معايير تعريف القانون الدستوري

اختلف المفكرون وتباينت إتجاهاتهم تبعًا للمعيار الذي إستند عليه كل فريق وإتخذوها أساسًا لتعريف القانون الدستوري وتحديد مضمونه وهي أربع معايير.

المعيار اللغوي

يرى أنصار هذا الإتجاه بتعريف القانون الدستوري بالدستور نفسه، فكلمة دستور اختلف أصحاب القواميس حول معناها، ويقصد بها بالأساس أو القاعدة أو النظام، وهي تعني التأسيس أو التكوين أو التنظيم. وجاء في تعريفها: تطلق على الأصل والقانون، والوزير الكبير الذي يرجع في أحوال الناس إلى ما يرسمه.[1]، وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: «الدُّستور، بالضم: النسخة المعمولة للجماعات التي منها تحريرها، مُعَرَّبة، وجمعها دساتير»، وقال الزبيدي في تاج العروس: «المعمولة للجماعات، كالدفاتر التي منها تحريرها، "ويجمع فيها قوانين الملك وضوابطه"». ويستخلص من المعنى اللغوي أن لكل جماعة إنسانية منظمة دستورها الخاص، الذي يبين طريقة نشأتها والقواعد التي تحكم وتنظم شؤونها، فهنالك دستور للأسرة، دستور للنقابة، دستور للحزب، دستور للجمعية، وانتهاء بالدستور العام للدولة. [2]

وانطلاقًا من هذا المعيار، يعرف القانون الدستوري بأنه"مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم أسس تكوين الدولة ومقومات بنائها، والقواعد التي يقوم عليها نظامها"

يتمحور القانون الدستوري حول الموضوعات التي تتعلق بوجود الدولة وعناصر تكوينها وشكلها وعلاقة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فيما بينها واختصاصات كل منها، كما يشمل القانون الدستوري النظام الإداري والقضائي للدولة، وقوانين الجنسية فيها.

لما كان المعنى اللغوي للقانون الدستوري الذي يعطي مفهومًا واسعًا له يتعارض مع الوضع العملي فإن معظم الفقه لا يعتمد هذا المعيار اللغوي لأسباب عديدة أهمها:

  1. يجعل هذا المعيار من القانون الدستوري مادة واسعة المجال لا تقتصر على دراسة نظام الحكم في الدولة، بل تشمل أيضا دراسة نظامها الإداري والقضائي ونظامها الخاص بالجنسية، أي دراسة بقية الموارد والاختصاصات التي تعنى بها القوانين والعلوم الأخرى.
  2. لا يجوز تفسيرالمصطلحات القانونية تفسيرًا لغويًا بحتًا، فلكل علم لغته ومدلولاته الخاصة، ولمصطلح القانون الدستوري معنى خاص متعارف عليه في العلوم يختلف عن المعنى يتضمنه التفسير اللغوي.
  3. يربط المعيار اللغوي القانون الدستوري بالدستور، مع أنه يوجد بينهما اختلاف يوضحه المعيار الشكلي.[3]

المعيار الشكلي

يعود بروز المعيار الشكلي إلى انتشار حركة تدوين الدساتير في العالم وبدأت هذه الحركة بظهور دستور الولايات المتحدة في العام 1787، ثم بظهور الدستور الفرنسي بعد الثورة الفرنسية في العام 1791.

يذهب المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري إلى الشكل أو المظهر الخارجي الذي تتجسد فيه القاعدة القانونية وشكل الجهة التي أصدرتها، والإجراءات التي اتبعت في وضعها أو تعديلها، ويعرف الدستور استناداً إلى هذا المعيار بأنه " مجموعة القواعد الأساسية المنظمة للدولة، والصادرة في شكل وثيقة دستورية من قبل هيئة خاصة يختلف تكوينها بإختلاف الدساتير ويطلق عليها اسم السلطة التأسيسية، يتبع في وضع وتعديل القواعد الأساسية إجراءات خاصة تختلف عن إنشاء وتعديل القوانين العادية".

