عبد الرحمن بن مهدي

عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري -وقيل: الأزدي مولاهم- البصري اللؤلؤي، ويُكَنَّى بـأبي سعيد. ولد سنة: 135هـ كما قال الإمام أحمد. ونشأ في بيت متواضع، فلم يكن أبوه مهدي من العلماء إطلاقاً، بل ربما لم يكن شخصاً صاحب عقل، وسنأتي على قصةٍ له تبين ذلك، بل كان رجلاً عامياً بمعنى الكلمة، ولكنه خرج -والله يصطفي من خلقه من يشاء، ويخرج من يشاء ممن يشاء- من صلب هذا الرجل العامي إمامٌ من أئمة المسلمين، وهو عبد الرحمن بن مهدي. وكَوْن بيت هذا الرجل ليس ببيت علم، ثم يخرج منه هذا العالم؛ فإنه يدل على نبوغه وعصاميته في طلب العلم.

في هذه المقالة ألفاظ تعظيم تمدح موضوع المقالة، وهذا مخالف لأسلوب الكتابة الموسوعية. فضلاً، أَزِل ألفاظ التفخيم واكتفِ بعرض الحقائق بصورة موضوعية ومجردة ودون انحياز. (نقاش) (أكتوبر 2010)
عبد الرحمن بن مهدي
معلومات شخصية
تاريخ الميلاد سنة 752  
الوفاة سنة 814 (6162 سنة) 
البصرة  
مواطنة الدولة العباسية  
المذهب الفقهي المذهب المالكي[1]
الحياة العملية
تعلم لدى سفيان الثوري ،  ومالك بن أنس ،  وعبد الله بن المبارك ،  وحماد بن زيد ،  وحماد بن سلمة ،  وسفيان بن عيينة ،  وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون  
التلامذة المشهورون أحمد بن إبراهيم الدورقي ،  ويعقوب الدورقي ،  وأحمد بن حنبل ،  وإسحاق بن راهويه ،  وأبو بكر بن أبي شيبة  ،  وعثمان بن أبي شيبة ،  وعبد الرحمن بن عمر بن رستة  ،  وأبو عبيد القاسم بن سلام ،  ويحيى بن معين ،  وعلي بن المديني ،  ومحمد بن يحيى الذهلي  

ابن مهدي وطلبه للعلم

توجه عبد الرحمن بن مهدي إلى طلب علم الحديث وهو ابن بضع عشرة سنة، وكان مبرزاً فيه منذ صغره، وكان أول طلبه سنة: نيِّفٍ وخمسين ومائة. قال أبو عامر العقدي: "كنت سبباً في طلب عبد الرحمن بن مهدي للحديث، فقد كان يتبع القُصَّاص، فقلت له: لا يحصل في يدك من هؤلاء شيء". أي: لن يفيدك القُصَّاص؛ لأنه لا هم لهم إلا تحديث الناس بما هب ودب من غير تأكد ولا تثبت، والمهم عندهم أن يُغْرِبوا على العامة، ويأتون لهم بالطرف، وأن تشدَّ إليهم الأبصار، وتُفتح لهم الأسماع ولو أتوا بالأعاجيب، فكان يعجبه شأنهم منذ الصغر، ولكن لما نصحه أبو عامر، وقال له: لا يحصل في يدك من هؤلاء شيء، التفت إلى الحديث، وتمييز صحيحه من سقيمه، وطلبه على أصوله، فصار علماً. وسمع عبد الرحمن بن مهدي من سفيان الثوري، وهو من أجِلَّة شيوخه، سمع منه سنة: (152هـ)، و(153هـ)، و(154هـ)، و(155هـ)، و[[(156هـ)|156هـ]].

قصة تدل على نبوغه في العلم

ومن القصص التي تدل على نبوغه في العلم منذ صغره، أنه أخبر عن نفسه، قال: كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن العنبري وهو يومئذٍ قاضي البصرة، وله موضعه في قومه وقدره عند الناس، فتكلم في شيء، فأخطأ، فقلت وأنا يومئذٍ حدث: ليس هكذا، عليك بالأثر، فتزايد عليَّ الناس، لأنه وهو حدث (صغير) ينتقد العنبري قاضي البصرةوهو رجل معظم عندهم، وقدره كبير، فالناس وقعوا في ابن مهدي، هذا الحدث الصغير كيف يخطئ أو ينتقد هذا الشيخ الكبير. فقال عبيد الله العنبري : دعوه، وكيف هو؟ يستفهم من هذا الحدث -الغلام- يقول: ما هو الصحيح؟ فأخبرته. فقال: صدقت يا غلام، إذاً أرجع إلى قولك وأنا صاغر. وهذا الرجوع إلى الحق من تواضع العلماء رحمهم الله، ولو جاء من غلام صغير، ولو كان أمام الناس، وهذه وإن كان ظاهرها الحط من شأن هذا الكبير، لكنها في الحقيقة ذِكْرٌ وشَرَفٌ، فإن الإنسان يعظم في نفوس الناس؛ إذا رجع إلى الحق، وإن كانت المسألة في ظاهرها جهلٌ منه في هذه المسألة، أو نقص، لكن يطغى على هذا النقص رجوعه إلى الحق. وصحب عبد الرحمن بن مهدي شيخه سفيان وحج معه سنة: (159هـ) ثم رجع إلى البصرة (160هـ)، فمات سفيان الثوري في دار عبد الرحمن بن مهدي، أي: مات الشيخ في دار التلميذ.

