الزواج الأحادي في الحيوانات

يشير الزواج الأحادي أو الاقتران الأحادي في الحيوانات إلى التاريخ الطبيعي لنظم التزاوج التي يرتبط فيها الزوج بنسل. يرتبط هذا مع الزواج الأحادي بشكل ضمني.

الزاوج الأحادي

يُعرّف الزواج الأحادي على أنه رابطة زوجية بين حيوانين بالغين من نفس النوع –وعادة من الجنس الآخر. قد يتعايش هذا الزوج في منطقة أو بيئة ما لبعض الوقت، وفي بعض الحالات قد يتزاوجان ويتكاثران مع بعضها البعض فقط. وقد يكون الزواج الأحادي إما قصير الأمد، أي يدوم من عام إلى عدة مواسم. أو طويل الأمد ويستمر لعدة مواسم، وفي الحالات القصوى مدى الحياة.

يقسّم الزواج الأحادي إلى فئتين، الزواج الأحادي الاجتماعي والزواج الأحادي الجيني. وربما يحدثان معاً في مزيج معين أو بشكل مستقل تماماً عن الآخر.[1] فعلى سبيل المثال، في أسماك الفصيلة البلطية وتحديداً Variabilichromis moorii، يعتني الزوج بالبيوض والصغار معاً، ولكن قد لا يخصّب الذكر جميع البيوض.[2] أما الزواج الأحادي في الثدييات فهو نادر الحدوث، ويحدث فقط لدى 3-9% من هذه الأنواع.[3][4][5] ويحدث الزواج الأحادي لدى نسبة أكبر من فصائل الطيور (نحو 90% منها).[6] ولكن تجدر بنا الإشارة إلى ممارسة معظم أنواع الطيور للزواج الأحادي الاجتماعي وليس الزواج الأحادي الجيني على عكس ما افترضه الباحثون سابقاً.[7] يعتبر الزواج الأحادي نادراً جداً في الأسماك والبرمائيات ولكنه غير معروف، ويظهر في أنواع مختارة قليلة.[8][9][10]

الزواج الأحادي الاجتماعي

يشير الزواج الأحادي الاجتماعي إلى تعايش ذكر واحد مع أنثى واحدة. قد يتعاون الكائنان في البحث عن موارد مثل الغذاء والمأوى و/أو رعاية الصغار.[1][11] وعادةً ما تظهر الرعاية الأبوية في الأنواع أحادية الزواج من خلال حمل النسل والتغذية والدفاع عن الصغار والاختلاط بهم.[3][12] ومن غير المتوقع وجود إخلاص جنسي بين الذكور والإناث في الزواج الأحادي الاجتماعي في أغلب الأحيان.[1][13] ويتمثل الزواج الأحادي الاجتماعي المحض بذكر متعدد الزوجات (ذكر واحد وعدة إناث) أو أنثى متعددة الأزواج (أنثى واحدة وعدة ذكور).[14]

وقد ثبت أن الزواج الأحادي الاجتماعي يزيد من اللياقة في فئران الحقل، حيث تعيش إناث هذه الفئران مدة أطول عندما تقترن بالذكور في علاقة زواج أحادي من النوع الاجتماعي. وسبب ذلك هو الإنفاق المشترك للطاقة بين الذكور والإناث مما يخفض مساهمة كل فرد.[1] أما عند القاروس ذو الفك الكبير، قد تُظهر بعض الإناث سلوكاً ديوثاً عن طريق وضع بعض بيوضها في عش أنثى أخرى، وبالتالي “سرقة” الإخصاب من إناث أخرى.[15] تتضمن النزاعات الجنسية الناشئة عن الزواج الأحادي الاجتماعي أموراً كالخيانة الزوجية والاستغلال الأبوي. وهذا النزاع مبني على فرضية التخصيص التمايزي المتمحورة حول الصراع، والتي تنص على وجود مبادلة بين الاستغلال والجاذبية.[13]

الزواج الأحادي الوراثي

يشير الزواج الأحادي الوراثي إلى نظام تزاوج يظهر فيه الإخلاص بين الزوجين.[1] ربما تتكاثر أزواج الحيوانات عن طريق الزواج الأحادي الوراثي، لكننا لم نتعرّف على نوع واحد يمارس الزواج الأحادي الوراثي بالكامل.

