شفيقة ومتولي
هي أغنية شعبية مصرية يعرفها معظم سكان مصر، ويحفظها عن ظهر قلب جميع سكان الوجه القبلى، التي كتبها شاعر مجهول، وغناها حفني أحمد حسن.
مدينة الملحمة
لم تكن «جرجا» مدينة ذات أهمية تذكر، مثلها مثل الكثير من محافظات الصعيد التي لا تلقى عناية أو شهرة إلا عند القرى المجاورة لها، ولم يكن بها شئ ليعرف بها سكانها سوى لهجتهم المميزة التي تنطق حرف «الجيم» «دالا» لكن حينما وقعت حادثة قتل «شفيقة» على يد أخيها «متولى» أصبحت شهرة «جرجا» تعم آفاق القطر المصرى كله وقد تتجاوزه إلى الأقطار المجاورة، سقطت القتيلة مضرجة في دمائها، فأنشدت المواويل، وانتشرت الحكاية.
قصة الأغنية
القصة الحقيقة «التي تتغنى بها الملحمة» فيذهب متولى إلى الجندية(الجيش)، وينال استحسان قادته، ويعيش في الحياة العسكرية الجديدة متأقلما معها إلى أن يأتى إلى المعسكر أحد أولاد الأعيان الذي يتشاجر مع متولى فيضربه، وهنا يقول الراوى: «قالوا إزاى تضربنى يا جبان/ روح أدفن نفسك جوه جبانة/ دى صورة أختك جوه جيبى أنا« ويصف المغنى هول الموقف على متولى قائلا: »متولى لما شاف الصورة/ بقى ذليل ونفسه مكسورة/ وقام سريع راح أرى« ومن قمندان المعسكر طلب إجازة متحججا بمرض والده، الذي يحاول أن يخفى على »متولى« أمر أخته إلا أنه يحاصره بكلامه فيعترف له »قالوا يا بنى من يومك ماشت« أى من اليوم الذي ذهبت فيه إلى الجندية »وتركيتى ولا اختشت/ وأبوك عجز وعجلعه شت« وبعد أن ييأس متولى من العثور على أخته شفيقة يدله أحد أصدقائه على مكانها ويذهب إليها ليتأكد من مناسبة المكان لدخول »متولى« للانتقام منها ويعود إليهم قائلا »الحظ أتعدل قدمك/ والسكة فضيت قدامك« وحينما يدخل متولى على أخته تفاجأ به وتتأكد من مصيرها المحتوم، فتتوسل إليه أن يعتقها بعد أن »قالتله خدنى وأتوب على إيدك« فرد عليها »قالها يا شفيقة بعد إيه تتوبى/ وتتمحكى وتقولى مكتوبى/ دى رقعة ما تتطلعش من توبى/ الساعة دى بنتظرها/ بالسكين ضيع منظرها/ وعزل الجتة من زورها/ وطلع البلكونة بسكينته/ وقال جرحى في قلبى سكنته/ يا ناس وسعولى سكة أنتو/ وجت الحكومة.. قالوا له انزل يا متولى/ نزل يضحك ولا على باله/ وم السجاير طلع عباله/ وبوليس وأهالى في استقباله.. يا متولى يا متولى يا جرجاوى». فرح لا يعادله فرح، هذا ما شعر به متولى حينما أسال دم أخته ومزق أعضاءها، وحينما جاءت له الشرطة أصر على ألا ينزل إلا إذا أتوا له بالطبل والمزمار ليزفوه إلى السجن، وأمام القاضى كانت المرافعة المجازية التي اعترف فيها بجريمته بلا تصريح مباشر، معتمدا على التشبيه الذي لا يؤاخذ به أحد، فعندما سأله القاضى: «بتموت شفيقة ليه يا متولى» أجابه: «حدانا سجرة«شجرة» وفيها فرع مال/ مفيش غيري..لاعم ولا خال لى/ أشرب المرار ده والخل ليه/ أجطعه يا بيه ولا أخليه» وبهذا ورط القاضى معه في المشكلة والأزمة وهذا ما استجاب له، ويعلق الراوى شارحا ما يمثله هذا القاضى من قيم وما يدافع عنه من فضائل قائلا:« كان القاضى اسمه حسن/ راجل عنده فضل وإحسان« ولهذا جاء رده » قاله صراحه جتعه «قطعه» «أحسن» وخاطب القاضى متولى قائلا: «أصل أنت شريف وعملك شى (شئ) يعليك/ أبدا مفيش أى شى عليك/ غير ست أشهر أشا (فقط) عليك» ولأنه كان مجنداً في الجيش قضى هذه المدة في معسكره وكأنه لم يفعل شيئا، بالإضافة إلى اكتسابه احترام الجميع سواء كانوا زملاءه في الجيش أو قادته في المعسكر، ويصف الراوى هذا الاحترام والتقدير الذي ناله متولى في المعسكر قائلا: «بعد ما كان دمعه يبل إيده/ قالوا ده اللى شاغل البال أدوه/ صراحة شرف بلده»، ما يدل على أن أفراد المجتمع كلهم بداية من أهل القرية وأصدقائه، وحتى القاضى، وقادة المعسكر، يكنون كل التقدير لمتولى الذي أخذ بثأره من التي «مرمغت» عرضه أضاعت شرفه، ويختم الراوى ملحمته بعد أن يقول حكمة القصة ونتيجتها فيقول: «أرى النساء سبب البلاوى/ في مرضهم إحنا بنداوى» ثم يعرض حال متولى بعد هذه «الواقعة» قائلا: «متولى شريف من دى الساعة/ وخلص م العار بشجاعة»
أسطورة متولي
منذ هذه الحادثة أصبح متولي أسطورة في بلده، ورمزاً لمعنى «الرجولة» الصعيدية، فإذا أردت أن تشرح قلب أى «جرجاوي» ناديه باسم «متولي» تجده باسماً منشرحاً. وتعلق الكثير من أفراد الشعب المصري وجماعاته بشخصية متولي، لا يدل على شئ أكثر من الاستعداد الدائم لإدانة «النساء» بسبب أو بدون، ويمثل متولي المنفذ الأمثل لإخراج ما بالمجتمع من همجية ووحشية، وليس أدل على هذا من المشهد الوارد في الملحمة الذي يصور تقطيع جثة «شفيقة» وإلقاءها في الشارع، والأغرب والأخطر هو أن هذا النموذج الوحشي تسرب بالفعل إلى وعي المجتمع، وأصبحت كل النساء "شفيقة" حتى إن لم يخطئن، وبالتالي لا يطمع الرجال إلا في أن يكونوا متولي الجرجاوي.
- بوابة مصر
- بوابة أدب عربي