مزايا المعيار الشكلي

  1. الوضوح والبساطة والتحديد فالقواعد الدستورية تخضع في إنشائها وتعديلها لإجراءات تختلف عن المتبعة في القوانين العادية.
  2. ترتيب سمو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد التي يحتويها النظام القانوني في الدولة.
  3. يوفر هذا المعيار نوعًا من الجمود، حيث انه يتطلب في تعديله ضرورة إتباع إجراءات قانونية أكثر تعقيدًا.[4]

عيوب المعيار الشكلي

  1. العجز عن وضع تعريف موحد للقانون الدستوري، وذلك لأن الوثيقة الدستورية تختلف من دولة إلى أخرى من حيث الإجراءات والموضوع.
  2. يؤدي المعيار الشكلي للقانون الدستوري إلى إنكار وجود دستور في الدولة التي ليس لها دستور مكتوب بهذا المعنى، فقد يتكون الدستور في بعض الدول من قواعد قانونية مستمدة من العرف والتقاليد كما في بريطانيا.
  3. يحدد المعيار الشكلي معنى القانون الدستوري بحدود الوثيقة الدستورية وهو لا يعطي مفهوم دقيق لموضوعات القانون الدستوري.[5]

المعيار الموضوعي

يعتمد المعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري على مضمون أو جوهر القواعد القانونية، بصرف النظر عن الشكل أو الإجراءات المتبعة عند إصدارها، وبناء على ذلك يتضمن القانون الدستوري جميع القواعد القانونية ذات الطبيعة الدستورية أيًا كان مصدرها، سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية، أو نظمت بقوانين عادية، أو كان مصدرها العرف الدستوري.

ينحصر الخلاف بين مفكري القانون الدستوري حول المعيار الموضوعي في ثلاث مواضيع:

  • موضوع الدولة
  1. ذهب فريق إلى إدارج موضوع الدولة ضمن ما يعد دستوريًا بطبيعته، واستنادا في ذلك إلى حجة مفادها أن القانون الدستوري هو أحد فروع القانون العام الداخلي، ومن ثم تبرز فيه الدولة بوصفها صاحبة السلطات العامة.
  2. ذهب فريق آخر إلى القول بأن نظرية الدولة وأركان وجودها وأشكالها واختلاف نظمها السياسية، ليست من قبيل الموضوعات ذات الطبيعة الدستورية، وذلك لأن دراسة الدولة تهم القانون العام بكل فروعه وليست موضوعًا خاص بالقانون الدستوري.[6]
  • موضوع القواعد الدستورية المتعلقة بتحديد الإتجاهات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي يستند إليها نظام الحكم
  1. ذهب جانب من مفكري القانون الدستوري إلى القول بأن الأهداف والمبادئ والإتجاهات السياسية، والاقتصادية، الاجتماعية التي يوجهها المشرع الدستوري للسلطات العامة في الدولة كي تسير بناء عليها في رسم السياسة العامة للدولة في وقت معين لا تعتبر من قبيل الموضوعات الدستورية بطبيعتها، لأنها مجرد مبادئ لا تنتمي بذاتها إلى أحكام القانون الوضعي، ومن ثم تتجرد من صفة الإلزام الفوري ولا تعتبر بالتالي قواعد ملزمة، ويقتصر دورها على توضيح معالم المجتمع وتوجيه مناهج النظام فيه، كما انها بالإضافة إلى ذلك لا علاقة لها بنظام الحكم في الدولة، ولا تتصل بتنظيم السلطات العامة فيها، وعلى ذلك فإن مضمون القواعد الدستورية يجب أن ينحصر في نطاق السلطة العامة، من حيث تأسيسها وتنظيمها، وتحديد اختصاصاتها، وكيفية ممارستها لوظائفها.[7]
  2. ذهب فريق آخر إلى القول بأن النصوص التي تتضمنها الدساتير تجسد الإتجاهات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تسترشد بها السلطات العامة عند مباشرتها لوظائفها، وهي نصوص دستورية تندرج في إطار القانون الدستوري في معناه المادي والموضوعي.
  • موضوع قضية السلطة والحرية:
    • الإتجاه الأول:يرى أن القانون الدستوري هو وسيلة لتنظيم الحرية

إتجه الفكر الدستوري التقليدي إلى الربط بين القانون الدستوري والنظام الديمقراطي الحر، ولا يكفي للقول يوجود الدستور أن يتضمن القواعد المنظمة للسلطة السياسية في الدولة، وإنما يجب أن يتضمن فضلًا عن ذلك القواعد التي تكفل الحقوق والحريات العامة للأفراد والضمانات الأساسية لحمايتها.[7]