اعتنائه بمعاني الحديث

ومن اعتنائه بمعرفة معاني الأحاديث، وضبطه لما تعلمه، يقول بندار محمد بن بشار: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لكتبت تفسير كل حديث إلى جنبه، ولأتيت المدينة حتى أنظر في كتب قومٍ قد سمعت منهم". لعله ليقيِّد تفسير كل حديث إلى جنبه، أو أنه ينظر هل ضَبَطَ فهمه وكتابته، وهل كذلك شيوخه الذين كتب عنهم ضبطوا الحديث، أو تغير عندهم شيء، فكان فهم الحديث عنده أمرٌ مهم، وليس فقط جمع الحديث. قال علي بن المديني : ستةٌ كادت تذهب عقولهم عند المذاكرة - أي: من شدة شهوتهم للحديث- وهم: 1- يحيى. 2- وعبد الرحمن بن مهدي. 3- ووكيع بن الجراح. 4- وابن عيينة -أي: سفيان -. 5- وأبو داود. 6- وعبد الرزاق.

قوة ضبطه للحديث

من القصص التي ذُكِرَت ما ذكره الإمام العلم أبو محمد عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل حيث جعل الجزء الأول من كتابه المقدمة ترجمةً لعدد من أشهر مشاهير المحدثين، مثل: شعبة، وسفيان، وابن المبارك، ومنهم بلا شك: عبد الرحمن بن مهدي. فقال في قصة في ضبطه: حدثنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو زرعة، قال: سمعت نوح بن حبيب يقول: حضرنا عبد الرحمن بن مهدي، فحدَّثَنا عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى في قوله عز وجل: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7] حديث في هذه الآية. إذاً عبد الرحمن بن مهدي يقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، وساق الحديث، مَن شيخ عبد الرحمن بن مهدي؟ سفيان، ومن شيخ سفيان؟ منصور، ومن هو شيخ منصور ؟ أبو الضحى. فقال رجلٌ حضر معنا: يا أبا سعيد -أي: عبد الرحمن بن مهدي- حدثنا يحيى بن سعيد -أي: القطان- عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى. يعني: يحيى بن سعيد القطان روى لنا الحديث وخالفك، أنت تقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، ويحيى بن سعيد القطان يقول: عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، فجعل بدلاً مِن منصور أبا سفيان في السند. فسكت عبد الرحمن بن مهدي إجلالاً وتواضعاً، فهو لا يريد أن يخطئ يحيى بن سعيد القطان. وقال له آخر في المجلس نفسه: يا أبا سعيد! حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، فـوكيع أيضاً خالفك، وروى السند مثلما رواه يحيى بن سعيد. قال: فسكت، وقال: حافظان. أي: يحيى بن سعيد القطان، ووكيع، ثم قال: دعوه، يعني: دعوا هذا الأثر، دعوا هذا الحديث. قال الراوي: ثم أتوا يحيى بن سعيد هؤلاء الطلبة خرجوا من مجلس عبد الرحمن بن مهدي وذهبوا إلى يحيى بن سعيد، فأخبروه أن عبد الرحمن بن مهدي حدَّث بهذا الحديث، عن الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى، فأُخْبِر أنك تخالفه، ويخالفه وكيع. فأمسك عنه، وقال: حافظان. قال: فدخل يحيى بن سعيد، ففتش كتبه وخرج، وقال: هو كما قال عبد الرحمن عن سفيان، عن منصور، فالذي ضبط هو ابن مهدي. قال الراوي: فأُخْبِر وكيع بقصة عبد الرحمن، والحديث، وقوله: حافظان. فقال وكيع : عافى الله أبا سعيد، لا ينبغي أن يُقْبَلَ الكذب علينا، ثم نظر وكيع وراجع كتبه، فقال: هو كما قال عبد الرحمن، اجعلوه عن منصور، وعدِّلوه.[1]

