على التجزئة والجملة والتوزيع، وفُتحت قطاعات البنوك والخدمات المالية والتأمين والاتصالات السلكية واللاسلكية أمام الاستثمار الأجنبي.[9]

أسباب النجاح

اقترح العلماء عددًا من النظريات لتفسير نجاح الإصلاحات الاقتصادية في الصين في انتقالها من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق الاشتراكي على الرغم من وجود عوامل غير مواتية مثل الإرث المزعج للاشتراكية، وعدم تطبيق كثير من أخلاقيات العمل، وعقود من الدعاية المناهضة للسوق، و«الجيل الضائع» الذي اضطرب تعليمه بسبب تعطيل الثورة الثقافية.[10]

من النظريات البارزة هي أن لامركزية سلطة الدولة سمحت للقادة المحليين بتجربة طرق مختلفة لخصخصة قطاع الدولة وتنشيط الاقتصاد. على الرغم من أن دينغ لم يكن صاحب فكرة العديد من الإصلاحات، إلا أنه وافق عليها. تركز نظرية أخرى على الحوافز الداخلية داخل الحكومة الصينية، حيث كان من المرجح أن يرقى المسؤولون الذين يترأسون مجالات النمو الاقتصادي المرتفع. لاحظ الباحثون أن الحكومات المحلية والإقليمية في الصين كانت «متعطشة للاستثمار» وتنافست على الحد من الضوابط والعوائق أمامه لتعزيز النمو الاقتصادي. هناك تفسير ثالث أيضًا يعتقد أن نجاح الإصلاحيين يرجع إلى وضع دنغ لأتباعه في الحكومة. يشرح هيرمان كان صعود القوة الاقتصادية الآسيوية قائلًا إن أخلاقيات الكونفوشيوسية تلعب «دورًا مماثلا في تحديث شرق آسيا ولكنه أكثر إدهاشًا مقارنةً بالأخلاقيات البروتستانتية التي لعبت دورها في أوروبا»[11]

يرجع نجاح الصين أيضًا إلى استراتيجية النمو القائمة على التصنيع الموجه بالصادرات، والتي استخدمتها بنجاح النمور الآسيوية الأربعة بدءًا من اليابان في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين وغيرها من الدول الصناعية الجديدة.[12]

كان انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية والاقتصادات المخططة مركزيًا عام 1989 حافزًا جديدًا للصين لمواصلة إصلاح اقتصادها من خلال سياسات مختلفة لتجنب مصير مماثل. أرادت الصين تجنب التجارب الروسية المتعلقة بتحويل السوق إلى سوق رأسمالي في عهد بوريس يلتسين والتي أدت إلى ظهور القلة القوية والفساد وفقدان إيرادات الدولة، ما أدى إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي.[13]

التأثير على الفروقات والتباينات

أدت الإصلاحات الاقتصادية الصينية إلى زيادة الفروقات بشكل كبيرٍ داخل الصين. على الرغم من النمو الاقتصادي السريع الذي قضى تقريبًا على الفقر في المناطق الحضرية في الصين، وخفّضه إلى حد كبير في المناطق الريفية، وحقيقة أن المستويات المعيشية لجميع الصينيين قد تحسنت بشكل كبير بالمقارنة مع فترة ما قبل الإصلاح، فإن المعامل الجيني للصين قدّر بأعلى من 0.45، مقارنة مع بعض بلدان أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة.

يعزى تزايد الفروقات في الصين إلى اختفاء دولة الرفاهية، والاختلافات بين المقاطعات الساحلية والداخلية التي تثقل القطاع الحكومي بأعباء أكبر. اقترح بعض الباحثين الغربيين أن إحياء وإنعاش دولة الرفاهية وتأسيس نظام ضريبة الدخل لإعادة التوزيع أمر ضروري لتخفيف الفروقات بين الناس، بينما اقترح بعض خبراء الاقتصاد الصينيين أن خصخصة احتكارات الدولة وتوزيع العائدات على السكان من شأنه أن يخفف من هذه الفروقات أيضًا.[14]

مراجع

  1. Walder 2015، صفحات 322.
  2. Brandt 2008، صفحات 7–8.
  3. Walder 2015، صفحات 321.
  4. Brandt 2008، صفحة 3
  5. Huang 2008، صفحة 480
  6. Huang 2008، صفحة 483
  7. Perkins 2008، صفحة 862
  8. Rawski 2008، صفحة 588
  9. Haggard, Stevens et al (2008), 339
  10. Calhoun, Craig; Wasserstrom, Jeffrey N. (2003), "The Cultural Revolution and the Democracy Movement of 1989: Complexity in Historical Connections", in Law, Kam-yee (المحرر), The Chinese cultural revolution reconsidered: beyond purge and holocaust, Palgrave Macmillan, صفحة 247, ISBN 978-0-333-73835-1, اطلع عليه بتاريخ 20 أكتوبر 2011 الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); الوسيط |separator= تم تجاهله (مساعدة)CS1 maint: ref=harv (link)
  11. Kahn 1979، صفحات 455
  12. Sharma, Shalendra D. (Winter–Spring 2007). "China's Economic Transformation". Global Dialogue. 9 (1–2). مؤرشف من الأصل في 13 مايو 2013. اطلع عليه بتاريخ أغسطس 2020. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة); تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة)
  13. Remnick, David (January–February 1997). "Can Russia Change?". الشؤون الخارجية. 76 (1). مؤرشف من الأصل في 14 أبريل 2014. اطلع عليه بتاريخ 30 سبتمبر 2014. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  14. Weiyin, Zhang, "Completely bury Keynesianism" نسخة محفوظة 2011-05-11 على موقع واي باك مشين., (February 17, 2009)
    • بوابة اشتراكية
    • بوابة الاقتصاد
    • بوابة الصين
    • بوابة السياسة
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.