يُطبَق الزواج الأحادي الوراثي في بعض الأنواع عنوة.[16] فلم تظهر إناث فئران الحقل على سبيل المثال أي فرق في الخصوبة عند قيامها بالزواج الأحادي الوراثي، لكن بعض الذكور قد يفرضون هذا النوع من الزواج في بعض الحالات. فحراسة الشريك هي إحدى التكتيكات المتبعة في الأنواع أحادية الزواج [13][15][17]، وتوجد هذه الظاهرة في العديد من الأنواع الحيوانية، ويمكن للذكور في بعض الأحيان التعبير عنها بدلاً من اهتمامهم برعاية الصغار. إن الأسباب وراء هذه الظاهرة عديدة، وتأمين الأبوة واحدٌ منها.[16][17]

تطور الزواج الأحادي لدى الحيوانات

لا نستطيع التأكد من تطور الزواج الأحادي لدى الحيوانات على نطاق واسع، لكن هناك العديد من النظريات حول كيفية تطور الزواج الأحادي:

التكاثر متباين الأمشاج

هو شكل من أشكال التكاثر الجنسي يتضمن اندماج اثنين من الأمشاج غير المتماثلة في الحجم. هناك جنسان لدى معظم الحيوانات، وهما الذكر الذي يحوي مشيجاً صغيراً ومتحركاً ووفيراً وأقل تكلفة حيوية. وهناك الإناث الحاوية على مشيجٍ أكبر وأكثر تكلفة حيوية وغير متحرك نوعاً ما. يعتقد أن التكاثر متباين الأمشاج قد تطور من التكاثر متماثل الأمشاج، وهو اندماج أمشاجٍ متشابهة عدة مرات يحدث لدى العديد من الأنواع المختلفة.[18]

تسبب هذا التباين في امتلاك الذكور والإناث استراتيجيات مختلفة للتزاوج الأمثل.[19] حيث تزداد لياقة الذكور البدنية عند التزاوج مع عدة إناث، بينما تحد خصوبة الإناث من القيام بالمثل. لذا عادة ما تكون الإناث أكثر انتقائية في اختيار شركائها.[15]

ويحد الزواج الأحادي امن اختلافات اللياقة لدى الجنسين، حيث يتكاثر الذكور والإناث في أزواج.[3] قد يبدو هذا غير مفيد للذكور، ولكن الأمر ليس ذاته في جميع الحالات. حيث أدت عدة سلوكيات واهتمامات بيئية إلى تطور الزواج الأحادي كاستراتيجية تزاوج مناسبة. ربما تكون أسبابٌ كتوفر الشريك والموارد والإلزام ومساعدة الشريك والدفاع عن الإقليم من أكثر العوامل المؤثرة على سلوك الحيوان شيوعاً.

الزواج الأحادي الاختياري

قدم (كليمان) هذا المصطلح لأول مرة.[16][17] ويحدث الزواج الأحادي الاختياري عندما تكون الإناث منتشرة على نطاق واسع. والسبب في ذلك إما ميل الإناث في الأنواع للعيش بشكل انفرادي، أو لأن توزيع الموارد المتاحة يؤدي إلى ازدهار الإناث عند فصلها في مناطق متميزة. تنخفض في هذه الحالات فرصة الذكر في العثور على العديد من الإناث ليتزاوج معها. ويصبح من الأفضل للذكر أن يبقى مع أنثى واحدة بدلاً من البحث عن أنثى أخرى والمخاطرة بعدم العثور عليها، أو عدم قدرته على محاربة ذكر آخر من التدخل في ذريته عن طريق التزاوج مع الأنثى أو من خلال قتل الأطفال.

تنخفض المنافسة بين الذكور في هذه الحالة ويصبح خيار الأنثى محدوداً. والنتيجة النهائية هي اختيار شريك بطريقة أكثر عشوائية مقارنة بعملية الاختيار التي تجري في مجتمعات أكثر كثافة. حيث تؤدي الطريقة الأخيرة إلى عدد من النتائج كالحد من ازدواجية الشكل والاصطفاء الجنسي.