زهد عبد الرحمن بن مهدي وعبادته

كان عبد الرحمن بن مهدي رأساً في العبادة، وكان له عادة في قيام الليل، وحدث مرةً أنه فاتته صلاة الفجر بسببٍ من هذا، فعاقب نفسه كما في القصة التالية: قال يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي: إن أباه قام ليلةً، وكان يحيي أكثر الليل، فلما طلع الفجر، رمى بنفسه على الفراش فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقال عندما استيقظ مؤنباً نفسه: هذا مما جنى عليَّ الفراش، فجعل على نفسه ألا يجعل بينه وبين الأرض فراشاً شهرين فتقرحت فخذاه. وهذه القصة حصلت مرة وبدون قصدٍ منه، ومع ذلك فإنه قد امتنع عن أن يرقد على فراش؛ لأن الفراش كان سبباً في استغراقه في النوم، وبطبيعة الحال فإن الإنسان لا يجوز له أن يتعمد فعل نافلة تؤدي إلى تفويت فريضة، لكن الذي يحدث بغير قصد لا يأثم به الإنسان ولا يؤاخذ. وقال عبد الرحمن بن عمر عن يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي : ودخلت يوماً دار عبد الرحمن، فإذا هو قد خرج عليَّ وقد اغتسل وهو يبكي، فقلت: ما لك يا أبا سعيد ؟ قال: كنت من أشد الناس في النفور من القراءة، ومن مثل هذه الأشياء، أي: أكره أن أفعل الرُّقْيَة، فاضطرني البلاء حتى قرأتُ على ماء شيئاً، فاغتسلتُ به. وكان ورد عبد الرحمن بن مهدي في كل ليلة نصف القرآن، كما قال علي بن المديني، فإنه كان يحب أن يختم القرآن في كل ليلتين، وهذا يدل على أن الرجل لم يكن صاحب حديث فقط، وإنما صاحب عبادة، وصاحب قرآن، وبعض الناس إذا اشتغلوا بطلب العلم؛ أهملوا جانب العبادة، فصار عندهم شيء من القسوة في القلب، وكذلك بعض الذين يشتغلون بالحديث بالأسانيد والرجال والطرق والتصحيح والتضعيف، ولا يكون عندهم اهتمام بالعبادة، كقراءة القرآن، وقيام الليل، لا شك أن ذلك يُحدث عندهم نوعاً من القسوة، ولم يكن عبد الرحمن بن مهدي من هؤلاء مطلقاً، مع أنه كان من أئمة الجرح والتعديل وعلم الرجال والأسانيد، ولكن مع ذلك ها هو يقوم أكثر الليل، ويختم القرآن في كل ليلتَين مرة. وقال أيوب المتوكل : كنا إذا أردنا أن ننظر إلى الدين والدنيا، ذهبنا إلى دار عبد الرحمن بن مهدي. أما بالنسبة للدين: فواضح ماذا يعني الذهاب لـعبد الرحمن بن مهدي ؟ وأما بالنسبة للدنيا: فلعل الراوي - أيوب المتوكل - يقصد أنهم إذا أرادوا الإكرام بالطعام والتوسيع عليهم، يذهبون إلى دار عبد الرحمن بن مهدي، فإنه كان يكرم طلابه ويكرم ضيوفه، ويعطيهم ويوسِّع عليهم، فيقولون: إذا أردنا الدين الأسانيد، وأردنا الأحاديث وأردنا العلم، جئنا عبد الرحمن بن مهدي، وإذا أردنا الدنيا من الإطعام والإكرام والتوسعة؛ جئنا دار عبد الرحمن بن مهدي. وهكذا ينبغي أن يكون أهل العلم، عندهم خلقٌ حسنٌ، وتعاملٌ جيدٌ مع الناس، ومن ذلك: الإكرام فإنه -لا شك- يأخذ بمجامع القلوب. وأما بالنسبة لحجه؛ فقد قال رسته، وهذا لقب لـعبد الرحمن بن عمر، وهو أحد المحدثين: كان عبد الرحمن يحج كل عام، فهو صاحب عبادة في الحج أيضاً.

فقه الإمام عبد الرحمن بن مهدي

وأما بالنسبة لفقهه، فإنه مالكي المذهب نشره في العراق فهو تلميذ مالك وراوي موطئه و فقه و مؤسس المدرسة المالكية العراقية، ولكنه كان يذهب مذهب تابعي أهل المدينة، ويقتدي بطريقتهم. يقول الإمام أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن مهدي: كان يتوسع في الفقه، كان أوسع فيه من يحيى -أي: يحيى بن سعيد القطان- وكان يحيى يميل إلى قول الكوفيين، وكان عبد الرحمن يذهب إلى بعض مذاهب الحديث، وإلى رأي المدنيين. وطريقتهم في ذلك الوقت هي الأخذ بآثار القرآن والسنة، فهم أناس عندهم فهم وعلم باللغة، يأخذون بالقرآن والسنة، ويجمعون الأحاديث، وآثار الصحابة، يفتون بها ويتبعونها، هذا هو المذهب.

وفاته

توفي عبد الرحمن بن مهدي بعد حياة حافلة بالعلم والعبادة في جمادى الآخرة، سنة (198هـ)، وكان له من العمر (63) سنة.، وأثابه خيراً جزيلاً وأجراً عظيماً على ما نافح عن دينه، وأبان من الحق، ونقل من السنة.

المراجع

  1. "الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب" لابن فرحون (ص 238)؛ تحقيق: مأمون الجنان، دار الكتب العلمية.

    [1] ينظر:كتاب الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن ابي حاتم الرازي (المتوفى:327ه)

    • بوابة الدولة العباسية
    • بوابة الحديث النبوي
    • بوابة أعلام
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.