وإستندت هذه الفكرة إلى موجة الحركات الدستورية التي إنتشرت في بداية القرن الثامن عشر، كأثر للفلسفات السياسية التي إرتكزت على أفكار القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي وحقوق الإنسان.[8]

    • القانون الدستوري هو أداة لتنظيم السلطة

يرى هذا المذهب أن كل دولة ينطبق عليها شروط قيام الدولة لا بد وأن يكون لها حتما وبالضرورة دستور، أيًا كانت طبيعة نظام الحكم فيه، وكيفية تكوينها، واختصاصاتها، وعلاقة السلطات ببعضها وموقفها إزاء المواطنين، وقد تزعم هذا الإتجاه الفقيه الفرنسي مارسيل بريلو حيث عرف القانون الدستوري بأنه "فن أو تنظيم السلطة"[8]

    • القانون الدستوري يقوم على التوفيق بين السلطة والحرية

تزعم هذا الإتجاه الأستاذ أندريه هوريو ويرى أن القانون الدستوري هو فن التوفيق بين السلطة والحرية في الدولة.

ويرى أن المهمة الأساسية للقانون الدستوري تتحدد في إيجاد الحل التوفيقي بين ضرورة وجود السلطة، وضرورة ضمان الحريات الفردية، وذلك لأن ممارسة السلطة ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، كما أن الحرية ليست مطلقة بلا حدود، بل لا بد من حدود وضوابط معينة لممارستها بواسطة سلطة منظمة، وإلا إنقلبت بالضرورة إلى نوع من الفوضى.[8]

عيوب المعيار الموضوعي

  • طبيعة دستورية ضمن نطاق القانون الدستوري، وكذلك إغفال أو إخراج بعض الموضوعات التي تعد من طبيعة دستورية من نطاق هذا القانون، وذلك حسب الأهواء السياسية والإتجاهات الفكرية السائدة.
  • يترتب على التمييز بين ما هو دستوري وما هو غير دستوري، أن يحاط الأول بعناية خاصة من حيث الإصدار والتعديل والإلغاء، ومن ثم أن يسمو على غيره من النصوص القانونية، والأخذ بالمعيار الموضوعي على إطلاقة دون الالتفاء إلى مكان ورود هذا النصوص، سيكون له نتائج عملية شديدة الخطورة.[9]

المعيار الأكاديمي

للاعتبارت والتقاليد الجامعية أثر في تحديد المواضيع التي تدخل ضمن المقرر الدراسي للقانون الدستوري في مختلف كليات الحقوق والعلوم والسياسية في العالم فهناك اختلافات في مختلف جامعات الدول حول المواضيع التي يجب أن يقدمها مقرر القانون الدستوري.

يقوم هذا المعيار على أساس تحديد مركز القانون الدستوري باعتباره فرعًا من فروع القانون العام الداخلي والذي يبين العلاقة بين الدولة باعتبارها صاحبة السيادة من جهة والأفراد من جهة أخرى.[10]

المعيار المستخدم في تعريف القانون الدستوري

يستبعد المعيار اللغوي كأساس سليم يعتمد عليه في تعريف القانون الدستوري.

يأخذ معظم المختصين في فرنسا ومصر بالمعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري ويرجحونه على المعيار الشكلي، ويذهب فريق آخر أن المعيار الموضوعي غير منضبط، ويقوم على أساس مرن فضفاض، وبالتالي لا يمكنه أن يعرف القانون الدستوري تعريفًا صحيحًا، وليس أدل على ذلك من اختلاف أنصاره حول الموضوعات التي تعتبر دستورية بطبيعتها، والتي تمثل موضوع القانون الدستوري.

مراجع

  1. المحبي، قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل
  2. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص170
  3. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص171
  4. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص172
  5. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص173
  6. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص174
  7. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص175
  8. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص176
  9. د.حسن مصطفى البحري،القانون الدستوري ،الطبعة الأولى،2009، ص58
  10. عبد الملك الريماوي، النظم السياسية والقانون الدستوري،القدس،2013، ص177
    • بوابة القانون
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.