مع أخذ توفر الموارد بعين الاعتبار، يكون التزاوج المحدود مع شركاء متعددين أكثر صعوبة بسبب انخفاض كثافة الأفراد. فلا يمكن للموئل تحمل شركاء متعديين، لذلك قد يكون الزواج الأحادي أكثر انتشاراً في تلك البيئات، فالعثور على موارد للزوجين أسهل من العثور عليها لفردٍ واحد.

تبرز حجة توفر الموارد في العديد من الأنواع، لكنها ليست شرطاً أساسياً لحدوث الزواج الأحادي. حيث يبقى الزواج الأحادي سائداً لدى العديد من الأنواع بالرغم من زيادة الموارد المتاحة.[14][16][17]

يعوّض الذكور القيود المفروضة على لياقتهم البدنية عند ازدياد وفرة الموارد من خلال عدة وسائل. في حالات الزواج الأحادي الاجتماعي مثلاً، قد يعوّض الذكور عن لياقتهم المنخفضة من خلال تزاوج إضافي. ويشير هذا التزاوج الإضافي إلى تزاوج الذكر والإناث مع العديد من الشركاء، لكن تربية الذرية تظل مع شريك واحد. وقد لا يرتبط الذكر بكامل نسل شريكته الرئيسية، لكن بعض الصغار يترعرعون عند ذكورٍ وإناث آخرين، مما يتيح تعويض القيود الناشئة عن الزواج الأحادي.[14] الذكور هم الديوثون هنا، وعليهم إظهار سلوكيات الرعاية الأبوية كي يصبحوا شركاء مقبولين بنظر الإناث. لن يتم قبول أي ذكر كشريك جنسي للإناث إن لم يبد رعاية أبوية، وهو نوعٌ من الإلزام في الزواج الأحادي الاجتماعي.[14]

الزواج الأحادي الإلزامي

قدم (كليمان) نظرية ثانية. فالقوة الدافعة وراء الزواج الأحادي الإلزامي هي تعاظم حاجة الاستغلال الأبوي. تفترض هذه النظرية أن غياب رعاية أبوية ثنائية سيؤدي لانخفاض مستوى اللياقة البدنية لدى الذرية بدرجة كبيرة. وليس بالضرورة أن تكون رعاية الأب مساوية لرعاية الأم.

وفيما يتعلق بالرعاية الأبوية، اعتبر بعض الباحثين أن قتل الأطفال هو السبب الحقيقي وراء الزواج الأحادي.[20][21] لم تحصل هذه النظرية على الكثير من الدعم، ولكنها انتقدت من قبل العديد من المؤلفين بما في ذلك لوكاس وكلاتون–بروك وديكسون.[22]

المراجع

  1. Ophir, Alexander G., Phelps, Steven M., Sorin, Anna Bess & O. Wolff, J. (2008). Social but not genetic monogamy is associated with greater breeding success in prairie voles [وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 11 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  2. Sefc, Kristina M.; Mattersdorfer, Karin; Sturmbauer, Christian; Koblmüller, Stephan (2008). "High Frequency of Multiple Paternity in Broods of a Socially Monogamous Cichlid Fish with Biparental Nest Defence". Molecular Ecology. 17 (10): 2531–2543. doi:10.1111/j.1365-294x.2008.03763.x. PMID 18430146. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  3. Kleiman, D (1977). "Monogamy in Mammals" (PDF). Quarterly Review of Biology. 52: 39–69. doi:10.1086/409721. مؤرشف من الأصل (PDF) في 02 يناير 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  4. Lukas, D; Clutton-Brock, T.H. (2013). "The evolution of social monogamy in mammals" (PDF). Science. 341 (6145): 526–530. doi:10.1126/science.1238677. PMID 23896459. مؤرشف من الأصل (PDF) في 22 سبتمبر 2017. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  5. "Expert: Monogamy among animals is quite rare". Science in Poland (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 22 مارس 2019. اطلع عليه بتاريخ 29 سبتمبر 2018. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  6. Lack, D (1968). "Ecological adaptations for breeding in birds". Science. 163: 1185–1187. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  7. Black, Jeffrey (1996). Partnerships in Birds : The Study of Monogamy. Oxford: Oxford University Press. صفحات 323. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  8. Barlow, GW (1984). "Patterns of monogamy among teleost fishes". Archiv für Fischereiwissenschaf. 35: 75–123. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  9. Whitman, E; Côte, I (2004). "Monogamy in marine fishes". Biology Review. 79 (2): 351–375. doi:10.1017/S1464793103006304. مؤرشف من الأصل في 22 مارس 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  10. Brown, J; Morales, V; Summers, K (2010). "A key ecological trait drove the evolution of biparental care and monogamy in an amphibian" (PDF). American Naturalist. 175 (4): 436–446. doi:10.1086/650727. PMID 20180700. مؤرشف من الأصل (PDF) في 28 مارس 2016. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  11. Winslow, J.T.; Hastings, N; Carter, C.S.; Harbaugh, C.R.; Insel, T.R. (1993). "A role for central vasopressin in pair bonding in monogamous prairie voles". Nature. 365 (6446): 545–548. doi:10.1038/365545a0. PMID 8413608. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  12. Syruckova, A (2015). "Genetic relationships within colonies suggest genetic monogamy in the Eurasian beaver (Castor fiber)". Mammal Research. 60: 137–147. CiteSeerX = 10.1.1.720.8645 10.1.1.720.8645. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  13. Mainwaring, M. C.; Griffith, S. C. (2013). "Looking after your partner: sentinel behavior in a socially monogamous bird". PeerJ. 1: e83. doi:10.7717/peerj.83. PMC 3678116. PMID 23761856. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  14. Sundin, Josefin. The evolution of animal mating systems. Department of Animal Ecology, Evolutionary Biology Centre, Uppsala University, 2009.
  15. Dewoody, J. A.; Fletcher, D. E.; Wilkins, S. D.; Nelson, W. S.; Avise, J. C. (2000). "Genetic Monogamy and Biparental Care in an Externally Fertilizing Fish, the Largemouth Bass (Micropterus salmoides)". Proceedings: Biological Sciences. 267 (1460): 2431–2437. doi:10.1098/rspb.2000.1302. PMC 1690830. PMID 11133034. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  16. Schacht, R.; Bell, A. V. (2016). "The evolution of monogamy in response to partner scarcity". Scientific Reports. 6: 32472. doi:10.1038/srep32472. PMC 5013280. PMID 27600189. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  17. Kokko, H.; Rankin, D. J. (2006). "Lonely hearts or sex in the city? Density-dependent effects in mating systems". Philosophical Transactions of the Royal Society of London B: Biological Sciences. 361 (1466): 319–34. doi:10.1098/rstb.2005.1784. PMC 1569612. PMID 16612890. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  18. Lehtonen, J.; Parker, G. A. (2014). "Gamete competition, gamete limitation, and the evolution of the two sexes". Molecular Human Reproduction. 20 (12): 1161–8. doi:10.1093/molehr/gau068. PMID 25323972. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  19. Avise, J. C., Liu, J.-X., & Avise1, J. C. (2010). Multiple mating and its relationship to alternative modes of gestation in male-pregnant versus female-pregnant fish species. Source: Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America, 107(44), 18915–18920. https://www.jstor.org/stable/25748596 نسخة محفوظة 2019-04-24 على موقع واي باك مشين.
  20. Opie, C; Atkinson, Q.D.; Dunbar, R.I.M.; Shultz, S. (2013). "Male infanticide leads to social monogamy in primates" (PDF). Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. 110: 133328–13332. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2 يناير 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  21. Palombit, R.A. (1999). "Infanticide and the evolution of pair bonds in nonhuman primates" (PDF). Evolutionary Anthropology. 7 (4): 117–129. doi:10.1002/(SICI)1520-6505(1999)7:4<117::AID-EVAN2>3.0.CO;2-O. مؤرشف من الأصل (PDF) في 5 مارس 2018. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
  22. Dixson, A.F. (2013). "Male infanticide and primate monogamy". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. 110: E4936–E4937. مؤرشف من الأصل في 22 مارس 2019. الوسيط |CitationClass= تم تجاهله (مساعدة)
    • بوابة علم الحيوان
    This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.